أحب العمل إلى الله الجهاد في سبيل الله
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله عزَّ وجلّ؟ قال: "الصلاة على وقتها". قال: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين". قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".
الجهاد في سبيل الله: قال الله تعالى: ( إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ )
أصل الشراء بين الخلق أن يعوَّضوا عما خرج من أيديهم ما كان أنفع لهم أو مثل ما خرج عنهم في النفع؛ فاشترى الله سبحانه من العباد إتلاف أنفسهم وأموالهم في طاعته، وإهاكها في مرضاته، وأعطاهم سبحانه الجنة عوضًا عنها إذا فعلوا ذلك، وهو عوض عظيم لا يدانيه المعوَّض ولا يقاس به، فأجرى ذلك على مجاز ما يتعارفونه في البيع والشراء، فمن العبد تسليم النفس والمال، ومن الله الثواب والنوال فسمي هذا شراء.
قوله تعالى: ( يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) الآية، بيان لما يقاتل له وعليه.. ولا أحد أوفى بعهده من الله. فأظهروا السرور ببعيكم الذي بايعتم به، والبشارة إظهار السرور في البشرة، وذلك هو الفوز العظيم وهو الظفر بالجنة والخلود فيها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها". الغدوة المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه، والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها، وذلك للجهاد في سبيل الله.. والمراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله.. والحاصل أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد، وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أمر أعظم من جميع ما في الدنيا فكيف بمن حصل منها أعلى الدرجات، والنكتة في ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا فنبه هذا المتأخر أن هذا القدر اليسير من الجنة أفضل من جميع الدنيا...
وقد قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ )
( مَا لَكُمْ ) (ما) حرف استفهام معناه التقرير والتوبيخ، التقدير: أي شيء يمنعكم عن كذا... ( اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ) أصله تثاقلتم، قال المفسرون: معناه اثاقلتم إلى نعيم الأرض، أو الإقامة في الأرض. وهو توبيخ على ترك الجهاد وعتاب على التقاعد عن المبادرة إلى الخروج، وهو نحو من أخلد إلى الأرض...
( أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ ) أرضيتم بنعيم الدنيا بدلًا من نعيم الآخرة.. عاتبهم الله على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة في الآخرة، إذ لا تنال راحة الآخرة إلا بنصب الدنيا..
وقال تعالى: ( إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) وهذا تهديد شديد ووعيد مؤكد في ترك النفير.. ووجب بمقتضى هذه الآية النفير للجهاد والخروج إلى الكفار لمقاتلتهم على أن تكون كلمة الله هي العليا.. وإلا فالعذاب الأليم هو في الدنيا باستيلاء العدو وبالنار في الآخرة.. ( وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ) توعَّد بأن يبدل قومًا لا يقعدون عن الجهاد عند الاستنفار. كما قال تعالى: ( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) وقد قيل: إن المراد بهذه الآية وجوب النفير عند الحاجة وظهور الكفرة واشتداد شوكتهم.. وقيل: إن الإمام إذا عيَّن قومًا وندبهم إلى الجهاد لم يكن لهم أن يتثاقلوا عند التعيين، ويصير بتعيينه فرضًا عن من عيَّنه لا لمكان الجهاد ولكن لطاعة الإمام. والله أعلم.
---------------------------------------------
ما يحبه الله ويرضاه