الفصل الثالث : الاستهزاء عقبة من عقبات الدعوة إلى الله تعالى

يشكو كثير من الدعاة من عنت الاستهزاء والمستهزئين ، ولكنهم حين يتأملون سيرة الأنبياء والرسل – عليه الصلاة والسلام – وهم أشرف خلق الله – يجدونهم قد استهزئ بهم وسخر منهم ، فيكون في ذلك عزاء لهم مما يلاقونه من هؤلاء الساخرين ، قال – تعالى - : (( وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً )) سورة الفرقان ، آية 31 . ويقول – سبحانه - : (( وكم أرسلنا من نبي في الأولين * وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزءون )) . سورة الزخرف ، آية 6 – 7 ويقول – سبحانه - : (( ياحسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون )) . سورة يس ، آية 30 .

هذا نبي الله نوح – عليه الصلاة والسلام – الذي دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يقابل بالسخرية والاستهزاء ، فقومه يضحكون به ويسخرون منه حين رأوه يصنع السفينة ؛ قال الله – تعالى - : (( ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون * فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم )) . سورة هود ، آية : 38 – 39 .

وقال – تعالى – عنهم إنهم قالوا : (( ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين * إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين )) (22) سورة المؤمنون ، آية 24 – 25 .

ونبي الله هود – عليه السلام – أرسله الله إلى عاد فسخروا منه وقالوا : (( أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ماكان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين )) سورة الأعراف ، آية : 70 . (( قالوا ياهود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء )) سورة هود ، آية 53 – 54 .

ونبي الله صالح – عليه السلام – أرسله الله إلى ثمود فأجابوه بهذا الجواب : (( قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون * قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون * فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا ياصالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين )) سورة الأعراف ، آية : 75 – 77 .

وهذا نبي الله لوط – عليه السلام – أرسله الله إلى قومه فنهاهم عن فاحشة اللواط ، وإتيان الرجال شهوة من دون النساء فأجابوه بـ (( وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون )) سورة الأعراف ، آية : 82 . وفي سورة النمل ، آية : 56 . جاء قوله – تعالى - : (( فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون )) .

وهذا شعيب – عليه السلام – يقابله قومه بالسخرية والإستهزاء فيصبر ويحتسب قال الله عنهم : (( قالوا ياشعيب أصلاتك تأمرك أن تترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد )) سورة هود ، آية 87 .

يقولون هذا على سبيل الإستهزاء والتنقص والتهكم (23)

أما نبي الله موسى – عليه السلام – فقد قوبل بسخرية لاذعة واستهزاء مهين من بني إسرائيل قال – تعالى - : (( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين )) سورة البقرة ، آية 67 .
قال ابن عطية – رحمه الله – في معنى قوله : (( أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين )) يحتمل معنيين : أحدهما الاستعاذة من الجهل في أن يخبر عن الله – تعالى – مستهزئاً .

والآخر من الجهل كما جهلوا في قولهم : (( أتتخذنا هزواً )) لمن يخبرهم عن الله – تعالى - (24) .

أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد لاقى من الاستهزاء والسخرية ما تتفطر له القلوب ، واجه صلى الله عليه وسلم سخرية قبائل العرب المشركين في الفترة المكية ، وواجه سخرية واستهزاء المنافقين واليهود في الفترة المدنية – قال تعالى - : (( وإذا رءاك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمن هم كافرون )) سورة الأنبياء ، آية : 36 .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : ( فاستهزأوا بالرسول صلى الله عليه وسلم لما نهاهم عن الشرك ، ومازال المشركون يسبون الأنبياء ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون ، إذا دعوهم إلى التوحيد ، لما في أنفسهم من عظيم الشرك وهكذا تجد من فيه شبه منهم إذا رأى من يدعو إلى التوحيد استهزأ بذلك ، لما عنده من الشرك ) (25) .

ويقول – سبحانه – عنهم : (( وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزواً أهذا الذي بعث الله رسولاً * إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلاً )) سورة الفرقان ، آية : 41، 42 .

قال ابن اسحاق : ثم أن قريشاً اشتد أمرهم للشقاء الذي أصابهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أسلم معه منهم ، فأغروا برسول الله صلى الله عليه وسلم سفائهم فكذبوه وآذوه ، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون .. مر بهم صلى الله عليه وسلم طائفاً بالبيت فغمزوه ببعض القول فعرف ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم ثم مر بهم ثانية فغمزوه ، ثم الثالثة بمثلها فوقف ثم قال : أتسمعون يامعشر قريش ، أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ، فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع (26) .

وقد وصف الله همزهم وغمزهم بله صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه - : (( وإن يكاد الذين كفروا ليزلقوك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون )) سورة القلم ، آية 51 .

وهكذا الدعاة إلى شرعه وسنته ، يلاقون الاستهزاء والسخرية وتلك سنة باقية إلى يوم الدين .

ولهذا فإن عقبة الاستهزاء تصدم بعض الدعاة وآخر تفت في عضده وآخر تقهقره وتجنبه وآخ لا تزيده إلا صلابة في الحق وإصراراً على الاستمرار في منهج الإصلاح ومقاومة الباطل وهذا النمط الأخير هو الذي تحتاجه الأمة ، وهو زاد الدعوة إلى دين الله الحق لأن صاحبه ينظر إلى أقوال الأنبياء والرسل – كما مرت بك آنفاً – فيعلم ويستيقن أنه وارث لتركتهم وهم لم يخلفوا للناس إلا دعوة الخير والتوحيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتثاث الفساد من الأرض ، ولهذا لا يعبأ بهذا الاستهزاء ولو كدر خاطره فإنه من الأذى الذي لا بد منه في سبيل الدعوة ، ولهذا فقد ربح بيعه لا يقيل ولا يستقيل .


الفصل الرابع : صور من مظاهر الاستهزاء

تتنوع مظاهر الاستهزاء حسب ما يصدر من المستهزئ أو الساخر فقد تكون السخرية بالكلام ، وهذا النوع أكثر من أنواع الاستهزاء قديماً وحديثاً . وقد تكون السخرية بالإشارة غمزاً بالعين ، أو إخراج اللسان وقد تكون بحركة اليد .

ونظراً لكثرة صور الاستهزاء فقد قسمت هذا الفصل إلى المباحث التالية
المبحث الأول : صور الاستهزاء بالله – سبحانه وتعالى - .
المبحث الثاني : صور من الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
المبحث الثالث : صور من الاستهزاء بشعائر الإسلام وسنن سيد الأنام .
المبحث الرابع : صور من الاستهزاء بالمؤمنين .

وإليك بيان ذلك :

المبحث الأول
صور من الاستهزاء بالله - سبحانه وتعالى –

إن من بدهيات الدين : أن الله – سبحانه وتعالى – واحد ، أحد ، فرد ، صمد ، لم يلد ولم يولد ، أول بلا إبتداء آخر بلا انتهاء ، هو القوي العزيز ، الجبار الكبير ، المتعال ، الذي لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء ، له صفات الكمال والجلال : (( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير )) سورة الشورى ، آية 11 .

غير أن الذين كفروا بالله لم يقدروا الله حق قدره ، فكان من أقبح كفرهم الاستهزاء بالله – سبحانه وتعالى – والسخرية به نعوذ بالله من ذلك – ومن صور الاستهزاء بالله مايلي :

1) مايقوله الماديون الملحدون ( لا إله ، والكون مادة ، والطبيعة تخبط خبط عشواء ولا حدّ لقدرتها على الخلق ) (27) .
ويمثل هذه الصورة كل شيوعي ماركسي مادي ، ولو نطق بالعربية الفصحى ! .

2) تربى على الفكر المادي الإلحادي شرذمة من الناطقين باللغة العربية ، وجاءوا بغثاء من القول سموه شعراً حراً أرادوا من خلاله التمرد على كل ثوابت هذه الأمة فسخروا بالله واستهزأوا به وتجرأوا جرأة لم يكد يسبق إليها ، وحين تقرأ كلامهم تجد كفراً بواحاً تقشعر منه الجلود ، وإليك أمثلة من كلام هؤلاء :
• يقول عبد العزيز المقالح الذي هو من روادهم – وبعض الببغاوات لدينا يصفه بنبي الحداثيين - : (( صار الله رماداً ، صمتاً رعباً في كف الجلادين . حقلاً ينبت سبحات وعمائم بين الرب الأغنية الثروة والرب القادم من هوليوود ، كان الله قديماً حباً ، وكان نهاراً في الليل أغنية تغسل بالأمطار الخضراء تجاعيد الأرض )) (28) .

3) ومن الاستهزاء بالله – تعالى – ما قاله الشيوعي الحداثي عبد الوهاب البياتي :
(( الله في مدينتي يبيعه اليهود ، الله في مدينتي مشرد طريد ، أراده الغزاة أن يكون لهم أجيراً شاعراً قواداً ، يخدع في قيثارة المذهب العباد لكنه أصيب بالجنون ، لأنه أراد أن يصون زنابق الحقول من جرادهم أراد أن يكون .. )) (29) .

هل سمعت كفراً واستهزاء وسخرية بالله كهذه السخرية ؟! تعالى الله عما يقول المجرمون علواً كبيراً ثم ما أسم هذا الزنديق ؟ عبد الوهاب !! .

4) أما شاعر المزبلة الفكرية نزار قباني فاسمعه يقول في قصيدة بعنوان أصهار الله :
وهل غلاء الفول والحمص والطرشي والجرجير شأن من شؤون الله ؟!! (30) .
(( ياإلهي … إن تكن رباً حقيقياً فدعنا عاشقينا )) (31) .

5) وشيوعي حداثي آخر اسمه محمود درويش يقول :
نامي فعين الله نائمة عنا وأسراب الشحارير (32) .

6) أما كبيرهم الذي علمهم السحر بدر شاكر السياب فهو القائل :
فنحن جميعاً أموات . أنا ومحمد والله وهذا قبرنا أنقاض مئذنة معفرة ، عليها يكتب اسم محمد والله (33) . ثم يقول : (( وإن الله باق في قرانا ما قتلناه ، ولا من جوعنا يوماً أكلناه )) (34) . تعالى الله وتقدس عن هذا الكفر والنقائص !!! .

هذا غيض من فيض مما ينعق به هؤلاء الملاحدة ثم بعد ذلك يمجدون ويحمدون ويرفع شأنهم ولكن لا عليك فإن ربك – سبحانه – يقول : (( ومن يتولهم منكم فإنه منهم )) سورة المائدة ، آية 51 .

المبحث الثاني
صور من الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه

إن الله – سبحانه وتعالى – قد عظَّم قدر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بطاعته ، ورد الأمر إليه فقال – سبحانه وتعالى – (( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )) سورة الحشر ، آيه 7 . وقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً )) سورة النساء ، آية 59 . ويقول تعالى : (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )) سورة النساء ، آية 65 .

هذا النبي الكريم – صلوات الله وسلامه عليه – لا يجوز غمزه ولا الاستهزاء به ، فمن فعل ذلك فقد كفر بالله وخرج من الملة ، وإليك طرف من صور الاستهزاء بهذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .

1) في غزوة تبوك التي حل بالمسلمين فيها من النصب والتعب والجوع والعطش الشئ الكثير : استهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم من استهزأ ، فنزل الوحي من فوق سبع سماوات يعلن كفر هؤلاء المستهزئين : قال تعالى : (( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين )) سورة التوبة ، الآيتان 65 ، 66 .
ورد في سبب نزولها عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا : قال رجل من المنافقين : ما أرى قرآءنا هؤلاء إلا أرغبنا بطوناً ، وأكذبنا ألسنة ، وأجبننا عن اللقاء ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ارتحل وركب ناقته فقال : يارسول الله ؛ إنما كنا نخوض ونلعب فقال : (( أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون )) إلى قوله (( مجرمين )) . وإن رجليه لتنسفان الحجارة وما يلتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متعلق بنسعة رسول الله صلى الله عليه وسلم (35) .

وقال قتادة : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وبين يديه ناس من المنافقين إذ قالوا : أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها ؟ هيهات هيهات له ذلك !! فأطلع الله نبيه على ذلك ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : (( احبسوا علىَّ الركب )) فأتاهم فقال : (( قلتم كذا وكذا )) ، فقالوا يارسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (36) .

قال ابن إسحاق : ( وقد كان جماعة من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني أمية بن زيد بني عمرو بن عوف ورجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له مخشن بن حميّر يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون أن جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً ؟ والله لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال ، إرجافاً وترهيباً للمؤمنين ، فقال مخشن بن حميّر : والله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة وإنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم – فيما بلغني – لعمار بن ياسر : (( أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى ، قلتم كذا وكذا )) فانطلق إليهم عمّار فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ، فقال وديعة بن ثابت – ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على راحلته ، فجعل يقول – وهو آخذ بحقبها - : يارسول الله ؛ إنما كنا نخوض ونلعب ، فأنزل الله – عز وجل - : (( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب )) .

فقال مخشن بن حمير : يارسول الله ؛ قعد بي اسمي واسم أبي فكان الذي عفى عنه في هذه الآية مخشن بن حمير فتسمى عبد الرحمن ، وسأل الله أن يُقتل شهيداً لا يعلم بمكانه ، فقتل يوم اليمامة فلم يوجد له أثر ) (37) .

2) ومن صور الاستهزاء : ماحدث – أيضاً – في الطريق إلى تبوك حيث ضلت ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال زيد بن اللُّصيت – وكان منافقاً - : أليس يزعم أنه نبي ، ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن رجلاً يقول وذكر مقالته ، وإني والله لا أعلم إلا ماعلمني الله ، وقد دلني الله عليها ، هي في الوادي في شِعْب كذا وكذا ، وقد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فأتوه بها (38) .

3) ولقد تبجح المستهزءون برسول الله صلى الله عليه وسلم في عصرنا الحاضر بألفاظ كفرية ملحدة ، تقشعر منها الأبدان ، ومن ذلك شعراء الحداثة – إن كان يصح تسميتهم بشعراء – فقد وقعوا فريسة للأفكار الإباحية الكفرية التي استوردت من مذاهب أدبية غربية وشرقية كافرة .

إنهم من بني جلدتنا ويتسمون بأسمائنا ، وهم أخطر على ديننا من أعدائه الأصليين ، هذا شويعر اسمه محمد جبر الحربي يقول وبئس ما يقول :
أرضنا البيد غارقة
طوف الليل أرجاءها
وكساها بعسجده الهاشمي
فدانت لعاداته معبدا . (39)

ترى هل عرفت هذه الأرض غير محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الهاشمي الذي أخرج الله به هذه الأمة من الجاهلية إلى الإسلام ، ثم يتجرأ هذا الوغد فيطلق على ديننا اسم الليل والظلام ؟!! .

4) ومن صور الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم ما رسمه صلاح جاهين رسام الكاريكاتير المعروف حيث صور صورة هزلية في جريدة الأهرام رسم فيها رجلاً بدوياً يرمز به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب حماراً في وضع مقلوب ليكون رمزاً للرجعية ، وفي أرضية الصورة ديك وتسع دجاجات وعنوان الرسم محمد أفندي جوز التسعة (40) . وهذا من أقبح الهجوم والاستهزاء والسخرية على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

5) ومن السخرية بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما هزأ به محمد الغزالي حيث أورد حديث : (( لن يفلح قومٌ ولَّوْا أمرهم امرأة )) . يسخر من هذا الحديث ، ويذكر أن بلقيس وفكتوريا وأنديرا غاندي وجولدا مائير قد أفلحن بأممهم إلى آخر ما ذكر (41) مع أن الحديث مخرج في صحيح البخاري .

6) ومن السخرية برسول الله صلى الله عليه وسلم السخرية بالرجال الذين حملوا دينه ، ومن ذلك أن غِرّاً حداثياً كتب ساخراً يقول : حدثنا محبط بن محبط عن جاهل (42) !! .

وزميل له يقول : حدثنا الشيخ إمام عن صالح عبد الحي عن سيد بن درويش عن أبيه عن جده (43) . وهذا منتهى الجرأة على حملة دين الله الذين هم رجال الإسناد ، تلك المفخرة العجيبة لهذه الأمة التي لم تستطع أمة في الأرض ، أن تنال مثل شرف علم الرواية وتمحيص رجال الإسناد للأقوال فكانت هذه المنقبة مأدبة سخرية عند دهاقنة العبث والإلحاد .

7) كان عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – دقيق الساقين ، وقد خرج في أحد الأيام يجتنى لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكاً من الآراك ، وكانت الرياح تكفؤُهُ بسبب دقة ساقيه فضحك القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي في يده لهما أثقل في الميزان من أحد )) (44) .

8) وهذا كاتب ساخر يهزأ بأبي ذر الغفاري – رضي الله عنه – فيقول : ( عادل إمام مثل أبي ذر الغفاري ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث يوم القيامة وحده ) (45) . وهكذا يُشَبه رمز من رموز العفن الفني وأصحاب السقوط الأخلاقي وسفِلةِ الناس بأصحاب رسول الله الأبرار الأطهار ؟! .

المبحث الثالث
صور من الاستهزاء بشعائر الإسلام وسنة سيد الأنام

قال الله تعالى : (( ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزواً )) سورة الكهف ، آية 56 . وقد ذكر العلماء أن الاستهزاء بآيات الله وشرعه من أشد أنواع التكذيب (46) . وقال تعالى : (( بل عجبت ويسخرون * وإذا ذُكِّروا لا يذكُرُون * وإذا رأوا آية يستسخرون )) سورة الصافات ، الآيات 12 ، 14 .

إن الحقيقة المرة التي نشاهدها اليوم هي أن الاستهزاء الفاضح والسخرية اللاذعة بدين الله وشريعته وسنة نبيه واضحة لكل ذي عينين وسأضرب أمثلة لهذه الصورة المشينة والتي تلتقي كلها على حرب دين الله وهدمه .

1) الاستهزاء ببعض مسائل عقيدة أهل السنة والجماعة كبعض الصفات الثابتة – لربنا – سبحانه وتعالى كالاستواء والنزول والغضب والرضى واليدين ، وغير ذلك مما هو في حكم المعلوم بالضرورة من معتقد أهل السنة والجماعة فإنك تجد كل مبتدع خرج على منهج أهل السنة يهزأ ويسخر بمن يثبت هذه الصفات على الوجه اللائق بالله ، والمؤولة يحملون وزر هذا الاستهزاء والسخرية فإنهم في مقام من يستدرك على الله وعلى رسوله ، وإلا فما معنى أن يرد حديث النزول وهو من الأحاديث المتواترة ، ثم تجد من يهزأ بذلك ويقيس صفات الخلق على صفات الخالق – تعالى – ربنا وتقدس عن ذلك علواً كبيراً !!! .

2) الاستهزاء بتحكيم الشريعة الإسلامية ووصمها بأنها شريعة الرجعيين والأصوليين ، وأن فيها وحشية ! إذ كيف تقطع يد السارق ويُرجم الزاني المحصن !!! .

وفي هذا يقول الداعية الموفق المسدد الشيخ عبد الرحمن الدوسري – رحمه الله - : هذا من أعظم طعن بجناب الله العظيم وإلحاد في أسمائه ، وتفضيل لخططهم وآرائهم على حكم الله ومراده ، ففي قولهم هذا إنكار لعلمه الواسع المحيط بكل شئ ، وتنديد بحكمته ورحمته ، فلم يجعلوا الله عليماً بما يصلح أحوال الناس في كل عصر ، ولا حكيماً يشرع لهم ما يصلح أحوالهم ، بل تمادى ورثة المنافقين في هذا الزمان فزعموا أن أحكام الله في شرعه قاسية لا تناسب الإنسانية !! وهذا يقتضي أن الله ليس رحيماً لأن شريعته مبنية على القسوة والخمول لا على الحكمة والرحمة ، فقد ارتكسوا في أبشع دركات النفاق غاية الإرتكاس . (47)

إن هذا الهلع والجزع من تحكيم الشريعة والذي يعقبه ويسبقه سخرية بهذه الشريعة خاصة من العلمانيين الذين لايريدون لهذه الأمة أي خير ، إن ذلك كله ليذكرنا مقولة قريش حيث أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين فقالوا : (( إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا )) (48) . سورة القصص ، آية 57 .

ومنطق العلمانية اليوم التي تهاجم تحكيم شريعة الله هو بذاته منطق فرعون ، حيث قال لقومه محذراً من دين الله الحق الذي أتى به موسى – عليه السلام – قال فرعون : (( إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد )) سورة غافر ، آية 26 .

هذا هو منطق المعادين لله ولدينه في كل عصر ومصر قال تعالى : (( أتواصوا به بل هم قوم طاغون )) سورة الذاريات ، آية 53 .

3) ومما يؤكد هذا الفزع لدى أعداء الله نشرهم للصور التي تهزأ بالمتدينين المطالبين بتحكيم الشريعة الإسلامية ، ومن هذا ما نشرته ( روز اليوسف ) حيث أخرجت للناس رسماً كاريكاتيرياً تصور فيه شاباً متديناً له لحية طويلة جداً يؤذن في منارة مسجد ، فبدلاً من أن يقول : حي على الفلاح قال : حي على السلاح !!! .

ثم رسمته في وضع آخر وهناك يد خفية تدس في رأسه شريط ( كاسيت ) وفي فمه مسدس (49) !!!! .

وهكذا ترى هذه السخرية اللاذعة كلها حرب على شباب الصحوة الإسلامية المباركة التي تجتاح الكرة الأرضية اليوم ، ولله الحمد والمنة .

ولهذا أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في هذا الشأن بما نصه : ( الاستهزاء بالإسلام أو بشيء منه كفر أكبر …… ومن يستهزئ بأهل الدين والمحافظين على الصلوات من أجل دينهم ومحافظتهم عليه ، يعتبر مستهزئاً بالدين ، فلا تجوز مجالسته ، ولا مصاحبته بل يجب الإنكار عليه ، والتحذير منه ، ومن صحبته ، وهكذا من يخوض في مسائل الدين بالسخرية والاستهزاء يعتبر كافراً ) (50) .

4) الاستهزاء بالصلاة قال تعالى : (( وإذا ناديتم إلى الصلاة أتخذوها هزواً ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون )) سورة المائدة ، آية 58 .
كم سمعنا من ساخر بالصلاة والمصلين ، فهذا سفيه مستهزئ يقول : أيها المصلون إذا ذهبتم للجنة فخذونا معكم !!! .
وهذا نفعي مستهزئ يستقدم عاملاً كافراً مفضلاً إياه على العامل المسلم ثم يتبجح بقوله : لو أتينا بمسلم لأشغلنا وقطع وقتنا وعملنا بالصلاة !! .

5) السخرية بحجاب المرأة المسلمة . وهذا من أكثر صور الاستهزاء المنتشرة اليوم حيث تشن حرب مسعورة محمومة على الحجاب والمحجبات ، يقود هذه الحرب الدنسة أصحاب الميل للشهوات ، والمتاجرون في سوق النخاسة بأعراض الناس . تقول أمينة السعيد – وما أخالها أمينة – عجبت لفتيات مثقفات يلبسن أكفان الموتى وهنَّ على قيد الحياة (51) .

ويقول العلماني الحداثي أحمد عبد المعطي حجازي : إن للسفور مساوئ لكنها أقل – قطعاً – من مساوئ الحجاب والنقاب ، وشبيه بمن يدعونا للعودة إلى الحجاب من يدعونا للعودة إلى ركوب النياق والحمير والبغال هذه هي عقلية عصور الإنحطاط . (52)

أما الحداثي محمد جبر الحربي ، والمشهور بدفاعه عن أم جميل زوجة أبي لهب فاستمع إليه وهو يقول : ( والنساء سواسية منذ تبت ، وحتى ظهور القناع تشترى لتباع ، وتباع ، وثانية تشترى لتباع ) . (53)

ولا يقل في الغمز والسخرية عن هذا أن أحدهم سمى الطالبات المحجبات (( المسرحية والحراج )) (( قوارير سوداء )) ووصف خروجهن بالحجاب بأنه (( مسرحية مدهشة )) ويصفهن بأنهن بضائع (54) ، وهكذا يتحرك العلمانيون عبر وسائل إعلامية مهمة لنفث سمومهم وللطعن في حجاب المرأة المسلمة ، لتخرج عن عفافها وشرفها ، وتكون لقمة سهلة لذئاب البشر المسعورة ، ومن ثم تتوارى الفضيلة والعفة وتنتشر الإباحية والزنا والسقوط في حَمَأةِ الرذيلة حتى يتحول هذا المجتمع المحافظ على دينه ، وقيمه ، وأخلاقه إلى المجتمع الغربي الذي يرزح تحت وطأة الإباحية والسّعار الجنسي ، وتدمير الأسرة ومحاربة الفضيلة والعفة .

6) ومن السخرية بأحكام الشرع ما ذكره محمد الغزالي ضمن سخرياته وهزلياته الكثيرة – حيث قال : ( إن أهل الحديث يجعلون دية المرأة على النصف من دية الرجل ، وهذه سَوْأةٌ فكرية وخُلُقِيَّةٌ رفضها الفقهاء المحققون ) . (55)

ولقد غاب عن ذهن هذا المستهزئ أن هذه المسألة من مسائل الإجماع بين الأمة كما حكاه الحافظ ابن المنذر وغيره من أهل العلم . (56)

7) السخرية باللحية وتكاد تكون هذه المسألة من أكثر المسائل استهزاء من الهازلين الحاقدين ، ومن أكثر المسائل التي ابتلي بالسخرية فيها جمع من شباب الصحوة الإسلامية ، ولطالما سمعنا هذه الكلمة الجائرة التي تقول : لو كان في اللحية خير ما نبتت في الفَرْج !!! .

سبحان الله : (( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم * الذي خلقك فسواك فعدلك * في أي صورة ما شاء ركبك )) سورة الإنفطار ، آية 6 ، 8 .

أتهزأ باللحية أيها الساخر الضاحك وأنت تتجاهل أنها خلق الله وتصويرها لهذا الرجل بهذه الصورة المميزة ؟! .

أتهزأ باللحية أيها المستهزئ وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الواجبة وفي نتفها دية رجل كاملة ؟ إن اللحية علامة من علامات الرجولة المسلمة ، فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم : ( خالفوا المشركين ، أحفوا الشوارب وأوفروا اللحى ) (57) .

ولما سئل الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ – رحمه الله – عن الذي يقول : إن اللحية وساخة هل يعتبر مرتداً ؟ فأجاب بقوله : فيه تأمل إن كان يعلم أنه ثابت عن الرسول فهذا استهزاء بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فحري أن يحكم عليه ذلك (58) .

8) ومن صور الاستهزاء بأحكام الله – تعالى – مسألة السخرية من تعدد الزوجات ، وهذه آفة تسربت لهذه الأمة نتيجة احتكاكها بالإفرنج الذين يبيحون الدياثة ويحرمون التعدد !! أما الخليلات والعشاق فبالعشرات لكل من الزوجين ، ولهذا نجد أن مسألة تعدد الزوجات قد أصحبت عند كثير من المتفرنجين جريمة لا تغتفر ، أما الزنا والسفر إلى بلاد الإباحية والمجون بقصد الفساد والإنحلال فذاك تقدم ورقي وسياحة وبعد عن الكبت !! ومن السخرية بهذه المسألة أنه عرض فيلم يصور حالة رجل تزوج باثنتين فكانت النتيجة أنه ( أنهبل ) وخرج للبرية هائماً على وجهه ، ولم يعد إلى بيته !! . (*)

وقد مر بك غمز صلاح جاهين في مقولته الخبيثة ( محمد جوز التسعة )

9) ومن صور الاستهزاء ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - عن بعض أهل البدع حيث يرى أحدهم أن استغاثته بالشيخ يعتقد فيه ويتبعه عند قبره أو غير قبره أنفع له من أن يدعو الله في المسجد عن السحر ، ويستهزئ بمن يعدل عن طريقته إلى التوحيد ، وكثير منهم يخربون المساجد ، ويعمرون المشاهد فهل هذا إلا من استخفافهم بالله وآياته ورسوله ، وتعظيمهم للشرك ! وإذا سمع أحدهم بعض الأبيات حصل له من الخشوع والحضور ما لا يحصل له عند سماع الآيات ، بل يستثقلونها ويستهزءون بها وبمن يقرؤها مما يحصل لهم به أعظم نصيب من قوله – تعالى - : (( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون )) (59)

10) وهناك أمثلة كثيرة من الاستهزاء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللباس والأكل أو التيامن أو السواك أو غير ذلك مما يصعب حصره وعدّه ، فالله المستعان .

المبحث الرابع
الإستهزاء بالمؤمنين

لو أن أحداً يسلم من الأذى لشرفه ومكانته بين الناس لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بذلك !! ولكن الإبتلاء يحصل للمؤمن والمؤمنة من أجل التمييز والتمحيص ، ومعلوم أن نقمة المستهزئين على المؤمنين هي بسبب إيمانهم . قال تعالى : (( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد )) . سورة البروج آية : 8 .

وقد فضح الله موقف المستهزئين بالمؤمنين في كتابه العزيز فقال سبحانه : (( زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين أتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب )) سورة البقرة ، آية : 212 .

ولشناعة فعل المستهزئين سماهم الله في كتابه بالمجرمين فقال تعالى : (( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون * وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا أنقلبوا إلى أهلهم أنقلبوا فكهين * وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون * وما أرسلوا عليهم حافظين )) سورة المطففين ، آية : 29 ، 33 .

إنه الغمز واللمز والضحك الذي يمارسه كل مجرم ضد كل موحد ، وهذا الأمر يشكو منه خاصة كثير من الشباب والشابات ممن منَّ الله عليهم بالهداية والإستقامة ، يشكون دائماً من السخرية وعن الإستهزاء ، فعليهم الصبر فإن العاقبة للمتقين وليتأملوا قول الله تعالى : (( والذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات * والذين لا يجدون إلى جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم )) سورة التوبة ، آية : 79 .

قال أبن كثير – رحمه الله – ( وهذه – أيضاً – من صفات المنافقين ، ألا يسلم أحد من عيبهم ولمزهم في جميع الأحوال ، حتى ولا المتصدقون يسلمون منهم ، إن جاء أحد منهم بمال جزيل قالوا هذا مُرَاء !! وإن جاء بشئ يسير قالوا : إن الله لغني عن صدقة هذا ) (60) .

وإليك بعضاً من صور الإستهزاء بالمؤمنين مما شاع اليوم وذاع في صفوف الناس :
1) الإٍستهزاء برجال الحسبة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر . أولئك الرجال الذين استشعروا أهمية خيرية هذه الأمة في قول الله – سبحانه وتعالى – (( كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله )) سورة آل عمران ، آية : 110 . فقاموا بهذا العمل النبيل العظيم ، وذلك لأداء ما أفترض الله على هذه الأمة ، ولحفظ أمن وأمان المسلمين ، ومع هذا يسخر منهم السفهاء ، ويلصقون بهم التهم والزّيوف ، ومن هذا ماكتبه أحمد الجار الله حيث يقول :
باسم الدين يوقفون سيارتك ويطلبون منك أن تثبت أن زوجتك هي زوجتك !!! .
وبإسم الدين يستجوبون المرأة عن أسم آخر أبنائها وعن شكل غرفة نومها ، ولون حمامها وماركة ( الكلينكس ) الذي تستخدمه لإثبات أنها زوجتك !! ثم يلفظ أحمد الجار الله أنفاس حقده بقوله : واحد لحيته مثل التيس أوقفني وقال : لماذا تتحدث عن رجال الدّين (61) .
ولم يكتف بهذا بل قال عن رجال الهيئات : أنهم نفر غير مسؤول نصّبوا أنفسهم أوصياء على الناس يتدخلون في خصوصياتهم ، ويتابعونهم في تحركاتهم ! ثم قال : الأسلوب الغوغائي من أبتداع الشيوعية ! .
ونظراً لعمق العلاقة بين هذا الكاتب وبين رسام الكاريكاتير جرجس عياد !!
فقد وسط أحمد الجار الله مقاله برسم لجرجس يحكي حالة أمرأة مشنوقة !! (62) .

وهكذا يلتقي الحقد الصليبي النصراني مع الإتجاه العلماني الإباحي في مقال ورسم كاريكاتير ظناً من هؤلاء أنهم سيطفئون نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون .

عجب من هذا الكُوَيْتب : مدح البعثية والبعثيين طوال سنوات حربهم مع إيران الشيعية حتى صورهم بصورة الفاتحين المظفرين ، وكتب عن دعاة العلمانية والإلحاد فمجدهم ورفع من شأنهم ، ثم عرّج على الفن فملأ جريدته بحكايات علب الليل وخمريات السكارى ولما رأى الدور العظيم الذي يقوم به رجال الحسبة في محاربة المنكرات والفواحش شرق بهم وأمتلأ قلبه حقداً عليهم فأستعان بأستاذه الصليبي جرجس وكتب ما كتب ، وما إخال فعله هذا إلا كما قال الشاعر :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى رأسه الوعل

وصدق القائل :
وما ضر الورود وما حوته إذا المزكوم لم يطعمم شذاها

2) السخرية بالمجاهدين في سبيل الله : فقد آذت جريدة عكاظ المسلمين بنشرها رسماً خبيثاً ظهر من خلاله حقد دفين على المجاهدين الأفغان خاصة حيث أخرجت للناس رسمين : الأول فيه صورة لمجاهدين من أفغانستان يصبان فيه الماء على جذع شجرة نابتة ، وهذا يشير إلى بدايات الجهاد ، ثم في الرسم الثاني قد كبرت الشجرة وحان قطاف الثمرة ، فحدث أشتباك مسلح بين هذين المجاهدين وكل منهما ينتف شعر لحية الآخر ، وكل منهما يستعد برشاشه لقتل الآخر (63) !! وهكذا تصور عكاظ حياة المجاهدين بهذا الشكل المشين ، فبدلاً من أن تنشر الكلمة الهادفة لجمع الكلمة إذا بها تضحك السفهاء على المجاهدين ، ومما زاد الطين بلة في هذا أنها عنونت لهذا الرسم بعنوان : (( حكاية للأطفال ))

ترى : هل هي بهذا تريد غرس كراهية الجهاد في نفوس الناشئة ؟ وتقبيح صورة أهل الجهاد في نفوس الصغار ؟ ربما ؛ ووراء الأكمة ما وراءها !!! (*) .

3) السخرية بعلماء الأمة : وهذا الجرم لم يقتصر فعله على أعداء الدين ، بل وقع حتى أناس يحسبون على الدعوة والدعاة . فهذا محمد الغزالي يسخر بعلماء الحنابلة ، وهو يعلق على كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُصَلين العصر إلا في بني قريظة )) (64) فيقول : ( قلت : لو كان هؤلاء الحنابلة المتشددون حاضرين لقالوا لمن استعجل الصلاة : ياعدو الله ورسوله تعصى النبي وترفض عزيمته علينا ، إن هذا نفاق !! كيف نصلي في الطريق ، وقد أمرنا في الصلاة في بني قريظة (65) ؟! ) حقاً : إذا لم تستح فاصنع ماشئت ! إن هذا من اتهام الناس بالباطل ، والتقول على نياتهم ومكنونات صدورهم ، وكفى بهذا شراً وخسّة ووقاحة وكم من المهرجين والساخرين هزواً بالعلماء في أشكالهم أو أصواتهم أو فتاويهم فإذا لم ينكر هذا المنكر ويضرب بيد من حديد على هؤلاء الساخرين فأعلم أن الأمة قد تودع منها (*) .


الفصل الخامس : عقوبة وجزاء المستهزئين

يقول الله تعالى : (( أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون )) سورة القلم ، آية : 35 – 36 . ويقول سبحانه : (( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين * كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز )) سورة المجادلة ، آية : 20 – 21 .

لقد تأملت – من خلال هذا البحث – الآيات العظيمة التي وردت في كتاب الله تعالى والتي ذكر فيها – سبحانه – عقوبة المستهزئين وعقاب الله الأليم المحيط بهم ، فوجدت أمراً عظيماً تتفطر منه الأكباد ، وتنخلع لهوله الأفئدة .

خزي في الدنيا ، وعذاب في الآخرة .
هلاك ودمار في العاجلة .
وعذاب مقيم في الآجلة .

قوم نوح – عليه السلام – سخروا منه كما تقدم بيان ذلك فأهلكهم الله بالغرق في الدنيا ، ولعذاب الآخرة أشد وأنكى قال تعالى : (( فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوماً عمين )) سورة الأعراف ، آية : 64 .

وقوم هود – عليه السلام – سخروا منه وكذبوه ، فأنجاه الله وأهلكهم قال تعالى : (( فانجيناه والذين معه بحرمةٍ منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين )) سورة الأعراف ، آية : 72 . وقال تعالى (( لما جاء أمرنا نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا امر كل جبار عنيد * وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عاداً كفروا ربهم ألا بعداً لعاد قوم هود )) سورة هود ، الآيات : 58 – 60 .

وصالح – عليه السلام – أرسل إلى ثمود فسخروا منه وكذبوه فأنجاه الله وأهلكهم قال – تعالى - : (( فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين )) سورة الأعراف ، آية : 78 .

ولوط – عليه السلام – أرسل إلى قومه فسخروا منه وقالوا : (( إنهم أناس يتطهرون )) فكانت النجاة له ولمن آمن معه ، والهلاك والدمار للساخرين والمكذبين ، قال تعالى : (( فأنجيناه وأهله إلا إمرأته كانت من الغابرين * وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمين )) سورة الأعراف ، الآيتان : 83 – 84 . وقال سبحانه : (( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد )) سورة هود ، الآيتان : 82 - 83 .

وقوم شعيب سخروا منه وقالوا له : (( ياشعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد )) سورة هود ، آية 87 . فأهلكهم الله وأنجاه . قال سبحانه : (( فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين * الذين كذبوا شعيباً كانوا هم الخاسرين )) سورة الأعراف ، آية : 91 ، 92 . وقال سبحانه : (( ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين * كأن لم يغنوا فيها ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود )) سورة هود ، الآيتان : 94 ، 95 .

وقوم موسى كذبوه وسخروا منه وأستهزأوا به فأنجاه الله ومن معه وأهلك عدوه قال تعالى : (( فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فأنفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين )) سورة الشعراء ، الآيات : 63 ، 66

وأعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزأوا به وسخروا منه وكذبوه وآذوه فكانت العاقبة للمتقين ، والخزي والعار والنار والهلاك للطغاة الهازلين المفسدين المكذبين .

قتلوا في الدنيا وعند ربك عذاب ونار شررها كالقصر يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عن هؤلاء المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين : ( والقصة في إهلاك الله واحداً واحداً من هؤلاء المستهزئين معروفة ، فقد ذكرها أهل السير والتفاسير ، وهم على ماقيل : نفر من رؤوس قريش مثل : الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل ، والأسودان ابن عبد المطلب ، وابن عبد يغوث ، والحارث بن قيس … وكسرى مزق كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزأ به فقتله الله بعد قليل ؛ ومزق ملكه كل ممزق ، ولم يبق للأكاسرة ملك ، وهذا والله أعلم تحقيق لقوله تعالى : (( إن شانئك هو الأبتر )) سورة الكوثر ، آية : 3 . فكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره … ومن الكلام السائر : (( لحوم العلماء مسمومة )) فكيف بلحوم الأنبياء – عليهم السلام - ؟!! .

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالى : (( من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة )) فكيف بمن عادى الأنبياء ، ومن حارب الله – تعالى – حُرب . (66) .


الفصل السادس
موقف المسلم من الساخرين والمستهزئين

يشكو كثير من الناس وخاصة الدعاة من هذا الوباء ، الذي يعترضهم في طريق الدعوة ، الناس يسخرون منا ، هؤلاء يستهزئون بنا ، ماذا نفعل وكيف نتصرف ؟ وللجواب على ذلك أقول ، وبالله التوفيق .

1) الصبر على الأذى في سبيل الله أحد ثوابت الدعوة إلى الله ، فدعوة بدون صبر لا يرجى من ورائها ثمرة كيف وقد خاطب الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : (( فاصبر إن العاقبة للمتقين )) سورة هود ، آية : 49 وأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم نبأ ما قاله موسى – عليه السلام – لقومه : (( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف يعملون )) سورة الأعراف ، الآيتان : 128 ، 129 ولا بد أن يكون مع الصبر توكل صادق على الله وحده ، يقول سبحانه : (( ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً )) سورة الأحزاب ، آية : 48 . فالتوكل عليه سبحانه والإعتماد عليه وحده ، والطمع فيما عنده وحده ، هو الركن الركين لسالك هذا الطريق الطويل ، وقديماً قيل : بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين .

2) أخذ العبرة ممن هم خير منا فقد مر بك خبر أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام الذين سخر منهم أقوامهم ، هل أثنتهم هذه السخرية عن المبدأ الذي قاموا من أجله والدين الذي أرسلوا به ؟ كلا لقد كان قوم نوح يسخرون منه وهو يصنع السفينة ، ويؤذونه بالهمز واللمز والضحك والإٍستهزاء فما زاده في ذلك إلا مضياً في طريقه ، ويقيناً بوعد ربه له ، وقوم لوط كانو يسخرون منه ومن طهارته هو ومن آمن معه ، ويتندرون بذلك قائلين : (( إنهم أناس يتطهرون )) فما زاده ذلك إلا ثباتاً على الحق ويقيناً بأمر الله الذي قاله له ربه سبحانه : (( إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب )) سورة هود ، آية : 81 . ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما سخر به من سخر واشتد عليه أذى هؤلاء السفهاء خاطبه ربه تعالى بقوله : (( ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون )) سورة الأنعام ، آية 10 ، ومثلها آية 41 من سورة الأنبياء ، وقال تعالى : (( ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم فكيف كان عقاب )) سورة الرعد ، آية : 32 .

3) المؤمنون عامة – والدعاة خاصة – هم أحرى الناس بقوله تعالى : (( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين * وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين * أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين )) سورة آل عمران ، آية : 139 – 142 .

فالمؤمن هو الأعلى قدراً وشرفاً ومنهجاً ومكانة ، وعند الصباح يحمد القوم السُّرى ، وعند الممات يحمد القوم التقى ، ويوم التغابن يخزي الله أهل الردى .

4) عدم موالاة الهازلين الساخرين المستهزئين ، فإنه لا يصح الإيمان بالله إلا بالبراءة من هؤلاء الأعداء . قال ربنا – سبحانه وتعالى - : (( ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء وأتقوا الله إن كنتم مؤمنين )) . سورة المائدة ، آية : 57 .

وإن من أكبر الرزايا التي بليت بها هذه الأمة اتخاذ اليهود والنصارى أولياء ، هم يعيبون ديننا ، وينتقصون نبينا صلى الله عليه وسلم ويهزأون بنا ، والسذج من لا خلاق له منا يتخذهم أولياء ، وأصدقاء ، وهذا الأمر لا يستقيم في منهج الله الحق الذي قدمت فيه البراءة من الكفر وأهله على الإيمان بالله وحده فقال ربنا – سبحانه - : (( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى )) سورة البقرة ، آية 256 .

وفي عصرنا الحاضر ما ترك أهل الكتاب وسيلة من وسائل الإستهزاء بالله وبدينه وبعباده المؤمنين إلا سلكوها ، وهذا واض

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 88 مشاهدة
نشرت فى 5 فبراير 2013 بواسطة MuhammadAshadaw

بحث

تسجيل الدخول

مالك المعرفه

MuhammadAshadaw
مكافحة اضرار المخدرات والتدخين ومقالات اسلامية وادبية وتاريخيه وعلمية »

عدد زيارات الموقع

938,439

المخدرات خطر ومواجهة

مازال تعاطي المخدرات والاتجار فيها من المشكلات الكبرى التي تجتاح العالم بصفة عامة والعالم العربي والإسلامي بصفة خاصة وتعتبر مشكلة المخدرات من أخطر المشاكل لما لها من آثار شنيعة على الفرد والأسرة والمجتمع باعتبارها آفة وخطراً يتحمل الجميع مسؤولية مكافحتها والحد من انتشارها ويجب التعاون على الجميع في مواجهتها والتصدي لها وآثارها المدمرة على الإنسانية والمجتمعات ليس على الوضع الأخلاقي والاقتصادي ولا على الأمن الاجتماعي والصحي فحسب بل لتأثيرها المباشر على عقل الإنسان فهي تفسد المزاج والتفكير في الفرد وتحدث فيه الدياثة والتعدي وغير ذلك من الفساد وتصده عن واجباته الدينية وعن ذكر الله والصلاة، وتسلب إرادته وقدراته البدنية والنفسية كعضو صالح في المجتمع فهي داخلة فيما حرم الله ورسوله بل أشد حرمة من الخمر وأخبث شراً من جهة انها تفقد العقل وتفسد الأخلاق والدين وتتلف الأموال وتخل بالأمن وتشيع الفساد وتسحق الكرامة وتقضي على القيم وتزهق جوهر الشرف، ومن الظواهر السلبية لهذا الخطر المحدق أن المتعاطي للمخدرات ينتهي غالباً بالإدمان عليها واذا سلم المدمن من الموت لقاء جرعة زائدة أو تأثير للسموم ونحوها فإن المدمن يعيش ذليلاً بائساً مصاباً بالوهن وشحوب الوجه وضمور الجسم وضعف الاعصاب وفي هذا الصدد تؤكد الفحوص الطبية لملفات المدمنين العلاجية أو المرفقة في قضايا المقبوض عليهم التلازم بين داء فيروس الوباء الكبدي الخطر وغيره من الأمراض والأوبئة الفتاكة بتعاطي المخدرات والادمان عليها.