تندرج مرحلة العلم Science, ضمن التطور التاريخي للمنهج, ويراد "بالعلم" المعرفة النظامية المنسقة, المبنية على الملاحظة والاختبار، وهوما يعرف بالعلم التجريبي في مقابل العلم بمعناه العام, القائم على أصل المعرفة أو العقل, وتقتصر عناية العلم التجريبي على دراسة العناصر التي تتألف منها الأشياء وظواهرها, على اختلاف أنماطها العلمية, وقد مهد لولوج مرحلة العلم, في اعتماد العلم التجريبي ومنهجه, بدلاً من اعتماد المنهج العقلي, حلول عصر الفلسفة الحديثة  Philosophy modern.

في هذا العصر, ظهر "الفلاسفةُ التجريبيون", الذين قالوا بأن أصل المعرفة, التجربة لا العقل, وفي طليعتهم "جون لوك ودايفيد هيوم", وفي القرن السادس عشر، ومع العالم "غاليلو"[3] على وجه التحديد, بدأ عصر العلم التجريبي Experimental Science, ومنذ ذلك الحين طبّق الإنسان طرائق المنهج العلمي "التجريبي" Scientific method في البحث.

تقضي الطريقة العلمية الحديثة, التي يعبر عنها علم المناهج, بالمنهج العلمي التجريبي في البحث

 Scien. method Experimental, بدراسة الوقائع المشاهدة والظواهر المرصودة ميدانياً أو مخبرياً، بما يعرف بتحديد المعضلة, state of problem, ثم تفسير هذه الوقائع أو الظواهر بفرضية, بما يعرف بصياغة الفرضية of Hypothesis Formulate التي تتخذ منطلقاً لمزيد من البحث.

فإذا أريد الاختبار المكثف لهذه الفرضية, على نحو يخلو من جميع الثغرات الهامة, أصبحت الفرضية نظرية theory, حتى إذا قام الدليل القطعي على صحة النظرية, بحيث يتعذر وضع أية نظرية أخرى قادرة على تعليل نفس المعطيات, أصبحت النظرية قانوناً Law, ولكنها تبقى مع ذلك مجرد تعميم لبيّنة تجريبية، لا تقريراً لحقيقة ثابتة "سرمدية", وكان هذا هو النضج الفكري الذي تبلور في جوّه وبوضوح المنهج التجريبي.

ويتاكيد هذا المسلك البحثي العلمي وفق المنهج التجريبي, الذي بات ملازماً لجميع الفتوح العلمية ومباني العلوم المختلفة, وخاصة في تأسيس قواعدها وأصولها وقوانينها, وطرائق تداولها وتطور وسائلها, إذ يذكر الفيلسوف كلود برنار "إن الطب العلمي لا يمكن أن يتأسس، مثله مثل العلوم الأخرى، إلا عن طريق التجربة، أي بالتطبيق الآني والصارم للإستدلال المنطقي raisonnement, على المعطيات التي تمدّ بها الملاحظة والتجربة.

إن المنهاج التجريبي منظوراً إليه في ذاته, ليس شيئاً آخر غير الاستدلال الذي به تخضع الأفكار، وبصفة منهجية، لتجربة الظواهر[4], فهو يمثل منهجاً استقرائياً، حيث يبدأ بدراسة الجزئيات, ليصل منها استقراءاً إلى كليات أو قوانين عامة، في الاعتماد على التحقق بالملاحظة المنظمة, الخاضعة للتجريب والتحكم في المتغيرات المختلفة.

 

طرائق المنهج العلمي التجريبي*

النتيجة المراد تثبيتها من قبل التجريبيين, هي أن المعارف العلمية أو الأخلاقية التي يحملها الإنسان, إنما هي من التجربة, وذلك لأن نشاط العقل بأتمه ينطلق من العالم الخارجي, فضلاً عن حياة الناس ومشاكلها, فالأمر الذي آل إليه المذهب التجريبي هو أن التجربة أولاً, ثم العقل ثانياً, وهكذا تتأكد مسلمات المذهب التجريبي في القول أن العقل لا يستطيع أن يبتدع بفطر المعاني والتصورات, وليست له القدرة على خلع صفة الصدق على ما يبتدعه من معرفة, وإن العلم في كل صوره يرتد إلي التجربة.

وقوانين الإستقراء التي وضعها "جون ستيوارت مل" في كتابه "مذهب المنطق", لضبط عمليات البحث التجريبي لتؤدي إلى نتائج سليمة ومعرفة علمية صحيحة، تستخدم في الخطوة الأخيرة من السياق التجريبي العلمي, وهي مرحلة النتيجة, والتي يسبقها تحديد المشكلة موضوع البحث, وصياغة الفرضية، وهي مقولة مؤقتة عن صلة بين حادثتين أو أكثر، أو متحولين أو أكثر, وإجراء الملاحظة أو التجربة, ومن ثم يجري وضع "النتيجة" وفق مجموعة من طرائق المنهج التجريبي, التي يعبر عنها "مل" بكتابه بطرق الإستقراء.

أول الطرائق منهج الاتفاق Method of agreement, الذي ينظر في مجموع الأحوال المولّدة لظاهرةٍ ما لدراسة أسبابها, فإذا وجد أن هناك عاملاً واحداً يظل موجوداً باستمرار, على الرغم من تغيّر بقية العناصر أو المقومات، فيعد هذا الثابت الواحد هو علّة حدوث هذه الظاهرة.

ومنهج الافتراق Method of difference, وهو منهج مضاد في الصورة، لمنهج الاتفاق, لكنه مؤيد له في النتيجة، بما يسمى بالبرهان العكسي, فإذا اتفقت مجموعتان من الأحداث من جميع الوجوه إلاّ وجهاً واحداً، وتغيّرت النتيجة من مجرد اختلال هذا الوجه الواحد، فإن ثمة صلة عليّة "أو سببية" بين هذا الوجه وبين الظاهرة الناتجة, يعد الصلة بين العلّة والمعلول.          

ومنهج التغيرات المساوقة Method of concomitant variations, فلو حصلت سلسلتان من الظواهر فيها مقدمات ونتائج، وكان التغير في المقدمات في كلتي السلسلتين من الظواهر, ينتج تغيراً في النتائج في كلتي السلسلتين كذلك، وبنسبة معينة، فلابد أن تكون ثمة صلة عليّة بين  المقدمات وبين النتائج, أي بين العلّة والمعلول.    

المنهج المشترك للاتفاق والافتراق The joint Method of agreement and difference

فإذا كان شاهدان أو أكثر من الشواهد التي تتجلى فيها الظاهرة تشترك في ظرف واحد، بينما شاهدان أو أكثر من الشواهد التي لا تتجلى فيها الظاهرة, ليس فيها شيء مشترك غير الخلو من هذا الظرف، فإن هذا الظرف الذي فيه وحده تختلف مجموعتا الشواهد, هو المعلول أو العلّة أو جزء لا غنى عنه من الظاهرة.      

ويطلق على هذه الطريقة أو المقاربة في البحث, بالتركيبية "الاستقرائية", كونها تتجه وفق تسلسل علمي لتركيب نتيجة نهائية, استناداً الى حالات انفرادية ملاحظة, والاستقراء نوعان, الأول مبني على أساس المشاهدة الجزئية المتيسرة في مسار البحث, لجزء وعينة بحثية من المفردات المشمولة بمجتمع البحث, ويسمى بالاستقراء الناقص, بينما يكون "الاستقراء التام", مبنياً على أساس المشاهدة التامة لجميع مفردات الظاهرة, وتكامل البيانات والمعلومات عن جميع الوحدات البحثية, وهو ما سيجري مناقشته في مبحث المنهج الإمبريقي.


  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 98 مشاهدة
نشرت فى 14 ديسمبر 2011 بواسطة PROFDR370110

عدد زيارات الموقع

19,990