بسم الله الرحمن الرحيم
كتـابة رســالة بالدمـوع !!
تلك الأنامل الغضة خطت ورسمت .. فتدفق سيل من الحروف المشاكسة .. تلك الحروف التي تجرأت بالمخاطرة والمجازفة .. وقد أذعنت الأنامل بالطاعة فهي مأمورة من ذلك القلب الجريح .. وقد تعودت أن ترسم كل خفقات المشاعر والأحاسيس .. وبأوامر من ذلك القلب رسمت دوائر مفتوحة غير مكتملة الاستدارة .. مبتورة تفقد العناق في ديمومتها .. وتلك إشارة بأن الشرخ قد لحق بقدسية الإخلاص .. والسجال بتلك الحروف يعني إما الوصال وإما الفصال .. تدفقت الكلمات عارمة صارمة .. غير عابئة بردود الأفعال .. وفي البداية كانت الطاعة العمياء من ذلك اليراع الذي كان يجاري الأوامر سلسلاَ وعجباَ .. إلا أنه تمرد حين توقف فجأة وأبى أن يواكب المجريات .. وهو لا يريد أن يجاري لحظات الآهات والأنات .. ولا يستطيع أن يرسم تدفقات الحمم من أعماق جوف يتألم .. فأمسك عن العطاء .. وتلك محنة جماد يخشى بوائق الخصام والعداء .. فاجتهدت صاحبة القلب الجريح حين قبلت طرف اليراع تبلله بريقها العطر .. ولكن لم ينصاع القلم رغم تلك القبلة المبذولة بغير ثمن .. وعندها غمست سنة اليراع في نقطة دمعة سقطت من خدها .. ذلك الخد النضير .. فتألم القلم وتأثر ثم بكى من فرط الألم .. وأنصاع متدفقاَ ليرسم فوق الصفحة البيضاء تلك النوازل من الأنات والبكاء .. فانهمرت المشاعر وتلاحقت الآيات متسارعة بغير تمهل أو تركيز .. وكأنها تخشى أن يتمرد القلم من جديد .. صبراَ يا هـذه !! .. تمهلي قليلاَ وخذي أنفاسك .. فإن العبارات قد طمست معالمها بدرر من الدموع .. وتلك الحروف قد خرجت عن مسارها حين اضطربت الأنامل في لحظات الشجن والشجون .. والكلمات خالية من التركيز.. كما أن الحروف خالية من التنقيط .. ونعلم يقيناَ بأن القلب يريد أن يقول .. ويريد أن يجتاز ذلك البحر من الهموم .. ولكن رويداَ فإن الصفحة البيضاء قد أزعجها الأنين .. كما أنها قد انهارت حين تساقطت عليها أمطار الدموع .. وأصبحت هالكة لا تحتمل المزيد والمزيد من نوازل الهموم والغموم .. ثم مرة أخرى أشتكى ذلك اليراع .. وأفاد بأنه لا يتحمل الإسراع .. وهو مثل طفل الروضة لا يجيد الألفاظ إلا بالتأني والصبر والتلقين .. كما أن تلك الأنامل قد كلت وملت من كثرة التكرار والعودة في المسار والمشوار .. ثم كانت الطامة الكبرى حين مزقت تلك الصفحات لتبدأ المشوار من جديد !.. وقد ضاعت ثمار البذل والجهد والأنات والآهات في لحظة يأس وقنوط .. فما توقفت وما استكانت ولكنها واصلت مشوارها من جديد .. فيا لها من معركة لا تعرف النهايات .. ويا لها من جولات تنذر بالمزيد والمزيد من الويلات !! .. وتلك السلة قد امتلأت بأوراق تشتكي الرفض والطرد والنبذ والتنكيل .. كما تشتكي من قسوة الخنق والتمزيق .. والكل في ساحة البكاء بدأ يمل وبدأ يتحاجج من ذلك التطويل .. اليراع والمداد والصفحات والأنامل .. كما أن تلك الحروف قد كلت وملت من كثرة التأليف .. ومع ذلك لم تستمع لنصيحة الناصحين .. ولم تراعي حجة المتحاجين .. بل واصلت مشوارها في عالم الأنات والآهات وهي حائرة .. لا تعرف الإرسال ولا تعرف الإمساك .. فهي لو توقفت عن الحروف وأمسكت فإنها تكتم الآهات في جوفها وتحترق .. ولو تمادت في دروب الحرف فإنها تجلب الشقاق لذات البين ثم تحفر القبر بيدها وتنتحر !! .
ـــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيســى محمد أحمـد
ساحة النقاش