مؤلفا كتاب :حوض البحر المتوسط :مهد المستقبل هما :بول بالتا و كلودين رولو ..وقدعمل المؤلف بول بالتا لسنوات كمختص بشؤون العالم العربي في صحيفة «لوموند» الفرنسية.وهو يشغل الآن منصب المدير الفخري لمركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون. قدّم العديد من الكتب حول العالمين العربي والإسلامي وحوض المتوسط من بينها: «الإسلام: الحضارة والمجتمع» و«البحر المتوسط: تحديات ورهانات» و«إيران ـ العراق: 5000 سنة من الحرب»، الخ.

وكلودين رولو هي أيضا صحفية وكاتبة وقد شاركت مع بول بالتا بالعديد من الكتب عن العالم العربي وحوض البحر الأبيض المتوسط، من بينها كتاب «الجزائر» الذي أصبح مرجعا في ميدانه. «البحر المتوسط، مهد المستقبل»، كتاب صغير الحجم، واضح ومحدد وشديد الفائدة بنفس الوقت. إنه يقدم، بعيدا عن أية أطروحات ايديولوجية، الكثير من المعلومات التي، ورغم ما تبدو عليه من البساطة، يحتاج لها حتى الباحثون بينما قد ينبغي على الجميع معرفتها.
هكذا نعلم أن الجزائر هي أكبر البلدان ال27 المحيطة بالبحر المتوسط من حيث مساحتها التي تبلغ 741 381 2 كلم مربع . وإن مصر هي الأكثر سكانا إذ تعد 000 030 74 نسمة يليها تركيا ذات ال000 190 73 نسمة. شلكن وفيما هو أبعد من الأرقام والإحصائيات «المفيدة» يبيّن هذا الكتاب أن حوض المتوسط الذي تتوزع ضفافه بين ثلاث قارات هي افريقيا وآسيا وأوروبا.


وهذا يجعل منه مجالا استراتيجيا بالغ الأهمية، كما أنه يحتل المرتبة الأولى في العالم على الصعيد السياحي، هذا فضلا عن كونه على مدى آلاف السنين «مركز العالم».وحوض المتوسط هو مهد الديانات التوحيدية الثلاث إلى جانب كونه ساحة نزاعات وحروب.


كذلك لم يكن البحر المتوسط مجرد مجال لعبور المسافرين بين شواطئه، بل كان أولا، وأساسا، ساحة للتبادل وللتفاعل الحضاري أكثر من أية منطقة أخرى في العالم. باختصار إنه «بوتقة» الحضارات الكبرى.وعلى سؤال أولي يطرحه المؤلفان ومفاده: لماذا الحديث عن حوض المتوسط؟ ويجيبان «ذلك أن هذا الاسم يوحي للكثيرين منّا مفهوما مألوفا وغامضا بنفس الوقت.


إنه بحر وسماء زرقاوان، وشواطئ رملية وصخور، وعنب وزيتون». إن هذه التسمية «حوض البحر الأبيض المتوسط» التي تعني «المكان الوسط في الأرض»، لم تظهر إلا في القرن الرابع عشر.وما يؤكده المؤلفان هو أنه ليس هناك أية منطقة أخرى في العالم «محدودة بمثل هذا المجال الجغرافي» قد عرفت نشوء وزوال العديد من الحضارات الشهيرة التي ليس أقلّها شأنا المصرية والفينيقية واليونانية والعربية والسلافية والتركية والأوروبية.


وتتم الإشارة هنا إلى أن سكان حوض البحر الأبيض المتوسط يسعون في بدايات القرن الحادي والعشرين. كي يؤكّدوا «قيمهم» و«تراثهم» في مواجهة العولمة مع محاولة «التجديد» مثلما حددت «الشراكة الأوروبية ـ المتوسطية» أحد أهدافها عند «ولادتها» في برشلونة عام 1995 وكما أكّدت ذلك من جديد عام 2005.


ومن «الخصوصيات» التي يتم التركيز عليها بالنسبة للبحر الأبيض المتوسط هو أنه «بحر مغلق وبحر مفتوح» بنفس الوقت، وحول البحر «المغلق» تطورت حضارات استثنائية على مدى الآلاف من السنوات ولولا مضيق جبل طارق الذي جعله بحرا «مفتوحا» فلربما أنه كان قد عانى من مشكلات الجفاف. ومن جهة أخرى كان ينبغي انتظار عام 1869 كي تشكل قناة السويس، التي صممها الفرنسي فردناند دولسيبس، وسيلة وصل بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر.


ويتم الحديث «جغرافيا» عن وجود «حوضين» للبحر المتوسط وليس حوضا واحدا، هما «الحوض الغربي» ما بين مضيق مالطة في الشرق ومضيق جبل طارق في الغرب و«الحوض الشرقي» المتميّز بوجود عدد أكبر من الجزر الكبيرة نسبيا والصغيرة وكذلك بامتداداته عبر «بحار داخلية» من أهمها البحر الادرياتيكي.وقد عرف حوض المتوسط شعوبا عديدة قطنته منذ بدايات تشكل المجتمعات الإنسانية.


وكل شعب من هذه الشعوب حاول تأكيد هويته والدفاع عنها في مواجهة الشعوب الأخرى؛ ولكن هذا لم يمنع واقع أن المتوسط كان «بحيرة للتبادل المستمر» وحيث ان «شعلة الحضارة انتقلت بين شطآنه». كما عرف هذا الحوض قيام ديانات قديمة عديدة التي كان لكل منها معتقداتها وأساطيرها خاصة لدى المصريين والفينيقيين واليونانيين والرومان. وانطلاقا من الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط انطلقت الديانات التوحيدية الثلاث لتنتشر في مناطق الجوار أولا ثم إلى مختلف مناطق العالم.


واستطاع المسلمون أن يقيموا بعد ذلك أكبر إمبراطورية حول حوض المتوسط وفي آسيا بعد الإمبراطورية الرومانية. وما يؤكده المؤلفان هو أن الإسلام قد عزز وجوده في حوض المتوسط منذ القرن السابع الميلادي وحتى بدايات هذا القرن الحادي والعشرين ك«قوة دينية وسياسية في غاية الأهمية».


وما بين القرن الحادي عشر والثالث عشر قامت الحروب الصليبية التي انطلقت من أوروبا. واعتبارا من القرن الحادي عشر أيضا بدأ السلاجقة بدحر الإمبراطورية البيزنطية وفتحوا الطريق أمام بناء الإمبراطورية العثمانية المترامية الأطراف التي استمرّت حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.ويشير المؤلفان إلى أن الحضارة العربية ـ الإسلامية كانت مصدر التنوير والمعرفة واستمر ازدهارها من القرن الثامن وحتى القرن الثالث عشر، وإلى حد ما حتى القرن الخامس عشر.


وفي مواجهة تلك الحضارة الصاعدة استيقظت أوروبا من «سبات القرون الوسطى» وبدأت «عصر نهضتها» وحيث يتم التأكيد على الدور المركزي الذي لعبه في ذلك اكتشاف المطبعة عام 1440 من قبل غوتنبرغ ثم اكتشاف أميركا «العالم الجديد» عام 1492. مثل هذه النهضة تتوّجت عام 1789 بقيام الثورة الفرنسية البورجوازية الكبرى وحيث سمي القرن الثامن عشر ب«عصر التنوير».


وعلى قاعدة مكتسبات ثورة 1789 شهد القرن التاسع عشر في أوروبا ثلاثة اتجاهات جوهرية حددت مسيرتها التالية. وهذه الاتجاهات هي الديمقراطية وتنامي النزعات القومية والتصنيع. وفي نفس الفترة كانت الإمبراطورية العثمانية قد شهدت انكفاءات وهزائم عديدة ابتداءً من القرن السادس عشر وحيث أصبحت تدعى في القرن التاسع عشر بـ«رجل أوروبا المريض».


وإذا كان حوض المتوسط طيلة تاريخه، كما يتم التأكيد مرارا، مسرحا لصراعات محلية أو إقليمية، فإنه قد تأثر كثيرا بأول حرب كونية ما بين 1914 و1918. ثم جاءت الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945 والتي دخلتها بلدان حوض المتوسط عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا. وكانت السمة الأساسية التي تلتها هي بداية نهاية الاستعمار الأوروبي الذي قام على خلفية التقدم الذي أمّنته الثورة الصناعية للقارة القديمة ـ أوروبا.


هكذا قامت على شواطئ المتوسط أنظمة سياسية متعددة مع وجود «موزاييك» من الشعور ذات اللغات والثقافات والتطلعات المتعددة؛ وذلك على قاعدة مسيرة تطورية طويلة.ويتم التعرض في هذا السياق إلى العديد من النزاعات التي عرفها التاريخ المديد لحوض المتوسط والتي تخللتها فترات قصيرة من السلام «العابر»،
بحيث ان البحر المتوسط لم يصبح حتى مطلع القرن الحادي والعشرين بحيرة سلام. فقبرص لا تزال تعيش حالة توتر وانقسام بين قبارصة يونانيين وقبارصة أتراك والحروب العربية ـ الإسرائيلية لم تنته، ولا يبدو أفق السلام في الأفق «القريب على الأقل» ولا تزال هناك مشكلات أقليات ملتهبة أو حيّة «تحت الرماد».

أعدته للنشر على الموقع/ أمانى إسماعيل

MedSea

أمانى إسماعيل

ساحة النقاش

MedSea
موقع خاص لأمانى إسماعيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

921,870