على الرغم من التطور الهيكلي للإدارة المحلية السعودية عبر إنشاء مجالس المناطق والمجالس المحلية والبلدية وخوض غمار تجربة الانتخابات البلدية، إلا إنها ما زالت تعاني قصورا وظيفيا وعجزا كبيرا في أداء أدوار تنموية وضعفا في مواجهة التحديات والمشكلات المحلية. وسيطرة النهج الإداري المركزي والاعتماد الكبير على البيروقراطيات في صناعة القرار العام يقفان حائلا دون رؤية أهمية الإدارة المحلية في الضبط الاجتماعي وتنمية المجتمعات المحلية. لذا نجد أن الحديث عن الإدارة المحلية يُختزل في تنفيذ القرارات المركزية وفي أضيق حدوده. هذا الوضع أدى إلى تقديم خدمات ليست بالضرورة تلبي احتياجات المجتمعات المحلية وغير متوافقة مع أولوياتها، وهو أمر يدعو للسخرية على حد قول الأمير خالد الفيصل أحد أبرز قيادات الإدارة المحلية. كيف يصح أن نطالب أمراء المناطق والمحافظين ورؤساء البلديات بتطوير مناطقهم ومحافظاتهم وبلدياتهم دون منحهم الصلاحيات التي تتناسب مع مسؤولياتهم المتعاظمة؟ كيف لنا أن نتوقع أن تكون هناك تنمية متوازنة ومستدامة دون صناعة قرار محلي؟ كيف لأمراء المناطق التصدي للمشكلات والتحديات المحلية ورفع القدرة الاقتصادية لمناطقهم ومجالس المناطق لا تتمتع بالاستقلال الإداري والمالي؟ كيف للتنظيمات البيروقراطية المعقدة والإجراءات الورقية المطولة والمركزية الشديدة غير المبررة مواجهة المتغيرات والمستجدات المتسارعة؟ هذه التساؤلات مشروعة في ظل تنامي وتيرة الإصلاح والتوجه نحو تطوير المجتمع السعودي والبحث عن حلول وأوضاع أفضل تجنبنا الوقوع في أزمات لم نتحسب لها.
إن الاستمرار في احتكار سلطة التقرير للمشاريع والخدمات المحلية في الوزارات المركزية يعني سلب مجالس المناطق أحد أهم مقوماتها واختصاصاتها، فأهل المناطق وأمراؤهم أدرى باحتياجاتهم لأنهم الأقرب ولأنهم المعنيون بأمورهم وأحوالهم. إنه ضد منطق الأمور أن يتولى تقرير المشاريع والخدمات المحلية من هم خارجها وبعيدون عنها ولا تمثل بالنسبة إليهم أولوية. فالأجهزة المركزية معنية بالقضايا والتحديات التي تواجه الوطن بأكمله ومنوط بها رسم السياسات والاستراتيجيات التي تؤطر للعمل الوطني بجميع مستوياته بما في ذلك العمل المحلي. لكن هذا لا يعني بكل تأكيد تدخل الأجهزة المركزية في الشأن المحلي والغرق في تفاصيله الدقيقة، فهو أمر يفترض أن يترك للمجالس المسؤولة عن رعاية مصالح المجتمعات المحلية داخل حدودها المكانية. فما يهم منطقة بعينها أمر خاص بها لا يعني باقي المناطق، وإذا ما علمنا أن هناك تفاوتا بين المناطق في مكوناتها الجغرافية والثقافية والاقتصادية فهذا يعني تفاوتا في متطلباتها وتطلعاتها، ما يحتم ضرورة صناعة القرار المحلي محليا ليكون حسب أولوية المجتمع المحلي. لا يمكن تصور أن تكون المشاريع والخدمات نوعا وكما تناسب جميع المناطق، وأن هناك مقاسا واحدا يناسب الجميع. وسيكون من الخطأ الاستمرار في ذلك الافتراض لأنه يقلل من كفاءة استخدام الموارد والاستجابة لاحتياجات المجتمعات المحلية المتفاوتة.
إن هناك حاجة ملحة وضرورية إلى أخذ زمام المبادرة في انتشال الإدارة المحلية وتطويرها لتكون أكثر استجابة لمتطلبات المجتمعات المحلية وأكثر قدرة على وأد المشكلات في مهدها قبل أن تستفحل وتتحول من مشكلة محلية صغيرة إلى طود كبير تتطلب تدخل الأجهزة المركزية وموارد وجهودا كبيرة. إن الكثير من المشكلات والتحديات مثل البطالة والفقر والإجرام والإرهاب وغيرها هي في الأساس مشكلات محلية خرجت من رحم الأحياء السكنية، إلا أنه لم يكن باستطاعة الهيئات المحلية التصدي لها لأنها من مسؤولية الأجهزة المركزية وخارج حدود صلاحياتها. وما يزيد من تفاقم المشكلات هو أن المعالجات المركزية تكون على أساس قطاعي مجزأ وليست حلولا شمولية تناسب تلك القضايا المحلية التي تتصف بالتشابك والتداخل ودرجة كبيرة من التعقيد. وهكذا يستمر الحال في إطفاء الحرائق هنا وهناك على مرأى ومسمع مجالس المناطق والمجالس المحلية والبلدية من غير حول منها ولا قوة مع أن باستطاعتها منع حدوثها والوقاية منها ابتداء. إن مجالس المناطق والمجالس المحلية الأخرى أشبه ما تكون بالمركبة الجديدة، لكن بخزان وقود فاض، هل يكفي أن تكون المركبة جديدة لتسير؟! وهذا هو حال مجالس المناطق التي لا تملك الصلاحيات الإدارية والمالية لتسيير التنمية وإدارة المجتمع المحلي.
المقترح أن يمنح أمراء المناطق صلاحيات واسعة والاعتراف بالدور الكبير والمسؤوليات العظيمة لمجالس المناطق وربطها بالملك مباشرة. ولتأطير هذه العلاقة مؤسسيا يصار إلى إنشاء مجلس أعلى للإدارة المحلية يترأسه الملك - حفظه الله - وعضوية أمراء المناطق. هذا هو السبيل للنفاذ من مأزق بطء جهود التنمية وركود البيروقراطية والعجز الإداري وسوء توزيع الدخل وتفاوت مستويات التنمية بين المناطق التي طالما حذر منها الملك عبد الله في أكثر من مناسبة، ويسعى إلى إعادة التوازن التنموي وتحسين كفاءة تقديم الخدمات ورفع مستوى معيشة المواطن. إن الإدارة المحلية تستحق الالتفات إليها وتخصيص أحد الحوارات الوطنية التي يعقدها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، إضافة إلى مناقشتها تحت قبة مجلس الشورى مناقشة تحليلية شمولية وعميقة وليس بالتركيزعلى التنظيمات الحالية ومحاولة تطويرها. وهذا يتطلب استصدار نظام للإدارة المحلية يشمل جميع الهيئات المحلية ويوحد مرجعيتها ويحدد صلاحياتها ويمنحها الاستقلال الإداري والمالي ويقنن للعلاقة بين الهيئات المحلية من جهة والمركزية من جهة أخرى بتسلسل هرمي يضمن توزيع الأدوار والمسؤوليات بما يتناسب مع مدى التأثير وحدوده المكانية. إن أفضل طريقة لإحداث طفرة تنموية حقيقية تعزز الاقتصاد الوطني والمكانة التنافسية، هي الربط بين المسؤول الأول في الدولة وأمراء المناطق لتحقق رؤى القيادة السياسية على أرض الواقع بكفاءة وفاعلية. ومشروع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية الحلم الذي لم يكن ليتحقق لولا توفيق الله ومتابعة شخصية من الملك عبد الله - حفظه الله. إن الظروف المتسارعة تستوجب المبادرة في احتوائها وتطويعها لمصلحة المجتمع لتكون طاقة إيجابية تدفع بسفينة الوطن إلى شاطئ الأمان، وهذا لا يتأتى إلا من خلال بناء القدرات المحلية بتمكينها من صناعة القرارات التي تعنيها وتحقق التنمية الاقتصادية المحلية التي هي جذور التنمية الوطنية.

المصدر: د.عدنان بن عبد الله الشيحة
PLAdminist

موقع الإدارة العامة والمحلية- علم الإدارة العامة بوابة للتنمية والتقدم - يجب الإشارة إلى الموقع والكاتب عند الاقتباس

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 731 مشاهدة
نشرت فى 5 يونيو 2012 بواسطة PLAdminist

عدد زيارات الموقع

748,512

ابحث