كيف انتقلت فرنسا من الدعوة إلى عالم متعدد القطبية، ومن رفض العولمة الأمريكية، إلى عالم آحادي القطبية وعولمة الولايات المتحدة. لماذا حصل التلاقي بين باريس وواشنطن من حول القرار 1559 الخاص بلبنان سنة 2004؟ وما القصة السرية لهذا القرار، وأسباب اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري، والاتفاقات بين الرئيسين شيراك وبوش بصدد إسقاط النظام السوري، وموقف “إسرائيل” من ذلك؟ 

عن هذه الاسئلة يجيب الكتاب الصادر حديثاً في باريس، عن دار “سوي” للصحافي الفرنسي ريشار لابفيير الذي يترأس تحرير اذاعة فرنسا الدولية تحت عنوان: “الانقلاب الكبير: بغداد- بيروت”. يبدأ الكتاب بوقفة عند خطاب وزير الخارجية الفرنسية دومينيك دوفيلبان (رئيس الوزراء حاليا) في فبراير/شباط 2003 امام مجلس الامن الدولي، خلال الخلاف الأمريكي الفرنسي تجاه الأزمة العراقية. في ذلك الوقت قال الوزير الفرنسي أسباب الرفض الفرنسي لحرب جديدة ضد العراق. “لقد اعتقد الكثير من الفرنسيين انها يقظة، لكنها لم تكن اكثر من يقظة فجائية عابرة”. ويبرر ذلك انه لم يكن هناك سياسة محددة او مشروع مضاد. هل هو نقص حاد في ارادة القوة، هل فقدت فرنسا امكانية الدفاع عن مطالبها، هل اصبحت أقل تأثيرا مما كانت عليه في زمن الجنرال ديغول؟ ويدلل الكاتب على هذه الحالة بإقرار القرار 1559 في ايلول/سبتمبر ،2004 والذي يعني التلاقي مع السياسة الأمريكية، الذي يعبر عن نفسه في العراق وفلسطين وايران والحرب ضد الارهاب لاحقا، وشيئا فشيئا يتحول الانقلاب الكبير من ممارسة إلى عقيدة”. ويقول الكاتب في المقدمة ان هذا التلاقي السياسي، عّبر عن نفسه مع “بدء الهجوم “الإسرائيلي” على لبنان في الثاني عشر من تموز/يوليو الماضي، بعد هجوم حزب الله على الخط الاخضر. حتى الاول من آب /اغسطس تسببت غارات الطيران “الإسرائيلي” في سقوط 600 مدني لبناني، وتدمير البنية التحتية للبلد... وأدت إلى تهجير نحو 800 الف لبناني. ورغم هذه الحصيلة المروعة لم يتحرك أحد. لامؤتمر قمة الدول الثماني، الذي انعقد في سان بطرسبورغ، ولا الجامعة العربية، ولا مجلس الامن الذي كانت تترأسه فرنسا في يوليو”. وينتقل للحديث عن مؤتمر روما الذي انعقد في 26 يوليو، والذي انتهى إلى “العمل حالا من اجل التوصل بسرعة إلى وقف اطلاق للنار”. لقد تبين ان المجتمع الدولي ومعه فرنسا اكتفى بالتفرج على “إسرائيل”، وهي تدمر لبنان بمباركة من واشنطن. ويشرح الكاتب كيفية وصوله إلى كتابة هذا الكتاب. ويقول “من اجل استيعاب هذا الانقلاب الفرنسي التقيت بكثير من الدبلوماسيين من اداريين وعسكريين فرنسيين واجانب، تحت الخدمة او في التقاعد. ولأسباب خاصة بهم رفضوا الاشارة اليهم صراحة، وبفضل هؤلاء يأتي الكتاب ليس كمحاولة او رواية، وانما كتحقيق”. ويشير الكاتب إلى شخصيات عربية قدمت له المساعدة على انجاز هذا الكتاب منها الشيخ “ددت” في حضرموت ووليد شرارة وميشال سماحة في لبنان. 

الحكاية السرية للقرار 1559 

يستعرض الكاتب في هذا الفصل مسيرة القرار ،1559 و يعتبر انه جاء نتيجة صفقة بادل فيها الرئيس جاك شيراك بمناسبة انعقاد قمة الدول الثماني في يونيو/حزيران من العام 2003 في ايفيان الفرنسية، تكريس الوجود الأمريكي في العراق، مقابل قبول الرئيس الامريكي جورج بوش بنصائح الرئيس الفرنسي في قضايا الشرق الأوسط. وخلال المؤتمر قال بوش في مؤتمره الصحافي: “هذا الصباح تطرقنا الى تمنياتنا المشتركة للنمو الاقتصادي في بلدينا. ووجدت ان اجتماعنا كان خارقاً، وفي غاية الأهمية. والآن سأطلب نصيحة جاك بشأن ملف الشرق الأوسط. فهو لديه اطلاع واسع ويعرف أشياء كثيرة عن الشرق الأوسط. وأحكامه جيدة حول الشرق الأوسط. أعرف أن كثيرين في بلدينا يتساءلون ان كان بوسعنا أن نجلس جنباً الى جنب والتحدث بشكل لائق. وجوابي هو نعم بكل تأكيد. أنا مسرور جداً لمجيئي الى هنا. وأؤكد ان هذا الاجتماع كان ايجابياً ومفيداً”.وعند سؤال الرئيس شيراك كيف سيعملان معاً أجاب، أن هناك قاعدة صلبة اسمها القرار 1483. وهي كما يقول الكاتب قاعدة أرست الوجود الأمريكي- البريطاني في العراق، ونزعت عنه صفة الاحتلال، وهنا لم يتردد بوش عن شكر الرئيس الفرنسي لمساندته “القرار الأخير بشأن العراق”. ويعتبر الكاتب ان قمة ايفيان اتاحت الفرصة لكسر الجليد الذي أدى الى فتور العلاقات بين البلدين وأن فرنسا دفعت ثمناً باهظاً لمعارضتها الحرب ضد العراق، وموقف وزير الخارجية دومينيك دو فيلبان في الأمم المتحدة. ويتابع الكاتب، بأن استعادة الحوار بين الرئيسين اكتسبت أهمية خاصة نظراً لانعقاد قمة الثماني برئاسة الولايات المتحدة في جورجيا الأمريكية في السنة التالية. وتلا هذا اللقاء لقاء آخر في في سبتمبر/ايلول من العام 2003 في اروقة الأمم المتحدة على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة. حيث اعتبر شيراك بحسب أحد مستشاريه ان عليه الآن اتخاذ المبادرة لقلب الصفحة العراقية، ولدفع العلاقات الأطلسية. وبناء على طلب الرئيس شيراك الى سفير فرنسا في واشنطن جان دافيد لفيت جرى العمل لتجسيد المصالحة بين البلدين، ويتابع الكاتب أنه الى جانب متابعة القوات الفرنسية انخراطها في عمليات مكافحة الارهاب في أفغانستان الى جانب القوات الأمريكية، والى جانب المساعدة في تهدئة الأوضاع في هايتي، جان دافيد لفيت كان على اقتناع أن فرنسا يمكنها ان تلعب ورقة لبنان. “ضربة مزدوجة” حيث يمكن للرئيس شيراك ان يساعد صديقه الشخصي رفيق الحريري على مواجهة متطلبات دمشق، والمساهمة “بدمقرطة” الشرق الأوسط، وهي مهمة غالية على قلب الرئيس الأمريكي. ويشير الكاتب الى ان تحضير مشروع القرار تم اسناده الى مستشاره الدبلوماسي موريس غوردو مونتانيو، ومدير قسم الشرق الاوسط- افريقيا الشمالية في وزارة الخارجية آنذاك برنار ايميه، الذي عينه شيراك في العام 2004 سفيراً في بيروت، بالاضافة الى جان دافيد لفيت. وبعد فشل مهمة غوردو مونتانيو في دمشق لتنبيه السوريين، الى الأخذ بعين الاعتبار الانتصار الأمريكي والتهيؤ للأمر الواقع وافهام الجانب السوري أن معارضة فرنسا للحرب على العراق، لا تعني بأي شكل من الأشكال ترؤس فرنسا لحلف مضاد للولايات المتحدة، وهو أمر صعب على دمشق أن تفهمه اذ اعتبرت أن فرنسا التي طالبت دمشق بمساندتها في الأمم المتحدة لمعارضة الحرب على العراق، قد غيرت مسارها بشكل مفاجئ، زد على ذلك سعي الرئيس الحريري لدى “صديقه” شيراك لفعل ما بوسعه لفك الطوق السوري عنه، فدخلت العلاقات السورية الفرنسية في حالة الجليد. ويستعرض الكاتب في هذا الفصل مراحل تدهور العلاقات السورية - الفرنسية، منذ ان تمكنت فرنسا من مساعدة لبنان عند انعقاد “مؤتمر باريس 2” في نوفمبر/تشرين الثاني ،2002 حيث نجحت باريس في اقناع المانحين والبنك الدولي وصندوق النقد بتقديم 4 مليارات دولار الى جانب قروض بفوائد مخفضة، وفي المقابل تعهد الحريري بتطبيق اصلاحات، وكيف أن سوريا أفشلت مساعي الحريري بتحقيق هذه الاصلاحات، وكيف كانت تستدعي الحريري وتعطيه الأوامر كأنه خادم صغير. الى جانب ذلك شعر الرئيس الفرنسي بأن كل محاولاته باستمالة الرئيس السوري بشار الأسد باءت بالفشل، حيث كان الرئيس الوحيد الذي حضر مأتم الأب، ودعا الابن لزيارة باريس وفتح أمامه أبواب العواصم الأوروبية. لكن كل ذلك بقي دون رد جميل، بل على العكس قامت دمشق بسحب عقد النفط من يد شركة “توتال” الفرنسية لاعطائه الى الأمريكيين، رغم اتصال شيراك للتأكيد على الأهمية التي تعلقها فرنسا على هذا العقد. تزامن هذا التدهور مع تبني عقوبات اقتصادية امريكية ضد دمشق في اطار قانون محاسبة سوريا. عندها ايقنت سوريا ان توافقاً امريكياً - فرنسياً يصب في نفس الاتجاه. ويؤكد الكاتب أن الانتهاء من صياغة نص القرار 1559 تزامن مع انعقاد قمة الثماني في 10 يونيو 2004 في جورجيا الأمريكية، وان لبنان مثل قاعدة المصالحة الفرنسية الأمريكية. ويستعرض الكاتب مراحل التعاون الأمريكي الفرنسي للحصول على تبني القرار من قبل مجلس الأمن. ولكن ذلك لم يردع دمشق التي جددت للرئيس لحود ثلاث سنوات، مما يعني استبعاد الرئيس الحريري وكان ذلك النقطة التي افاضت الكأس. 

القرار 1559 

ويجزم الكاتب ان صياغة القرار تمت في منزل الحريري في سردينيا، ويؤكد ان هذا التاريخ يمكن اعتباره تاريخ انقطاع العلاقة بين باريس ودمشق، اي ما بين نهاية يوليو/تموز وبداية أغسطس/آب من العام 2004. 

“ في 17 اغسطس، اتصل موريس غوردو مونتانيو، بالرئيس شيراك ليوافيه بنتائج انتهاء الفصل الأول من مهمته. مسودة القرار 1559 باتت جاهزة، ويبقى الآن الحصول على شراكة واشنطن في تبني هذا القرار لطرحه أمام مجلس الأمن. لذا اتصل مستشار شيراك بوزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس مقترحاً عليها حضوره الى واشنطن لوضع اللمسات الاخيرة على المشروع. فدعته الى الغداء دون ان تخفي حماسها للفكرة. هكذا استقل المستشار الدبلوماسي أول رحلة الى واشنطن متأبطاً مشروع القرار. 

الغداء كان في البيت الأبيض في 20 أغسطس 2004. بدأ مستشار الرئيس الفرنسي يفسر للمستشارة في شؤون الأمن أن الأمور تتسارع، فدمشق تضاعف مبادراتها بهدف الحصول على ولاية ثانية للحود، ورئيس الوزراء رفيق الحريري سيستدعى قريباً الى دمشق لوضعه امام الأمر الواقع. ومع التجديد للحود الذي ينعم بحماية سورية فان هذه الأخيرة ستبقي قبضتها على لبنان للسنوات الست المقبلة.. “لبنان سيبقى فريسة الممارسات المافيوية نفسها”، يقول غوردو مونتانيو الى كوندوليزا رايس، “مما يعني ان آفاق الاصلاحات البنيوية التي فتحها مؤتمر باريس 2 ستطمر نهائياً”. ثم يتابع الكاتب ان المحادثات تطرقت الى نيات مشروع القرار، خاصة نزع سلاح حزب الله والميليشيات، انسحاب الجيش السوري من لبنان وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب على طول الخط الأزرق شمال “اسرائيل”. ويعتبر ان شيراك الذي كان سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي في 30 و31 اغسطس، حصل دون شك على موافقة الرئيس السوفييتي كون الأخير كان له ردة فعل ايجابية، عندما تم استعراض الملف بشكل عام خلال قمة الثماني الأخيرة. الدول الأخرى في مجلس الأمن بما فيها الجزائر، لن تعارض، مبدئياً. اسبانيا ومصر وباكستان تولت فرنسا الاتصال بها. لكن يبقى اقناع الصين التي تتحسس من مشروع القرار كونه يمس سيادة احد بلدان الدول الأعضاء. “لكن مهما يكن يجب الاسراع قبل ان تصدق دمشق على التجديد للحود، اي قبل 15 سبتمبر”.ويشير الكاتب الى ان متابعة مشروع القرار تمت فيما بعد، بين السفير الفرنسي في واشنطن دافيد لفيت، مع مساعد رايس اليوت ابرامز الذي لديه قراءة مختلفة لآفاق السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. بحيث ان هذا الأخير يعتبر ان اتفاق اوسلو ومحادثات السلام، كانت ستؤدي الى ارساء دكتاتورية عربية جديدة وأن مصلحة الولايات المتحدة، التي انتصرت في الحرب الباردة وفي حربها ضد العراق، باتت تتطلب منها اعادة قراءة خارطة المنطقة بشكل أوسع. ويرى اليوت ابرامز ان مصلحة الولايات المتحدة تتجسد بتأمين الحدود بين سوريا والعراق، أي يمكن الآن رسم شرق اوسط جديد يتم فيه اضعاف سوريا وابعادها عن ايران. مع ايجاد قوة استراتيجية في المنطقة ترتكز على المحور التركي- “الاسرائيلي”، وان تنفيذ استراتيجية كهذه يعتمد أكثر على ميزان القوى في المنطقة منه على البراعة في المفاوضات. هكذا تواصلت التحضيرات لهذا القرار بين السفير الفرنسي في واشنطن واليوت ابرامز، وسط غبطة واشنطن. ويفيد الكاتب بأن الجانبين لم يطلعا امين عام الأمم المتحدة على اية تفاصيل، بل ان كوفي انان اكتشف نص القرار قبل أربعة ايام من التصويت عليه. كذلك في وزارة الخارجية الأمريكية والبنتاجون لم يكن الخبراء على علم بأي شيء من هذا القبيل. تم تبني القرار في مجلس الأمن في 2 سبتمبر 2004 بحصوله على تسعة أصوات، وامتناع ستة. في اليوم التالي مدد مجلس النواب اللبناني ولاية لحود لمدة ثلاث سنوات. وبالنسبة الى جاك شيراك كانت هذه النقطة هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير. لأن هذا التمديد يعني استبعاد “صديقه” رفيق الحريري. ولم يكذب حدسه لأن هذا الإقصاء حصل في الواقع في 21 اكتوبر 2004. في فصل آخر من الكتاب يعود الكاتب الى الحديث عن سلسلة الفضائح بين الرئيس الفرنسي و الحريري. ومن بين هذه الملفات ملف تمويل الحريري لحملات شيراك الانتخابية. ويعود الى تاريخ الصداقة بين الرجلين حيث يصفها بصداقة مصلحة تعود الى بداية الثمانينات، حين بدأ رفيق الحريري اعادة تنظيم أعماله بين السعودية وباريس، ويعود الى سطوع نجم الحريري في الوسط السياسي الذي بدأ في العام 1979 مع الاعتداء الارهابي في مكة المكرمة على يد جماعة اسلامية، والتي ادت الى احتجاز رهائن تبنى الحريري دوراً بحل الأزمة التي انتهت بالقضاء على الارهابيين. وكيف استطاع الحريري الانتقال من العقارات والمشاريع الى السياسة، كانت بدايتها مع انعقاد مؤتمر الطائف لحل الأزمة اللبنانية في قصر المؤتمرات الذي كان من أحد مشاريعه. وفي تفصيله لمساهمة الحريري بتمويل حملات شيراك وتقديم الهدايا عن طريق دفع فاتورة سفر واقامة في سلطنة عمان، ادت في المرحلة الأخيرة كدين من شيراك نحو الحريري، مساعدته بمعارضة اختيار لحود كرئيس وتمديد ولايته. ويستشهد الكاتب بحملات مجلة “الشرق” التي أشارت الى تمويل الحريري لحملات شيراك الانتخابية. ويتوقف عند تفاصيل يوميات حياة شيراك السياسية. وينتهي بتحليل لشخصية شيراك النفسية حيث وصفه بأنه عاطفي، يبحث عن محبة الآخر ويبني تقييمه للشخص الآخر على قياس كيف بلغت العلاقة الشخصية بين الرئيسين الحريري وشيراك الى أن تلبنن هذا الأخير كلياً، في حين ان الأول اصبح يتصرف كرجل دولة فرنسي. ويتوقف عند وصف شيراك للرئيس الحريري خلال مقابلة مع تلفزيون “المستقبل” بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني حيث شبهه بديجول. وينتهي الى اقامة علاقة بين القرار 1559 واغتيال الحريري. 

كتاب 

أسباب اغتيال الحريري 

(واشنطن - 27 يناير/ كانون الثاني 2006) “الشعب الأمريكي يبكي فقدانكم والدكم/ من المهم جداً ان تتقدم التحقيقات حول اغتياله. نحن نأمل ان يأتي التحقيق كاملاً وحازماً، وان يحاسب المسؤولون عن موته”. هذا ما أدلى به جورج بوش خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض بعد لقائه سعد الحريري. ودون الاشارة بشكل واضح الى سوريا واحتمال تورطها في مقتل الحريري، جدد الرئيس الأمريكي موقفه حول لبنان، “الذي يجب ان يكون حراً من كل تأثير أجنبي، ومتحرراً من سياسة الترهيب السورية، وحراً بتحديد طريقه”. في ذلك اليوم تناول المستشار القانوني في الأمم المتحدة، نيكولا ميشال، مع سفير لبنان في نيويورك مسألة انشاء محكمة دولية تتولى محاكمة الأشخاص المتورطين. ويشير الكاتب الى قضية التحقيق التي لم تتقدم، منذ ان اتهم المحقق ديتليف ميليس سوريا. . وكيف ان هذا الأخير ترك منصبه في ديسمبر/ كانون الأول 2005 رغم قرار الأمم المتحدة بتمديد مهمته. فتقرير ميليس خلص الى ان القنبلة التي تسببت بمقتل الحريري و22 شخصاً آخرين، قد تكون وضعت في شاحنة ميتسوبيشي، يقودها انتحاري. كما انه لم يتم التعرف إلى هوية السائق لكن فريقاً يابانياً تمكن من التعرف إلى الشاحنة. ولائحة مالكي الشاحنة المتتالية كانت عنصراً جوهرياً، للتعرف الى المجرمين لكن أبحاث اللجنة الدولية في هذا المجال لم تسجل اي تقدم. ويتابع الكاتب سرد قصة ملف التحقيق كما نعرفها، وكما نقلتها الصحف من دون تقديم اي جديد يذكر، اذ يبدأ بالتساؤل عن الخلل في جهاز الحماية الذي كان متوفراً لرئيس الوزراء اللبناني، معتبراً “ان الحريري كان محمياً تماماً كرئيس الولايات المتحدة، إذاً كيف يمكن الاعتداء عليه بهذه البساطة، وان يعطل جهاز حماية بتلك الدقة، جهازا يعمل من خلال الساتلايت يستخدم تقنية الجي بي اس. (غلوبال بوزيشن سيستم)، حيث انه قبل اي تنقل، يتم نقل نقطة الانطلاق ونقطة الوصول مع الطريق التي سيتم اتباعها للوصول الى المكان، تنقل عبر الانترنت بواسطة رمز سري محمي الى مركز في قبرص. وهذا المركز يقوم بنقل المعلومات الى ساتلايت المراقبة للمنطقة التي سيقطعها الموكب، وذلك عبر متابعة الموكب بالوقت الحقيقي، مما يمكن مراقبة المكان بمساحة 2000 متر بشكل مصور. إذاً فان المحققين يملكون صور الساتلايت لموقع الجريمة التي تؤكد ان الأمر يتعلق بشاحنة هاجمت الموكب وليس بعبوة وضعت تحت الأرض. أما عن اخفاقات جهاز الحماية، وعدم ردة فعل المرافقين فلا تزال الأسئلة من دون أجوبة. ويستعرض الكاتب بالتفصيل حكاية الشهود، الشاهد هسام طاهر هسام الذي تراجع عن شهادته، مؤكداً انه أدلى بها تحت الضغوط، وان الحريري أغراه بالمال وتم تلقينه الشهادة التي سيدلي بها امام المحكمة. ويستعرض كذلك قصة الشاهد الثاني زهير الصديق. ولا يستبعد ان يكون تخلي ميليس عن مهمته قبل انتهاء المهلة التي منحته اياها الأمم المتحدة كان بسبب هاتين “القنبلتين”. ويستفيض الكاتب بالاشادة بالمحقق سيرج برامرتز الذي خلف ميليس واصفاً عمله بالمهني، والمحترف كونه ابتعد عن كل تسريبات وتصريحات للصحافة حول تقدم عمله. ويلقي الضوء على الخلايا الأصولية في لبنان.. “في يناير من العام ،2006 قامت السلطات اللبنانية بتفكيك خلية جهادية في لبنان. وخلال التحقيقات، أثار الناشطون، من بينهم فلسطينيون، ولبنانيون، وسعوديون، وسوداني، ومصري، اسمه خالد طه، الذي جاء اسمه في تقرير ميليس. فهذا الشخص قد يكون مرتبطاً بأحمد أبو عدس، الناشط الشاب الذي اختفى والذي كان تبنى عملية اغتيال رفيق الحريري باسم جماعة اسلامية مجهولة. وعدم استبعاد الخلية الاسلامية يظهر منذ بداية التحقيق بشكل متكرر، دون ان يتم تقصيها بشكل جدي. وان كان ذلك لا يؤدي حتماً الى التعرف الى أسماء الأشخاص الذين أصدروا الأوامر بتنفيذ العملية، فان ذلك قد يسمح بدرس الأسباب المختلفة التي قد تكون شكلت الدافع لارتكابها. وهذه الأسباب تعيدنا الى اعتبارات جيوسياسية بالاضافة الى دوافع شخصية تتعلق بعائلة الحريري. وهذه جوانب لم يشملها تحقيق ديتليف ميليس لكن خلفه اخذها بعين الاعتبار..” 

ويربط الكاتب بين صعود السلفيين في لبنان منذ اتفاق الطائف وحرب الخليج، ويفسر نقمة هؤلاء على الحريري بسبب ارتباطه بالمملكة العربية السعودية التي اوكلت امرها الى الولايات المتحدة ووضعت نفسها تحت حماية “الصليبيين واليهود”، ألد أعداء السلفيين، وهؤلاء الذين يريدون تدمير العراق حتى لا يعود للمسلمين اية قوة تمكنهم من حماية “الدين الحقيقي”. “فهؤلاء الذين يتصرفون بهذا الشكل يخونون الله ورسوله” ويستحقون بالتالي العقاب الأكبر. وسلسلة الاعتداءات التي هزت استقرار المملكة، من ايار/ مايو 2003 تصب بهذا التحول الذي اصاب كافة البلدان السنية. بحسب تحليل الكاتب. 

ويذهب الكاتب بتحليله الى ان “الأئمة الذين يعظون في المخيمات الفلسطينية في لبنان، يمثل رفيق الحريري بالنسبة لهم الشخص الذي يجمع كافة ادلة الكفر ناقد العقيدة، ومنهج حياته يشكل تجسيداً للكفر الذي يجب محاربته”. ولا ينسى الكاتب ان يشير الى قضية بنك المدينة، وبعد تفصيل المشهد السياسي اللبناني، وهو مشهد كان على الدوام منقسماً، ويعتبر الكاتب ان الحريري الذي مارس السياسة من الأعمال والأعمال من السياسة ايضاً قد يكون “رجل أعمال قتلته أعماله”. “رفيق الحريري قد يكون ضحية جانبية لحالة المواجهة التي يصعب تحسسها بين عائلتي الاسلام، (السنة والشيعة) التي اجج شرارتها التدخل الأمريكي البريطاني في العراق”. حسب دبلوماسي اوروبي في بيروت. كما يشير الى ان اسم الحريري كان على لائحة الشخصيات التي يجب التخلص منها، على موقع الانترنت للوبي اللبناني في واشنطن والمعروف ان هذا اللوبي مقرب من اوساط المحافظين الجدد. اما التحليل الثاني الذي يصب في الاتجاه نفسه، فأخذه الكاتب عن الصحافي اللبناني رينيه نبعة، “ان نزع سلاح حزب الله الذي تطالب به واشنطن هو فقط لارضاء متطلبات “اسرائيل” الأمنية؟ هل هدفه غير معلن هو اعطاء قضية الدين العام اللبناني، الذي بلغ رقماً قياسياً بسبب السياسة الفاسدة التي اتبعها الحريري، بعداً ثانوياً من خلال ربطه بشرط تقويم الاقتصاد اللبناني بنزع سلاح حزب الله الشيعي؟ وبذلك تعويض خسارة السنة في العراق عن طريق تدعيم السنة في لبنان، بهدف ارضاء بعض دول المنطقة الحليفة مع الغرب، وعبر إعادة تنشيط تحالف سني - ماروني تحت رعاية غربية، وخنق سوريا؟ 

ويعتبر ان القرار 1559 سلاح يد قاتل الحريري. ويرى ان عدم تسوية ازمات الشرق الأوسط، وسوء ادارتها غير العادلة وعودة الصراعات المذهبية: تراكم اسباب هذه الجريمة تعود بنا الى عدم استكمال سلام الطائف، وعدم استكمال عملية السلام الفلسطينية “الاسرائيلية”، الى الفوضى التي تعم الساحة الاقليمية كلها عوارض أكثر دليلاً على هذا المرض. 

_________________

مع أطيب تحيات 

محمود كعوش

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 276 مشاهدة
نشرت فى 31 يناير 2013 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

371,717