صورة العرب والمسلمين في الأدب الغربيّ . د . محمد ناصر الخوالده
تتحدّث الأستاذة نور العيسى، أستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة الإسراء الأردنيّة، عن بعض النتائج التي خلصت إليها في خضمّ بحثها المتواصل عن صورة العربي والمسلم في الأدب الغربيّ، فتقول: "وجد الصراع ما بين الغرب والشرق طريقه للأدب الغربيّ منذ القرون الوسطى على وجه التحديد، فقد كان حينها الإسلام في ذروة مجده وصعوده بما شكّل تهديداً للحضارة المسيحيّة الغربيّة". وتتابع: "لم تألُ تلك الأعمال سبيلاً في تصوير المسلمين بالبرابرة الهمج والوثنيّين، فها هي مسرحيّة مريم المجدليّة (Mary Magdalene) تصّور الإسلام بالمسوّغ للحياة الساقطة التي كانت تعيشها المجدليّة، حيث تصوّرها قد أسلمت على يدّ واعظ وثني يتبع ديناً لشخص اسمه محمد ليس إلاّ دجّالا، عدا عن صلواته وأمته أمام وثن (مسجد)، وقد قاتل هذا المحمد السيّد المسيح، وتسبّبّ في إسلام ملك وملكة مرسيليا".
وتبدي العيسى دهشتها لكون هذه المسرحيّة " لازالت مصدّقة ومتداولة على الرغم من الخطأ التاريخيّ الكارثيّ الذي يصوّر النبيّ محمد صلى الله عليه وسلّم قد عايش النبيّ عيسى عليه السلام على الرغم من كون الفارق بينهما يزيد على الستمائة عام". وتردف العيسى قائلة: "عمل مشين آخر اسمه (أغنيّة رولاند )The Song of Roland وهي عبارة عن قصيدة رومنسيّة طويلة تتحدّث عن بطولة شخص اسمه رولاند يقاتل المسلمين الذين هم حفنة وثنيّين جهلة لا يعون حقيقة الإله والدين".
" وتتابع العيسى قائلة: "قصيدة الخطايا السبع القاتلة The Seven Deadly Sins وهي " من" كتابة الشاعر (وليم دنبر) ليست بأقلّ من سابقتها، فهي تصوّر حلماً عن جهنّم التي يجتمع بها أصحاب الخطايا بزعامة محمّد الذي يتزعمّ كذلك رقصة أهل جهنّم". وتنوّه العيسى لكون "القرن الخامس عشر كان أوج عظمة الدولة العثمانية التي كانت تشكّل تهديداً كبيراً للغرب لاسيّما إنجلترا؛ ما أدّى للمزيد من الأعمال التي تصف المسلمين بالمهزومين والذين هم إمّا أتراك أو برابرة. ولعلّ من الضروريّ التنويه أنّ الشرق لم يكن يعني في تلك الفترة المسلمين فقط بل وكذلك اليهود ومسيحيّي الشرق".
وترى العيسى أنّ "شكسبير الذي هلّلّنا له وصفّقنا في مسرحية تاجر البندقيّة ( The Merchant of Venice لكونه قد صوّر التاجر اليهوديّ بصورة الجشِع المادّي وعديم( الوفاء، لم يكن حينها شكسبير يتحدّث إلاّ عن المشرق بأسره بما فيه العرب". وتبرهن العيسى على ذلك بمسرحيتيّ شكسبير ماكبيث ، حيث "أوثيلّو ما هو إلاّ بطل بربري، يرمز للمسلمين، ساذج سهل خداعه ومعرفة نقاط ضعفه".
فيما تتمثّل الإساءة في مسرحيّة ماكبيث في "حوار الساحرات اللواتي يذكرن اسم تركيّا، التي ترمز للمسلمين، ضمن مخططاتهنّ السحرية وألاعيبهنّ".
وتدلّلّ العيسى على استعمال اليهود رمزاً عن الشرق في الأدب الغربيّ بمثال آخر وهو رواية (جيمس جويس) الشهيرة يوليسس (Ulysses) التي صوّرت اليهودي بمن "يتبادر لخياله صور إباحيّة وهو في طريقه لتركيا، بسبب مناخ الشرق وشمسه المتوهّجة التي تُلهب الخيال وتُثير الغرائز!".
ويشارك أستاذ اللغة الإنجليزيّة في الجامعة الأردنيّة، د. سليمان العبّاس، وجهة نظر العيسى، حيث يقول: "لابدّ من توعية عربيّة إسلاميّة حول ما يحفل به الأدب الإنجليزي من إساءات، بدلاً من احتفائنا بمن يسيئون لنا وعدم نقدنا لأعمالهم أو مجافاتنا لها كليّاً لتكون النتيجة أن تغدو السيول من تحت أقدامنا فيضانات ونحن لا نعلم!".
كما يستغرب كلّ من العبّاس والعيسى من "الغرب الذي لا يريد تغيير هذه الصورة المغلوطة أدبيّاً منذ قديم الزمان وحتّى اليوم على الرغم من التجارة التي نشطت قديماً وسمحت للغرب برؤية الشرق على حقيقته، وعلى الرغم من العصر الفيكتوري الذي اشتهرت فيه رواية ألف ليلة وليلة (The Arabian Nights) التي لم تسهم إلاّ في المزيد من ربط الشرق بالتصوّف والأسحار والعنصر القوطي". كما يشير كلّ منهما لكون "معظم من كتبوا هذه الأعمال الأدبيّة المغلوطة كانوا قد سمعوا مجرّد سماع عن الشرق أو حتّى عاشوا في الشرق ولكنهم غارقون في جهلهم، فها هو (كريستوفر مارلو) يكتب مسرحيّته الشهيرة - تيمورلنك العظيم (Tamburlaine the Great- مستخدماً معلومات جغرافيّة مغلوطة، خالطاً أسماء البحار( ببعضها البعض، عدا عن استخدامه معلومات تاريخيّة غير صحيحة كزواج تيمورلنك من ابنة سلطان مصر وذلك لكسر أنف والدها والمسلمين وهو ما لم يحصل! وقد ذهب في تجنّيه لحدّ وصف هزيمة المسلمين وإذلالهم على يدّ تيمورلنك وأنّ أتباع محمد كانوا يعبدونه بشكل عبثيّ"!.
كما أنّ (داريل) الذي كتب رباعيّة الإسكندريّة (Alexandria Quartet) كان قد وصف الإسكندريّة بـ"مدينة تعجّ بالضوء والذباب والمتسوّلين والغبار، كما أنّ روّاد بازارها كانوا بدواً متخلّفين وأقرب لطبائع الحيوانات من طبائع البشر".
بيد أنّ العيسى تذكر أنّ من أفظع الإساءات التي حملت معلومات مغلوطة هي تلك الرواية التي كتبها (بيك فورد) بعنوان الواثق (Vathek) متحدّثة عن الخليفة العباسيّ الواثق الذي اشتهر بتديّنه وتشجيعه للعلم، فقد ذكرت تلك الرواية أنّ "الخليفة الواثق قد كفر واتّبع إبليس فخُلّد في النار، عدا عن الوصف الأسطوري المغلوط لقلعته ووجباته التي كانت تحوي الواحدة منها ثلاثمائة صنف لا يتمكّن من تذوّق إلاّ عشرة منها فقط!".
على الرغم من الشهرة الواسعة التي نالتها الإعلاميّة الأميركيّة (أوبرا وينفري) في العالم العربي على كلا المستويين الشعبي والثقافي، فها هو الكاتب اللبناني سمير عطا الله يكتب في جريدة الشرق الأوسط، قائلاً: "تخلو أميركا من الألقاب النبيلة، كما في بريطانيا. ولولا ذلك، كان يجب أن تُمنح أوبرا وينفري مرتبة ليدي أو بارونة أو كونتيسة، فماذا أنبل مما تقوم به من عمل؟ يجب على الدول أن تعيد تلك الألقاب التقديرية"، إلاّ أنّ غضباً عارماً كان قد تلا حلقتها التي استعرضت فيها قصصاً اجتماعيّة من دول عدّة، فكانت فلسطين والسعودية عن فئة الدول العربيّة. وقد اختزلت القضيّة الفلسطينيّة بفتاة فلسطينيّة تربطها صداقة بفتاة إسرائيليّة، من غير التعرّض إطلاقاً لمشاهد الاحتلال المأساويّة. أمّا السعودية فقد عبّرت عنها بقصّة المذيعة السعوديّة رانيا الباز التي أبرحها زوجها ضرباً حتى أُودعت في المستشفى، عدا عن إيراد مشاهد قديمة للرياض وأسواقها الشعبيّة ونساء متّشحات بالسواد وتنويه لعدم السماح للمرأة بالقيادة. فكانت النتيجة أن ختمت أوبرا حلقتها بقول: "الحمدلله أنّنا نعيش في أميركا".
وفي برنامج الأميركيّة السمراء (تييرا) الذي يحمل اسمها، كانت قد أعدّت حلقة عن التمييز العرقي في المجتمع الأميركي، فكانت الفتاة المسلمة (فلسطين) من ضمن فتيات يمثّلن أعراقاً أخرى كالأفريقيّة والآسيويّة واللاتينيّة. وقد جرى استطلاع أعدّه عالم اجتماع لحساب البرنامج عن رأي فئة من الطلبة حول هؤلاء الفتيات، فكانت الآراء التي جاءت على الفتاة المسلمة: "بائسة، تنتمي لحركة طالبان، أخاف أن تركب بجانبي في الطائرة، فقيرة، إرهابيّة، فتاة انتحاريّة".
وقد كان التعقيب الوحيد الذي حازته هذه الآراء من علماء الاجتماع المشاركين في الحلقة أنّه "ليس كلّ مسلم بالضرورة هو شرق أوسطي لأنّ الإسلام لا يدلّ على أصل معيّن، وكلّ الأعراق عانت من عنصريّة المجتمع الأميركيّ ولكن الفئة الأكثر تضرّرّاً هي فئة العبيد على الرغم من اعتبار كلّ فئة أنّها الأكثر تضرّراً".
وجدير بالذكر أنّ الإعلام الأميركي يلعب الدور الأكبر في ترسيخ الرؤية الصهيونية للعربي والمسلم. فهناك الترديد الببغائي في التقارير الإخبارية الأميركية لتعابير إسرائيل كـ(القضاء على شبكة الإرهاب الفلسطينيّة)، (تدمير البنية التحتية الإرهابية)، (الأراضي المتنازع عليها) بدلا من الأراضي المحتلة، (الضواحي اليهودية) بدلا من المستوطنات اليهودية، ويكتفون بوصف ضحايا مجازرهم بقول (حصد العنف حياة كذا وكذا من المدنيين الفلسطينين).
إلى جانب ذلك كان لدفق البرامج الوثائقية وبرامج الحوارات والتحليلات التي تربط ما بين المسلمين والإرهاب الدور الأقوى في العقود الثلاثة الأخيرة.
مثال نسوقه عن البرنامج الوثائقي (الجهاد في أميركا) الذي بثته محطات التلفزة الأميركية عام 1994 لمن يطلقون عليه خبير الإرهاب (ستيفن إمرسون) بعد سنة من تفجير برج التجارة العالمي سنة 1993.
فقد ركز الفيلم الوثائقي على مشاهد المسلمين وهم ينشدون عالياً ويصرخون (الموت لأميركا) ما ساهم بشكل كبير في إضرام المزيد من الحقد والكره للعرب والمسلمين.
موقف آخر لإمرسون حدث في أعقاب انفجار أوكلاهامو سيتي، ولم يكن أحد ما قد تأكد من هويّة الفاعل، إلا أن إمرسون كان قد سارع لاتهام المسلمين قائلا: "هذا الانفجار من صنع المسلمين الإرهابيين"، لتسارع بعدها محطات التلفزة في نقل أنّ رجالاً يعتمرون الكوفيات العربية كانوا قد شوهدوا يفرّون من موقع الانفجار.
وها هو فيلم (سيريانا) و استراتيجيّة في الاستيلاء على حقول النفط العربيّة، إلاّ أنّه أراد الوصول بالمشاهد للإقرار بأحقيّة أميركا في ذلك لأنّ العرب مجرّد سُذّج جهلة يسكنون صحاري ليس فيها إلاّ النخيل ورعاة الغنم والغزلان، ليس أوضح على ذلك من قول بطل الفيلم الأميركي للأمير العربي: "لقد كنتم قبل مائة عام فقط مجرّد رعاة غنم تعيشون في خيام بالصحراء، وستعودون إليها خلال المائة عام القادمة إذا تركتم البترول ينسحب من بين أيديكم. فالعالم في صراع ضار على منابع البترول وتسعون بالمائة منها موجودة هنا في بلدانكم".
ومن الأفلام التي تهدف، على عكس ما يبدو بها من تسامح ظاهريّ، لتضييع الحقّ الفلسطينيّ أمام العالم Munich فيلم (ميونيخ) الذي تحدّث عن العمليّة الفدائيّة التي طالت الفريق الإسرائلي في أولمبياد ميونيخ عام 1972، فقد صوّر هذا الفيلم الفلسطينيّين بالهمج المتخلّفين البائسين الذين يبتدأون دوماً بالعنف، الذين يبالغون في محاولاتهم تبنّي البطولة فتكون النتيجة تصفية رموزهم وقادتهم في كلّ مكان في العالم.
على الرغم من وجود أعمال سينمائيّة غربيّة حاولت إنصاف العرب والمسلمين كـ(الطريق إلى غوانتانمو The Road To Guantanamo) الذي سجّل وثائقيّاً الفظائع التي تحيق بالمسلمين هناك كمنعهم من الصلاة ورمي المصاحف وانتهاك الأعراض، وفيلم (فلايت بلان FlightPlan) الذي أظهر المسلم الملتحي بالمظلوم عندما تُلصق به زوراً عملية خطف طفلة في الطائرة، و فيلم (مملكة السماء Kingdom Of Heaven) الذي صوّر صلاح الدين الأيوبيّ بالمسالم النبيل المتسامح، إلاّ أنّ أستاذ الصحافة والإعلام في جامعة البترا الأردنيّة الدكتور تيسير أبو عرجة يؤكّد على "الصورة المسمومة التي ابتدأت منذ بداية السينما في مطلع القرن المنصرم، وتطويع اليهود للصورة التي يرغبون في ترويجها بما يخدم مصالحهم"، ويدعو أبو عرجة لـ"ضرورة التدقيق والتمحيص على محتوى هذه الأفلام والبرامج كيلا نكون على الأقلّ عامليّ الربح والشهرة لمن يكيلون إلينا الإساءات".
بتعريج مختصر على أبرز آراء نجوم هوليود، المحبوبين في العالم العربي، حول الحرب على لبنان، كان التالي حسبما تناقلته أشهر المجلات العالميّة:
توم كروز: "العرب مصدر الإرهاب، لم يتركوا أحدا إلا وتهجموا عليه، أتمنى أن تبيد إسرائيل جماعة حزب الله". ريتشارد جير: "العرب عالة على البشرية، يجب التخلص منهم". أرنولد شوارزينيجر: "العرب هم الإرهابيون، وإسرائيل تحاول أن تجعل العالم أكثر أمناً، فإلى الأمام يا إسرائيل".
وعلى الرغم من وجود آراء أخرى على النقيض من ذلك كرأي الممثل جورج كلوني الذي قال: "أسماء مثل بوش ورايس وبلير وشارون وأولمرت سيلعنها التاريخ". وقول أنطوني هوبكينز: "أخجل من كوني أميركيّاً، إسرائيل هي سبب كلّ الحروب ومعها أميركا".
ولقد صدق البروفيسور الأمريكي ذو الأصل العربي جاك شاهين حينما قال : "هوليود ليست إلاّ آلة يهوديّة"
ساحة النقاش