جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
الشيخ السديس أنموذج الداعية الملتصق بهموم مجتمعه
في الثاني والعشرين من شهر شعبان 1404هـ، وفي صلاة العصر في الحرم المكي الشريف، سمع المصلون لأول مرة صوتاً مميزاً وآسراً لشاب في أوائل العشرينات من عمره (استوووووا)، كأحد أصغر أئمة الحرم الذين تشرفوا بإمامة الحرم, إنه الشيخ الدكتور عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الله بن محمد، والملقب بـ السديس، أحد أئمة الحرم الشريف، والداعية المعروف المولود في 1382هـ في مدينة الرياض.
يرجع نسب الشيخ إلى قبيلة عنزة بن ربيعة بن عدنان. وهو من محافظة البكيرية بمنطقة القصيم. ومن أشهر مرتلي القرآن الكريم في العالم. تمكن من حفظ القرآن ولم يكن يبلغ من العمر 12 سنة.وله مسيرة علمية حافلة، فقد نشأ في الرياض والتحق بمدرسة المثنى بن حارثة الابتدائية، ثم بمعهد الرياض العلمي وحصل منه على شهادة بتقدير ممتاز عام 1399هـ.
بعد ذلك في سنة 1983 أتم "السديس" دراسته العليا بالجامعة وحصل على شهادة في الشريعة، وفي عام 1408هـ حصل على درجة (الماجستير) بتقدير (ممتاز) من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (قسم أصول الفقه) عن رسالته. ثم انتقل للعمل بعد ذلك محاضراً في قسم القضاء بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة. ونال الدكتوراه في الشريعة الإسلامية سنة 1995 من جامعة أم القرى.
عُرف عبد الرحمن السديس بالنبرة الخاصة في صوته، التي تخشع معها الأفئدة، وتجويده الممتاز للقرآن الكريم، ونال جائزة الشخصية الإسلامية للسنة في الدورة التاسعة لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم سنة 1426هـ. كما حصل على درجة الأستاذية في تخصص أصول الفقه من جامعة أم القرى.و من أبرز أعماله الأخرى، المشرف العام على مجمع إمام الدعوة العلمي الدعوي التعاوني الخيري بمكة المكرمة، ومدير جامعة المعرفة العالمية (التعليم عن بُعد).
ومن أشهر مشايخه في مسيرته: الشيخ صالح العلي الناصر، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله آل الشيخ المفتي العام بالمملكة، الشيخ صالح بن عبد الرحمن الأطرم، الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن بن جبرين، الشيخ أحمد بن علي المباركي. الشيخ عبد الرحمن السدحان.
وأثناء وجوده في الرياض عمل إماماً وخطيباً في عدد من مساجد مدينة الرياض.. كان آخرها مسجد (جامع) الشيخ العلامة عبدالرزاق العفيفي (رحمه الله). وإلى جانب تحصيله العلمي النظامي في الكلية قرأ على عدد من المشايخ في المساجد واستفاد منهم. في مقدمتهم: سماحة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز (رحمه الله). والشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي (رحمه الله). والشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك. وغيرهم.
أما الجانب الدعوي لدى الشيخ، فهو لا يتوقف، فقد قام بكثير من الرحلات الدعوية في داخل المملكة وخارجها شملت كثيراً من الدول العربية والأجنبية، وشارك في عدد من الملتقيات والمؤتمرات وافتتاح عدد من المساجد والمراكز الإسلامية في بقاع العالم، حسب توجيهات كريمة في ذلك. له عضوية في عدد من الهيئات والمؤسسات العلمية والدعوية والخيرية. ورشحه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز "رحمه الله" لعضوية الهيئة الشرعية للإغاثة الإسلامية التابعة لرابطة العالم الإسلامي وغيرها. له مشاركات في بعض وسائل لإعلام من خلال مقالات وأحاديث متنوعة. له نشاط دعوي عن طريق المشاركة في المحاضرات والندوات في الداخل والخارج.
للشيخ مؤلفات عديدة وأبحاث ودراسات، منها المسائل الأصولية المتعلقة بالأدلة الشرعية التي خالف فيها ابن قدامة الغزالي، والواضح في أصول الفقه "دراسة وتحقيق"، وكوكبة الخطب المنيفة من جوار الكعبة الشريفة، وإتحاف المشتاق بلمحات من منهج وسيرة الشيخ عبدالرزاق. وغيرها كثير.
أما التواضع، فهو معروف عنه، ومن ذلك ما ذكره الشيخ القطامي في حديثه عنه، أنه التقاه قبل إحدى الصلوات التي يتوجب على الشيخ السديس الإمامة، فما كان منه إلا أن طلب من الشيخ القطامي أن يتقدم، بل عرض عليه أن يعطيه (البشت) في حس طريف، إذا كان الأمر يتطلب ذلك.
ومن ذلك تلبيته لنداء الدكتور محمد الثويني الذي اتصلت به سيدة جزائرية بأن لديها طفلة صغيرة عمرها 8 سنوات تحب الشيخ السديس جداً، وتقلد تلاوته حتى نالت المركز الأول على مستوى الجزائر في تقليدها للشيخ في سورة القيامة، وأسمت نفسها (صفاء السديسية)، وشرحت أمنيتها في لقاء الشيخ السديس، فلبى طلبها واستضافها ووالديها في المدينة ثم في مكة على نفقته، واستمع لها وأبدى استعداده لتبنيها دراسياً.
ولأن حياة أئمة الحرم في انضباط لا تقبل التراخي، كما أن اختيارهم يتم وفق ضوابط هامة لا تساهل فيها، ففي كل رمضان مثلاً ينتظم 9 أئمة و 17 مؤذناً وأكثر من 5 آلاف جندي للتنظيم والحماية والترتيب. هذا بالإضافة إلى إدراكهم عظم المسؤولية الملقاة على عواتقهم من خلال المكان الذي أسند إليهم والشرف العظيم الذي حظوا به. ومن هنا، جاءت التوجيهات التي يقوم بها الشيخ السديس لتعكس ذلك، وكتأكيد على أن الخطيب جزء من هموم الأمة وارتباطها بمجتمعهم، فقد كان للشيخ دعوات لجوانب الخير، مثل مطالباته بأن يتخطى دور الجامعات إلى تعزيز مبدأ الوسطية في نفوس الشباب، واعتباره التظاهر خروجاً عن المنهج الصحيح، كما لا يتردد حتى في زياراته للدول الأوربية إلى التأكيد في كل المحافل على أنه "لا خوف من الإسلام، فهو دين الأمن والرحمة"، ومن ضمن ما دعا له إنشاء "فضائية للأمن الفكري" مطالباً الخطيب بأن يتحلى بمنهج الاعتدال والوسطية.
وعندما حلت بعض الكوارث طالب بإقامة هيئة عليا لإدارة الأزمات والكوارث، وأخرى لمكافحة الفساد والخيانة ترتبط بولي الأمر. في إشارة واضحة إلى أن الخطيب والمنبر لا ينفصلان عن الواقع المجتمعي وهمومه، مثمناً تشكيل لجان للتحقيق في كارثة جدة، وقال: "الأمر الملكي بتشكيل لجنة تحقيق بعد فاجعة جدة، قرار تاريخي في حياة الإدارة السعودية".
ومن مطالباته، دعوته أيضاً إلى ميثاق شرف لحماية العلماء والدعاة وعامة الناس من "ظاهرة التصنيف وداء التشكيك"، ممتدحاً إنشاء جامعة الملك عبدالله، وقائلاً: "رائدة في أهدافها، سامية في مقاصدها، ونبيلة في غاياتها، إشعاع حضاري ومنارة سامقة في سماء العلم والمعرفة".
المصدر: بروفايل - سبق – خاص: