إن مسألة الأمن المائي العربي تشكل عنصرا أساسيا في الشرق الأوسط وبالأخص الوطن العربي فهو سلاح ذو حدين، إما أن يكون عامل تعاون وتقارب وسلام يبني على قاعدة المصالح المشتركة أو يكون عامل للصراع والحروب في المنطقة. ولقد اخترت هذا الموضوع مشكلة المياة بين سوريا وتركيا والعراق والأبعاد الحقيقية التي تهدد الأمن المائي العربي لأن المياه ولقلتها وزيادة أعداد السكان بشكل كبير أصبحت من المواد التي يحدث حولها صراع كبير وخاصة عن وجود تتحكم في منابع مياه أو دولة تشترك في نهر واحد.
نهر الفرات يعتبر من أهم الأنهار وأغزرها في المنطقة ولقد حدثت الكثير من المشاكل بين تركيا وسوريا والعراق حيث أن دولة سوريا والدولة العراقية هي من الدول العربية التي هي عضوان في الجامعة العربية وهي من الأمن القومي العربي حيث أن تركيا لا تعترف بالحق العربي التاريخي في مياه هذه النهر وتعتبر هذا النهر ملك لها لأنه ينبع من أراضيها فقد حاولت بل بدأت بإقامة مشاريعها على هذا النهر وكذلك نهر دجلة.
وذلك لحرم دولة سوريا والعراق من الاستفادة من المياة النهر.
مشروع أنابيب السلام:
هو مشروع طرح في الأصل من قبل مهندس يهودي الأصل يدعى (اليشع كالي) بحر مياه النيل إلى الضفة الغربية وإسرائيل حتى أن المشروع الإسرائيلي يحمل اسم مياه السلام وأردت تركيا أن تضع هذا المشروع لبيع سيحان وجيحان ويقسم هذا المشروع إلى خطين غربي يمر بسوريا والأردن وإسرائيل والسعودية وخط شرقي يمر بسوريا والأردن والسعودية ودول الخليج الأخرى. وذلك بسبب أن الوطن العربي هو غني بالثروات المعدنية من البترول والغاز.
فأما تركيا وإسرائيل تريد مقاسمة العرب في المياه أصبحت هي الأهم من الثروة المعدنية بشكل عام.
الموقف العربي من المياه
الموقف السوري يتطلب منا النظر إلى طبيعة سوريا الشبة صحراوية والتي تعتمد في مياها على 3 مصادر وهي:
1. مياه نهري دجلة والفرات.
2. مياه نهر العاصي ونهر اليرموك (قبل الاحتلال).
3. المياه الجوفية.
هذه المصادر توفر 60% من حاجة سوريا لري وإن إقامة السدود لتوليد الكهرباء وتخزينها لفترات الجفاف ولكن هنالك مجموعة من المشكلات تواجه مثل هذه المشاريع أهمها:
1. المشاريع التركية وأثرها على انخفاض منسوب مياه النهر.
2. الكلفة العالية لمثل هذه المشاريع وأثرها عى الاقتصاد السوري.
هناك مشاكل بين سوريا وتركيا حول لواء الاسكندرونة، وكذلك مع العراق حول تقسيم المياه وقد وقعت اتفاقية تقسيم المياه بين سوريا والعراق في 16 نيسان 1990 تحصل سوريا بموجبها على 42% من وارده المياه ويحصل العراق على 58% منه( ).
اعتراض سوريا على المشاريع التركية النابعة من الأضرار بمصالحها وليس في حقها بإقامة مشاريع مائية( )، ويمكن القول بأن الموقف السوري يتلخص بما قاله المهندس محمد الحاضبائي رئيس دائرة المياه الدولية في وزارة الري السورية.
حيث قال:
" إذا سلمنا بأنه لدينا موارد مائية تقدر بـ 10 مليارات متر مكعب مع نهاية العام 1995، وسيرتفع إلى 16 مليار متر مكعب عام 2000 من هنا نتأكد أهمية كبيرة لموارد نهر الفرات إذ لا تقتصر على كمية المياه ولكن على نوعيتها أيضا حيث يمثل ذلك على دفع مياه ملوثة في نهر الفرات إلى سوريا والعراق، فوجود الأكسجين الحيوي الممتص Bod فيها نسبة 70% ملغ/ لتر ونسبة من الفوسفات والكالسيوم والبيكربونات والنشادر والمواد العضوية الطيارة تعتبر ليست ملوثة فحسب وإنما سامة، ولها أخطار على البيئة والإنسان والحيوان وآثار ضاره على الزراعة، وهناك خطر تسرب هذه الملوثات إلى مياه الجوفية"( ).
يمكن تلخيص وجهة نظر العربية من مشكلة المياه إلى:
1. جامعة الدول العربية الممثلة للعرب لا تستطيع اتخاذ موقف حازم من قضية مهمة مثل قضية المياه.
2. لا يوجد تنسيق بين سوريا والعراق كون العلاقة بينهم يشوبها نوع من التوتر.
3. الكتابات العربية تشير إلى أن الخطر على الأمن القومي العربي ليس فقط من إسرائيل بل ومن تركيا أيضاً.
4. لإيجاد حل عادل لقضية المياه يجب توثيق العلاقة مع الأتراك.
5. القانون الدولي هو المرجع الأساس في مثل هذه القضايا.
6. يجب أن تكون القسمة عادلة للمياه بين الأطراف حسب اتفاقيات دولية وتطبيقها باحترام( ).
تم توقيع اتفاق عام 1987 بين الأطراف ينص على أن يصل سوريا والعراق 500م3 /ث ولكن الكمية التي تصل الآن هي 210-290 م3 / ث على التوالي، وهذا تهديد لمشاريع العرب من خلال السيطرة التركية وقد ظهرت بوادر هذا التهديد عام 1990م عندما توقفت دفق المياه لمدة شهر كامل، فقد تضرر حوالي 1.5 مليون مزارع، وأكثر من 5.5 مليون شخص يعيشون على ضفاف النهر، هذا بالإضافة إلى التلويث إلى قد ينتج عن المشاريع التركية( ).
وسوريا تتمسك بذلك إلى البروتوكول الذي تتعهد فيه تركيا بإيصال أكثر من 500م3 / ث إليها كمعدل سنوي وفي حالة انخفاض المستوى عن 500م3/ ث فإن تركيا تتعهد بتعويض تلك الكمية في الفترة اللاحقة( ).
العراق ترى بأن سوريا حق تاريخي في المياه وأنه له 28 مليار متر مكعب سنويا، إلى معدل دفق حوالي 800م3 / ث وبناء على ذلك فإن الـ 500م3 /ث كالتزام تركي كحد أدنى خلال فترة إنشاء سد أتاتورك وسترد بعده معدلا يتراوح بين 600-700م3 وذلك لحين الوصول إلى اتفاق بهذ1الشأن( ).
يمكن القول بأن الخلاف السوري التركي يدور حول نقاط أخرى غير مشروع الغاب وهي:
1. المشكلة الكردية: سوريا تدعم العراق من أجل الاستقلال عن جنوب تركيا وقد هدد (تورغت أوزال) في سبتمبر عام 1989 بقطع المياه عن سوريا إن لم تتوقف عن دعم النشاط الكردي.
2. وجود شواهد بترولية لسوريا: تركيا تريد مقايضة المياه بالبترول، وهذا واضح في تصريح (سليمان ديميريل) عندما افتتح سد أتاتورك حيث قال:
" إن منابع المياه ملك لتركيا كما أن النفط ملك للعرب، وبما أننا لا نقول للعرب إن لنا حق في نفطكم، فلا يجوز لهم أن يطالبوننا بما هو لنا"( ).
مشروع أنابيب السلام
تم طرح مشروع الأنابيب من قبل رئيس الوزراء التركي في عام 1987 وهو مشروع يتكون من إقامة خطين من الأنابيب، لتزويد بعضا لبلدان العربية في الشرق العربي وإسرائيل لتزويدها بالمياه، وهذا المشروع يهدف إلى بيع المياه التي تزيد عن حاجة تركيا للعرب من نهري سيحون وصيحون، وهما نهران عربيان إذ ينبعان من لواء الأسكندرونة المحتل من قبل تركيا، ويصبان في لواء الأسكندرونة( ).
فتركيا سوف تستغل ما يقارب 23.07 مليون م3 يوميا من مياه النهرين لري وتوليد الكهرباء، وباقي قدره النهرين التي تقدر بـ 16.1 مليون م3 يوميا سوف تستغل في المشروع المقترح، والذي سوف يضخ 3.5 مليون م3 يوميا لمسافة تقدر بـ 2700 كلم عبر أنابيب قطرها يتراوح بين ثلاثة وأربعة أمتار، وسيكون على طول المسافة محطات ضخ لدفع المياه، كما ستقام محطات لتوليد الكهرباء، أما تكاليف الخطين فسوف تتحملها الدول العربية، فالخط الشرقي الذي يبلغ طوله حوالي 3900 كلم ويضخ حوالي 2.5 مليون م3 إلى دول الخليج تقدر تكاليفه حوالي 8.5 مليار دولار أمريكي ، بينما تقدر كلفة خط الخليج 12.5 مليار دولار أمريكي، وينجز هذا المشروع في حوالي عشر سنوات( ).
إن هذا المشروع سوف يحل مشكلة حيوية في المنطقة ولكنه لم يأخذ بعين الاعتبار حقوق الآخرين في مياه الفرات، وهذا المشروع غير على بيع المياه للدول العربية بل ويمد إسرائيل أيضا بالمياه، وتكلفة المشروع كاملا تقدر بـ 21 مليار دولار.
لم يبدأ العمل بمشروع أنابيب السلام وذلك لعدم وجود الحماس من الدول العربية لذلك المشروع، وهناك عدة أسباب لهذا الموقف من الدول العربية وهي:
1. تركيا تريد بيع المياه للعرب وتحمليهم تكاليف المشروع، وهذا غير مقبول منطقيا.
2. المشروع من المفترض أن يزود إسرائيل بالمياه، والعرب في حالة حرب مع إسرائيل.
3. تركيا تمتلك مصادر المياه وتستطيع الضغط بها على العرب متى شاءت( ).
إن الأهداف الرئيسية لتركيا من وراء هذا المشروع قد لا يكون ظاهرة بشكل جلي، فهي تقول بأنها تريد حل مشكلة حيوية في المنطقة ولكن أن تكون الأهداف الخفية من وراء هذا المشروع هي الضغط على العرب بعد أن يعتمدوا على مياهها في مسائل استراتيجية مثل الاعتراف بإسرائيل أو محاولة زيادة نفوذها في المنطقة .
المياه واستقرار المنطقة
إن المنطقة العربية توشك على الدخول في أزمة خطيرة ناتجة عن النقص الحاد في أهم موارد الطبيعية والاستراتيجية وهي المياه، ومن المعروف أن عدد قليل من الدول في المنطقة لديها مصادر كافية من المياه، أما الأغلبية العظمى منها فليس لديها مصادر كافية، وفي الوقت نفسه هناك نمو في عدد السكان وكذلك التوسع في الزراعة والصناعة وهذا ما يدعو إلى زيادة الطلب على المياه، فمن هنا تبرز أهمية مشكلة المياه في المنطقة العربية وتعتبر المحور الأكثر تعقيدا وتشابكا في العلاقات بين الدول( ).
وما قد أثر على العلاقات العربية التركية واستقرار المنطقة هي المشاريع التي تقوم تركيا بطرحها والعمل عليها من أجل إنجازها مثل مشروع الغاب ومشاريع بيع المياه مثل مشروع أنابيب السلام، هذه المشاريع تؤثر بشكل سلبي على العلاقات بين الطرفين، وما زاد من تعقيد الأمر هو عدم وجود قواعد قانونية ملزمة أو اتفاقيات دولية ملزمة بشأن قضية المياه التي قد تكون السبب في حروب المياه في المنطقة في المستقبل( ).
تركيا تعتبر نفسها سيدة الموقف في المنقطة لأنها تسيطر على منابع الأنهار، وهذا ما يجعل لها مركز قوة، كما أنها تدافع عن حقها في إقامة المشاريع على النهر، فنرى هذا الموقف السوري والعراقي المناقض للموقف التركي، ومن هنا تبرز نقطة الخلاف ويبدأ الصراع، والجهود الدولية تسعى بشكل مستمر لإيجاد حل لهذه المشكلة وخاصة اللجنة الدولية للقانون الدولي التي تعمل منذ 1991 لإيجاد مفهوم جديد لسيادة المائية وحقوق الاستعمال للأغراض الغير الملاحية.
لتستطيع كلا من تركيا وسوريا والعراق من الرجوع إليها لحل الخلاف القائم بينهم، وما زاد الأمر من تعقيد هو مشروع الغاب الذي تعتقد سوريا والعراق أنه سيخفض نسبة تدفق المياه إليهما، وهذا سيؤثر سلبا على الانتاج الزراعي في البلدان ولكن المسؤولين الأتراك عن ذلك المشروع أكدوا عكس ذلك في أكثر من تصريح لهم، ولكن من الواضح أن إقامة هذا العدد الهائل من السدود على النهر وروافده سيؤثر على مستوى تدفق النهر وهذا ما لم سوف تقبله سوريا والعراق وما التصريحات تلك إلا لتبرير تركيا لموقفها المناقض للأعراف الدولية في هذا المجال والتستر حتى اتمام هذا المشروع( ).
ومن هنا نرى أن موضوع المياه سوف يأخذ الطليعة في الموضوعات المطروحة للنقاش على الساحة الدولية ومنطقة الشرق الأوسط بالأخص، ونظر لتشابك الحاصل في المصادر المائية المشتركة مثل النيل والفرات ودجلة وغيرها فإن هذه المسألة تجعل المنطقة في ظل مجموعة من التحديات الرئيسية أهمها:
1. التهديد الخارجي من الدول التي تنبع منها الأنهار.
2. تهديد إسرائيل العرب بالسيطرة على مصادر المياه من جنوب لبنان وجبل الشيخ.
3. التهديد بالعطش للعرب إذ أن الندرة والنقص في المياه مرتبطان بقضية الأمن العربي سياسيا واقتصاديا.
4. غياب الاستراتجية المائية العربية مما يتيح للآخرين الاستمرار في تنفيذ السيطرة على المياه العربية( ).
ساحة النقاش