الهدفُ من الخَلْقِ وخَلْقُ التَّصْمِيم
كلنا نعلمُ أن لكلِّ صنعةٍ صانعا، وأن كلَّ صانعٍ لا يصنعُ شيئا إلا إذا كان من وراءِ صنعتِه هدفٌ، وعندما يمارسُ العملَ يُحكِمُه بمبادئ، فهل ينطبق هذا على المخلوقات الطبيعية أيضا كما هو الحال في الأعمال البشرية؟ ليكون هناك مبادئ وضعها الخالق للمخلوقات لتنشأ وفقها بلا حيود؟
كلمةُ [العبادةِ] هي التي أطلقها الله على الهدفِ من الخلقِ، فما معنى العبادة؟
إن لهذه الكلمة عدة معانٍ، أشملها مفهوما [الطاعةُ] المطلقةُ للهِ، أي بدون مراجعة، وليس معنى الطاعة المطلقة لله أن يكفَّ الإنسانُ عن البحثِ وطلبِ العلمِ، ولكن المقصود أن تبحثَ وإنْ لم تصلْ بعلمك إلى سببِ الأمرِ المطلوب تنفيذه فعليك تنفيذه دون علم بالسبب، ولا تدع اختفاء أو غموض أو ظهور السبب، أن يكون حجةً لك تعتمد عليها في عدم تنفيذ الأمر الإلهي.
قال الله -سبحانه وتعالى-:-
"وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56}" الذاريات51
ولذلك خلق اللهُ الإنسانَ وخلق مخلوقاتٍ أخرى مسخرةً له، والكلُّ خُلقَ [لعبادة] الله، ولكي تتواجد هذه المخلوقات ومنها الإنسان، فلابد من إنشاءِ مقوماتِ الحياةِ لها، وهي البيئة المناسبة لكل منها، فالإنسان يحتاج إلى مأوى يحميه ويلجأ إليه للراحة، ويحتاج إلى غذاءٍ وماء وكساء من نفسِ البيئة<!--، فصُمِّمَت البيئة محتوية على مسكنه من الأحجارِ والطوبِ المصنوعِ من الطين والخشب والحديد وكل الخامات المكونة للمساكن كما نرى، وصُمِّمَ له في البيئة أيضا مطعمُه من النبات والحيوان، فيأكل من النباتِ، ويشرب ألبان الحيوان، ويأكل من لحومها ما يشتهي ويلبس من أوبارها، وجُعِل له الماءُ للشرب ولري نباتاته وسقاية حيواناته وللتطهر.
كل هذا تصميمٌ مُسْبَق قبل إيجادِ الخلقِ في الواقعِ التنفيذي.
وسجَّل الله القديرُ هذا التصميمَ في سجلٍّ عام أيضا قبل بدء التنفيذ.
ثم وضع الله -سبحانه وتعالى- المبادئَ الحاكمةَ لكيفية التنفيذِ.
في التعبير القرآني ما قبل كلمة "ثُمَّ" هو خلق التصميم وما بعدها هو خلق التنفيذ كما يلي في سورة البقرة:-
"هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ۚ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{29}" البقرة2
وفي الكتاب المقدس في العهد القديم سفر التكوين الإصحاح الأول:-
مثال الآيات من 9 : 13 "(9)وقَالَ اللهُ لِتَجْتَمِعِ الْمِيَاهُ تَحْتَ السَّمَاءِ إِلَى مَكَانٍ وَاحِدٍ وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ، وكَانَ كَذَلِكَ (10)وَدَعَا اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا، وَمُجْتَمَعَُ الْمِيَاهِ دَعَاهُ بِحَارًا، وَرَأَى اللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ (11)وَقَالَ اللهُ لِتُنْبِتِ الْأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بـَِـزْرًا وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ ثَمَرًا كَجِنْسِهِ بـَِـزْرُهُ فِيهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَكَانَ كَذَلِكَ (12)فـَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بــــَِـزْرًا كَجِنْسِهِ وَشَجَرًا يَعْمَلُ ثَمَرًا بـــَِـزْرُهُ فِيهِ كَجِنْسِهِ، وَرَأَى اللهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَسَنٌ (13)وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا ثَالِثًا".
نلاحظ أولا: أن التعبير "وقَالَ اللهُ" يأتي بعده خلق التصميم، حيث يأتي خلق التنفيذ بعد التعبير "وكَانَ كَذَلِكَ" أو بعد الفاء مثل "فـَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلًا يُبْزِرُ بــَِـزْرًا كَجِنْسِهِ..".
والملاحظة الثانية: أن الخلق سواء كان تصميما أو تنفيذا هو خلق مرحلي ويتضح ذلك من التعبير المتكرر "وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا..".
وفي خلق التنفيذ جاء: "أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ [السَّمَاءُ]<!-- ۚ بَنَاهَا{27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا{28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا{29} وَ[الْأَرْضَ]<!-- بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا{30}" النازعات79
ويبدو في هذه الآيات أن آخر المراحل العملية، مرحلة تشكيل الأرض، وقد سبقها خلق السماء عمليًّا، وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد.
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
<!-- "إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ{118} وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ{119}" طه20
<!-- الكون بكل ما فيه من شموس وأراضٍ وأقمار، وبكل مراحل تشكيله.
<!-- كل كوكب قابل للسكنى من قبل أي كائن حي، انظر التعريفات الاشتراطية لتعبيرات القرآن الكريم.