الديدحان بين وصف الشعر وشرح المفسرين تشوف فيها الديدحان متولى مثل الرعاف بخصر مدقوق الالعاس
يعتبر الديدحان من النباتات الصحراوية الجميلة بأزهارها التي تزدان بها الأرض في وقت الربيع تغنى بها الشعراء في اشعارهم وصوروا على لونها الجذاب ما يرونه حولهم من المشابهات فهذه النبتة المزهرة ليست كسائر النبات بل هي في عالم الصحراء لافتة للانظار مثيرة للاعجاب ولعل اشهر الابيات التي ورد فيها ذكر الديدحان
قول الأمير محمد الأحمد السديري في وصف الربيع:
تشوف فيها الديدحان متوالى
مثل الرعاف بخصر مدقوق الالعاس
ينثر على البيدا سواة الزوالي
ويشرق حماره شرقة الصبغ بالكاس
فالسديري شبه الديدحان بالرعاف والرعاف كما هو معروف خرز أحمر بل انه صرح بلونه في البيت الثاني في عبارة (يشرق حماره).
والعجيب انه في آخر كتاب السديري (أبطال من الصحراء) حيث تم ايضاح معاني بعض الكلمات ومنها الديدحان فقيل انه نبت زهره اصفر (ص 310ط مكتبة المعارف 1401ه) وربما ان ذلك اجتهاد من الناشر. حيث ورد بيت لشالح بن هدلان ص173:
شلفاً معودها لجدع المشاهير
يوم السبايا كنها الديدحاني
والسبايا هي الخيل فالشاعر هنا يشبه الخيل بالديدحان ولكن ماهو وجه الشبه اذا سلمنا ان الديدحان نبات زهره اصفر كما جاء في آخر الكتاب؟!! مع العلم ان الصفراء من الخيل هي ذات اللون الابيض.
ونجد الدكتور عبدالله العثيمين يفسر الديدحان في تحقيقه لكتاب (نبذة تاريخية عن نجد) لضاري الرشيد على هذا النحو عن تعليقه على قول عبيد الرشيد:
فان كان هم عنا بالانشاد محفين
من الرأس ما نحتاج رد الرسايل
نايت مع اول سربة (وقم) الالفين
كن الشهر به ديدحان المسايل
حيث ذكر في شرح البيت الثاني:
الشهر: رؤوس الرماح - الديدحان: نبت أصفر الزهر. ويبدو انه تابع وديع البستاني الذي ذكر ان الديدحان: نبت نوره أصفر
2.والحقيقة انه رغم وضوح بيتي السديري وتصريحهما بلون هذا النبات وهو اللون الاحمر الا اني رأيت انه من الافضل توضيح الصورة حول هذا النبات الصحراوي الجميل فسألت عدداً من كبار السن فذكروا انه ليس من نبات المنطقة الوسطى وانما اكثر ما ينمو في شمال المملكة في حين ان كثيرا منهم لم يروه في حياتهم؛ فيما اكد لي عدد من الأخوة في مناطق الشمال انه ذو لون أحمر؛ وأما الأستاذ عبدالرحمن السويداء فقد ذكر في كتابه (نجد في الامس القريب) ان الديدحان او الديدحانة عروس المسائل شجيرة ذات اوراق عريضة وازهار كبيرة حمراء قد يصل قطر الزهرة 20سم وبنهاية اوراقها وازهارها شوك وترتفع عن الارض من 10- 50سم وتراها من بعيد بارزة بأزهارها الحمراء الغامقة رائحتها مقبولة ولا تأكلها المواشي، غير ان منظرها من بين هذه الاعشاب رائع جداً وتنبت في المسائل والشعاب والشفايا وقد شبه الشاعر مطيته
بها حيث يقول عبدالله القضاعي:
ياراكب حمراء براسه صعاله
هي منورة الطارش ليا صنقر اللال
حمراء ولا لمس الحوير مشاله
ولا لقطه لمقطب الحبل جمال
كالديدحانة يوم تنظر دلاله
لايشاف وصفه مولع الهج يهتال
3فيتأكد لنا من خلال كلام الأستاذ السويداء والابيات السابقة بما لا يدع مجالاً للشك ان الديدحان يتميز بزهره الأحمر ولذا نجد الشاعر يشبه الذلول الحمراء بالديدحانة.
وقد افادنا الدكتور عبدالعزيز أبوزنادة الامين العام للهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وانمائها مشكوراً بمعلومات موثقة ومصورة عن الديدحان حيث ذكر ان لهذا النبات عدداً من الاسماء المحلية والشائعة والاقليمية منها: (المغزرة) - (البختري) - (الحسار) والاسم العلمي هو (roemeria hybrida) ويتبع الفصيلة الخشخاشية. ومن معلومات الهيئة ايضاً انه ينبت في اواخر الشتاء ولا ينبت الا في السنوات غزيرة المطر ومنابتها الفياض واطراف الريضان وتتشابه مع شقائق النعمان في حمرة زهرها.
ونعود الى ما قاله عبيد الرشيد:
ناتي مع اول سربة (وقم) الالفين
كن الشهر به ديدحان المسايل
ولكي يستقيم تفسير البيت لابد لنا ان نشير الى معنى (الشهر) فالشهر المقصودة هنا ليس رؤوس الرماح كما ذكر الدكتور العثيمين وإنما جمع شهرة: وهي ما يتخذه شجعان الفرسان من علامات واضحة يتميزون بها بعين الفرسان لإبراز مكانتهم بين الفرسان يعرفهم بها اعداؤهم وهي نوعان:
1- شهرة: جوخة حمراء او صفراء يلبسها الفارس اثناء مواجهته المعركة ضافية اردانها على قطاة فرسه. (وهي المقصودة هنا).
2- لفافة من ريش النعام تثبت في زرجة الرمح..
وقال حمود الناصر البدر:
ربعي لهم بالموجبات اصطبارا
كان المحاقب طابقين بطن الازوار
فيه الشهر بين الحمر والصفارا
يشدن زهر نوار مرجوع الاقفار
4ويتشابه معنى بيت عبيد الرشيد مع بيت فراج التويجر حيث قال:
جانا ولد سالم بعيد المناطيس
بنمرا يشادي الديدحاني شهرها
وأما بيت شالح بن هدلان السابق فيظهر فيه ان لون الخيل التي في ميدان المعركة هو اللون الاحمر المشابه للون الديدحان.
ومن الابيات التي ذكر فيها الديدحان قول مليح الغضوري:
من فوقهم من صنع داود تفصيل
يشدا نوار الديدحاني زهابه
5وهو يشبه (الدروع) المنسوجة بزهر الديدحان.
وهناك أبيات أخرى تؤكد حضور الديدحان في ذاكرة الشاعر الشعبي مثل قول الشاعر:
خرس العيون وديدحان على الجيد
وغر وشفايا مثل سلك الحريري
وقال الآخر:
الصاحب اللي كن عينه غديري
ولا كن فاللبة زهر ديدحاني
وقال الآخر:
لا جعلن تجليع جول الغرانيق
يمسن دار نبته الديدحاني
وأخيراً فإن ما دعاني الى هذا التوضيح هو انه يرد في كثير من المصادر اخطاء متعددة في تفسير معاني بعض الكلمات العامية يتبعها اخطاء في شرح بعض ابيات الشعر النبطي مما يؤدي الى الالتباس لدى القاريء الكريم وخاصة ممن ليس لديه معلومات كافية حول هذه الامور فيعتمد على هذا المصدر رغم خطئه وسيكون لنا وقفات مع بعض الاخطاء الأخرى في المصادر المختلفة إن شاء الله.
------------------
1- نبذة تاريخية عن نجد؛ لضاري الرشيد، تحقيق د. عبدالله العثيمين ص
2.156- نبذة تاريخية عن نجد؛ لضاري الرشيد؛ منشورات دار اليمامة.
3- نجد في الامس القريب، عبدالرحمن بن زيد السويداء ص
4.65- معجم التراث - السلاح؛ سعد الجنيدل
5.140- قطوف الازهار: ابن عبار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاربعاء 20 ذو الحجة 1424العدد 13018 السنة 39