تحدثت في مقال سابق عن أسباب عدم تحقيق مجتمعات ومؤسسات عامة التقدم المنشود، وأوعزت ذلك إلى سبب رئيسي وهو الثقافة العامة السلبية من عدم صفاء النوايا ومحاولة تصيد الأخطاء وعدم الاحترام المتبادل وعدم تقدير الكفاءات. 
 
   ويتحدث هذا المقال عن سبب رئيسي آخر وهو  عقدة الخواجة في تقليد الأجانب في كل شيئ سواء أكان صالحا أو غير صالح للمجتمع أو المؤسسة المراد تقدمها، وكذلك تظهر هذه العقدة في الاستعانة بالأجانب والعزوف عن  الكفاءات المحلية، وكذلك أصبح لدى أفراد هذه المجتمعات عقدة الخواجة في التقليد الأعمى والولع بالمستورد وبشراء المنتجات المستوردة، وهذه العقدة تتطلب تحليلا لجذورها وأسبابها ونتائجها.
     فلقد شهدت بلدان أوروبا الغربية خلال القرن الثامن عشر نهضة علمية شاملة؛ فتنوعت الأبحاث والتجارب لتشمل مختلف فروع العلم، ولتؤدي إلى اختراعات واكتشافات مهمة كانت السبب المباشر في قيام الثورة الصناعية خلال القرن التاسع عشر. وهي ثورة كان لها الأثر البالغ على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية سواء أفي أوروبا أم خارجها.
   واحتدم التنافس بين الدول الصناعية للسيطرة على مصادر المواد الخام والأسواق الخارجية؛ مما نتج عنه تفاقم الاستعمار وانقسام العالم إلى جزأين؛ جزء مهيمن تمثله البلدان الصناعية وجزء مستغل تمثله بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
أما بالنسبة إلى الجانب الثقافي فقد رافقت الثورة الصناعية نهضة ثقافية كبيرة كان من ثمارها الإيمان بقدرة العقل البشري وبأهمية العلم والتقدم، وقد نشطت الحياة الثقافية عبر مراكزها التي انتشرت في كل مكان من أوروبا. وأثرت الحضارة الغربية على حياة الفرد الذي أخذ ينهل مما توفر له من أسباب التعلم والثقافة؛ فأسهم ذلك في رفع مستوى الوعي.
   وبينما استفادت الولايات المتحدة الأمريكية من المنجزات الأوروبية لتطوير اقتصادها واستغلال مواردها حتى تمكنت من السيطرة على القارة الأمريكية بعد أن تقلص الدور الأوروبي فيها، واستوعبت اليابان من جانبها منجزات الغرب العلمية محققة بذلك ثورتها الصناعية؛ نجد أن العرب عملوا على تقليد التجربة الغربية واستيرادها ونقلها، ومع ذلك لم يحدثوا التقدم المنشود؛ وذلك لأسباب:
أولها: عدم العمل على أخذ المبادئ والأسرار وراء تقدم تجربة أوروبا الغربية.
ثانيها: عدم مراعاة الخصوصيات المحلية في العالم العربي أثناء العمل على نقل التجارب الغربية؛ والذي يدفع نحو إضفاء الطابع المحلي على التجارب الغربية المنقولة.
ثالثها: الجهود الغربية الحثيثة نحو العمل على تكريس تبعية العالم العربي للغرب سواء أمن خلال استعمار عسكري أم اقتصادي أو ثقافي عن طريق الغزو الفكري الغربي للثقافة العربية.
رابعا: الإعجاب العربي الشديد بالغرب الذي وصل إلى حالة التقديس.
   وكان من نتائج هذه العوامل السابقة أن نشأت عقدة الخواجة لدى العرب؛ حيث أصبح الخواجة خبيرا مهما كانت درجته العلمية؛ وتراجعت الاستفادة من الكفاءات والخبرات العربية المخلصة المتميزة ومن أبحاثهم؛ مما أدى إلى هجرتهم إلى المجتمعات المتقدمة؛ حيث يتم الاستفادة منهم في هذه المجتمعات لتزداد هذه المجتمعات تقدما، بينما يتزايد تراجع الدول غير المتقدمة،  كما أصبح هناك اتجاه لنقل تجارب المجتمعات والمؤسسات المتقدمة، دون الأخذ في الحسبان الاعتبارات المحلية والبيئية للمجتمعات والمؤسسات غير المتقدمة؛ مما ترتب عليه عدم نجاح العديد من التجارب التي تم نقلها إلى هذه المجتمعات وتلك المؤسسات، وكذلك أصبح هناك عزوف عن المنتجات المحلية، وأصبح هناك نهم نحو شراء المنتجات المستوردة؛ ومن ثم كانت المحصلة  عدم استطاعة  هذه المجتمعات والمؤسسات تحقيق التقدم المنشود، وتكريس التفوق الغربي وتبعية العرب للغرب.   

 

 

المصدر: 1- أ.د جودة عبد الخالق، الاقتصاد الدولي من الهامش إلى المركز ، الطبعة السادسة ، عام 2006. 2- د/ أحمد السيد الدقن، دور الإدارة الحكومية في اقتصاد السوق، عام 2012.
PLAdminist

موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم - يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 494 مشاهدة
نشرت فى 2 مارس 2016 بواسطة PLAdminist

عدد زيارات الموقع

810,817

ابحث