الحكومات الإسرائيلية ومخططات دعم وتوسيع المستوطنات.


د . محمد ناصر الخوالده 
في: 9/22/2005
الحقائق اللندنية

الحكومات الإسرائيلية ومخططات دعم وتوسيع المستوطنات

...وضع (هرتزل) أمامه مقولة : إن فلسطين هي (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) !!!؟
... فافترض هذا الرجل ، وبحقد كبير على العرب والمسلمين ، أن فلسطين هي أرض دون شعب !! ولا بد لليهود أن يسكنوها ، لأنها ميراث لهم !!! .
ونفس الشيء أفترضه (جرينسكي) ، لكنه اعترف بعد ذلك بخطئه (على أساس أن العرب لا يمكن أن يتركوا أرضهم بسهولة لليهود) ، لهذا وضع فرضية أسماها (الجدار الحديدي) ، لحصر الفلسطينيين وعزلهم ( بقوة صلبة يهودية ) . والقوة التي تحدث عنها (جرينسكي) ألتفت إليها سابقا ( رئيس اللجنة الصهيونية ) الدكتور (آيدر) بعد ثورة عام 1921 العربية ، حيث صرح أمام (لجنة هايكرافت) ، التي جاءت إلى فلسكين للتحقيق في الثورة العربية قائلا : 
( لن يوجد في فلسطين سوى وطن واحد ، الوطن اليهودي ، فلن توجد في هذا البلد مشاركة على قدم المساواة بين العرب واليهود ، وإنما سيطرة يهودية حتى اللحظة التي سيصبح فيها عدد أفراد الجنس اليهودي كافيا ... وينبغي أن نعطي لليهود في فلسطين حق حمل السلاح وأن نحظره على العرب).
وهكذا شرع دستور عام 1922 في فلسطين وفقا لما نصح به (رئيس اللجنة الصهيونية) ، حيث تصدرت فيه عبارات تدعو إلى تهيئة الأجواء المناسبة لجعل فلسطين (أرض الميعاد لليهود) بعد ذلك فرضت (بريطانيا) التي كانت تمارس (سلطات الانتداب)الانتخابات لتشكيل (المجلس التشريعي) لكن الفلسطينيين قاطعوا الانتخابات وأفشلوها مما أدى إلى أن تمارس (سلطات الانتداب) إجراء تعطيل الدستور وتحكم فلسطين مباشره بالتعاون مع (الوكالة اليهودية) التي وافقت على الانتخابات منذ البداية ) 
وتحت شعار (حل قضية اليهود) نظم (روزفلت) مؤتمر دوليا عام 1938 في فرنسا حضرته أكثر (الدول الأوروبية) و (المنظمات اليهودية) وقد اتخذ قرارا بتوزيع اليهود على (الدول الأوروبية ) ولكن هذه الدول لم تنفذ شيئا من ذلك لأنها لا تريد اليهود فيما اشترطت البرازيل قبولهم على شرط أن يغيروا ديانتهم ويصبحوا مسيحيين . لهذا استغلت (الوكالة اليهودية) تلك الظروف وغيرها ونسقت مع لندن لجلب اليهود إلى فلسطين وتشكيل العصابات المسلحة ضد العرب وشيئا فشيئا مهدت الطريق لإقامة (دولة إسرائيل) بمساعدة (بريطانيا ،والولايات المتحدة).وقد كتب (بن غوريون) عام1937 تقريرا باسم (إتجاهات السياسة) قدمه إلى (المجلس العالمي لعمال الصهيونية ) وذكر فيه : (إن الدولة اليهودية المعروضة علينا بالحدود الحالية لا يمكن أن تكون الحل المنشود لمسالة اليهود ، ولا هدف الصهيونية الذي سعت إليه طويلا ،إلا إنه يمكن قبولها بوصفها المرحلة الأولي والأساسية التي ننطلق منها إلى مرحلة تحقيق الوطن اليهودي الأكبر و(الوطن اليهودي الأكبر) جعل (إسرائيل) تشرع بعد إعلانها مباشرة قوانين جائرة لسلب ومصادرة أراضي العرب ،ومن هذه القوانين:
1ـ قانون أملاك الغائبين .
2ـ المرسوم رقم 125 من أنظمة الطوارئ 1945 .
3ـ أنظمة طوارئ المناطق الأمنية 1949 .
4ـ أنظمة طوارئ المناطق البور .
5- قانون وضع اليد على الأراضي في حالة الطوارئ 1949 .
6ـ قانون أملاك الأراضي لعام 1953 . 
7ـ قانون التقادم المكسب 
وخلال الربع قرن الأول من الحكم العسكري الضالم أصدرت تل أبيب ما يزيد على 1300 أمر عسكري ،غيرت به الأوضاع والتركيبة القانونية في المناطق المحتلة . كما أنها عينت (ضابطا إسرائيليا) في منصب (المدير المدني) في غزة ،أما في الضفة الغربية فقد عينت (أستاذا جامعيا يهوديا) في منصب (أول مدير إداري)، لكنه فعليا كان (مستشارا سياسيا للحكم العسكري الإسرائيلي) يتلقى أوامره منه مباشرة . ويلاحظ أن (الضباط الإسرائيليين) كانوا يديرون الأمور في الدوائر الفلسطينية، ويعطون أوامرهم لمدراء هذه الدوائر لتنفيذها ،فيما ألغى (الحاكم العسكري) وظيفة (المفوض الإقليمي) وتولى سلطاته ،وكان (المفوض) حلقة وصل بين الحكومة الأردنية ، التي ضمت الضفة الغربية إليها سنة 1950 ، والمجالس البلدية القروية . كما ألغت (لجنة التخطيط الإقليمي) وتولت مهامه (اللجنة العليا للتخطيط) التابعة (للمجلس العسكري الإسرائيلي)، إضافة إلى أن (الحاكم العسكري) قد تولى أيضا سلطات (الموظف العسكري المصري)، بعد إلغاء (المجلس التشريعي ) في غزة .وفي ظل إجراءات الاحتلال هذه عاش الفلسطينيون ظروفا صعبة وقاسية ،فهم لا يتمتعون بحقوق مدنية،ويمكن إعتقالهم وتعذيبهم وإخضاعهم لقيود إقتصادية وسياسيه هائلة. كما أنهم (يعيشون في حالة دائمة من عدم اليقين بالنسبة إلى المستقبل . و بينما يسهل تبرير إجراءات الاحتلال بأنها ضرورية للأمن ،و للحفاظ على القانون و النظام، فان هذه الإجراءات فهمت على أساس أنها إجراءات مؤقتة . ومع ذلك فان الاحتلال ،بالنسبة إلى الفلسطينيين ، ليس حالة استثنائية مؤقتة و شاذة عن القاعدة ،بل هي طريقة عيش دائمة ؛ إذ أن غالبية كبيرة من الفلسطينيين في الضفة الغربية و قطاع غزة ولدت أو نشأت تحت الاحتلال ،ولا تعرف شكلا أخر للسيادة ) (1).
وهكذا نعرف أن (إسرائيل) احتلت الأرض العربية ، ووسعت احتلالها للأرض بعد حرب حزيران عام 1967، حيث تم اغتصاب الضفة الغربية ـ2270 ميلا مربعا وقطاع غزة والجولان وسيناء ،وقالت بعد احتلالها : (إنها أنجزت الحقوق التاريخية للدولة في إقامة إسرائيل الكبرى). وقد ألحقت إسرائيل المناطق المحتلة (بالمحاكم العسكرية) منتهكة بذلك (قانون جنيف) حماية المدنين وقت الحرب ،وقت الحرب و(قانون لاهاي) لحماية الآثار الثقافية والروحية وقت الحرب ،وقد أشار (مير شمغار) (2) في كتابة (أفكار عامة قانونية) إلى طبيعة (الحكم العسكري الإسرائيلي) في الأراضي المحتلة ،مبينا نوعية قراراته التي تميزت بالقسوة كالقرار رقم واحد الذي يؤكد على إن (العسكريين مسؤولين عن الأمن وحفظ النظام العام) والقرار رقم 2 الذي ينص على إن (جميع سلطات الحكومة و الهيئة التشريعية و التعين والإدارة فيما يختص بالمناطق أو سكانها) تتبع (الحاكم العسكري)،الذي عينة (رئيس الأركان الإسرائيلي).
هذه الأحكام العسكرية ، برأي (شمغار) سهلت عملية بناء المستوطنات ،التي أعتبرت من أولويات مهام (الحكومة ).وعليه فقد إدعى (عضو لجنة الكنيست الفرعية لسياسة الأمن القومي) (زئيف بنيامن ) : (بان المستوطنات الإسرائيلية والسيطرة العسكرية ضرورية لمنع سيطرة جماعات الإرهاب العربية على الضفة الغربية ،وتهديد أمن القدس الغربية وتل أبيب) .
وينصح (بنيامين ) بضرورة (تقليص الوجود الفلسطيني ،وتجويعه ،و احتوائه بالقوة ) .
وفعلا وضعت خطه لهذا الغرض ......فيما اصدر قرار لأخذ ضريبة الدخل من العرب بالقوة ....إذ يقتحم موظفو الأمن المسلحون المنازل والمحلات ويستولون على كل شيء .....وقد اعتبرت هذه الأعمال الوحشية بأنها مخالفة لأبسط حقوق الإنسان ، خصوصا وإن موظفي الأمن يحتجزون الفلسطينيين دون محاكمات ،ودون توجيه أي تهم .
وتزامنا مع ذلك قدمت عدة مشاريع لإنشاء مزيد من المستوطنات تحت حماية (الجيش الإسرائيلي):
- ( كمشروع ألون عام 1967) الذي يهدف إلى إشراف (إسرائيل)على غور الأردن ،وضم القدس .
- و(مشروع رابين) الذي طبقه بعد إستقالة (غولدا مائير) عام 1974 ،وأنشاء المستوطنات في وسط المناطق الآهلة بالسكان الفلسطينيين .
- و مشروع شارون (الكواكب السبعة) الذي يهدف إلى إبتلاع الضفة الغربية .
ويلاحظ أن (إسحاق شامير) كان يعتبر (بناء المستوطنات) من أولويات عمل الحكومة ،لذلك صرح عام 1992 بأن لديه (خطة لجعل المفاوضات مع الفلسطينيين تمتد إلى عشر سنوات لكي يتمكن من زيادة المستوطنات).
وزيادة المستوطنات تطلبت بالضرورة زيادة عدد اليهود المهاجرين إلى فلسطين ،لهذا مارست (الموساد) كل الأساليب من أجل استقطاب (يهود الشتات)، وإسكانهم في معسكرات خاصة ،ثم توزيعهم على (مستوطنات) أعدت لهذا الغرض .وأعمال (الموساد) الحالية تتشابه مع أعماله السابقة لدفع اليهود إلى الهجرة . وأحتضر في هذا المجال ،أن (الموساد) اتهم بتدبير إنفجار (قنبلة 14 يناير 1951) التي وضعت في فناء معبد يهودي بغدادي ، وقد أثار ذلك مؤخرا ضجة في (إسرائيل) ، بعد إتهام (موردخاي بن بورات) بأنه : (دبر العملية بالتعاون مع الموساد) ،لكي يتم الضغط على العراق لإصدار قرار بهجرة اليهود ،وقد رفع (بورات) في عام 1981 دعوى ضد أحد الصحفيين إتهمه فيها بأنه : وراء كشف الموضوع .
على صعيد آخر فإن (الموساد) متهم أيضا في إسرائيل بأنه : أغرق سفينة (التالينا) عام 1947 ، وعلي متنها900 يهودي مهاجر ، لكي يلفت الانتباه (الرأي العام العالمي) إلى مأساة اليهود، والسماح لهم بالهجرة إلى فلسطين . 
علما أن (موسي مونتغيري) وهو يهودي بريطاني ،استعمل كافة الأساليب للضغط على (بريطانيا العظمى )، من اجل تسهيل هجرة اليهود ،وجمعهم في وطن واحد .وقد دخل (مونتغيري) إلى فلسطين عام 1827 وتبرع لليهود بأموال لبناء حي سمي باسمه ، يلاحظ أن القدس الغربية تأسست من إتصال (حي موسى بالحي اليهودي ) .
****
ومن الجدير ذكره أن (عقدة الديسبورة) كانت متحكمة بشدة باليهود ،وهي عقدة الألم والبكاء من تشتت اليهود في أرجاء العالم بعد الأسر البابلي ،لهذا كانوا دائما يجلدون أنفسهم ويعذبونها بأوهام وخرافات لا أساس لها من صحة ،فهم قد تعودوا على التمزق الذي أثر على سلوكهم وتعاملهم مع الآخرين ،و انعزالهم عن المجتمعات التي عاشوا فيها ،إضافة إلى نواياهم السيئة ،وبخلهم ،ومؤامراتهم ضد من يأويهم .ويذكر (أنيس منصور) في كتابه (وجع في قلب إسرائيل)هذه حقيقة مضيفا إليها حقائق أخرى فيقول بأنه :
(فرويد قد مد أصابعه إلى أعماق النفس البشرية ، وأخرج من ظلماتها وحشا ضاريا أو مخاوف رهيبة ......... وفزعا لم يعرف له التاريخ مثيلا ......... إنه رجل إنحدر من أكثر مخلوقات العالم خوفا وفزعا وقلقا .فلا يجد شعب في الدنيا جرب أنواع العذاب ،ومجنون بتطبيقها مثل هؤلاء اليهود ) (3) .
ويضيف :
(وأن يكون من بينهم كافكا الذي لم يعرف من كل ألوان الطيف إلا اللون الأسود ،وراح يصبه على كل ورقة وكل أرض وفي الأدب الأوروبي ) (4) .
وكذلك نعرف أن (الخوف والفزع والق واللون الأسود) طغت على نفسية اليهود منذ (الأسر البابلي) ،لهذا فإن دائنا يتناولون في أحاديثهم (مأساة اليهود وتشتتهم في الأرض).... وهذه المسألة قد استغلت للهجرة إلى فلسطين .....انظر مثلا إلى أحد حاخامات اليهود السوفيات الذي قال لإتباعهم بألم ولوعة بان :
ـ اليهود السوفيات يبحثون عن ارض الميعاد التي هي بالنسبة لهم جنة الله على الأرض ،ورسالتي لهم بسيطة ومحددة،وهي أن الجنة ليست هنا ) . 
وقد سعى هذا الحاخام إلى تشجيع الهجرة إلي فلسطين ،وعندما تحقق حلمة أصدر (الاتحاد السوفيتي السابق) قرارا بالسماح لليهود بالهجرة ،أصدر (الكونغرس الأمريكي) قرارا يمنع دخول اليهود السوفيات إلى أمريكا لكي يضطروا للهجرة لفلسطين ، واستثنى القرار الأمريكي ، كبار السن ومن لهم أبناء في الولايات المتحدة .
وبعد وصول اليهود السوفيات إلى فلسطين أكد(إسرائيل كولت) الأستاذ المحاضر في الجامعة العبرية بان :
ـ (أرض إسرائيل الممتدة من مصادر الليطاني وحتى سيناء ،ومن الجولان حتى البحر هي الوطن التاريخي لليهود الذي لا تؤثر على الحدود السياسية القابلة للتغير).
وهذا القول تؤيده شرائح كبيرة من (المجتمع الإسرائيلي)............ التي ترى بان :
(التسوية السلمية لو حصلت مع الدول العربية فان خارطة إسرائيل الكبرى ستبقى في عقول اليهود ، لأنهم يؤمنون بالوطن التاريخي الذي لا توثر فيه الحدود السياسة ولا التسويات السليمة مع العرب). 
***** 
على أية حال .......عندما نتفحص (سياسة إسرائيل المستوطنات) نجدها تأتي في أولويات (عمل الحكومة).والإحصائيات تشير إلى إنه قد تم بعد عام1967 مباشرة بناء 130 مستوطنة في الضفة الغربية سكنها ما يزيد على 100,000 يهودي ، و18 مستوطنة في قطاع غزة سكنها 5000 يهودي ، وثمانية أحياء في القدس الموسعة سكنها 120,000 يهودي ، ثم زاد عدد المستوطنات في السنوات اللاحقة ،ولكن بعد إن جاء (نتنياهو) إلى الحكم أعطى اهتماما كبيرا لبناء المستوطنات ، وحقوقا وامتيازات للمستوطنين وتسهيل حركتهم بفتح الأنفاق تحت الحرم الإبراهيمي . وعندما سال (نتنياهو) في مؤتمر صحفي عن ذلك قال:

( لا شيء يمنعنا من بناء المستوطنات . والفلسطينيون يحاولون تعظيم الأمور ، وقد أثاروا ضجة مؤخراً خول علماء آثار يقومون بحفريات تحت الحرم الإبراهيمي)!!
ولكي يستمر في (سياسة تحدي في فلسطين )، حرص (نتنياهو)على تعيين (شارون) وزيراً (للبنى التحتية)، وهي وظيفة تجعله يتحرك بحرية لبناء مزيد من المستوطنات ومدها بالماء والكهرباء . وفي 13/12/1996 أعلنت (الحكومة الإسرائيلية) برئاسة ( نتنياهو) زيادة (الدعم والحوافز) للمستوطنات المقامة ، والتي ستقام، في الضفة الغربية . مما أدى إلى التوتر الوضع بحيث دعت السلطة الفلسطينية إلى ضرورة التعبير بكافة الطرق من أجل رفض (قرار دعم المستوطنات )، والوقوف بوجهه. وقد رد (نتنياهو) على ذلك مبرراً قراره الجديد قائلاً:
- ( إن القرار لا بد أن ينفذ لمواجهة السلطة الفلسطينية التي كانت تخطط للعنف)!!
علماً أن ( الحكومة الإسرائيلية ) صرحت قبل أيام قلائل من إصدار ( قرار دعم المستوطنات ) بأنها :
- ( تدرس بعض الحلول لدفع عملية السلام إلى الأمام ، والإنسحاب من الخليل )!! 
هذه النوايا السيئة ... والتصريحات المتناقضة قد فجرت الموقف فعلاً ، خصوصاً بعد فتح نفق المسجد الأقصى، تفجر الموقف في الضفة الغربية . ولم تعد زعزعة عملية السلام الهش مقصورة على الكلمات . ويعتقد الكثيرون من العرب أن نتنياهو الذي أصدر أوامره المباشرة باستكمال النفق سعى إلى هدم عملية السلام . وأراد بالفعل إعادة تحديد وتفسير مفهوم السلام وفقاً لشروطه الخاصة ، وهو لا يبالي أبداً إذا ما أدى ذلك إلى إفشالها كلية ).
وذكرت ( الجاريان ) تصريحاً ( لنتنياهو ) قال فيه :
- ( إذا إحتج الفلسطينيون فإن مغبة إحتجاجهم سيقع على رؤوسهم ).
وتعلق (الجارديان) تصريحاً ( لنتنياهو) قائلة:
- ( هذا هو المنطق الدامغ لرجل يقف على أرض صلبة مهيمناً على كل شيء ، دون أن يدري أن ذلك سيؤدي إلى زلزلة الأرض من تحته) (5) .
الذي يهمنا فعلاً في هذا المجال هو (الموقف الأميركي) (من سياسة نتنياهو آنذاك) ، ( فواشنطن) نددت ظاهرياً ودبلوماسياً (بقرار دعم المستوطنات)، وهددت بقطع التسهيلات الاقتصادية والضمانات القروض عن(تل أبيب) ،لكنها رجعت عن ذلك وأوفدت مبعوثها إلى المنطقة لتسوية الإشكاليات في (محادثات الخليل)، وطبعا التسوية وفق النطق (الأمريكي) لا تتم ألا بتنازل العرب عن قضاياهم كلها مع العدو الصهيوني . لهذا صرح (وزير الخارجية الأمريكي السابق كريستوفر) يوم 19 /12/1996 ، قائلا بان :
(على الفلسطينيين أن يتنازلوا في محادثات الخليل ويبدلوا مواقفهم) !!.......وهو إتجاه تبنته (وزارة الخارجية الأمريكية) بناء على نصيحة (الموفد الأمريكي دنيس روس)، وقد علق (الرئيس حسني مبارك) على تصريح (كريستوفر) وموقفة المنحاز (لإسرائيل) بقولة :
ـ (الفلسطينيين لا يملكون شيئا يتنازلون عنه). 
وعقدت محادثات الخليل .....ولكن كيف إنتهت ؟ انتهت كما كان متوقعا بتنازلات فلسطينية جديدة !! ،في حين بقي كل شيء مكانه المستوطنات لم تتفكك .....والأنفاق لم تسد ......وقرار (دعم المستوطنات) لم يلغ .
وفي هذا الوقت زار( وزير الخارجية الإسرائيلية ديفيد ليفي ) الأردن ، وأوضح في مؤتمر صحفي دون خجل بان : (ضجة قرار المستوطنات ضجة مضخمة ) . ودعا العرب إلى قبول الأمر الواقع المفروض على الفلسطينيين !
بعد ذلك حضر(دنيس روس) إلى المنطقة مرة أخرى ، حاملا تعليمات مشددة لترتيب الأولويات حسب ما تريده (تل أبيب) على حساب مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه. وعندما أدرك الفلسطينيون أنهم قد خدعوا من جديد قال (عرفات) بان :
- (دنيس روس غير نزيه لأنه أعطى تصورات عن الفلسطينيين غير صحيحة).
والاعتراضات الفلسطينية هذه على (روس) لم يأبه لها كلينتون ، حيث أرسل رسالة إلى (عرفات) أوضح فيها بأن: (الإدارة الأميركية لديها ثقة كاملة بدنيس روس ، لذلك قررت إرساله إلى المنطقة لتحريك عملية السلام)!!
ثم جاءت (الخطوة الأميركية) التالية بتعيين (مادلين أولبرايت) وزيرة للخارجية بدلاً من (كريستوفر) لمواقفها المنحازة (لإسرائيل) في (هيئة الأمم المتحدة ). وتزامناً مع ذلك إجتمع (نتنياهو) مع (يهود متشددين) من (الأحزاب اليمينية المتطرفة ) وطمأنهم بأن :( إسرائيل ملتزمة جدياً بتوسيع المستوطنات ودعمها ، ولن نجد أدنى معارضة من الولايات المتحدة ).
وبعد أيام من تصريح (نتنياهو) ذكر (روبرت بللترو مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط) بأن : (على العرب أن يتحلوا بالصبر) !!، فيما صرحت (الإدارة الأميركية) لإرضاء (اللوبي الصهيوني) قائلة : (إن إسرائيل أعطت الكثير خصوصاً في مفاوضات الخليل ما لم يعطه الفلسطينيون)!!...
وهذا التصريح إنتقدته (السلطة الفلسطينية) محملة (الجانب الإسرائيلي) مسؤولية تعثر (عملية السلام) ، ولكن بعد أن إجتمع (ياسر عرفات) مع موفد بعثه (نتنياهو) قال دون حكمة : (الآن تبين لنا إن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني ملتزمان بعملية السلام)!! متناسياً كل ما حدث سابقاً!!
على صعيد آخر يذكر المراقبون بأن (نتنياهو) كان يتعمد إحداث أزمة ، أو بناء مستوطنة جديدة قبل كل إجتماع مع الفلسطينيين ، لكي يضغط عليهم أكثر ، مثلاً حرص على بناء (مستوطنة جبل أبو غنيم) في يوم 27/2/1997 ، أي قبل شهر واحد تقريباً من بدء مفاوضات على الحل النهائي ، ليخلق بذلك أرضية يبتلع بها مدينة القدس ... وهذه قضية أخرى لا بد أن نعرف تفاصيلها ... حيث بدأت بإصدار (الحكومة الإسرائيلية) قرار بناء (الحي اليهودي) الحادي عشر على جبل أبي غنيم في القدس الشرقية. ويضم المشروع بناء 6500 مسكن لليهود . وقد تظاهر الفلسطينيون على ذلك وقد صرح (عرفات) في المغرب بأنه :
- (إتفق مع الملك الحسن الثاني على إنعقاد لجنة القدس لمناقشة هذه المشكلة ).
أما (نتنياهو) فمن جانبه قلل من أهمية الموضوع . في حين قال (رئيس بلدية القدس يهود آولمرت) : (على الفلسطينيين أن يفكروا جيدا ً إذا كانوا سيلجؤون إلى العنف، واعتقد أنهم يعون ذلك جيداً ، وأشك أنهم يريدون المخاطرة بعملية السلام برمته).
ومن المعروف أن (آولمرت) كان يقوم بهدم منازل الفلسطينيين في القدس ويقول متفاخراً : (إن قتل الإنسان لا يشفع له على تهديم بيته )!!
وتم البناء (الحي اليهودي الجديد) بموافقة (لجنة حكومية خاصة) ، سمحت بالبناء حول القدس في جبل أبو غنيم على مرحلتين ،الأولى بناء 2500 مسكن ، والثانية 4000 وحدة سكنية وذكرت التقارير الصحيفة التي أوردت النبأ إن الموافقة تمت بحضور (نتنياهو) .
هذه الإجراءات جعلت السلطة الفلسطينية تصفها بأنها : (إعلان الحرب على الفلسطينيين).
ويعتقد البعض أن (قرار نتنياهو) ببناء (مستوطنة أبو غنيم) جاء نتيجة ضغط (فضيحة الفساد الإداري) التي تفجرت في وجه (الحكومة الإسرائيلية) . وهذا قول غير دقيق لأن (فضيحة الفساد الإداري) كانت قضية جانبية ، فليست هي السبب الحقيقي لبناء المستوطنة الجديدة ، السبب الحقيقي هو أن (نتنياهو) مرتبط بتعهدات مؤيديه من (الأحزاب اليمينية المتطرفة) ببناء مزيد من المستوطنات ، خصوصاً في (جبل أبو غنيم) الذي يبلغ حوالي 500 هكتار التي صودرت من أصحابها العرب ، وقد كانت المنطقة تقع خارج حدود مدينة القدس ، لكنها بعد إحتلال عام 1967 ضمت إلى القدس إدارياً.
وتفجر الموقف من جديد ...فيما عقد (نتنياهو) مؤتمراً صحفياً قال فيه :
- (إن 75 في المائة من هذه الأرض كانت أراضي يهودية خاصة ، كل هذه الأرض بما فيها الأرض العربية الخاصة تم استقطاعها من قبل الدولة منذ زمن طويل ... لقد بدأنا عملية السلام وإننا جادون فيها وسوف نتخذ قرارات جيدة لشعبنا ، وسيكون مأساة إذا تم اللجوء إلى التطرف أو العنف من أجل تحطيم هذا الأمل)!!
وقال أيضاً : (في إتفاقيات أوسلو ، أو في الإتفاقات المرحلية ، لا توجد أي فقرة واحدة عن أي قيود أو حذف للسيادة الإسرائيلية على القدس). 
وقد علقت صحيفة (نيويورك تايمز) على ذلك قائلة :
- (بعد سنوات من الصراع المرير بين إسرائيل والفلسطينيين هناك خيار بين الشعبين إما سيطرة شعب واحد على الآخر وإخضاعه ، أو التسامح والعيش بسلام جنباً إلى جنب مع درجة معقولة).
وأضافت الصحيفة : (لن ينتهي الصراع إلا عندما تقبل إسرائيل التعايش مع دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ولها وجود سياسي في مدينة القدس الموحدة)!!
وتساءلت الصحيفة : ( كم من الأرواح ستزهق قبل أن يختار السيد نتنياهو أو من يخلفه طريق السلام ؟)
وصحيفة (النيويورك تايمز) على الرغم من إنتقادها (لنتنياهو) ، إلا أنها تريد أن ترسم (طريق السلام) وفقاً (لتصورات غريبة) متحيزة (لإسرائيل)، لأنها تضغط حقوق الشعب الفلسطيني إلى أدنى حد .
و(طريق السلام) الذي رسمته صحيفة (النيويورك تايمز) رحبت به صحيفة (هآرتس الإسرائيلية)، حيث نشرت خرائط سرية تبين إعتقاد (القيادة الإسرائيلية) بضرورة تحقيق (عملية السلام) ، من خلال تواجد السلطة الفلسطينية في مساحات ضيقة جداً من الضفة الغربية ، مع ترك المستوطنات والطرق العديدة المرتبطة بها تحت سيطرة (الجيش الإسرائيلي) ، وتقسيم المناطق الفلسطينية وقطعها بعضها عن بعض . وقد سأل (نتنياهو) عن ذلك المخطط في مؤتمر صحفي عقده يوم 28/5/1997 ، لكنه لم يجب بصورة واضحة وصريحة . وبعد أسابيع من هذا المؤتمر الصحفي قرر (الكونغرس الأميركي) ، في حزيران 1997 ، دعم (إسرائيل)، وحماية أمنها ، واعتبار القدس عاصمة الموحدة لها ، وتخصيص مبلغ 100 مليون دولار لنقل (السفارة الأميركية) من (تل أبيب) إلى القدس !!
وهكذا أدرك الفلسطينيون بأنهم قد وقعوا ضحية مؤامرة دولية كبيرة لجرهم إلى السلام لا يخدم إلى أمن (إسرائيل) لهذا قرروا 27/7/1997 بأنهم لن يقبلوا بأية حلول أمريكية جديدة لحلحلة (عملية السلام) ما لم تتضمن هذه الحلول تجميد (النشاط الإستيطاني الإسرائيلي).
ولم يلتفت لقرارهم أحد ... وظل كل شيء في محله ... في أظهرت تقارير سرية بأن بعض (الأحزاب اليمينية) نصحت (نتنياهو) بإعطاء (شارون) صلاحيات واسعة لكي يطبق خطته التي سماها منذ عشرين عاماً : (إسرائيل على نهاية هذا القرن) ، وذلك لإغراق القدس بالمستوطنات . 
واستجاب (نتنياهو) لنصيحة مؤيديه بشأن (شارون) دون تردد ، كما أنه صرح في طوكيو ، 26/8/1997 ، بضرورة بقاء المستوطنات ، وعدم رفع الحضر عن الأراضي الفلسطينية . 
وأضاف :
- (مثل السلطة الفلسطينية مثل ليبيا والعراق وإيران ترعى الإرهاب وتشجعه)!!
وعندما رجع إلى (تل أبيب) تعهد أمام نحو 6 آلاف (مسيحي أمريكي) من أنصار (إسرائيل) قائلاً: (إن المستوطنات ستبقى ، ولا يليق بالمجتمع الدولي أن يقبل هذا العنف الفلسطيني بإعتباره هدفاً مشروعاً)!!
واستدرك : ( هذا النفق (نفق الخليل) موجود منذ ألفي عام ، وسوف يبقى مفتوحاً دائماً).
فصفق له الجميع بحرارة ..
من جانب آخر ذكرت صحيفة (هآرتس) بأن (خططاً حكومية) وضعت قيد التنفيذ لبناء المستوطنات ، وذلك بعد إنهاء (دنيس روس) مساعيه لحلحلة جمود (عملية السلام)!!
في ظل هذه الأجواء المضطربة ... والنوايا السيئة ... تصرف الفلسطينيون بمنطق غريب حقاً...فهم يحاولون بتعمد نسيان تجاربهم السابقة بحيث كانوا يتفاوضون مع (إسرائيل) بسياسة نسيان الماضي ، ونسيان الوقائع بشكل مريب ومأساوي .
- ذهبوا إلى أوسلو وفي نيتهم إسترجاع 99 في المائة من الأراضي المحتلة ، لكنهم لم يحصلوا إلا على 3 في المائة من الأراض ... ورضوا بذلك !!
- وطلبوا(ضمانات أميركية) في (إتفاق أوسلو) وحصلوا عليها ، ثم جاءهم (كريستوفر) ، بعد ذلك ، وألزمهم (بإتفاق جانبي) يقرر بأن:
(الإنسحاب الإسرائيلي ، وإعادة الإنتشار يتم حسب الحاجة الأمنية لإسرائيل)!!...ورضوا بذلك أيضاً!!
واستمرت السياسة الفلسطينية هذه في كل لقاء تفاوضي جديد مع (إسرائيل) ... نسيان الحقائق السابقة ... وإعطاء تنازلات جديدة !!
إلا أن أخطر ما أرتكب من أخطاء كان في إتفاق (وآي ريفر) حيث أثبت (المفاوضات الفلسطينية) بأنه لم يتعلم من دروسه السابقة ، ومن تجاربه ، أبداً، لأنه رضخ لضغوط (أميركية ، وإسرائيلية) ووقع (إتفاقاً جزئياً مبهماً لتطبيق إتفاق سابق). والإتفاق الجديد كما كان متوقعاً لم يحدد بصراحة وضع القدس ، والمياه ، واللاجئين وغيرها من المواضيع الهامة والحساسة ، فالذي حدد بدقة هو (أمن إسرائيل) مع إعطاء (ضمانات فلسطينية) مكتوبة (للولايات المتحدة) باعتقال 30 مجاهداً فلسطينياً ، وملاحقة نشطاء الحركة الإسلامية المعارضين لما يسمى (بإتفاقيات السلام) . فيما تهدت (إسرائيل) بالمقابل بالإنسحاب الجزئي من 10 في المائة من الضفة الغربية ......تصور ذالك 10 في المائة فقط !! ... وطبعاً هذا الإنسحاب لن يتم ما لم تنفذ السلطة الفلسطينية (سياسة إسرائيل الأمنية ) بالكامل ، وتضرب البنى التحتية لحركة حماس والجهاد الإسلاميتين. 
وبالفعل بدأت السلطة الفلسطينية حملة مداهمات واعتقالات في صفوف الحركة الإسلامية ، وفرضت الإقامة الجبرية على الشيخ أحمد ياسين ، لإرضاء (إسرائيل) .
ولكن ماذا حدث قبال هذه الإجراءات البلهاء؟!
ما حدث هو إعطاء الضوء الأخضر من ( نتنياهو ) إلى المستوطنين لبناء خمسة مستوطنات جديدة في الضفة الغربية ... وهذا يؤكد أن اليهود لا يؤمنون إلا بمقولة ذكرها الصهيوني (حاييم هرتسوج) في كتابه (الحروب العربية الإسرائيلية) ، حيث قال بأن : 
- ( الحرب حقيقة ...والسلام أسطورة ...والصداقة خرافة ...والعداوة مؤكدة ...)!!
ويضيف (حاييم) بأن:
- بناء المستوطنات أفضل وسيلة للإحتفاظ بالأرض وتوسيعها .
وهنا نقول لدعاة الإستسلام : هل السلام يتحقق مع أناس بمثل هذا المستوى ؟! وأعتقد أن الجواب سيكون بالنفي من كل إنسان صادق مع نفسه ومبادئه ؛ على الرغم من أن الصدق والمبادئ الشريفة أصبحت عملة نادرة في زماننا هذا. 
------------------
(1) انظر تقريرا أعدته مجموعة دراسية أمريكية بعنوان (الإنتقال إلى الحكم الذاتي )-ً 13-14 .
(2) (شمغار) كان يشغل منصب (المدعي العام العسكري) ، ثم أصبح قاضيا في (المحكمة الإسرائيلية العليا) .
(3) أنظر ( أنيس منصور ) - (وجع في قلب إسرائيل ) - ص 9 .
(4) المصدر السابق - ص 11 .
(5) صحيفة الجارديان ، الصادرة يوم 25/9/ 1996 .

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 212 مشاهدة
نشرت فى 23 يوليو 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

379,544