جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
المثل الصعيدى يقول..
من الأقوال الطريفة التى بعث بها أحد القراء تعليقا على حادث الاعتداء الإسرائيلى على حدود سيناء واستشهاد خمسة من الجنود المصريين، أن بيان الحكومة باستدعاء السفير المصرى من تل أبيب ثم رجوعها عنه يذكره بالمثل الصعيدى.. «راحت تاخد بتار أبوها، رجعت حامل».
والمثل يبدو على شىء من الفظاظة، ولكنه يتفق مع ما نلاحظه من تردد واهتزاز فى السياسات، أتاحت لإسرائيل أن تستعيد جرأتها فى الادعاءات والأكاذيب.. وانتهاج دبلوماسية المراوغة وتعبئة الرأى العام العالمى ضد ما تدعيه من عمليات إرهابية تتعرض لها انطلاقا من قطاع غزة عبر أراضى سيناء!
وكان المفروض أن يتم تحقيق مشترك من الجانبين المصرى والإسرائيلى حول وقائع الحادث، وأن تعلن هذه النتائج معززة بالتقرير الذى أذاعته قوات حفظ السلام المتعددة الجنسيات فى سيناء وأدانت فيه إسرائيل بانتهاك الحدود المصرية. وأن ترتب مصر على ذلك النتائج المنطقية التى نجمت عن انتهاك حدودها بهذه الطريقة الفجة التى أسفرت عن مقتل المصريين الخمسة. ولكن الحاصل أن الأمور تركت للجانب الإسرائيلى وحده لكى يعلن نتائج التحقيقات على هواه. ثم يدلى إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلى بتصريحات لمجلة «الإيكونومست» البريطانية، يعلن فيها موافقته على زيادة حجم القوات المسلحة المصرية ونشر عدة آلاف من الجنود المصريين فى سيناء. بينما لا نكاد نسمع شيئا من الجانب المصرى ــ إثباتا أو نفيا ــ غير تكذيب يأتى متأخرا بما لا يتناسب مع خطورة الحدث.
فالرأى العام فى مصر يطالب بعد انتهاك الحدود المصرية على نحو ما حدث، بإعادة النظر فى معاهدة كامب ديفيد. والرد الوحيد الذى تسمعه يأتى من الجانب الإسرائيلى حول اتفاق مبدئى بين مصر وإسرائىل على تعديل معاهدة السلام. ثم يصدر نفى قاطع من مصدر مصرى مسئول بأنه لم يتم التوصل إلى أى اتفاق. ويتأكد ذلك من البيان الذى أصدره مجلس الوزراء بعد اجتماع تشاورى مع السياسيين أعلن فيه رفض التصعيد ضد إسرائىل «لأسباب ليست للنشر»!
ما معنى ذلك؟ ولماذا لم تعلن الحكومة عن أسبابها فى عدم اتخاذ خطوة حاسمة للرد على العدوان الإسرائيلى؟ ولماذا تتكرر السيناريوهات التى سبق أن عرفناها فى العهد البائد كلما انتهكت إسرائيل حقوقا مصرية؟ ولماذا لا تُلقَّن إسرائيل درسا فى احترام السيادة المصرية، بسحب السفير المصرى من تل أبيب ــ كخطوة أولى على الأقل ــ للتشاور؟ ولماذا يجب على مصر أن تتنازل عن حقها فى اعتذار مكتوب وفى تعويض عن مقتل المصريين؟
لقد ابتلعت مصر خلال الأيام العشرة الماضية منذ حادث الاعتداء فى سيناء، كثيرا من التصريحات وعبارات الأسف الإسرائيلية التى لا ترقى إلى الاعتذار المكتوب ولا تعوض عن الخسائر المادية والسياسية.. ثم إنه ليس من المعقول أن تؤخذ تصريحات باراك عن الاتفاق المبدئى بين مصر وإسرائيل على تعديل معاهدة السلام مأخذ الجد، من خلال تصريحات يطلقها جانب واحد، وفى غياب المؤسسات المصرية؟!
التفسير الوحيد لالتزام الحكومة المصرية والمجلس العسكرى جانب الصمت إزاء هذه المشكلة وترك المبادرة فى يد إسرائيل، هو الضغوط الأمريكية أغلب الظن.. فقد أبلغت واشنطن الدول العربية أنها ستوقف مساعداتها المالية للفلسطينيين بمجرد أن تتقدم حكومة فلسطين ــ مؤيدة من جامعة الدول العربية ــ بطلبها إلى الأمم المتحدة للاعتراف بها دولة مستقلة!
ومن الواضح أن مصر آثرت التريث فى اتخاذ أى خطوة فى التعامل مع إسرائيل إزاء انتهاكات سيناء. وتركت للمظاهرات أمام بيت السفير الإسرائىلى حرية الصراخ والهتاف وحرق الأعلام والتسلق إلى البلكونات.. والكل يعلم أن مصر قد تضطر إلى إعادة العلم الإسرائيلى إلى مكانه ودفع تعويضات عن الخسائر التى لحقت بمقر السفارة طبقا للقوانين الدولية.. وهذه من الأمور التى تعجز الحكومة عن شرحها للشعب، تاركة له العنان لتنفيس الغضب. ولا تطالب فى مقابل ذلك بالمشاركة فى التحقيق وطلب دفع تعويضات عن خسائرها فى الأرواح.
إن المليونيات والمظاهرات قد تكون سبيلا مشروعا للتعبير عن الغضب. ولكن تجاوز الحدود فيها قد يؤدى إلى ابتذال القضية وتضييع الحقوق. بنفس القدر الذى يؤدى فيه الصمت والتهاون إلى نفس النتيجة. وقارنوا بين موقف مصر وموقف تركيا!
المصدر: الشروق / بقلم: سلامة أحمد سلامة
ساحة النقاش