المتقاعدون ، وخبراتهم .


موجة التقاعد هبت على فلسطين وباتت خبرات المتقاعدون الفلسطينيون معطلة ؟!!

المتقاعد أكثر الكلمات إيلاما في مجتمعاتنا العربية؛ لأنها تحمل مترادفات مزعجة تحولت مع مرور الزمن إلى قوانين ومسلمات لا تقبل الجدل .. فالمتقاعد لا يزال يحمل العبء المعنوي والجسدي والنفسي لنفسه ومن حوله، وهو يرى - بشكل خاطئ- أن التقاعد مرحلة لانتظار الموت، دون أن يكون مرحلة للإفادة من خبراته وتجاربه العملية. 

كثيرة من مفاهيم التقاعد لا تزال سلبية، وتثير الغضب، وتزرع اليأس والإحباط في نفوس كبار السن الذين قضوا عمرهم يخدموننا ويخدمون قضيتنا، ويسعون في مناكب الأرض لكي نصبح نحن الأفضل .. وعلى الرغم مما أولاه ديننا الحنيف لكبار السن من اهتمام وحث على الاحتواء، وخفض جناح الذل من الرحمة لهم، إلاّ أن مفهوم التقاعد كان دائماً بمنأى عن هذه المكرمات، فالمتقاعد شخص كان على رأس عمل ثم بلغ الستين فترك عمله أو تركه العمل وانغلقت الدنيا أمام عيونه بعد ذلك (في فلسطين تمت إحالة المناضلين من الفدائيين العسكريين القدامى إلى التقاعد في سن مبكر ) .. ويرسخ هذا المفهوم السطحي كل ما يلاقيه المتقاعد من إجحاف بحقوقه ومركزه وتاريخه بعد التقاعد، وهذه سنة الحياة فالكبار يغادرون والصغار يحلون محلهم وفي هذا ديمومة للحياة واستمرار للعطاء.


السؤال: أين يذهب المتقاعد بعد نهاية آخر يوم دوام له؟ 

ما هو مقدار الحمل الذي يضعه على ظهره وهو يخطو خطواته الأولى نحو عالم بلا وظيفة، كيف يفكر .. كيف يشعر .. ماذا يطلب .. ماذا يحتاج .. ماذا فعل .. كيف واجه .. وكيف استسلم ..؟

ولعلنا بهذا المقالة نتمكن من إيصال أصواتهم إلى أهاليهم أولاً ثم إلى كل مسئول يستطيع أن يفعل الخدمات التي يحتاجونها، وعلى الرغم من أن لا جديد تحت الشمس وأننا بالسليقة نعرف ونعايش معهم مشاعرهم كل يوم، حيث لا يخلو بيت من متقاعد، إلاّ أن انتقاد تذمرهم وعصبيتهم وانطوائهم واحتجاجهم يشغل الكثيرين عما وراء كل هذا وأسبابه ونحن نفتقر إلى ثقافة احتواء المتقاعد، وتقريباً تنحصر اهتماماتنا به في إطار إطعامه ومراقبة مواعيد دوائه وتدفئة فراشه .. وانتظار أمر الله فيه ..!!

في حين أن احتياجاته تتعدى هذا البر الصوري بكثير .. هو يحتاج إلى من يتحدث إليه ويأخذ برأيه ويستشيره. 

بحاجة لمن يشعره أنه مازال على قيد الحياة، وأن الحاجة إليه لم تقل، وأنه قادر على حل المشكلات، والخروج بمن يحبهم إلى بر الأمان . 

لقد أثرت حياتنا الحديثة على الصورة التقليدية للأسرة القديمة؛ حين كانت الأجيال الثلاث تعيش تحت سقف واحد تتبادل الخبرات ويهتم كل فرد فيها بالآخر بحسب موقعه وسنه وخبرته واحتياجه وقدرته. 

وأصبح الآباء المتقاعدون يعيشون الوحدة في بيوتهم بعد أن استقل الأبناء بحياتهم واستغنت الوظيفة عنهم . 

ولا يزال الغرب يأخذ بالأسباب التي تؤدي إلى حياة سعيدة للمتقاعد، حيث تبدأ بعد الستين يعيشها ويسافر فيها ويستمتع بتقاعده، ويتقبل هذه المرحلة كأمر طبيعي سيأتي لا محالة، ونحن بدورنا يجب أن نفكر بالطريقة نفسها، ونغرس في نفوس كبارنا أن القادم أجمل، وفي نفوسنا أن هؤلاء أدوا دورهم كاملاً، وآن الآوان لحملهم كما حملونا ونرعاهم كما رعونا ونسهر على راحتهم ونلبي حاجتهم .. فهذا أبسط حقوقهم علينا.

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 87 مشاهدة
نشرت فى 24 مايو 2011 بواسطة MOMNASSER

ساحة النقاش

د .محمد ناصر.

MOMNASSER
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

360,548