النظرية السياسية والحلو يكمل<!--صدد ما يلزمنا فى وقتنا الراهن من تنظير سياسى ممتحن أو مجرب نكامل لما يسمى عند بيرنارد بوزانكت 1923م) (النظرية السياسية الكاملة) باستدراك من نظرية الهيومانية عند إرفنج بابيت وجماعته<!-- ، المذكورين فى عرضنا عن المرحوم لويس عوض<!-- - (الإنسانية بالاسم) فى بنائها المغرى عندهم . هذا دون أن نغلو غلوهم – وهم " الذين ناصبوا فيها العداء للعاطفة وللديموقراطية وللعلم مقترحين ما نقبله مما لا غنى عنه مما سموه "الأخذ بمبدأ القبول" و "العمل بقانون الحساب" ، لتحقيق "العيش المتوازن" و "مراعاة الذوق العام" ، لتقوية روح "الجنتل مان" و "الدين" (التى كان يدعو إليها بيرك) ؛ فضلا عن "الابتكار الفردى" و "صفة البنيان ، التى تأتى من إخضاع التفرد .. لكل أعم وأشمل" .
*ودون إغضاء عن عيب هنا أو هناك فى النظريتين (نظرية بوزانكت ونظرية بابيت ورفاقه) نعتد بميزاتهما الباقية ، كتصحيح بوزانكيت لمفهوم الدولة القومية وكما فيما قبلناه من نظرية الهيومانية ، كما نعتد بالمذهب الإنسانى بصورته فى ‘مذهب الحاسة الخلقية’ عند علميها ‘هاتشيسون’ و ‘سانستبرى’ ومن إليهم ، فضلا عما نذكره من منهجية للرواقية والحنفاء ولـ ‘ليبنز’ و’كانط’ .
*من فضائل بوزانكيت مراجعة الآراء الفلسفية السياسية والاجتماعية المختلفة على مر العصور؛ وتحريره النظرة إلى الإنسان فى مجتمعه من النزعة الفردية النفعية بالمعنى المشكو منه ؛ دون أن يُغلو فى الوقت نفسه غلو الاتجاهات الجمعية الهيستيرية المنعكسة عنها .
*وكل من ‘بوزانكت’ و’ليبنز’ يجريان على قول ‘عمانويل كانط’ فى قصر البحث المجدى على الظاهرة Phenomena دون الـnomina أو الرأى الحنيفى أو الإسلامى المعروف "العوارض" دون "الكنه" كما أوردنا صدد محمد عبده وغيره .
- لذلك أطرى بوزانكت روسو فى عقده الاجتماعى وسائر آرائه لما تخلل فكره من الروح "الكلية".
- فالمجتمع عنده يتكون من الذات العامة التى تتمتع بالإرادة وبالحياة التى تنبثق وتمارس خلال المجتمع من حيث هو كذلك أو خلال الأفراد فى المجتمع من حيث هم كذلك . فالإنسان عنده يتبع الإرادة العامة لا منفعته الخاصة وبذلك صار الإنسان الذى يكون الدولة هو الإنسان الأخلاقى الذى تتغلغل فيه إرادة العامة وترتفع فرديته الأصلية فترتبط بالكل العضوى إلى أن تبلغ حد الوحدة مع الكل الاجتماعى .
- يولد الإنسان حرا حرية حقيقية كحرية الحيوان ولكنه يرتفع بالقانون الاجتماعى ليصل إلى الحرية المتحضرة التى بها يكتسب إرادته الإنسانية الحقة بمعنى الإرادة العامة General Will لا مجرد إرادة المجموع The Will of All التى هى إرادة إحصائية كأصوات الناخبين .
- كذلك تناول بوزانكت مفهوم "روسو" للحرية بعد تناوله لمفهومه السابق عن الإرادة . ففرقٌ عنده بين مفهوم الحرية الطبيعية ؛ والحرية المتحضرة لأن الأخيرة هى الحرية العاقلة .
- من ثم أحل بوزانكت للدولة أن تقوم بمهمة تحرير الذات العاقلة من أغلالها التجريبية بوسائل القسر السياسى ؛ أى أن على الدولة سلك هذه الذات بنظام فى الجهاز ليعمل كالجيش الذى يختلف التنظيم فيه عن مجرد الحشد .
- والقسر الذى أجازه بوزانكت للدولة قسر لا كراهية فيه لأنه قسر يُرَدُّ فيه الإنسان إلى نفسه المنتظمة فى الشعور العام . وبهذا المفهوم الإنسانى للقسر الاجتماعى فرق بين العقوبة من حيث كونها إصلاحية Punishment as Reformatory تنظر إلى الفرد المخطئ كما تنظر إلى المريض الذى يحتاج إلى علاج ؛ والعقوبة من حيث هى جزائية أو معوقة Retributory or Deterrent .
*بهذا يقف البشر فى أمر العقوبة عند حد الضرورة وعلى قدرها ؛ مما ينظر فيه اسلاميا مثلا تحت مصطلح "تقييد الفتك" وما إليه .
- وفى ضوء ما أعاد بوزانكت اكتشافه من قيمة الشعور الإنسانى فى التجربة الإنسانية صحح مفهوم الدولة القومية كما أومأنا ؛ إذ فسرها كما فسر العائلة والملكية الجيدة والإنسانية ، باعتبارها جميعا عنده نظما عقلية أخلاقية ؛ الإنسانية بعدها الخامس أو البنيوى الكامل للبشرية الذى قصرت عنه فلسفات القوة والتمييز ؛ ولم نكن نجدها غالبا إلا يوتوبيا أو أحلاما واعية لدى الرواقيين والحنفاء والمسلمين الأوائل . وتلك إنسانية أعم وأشمل وأكثر ارتباطا وعقلانية من هذا المجتمع أو ذاك . إنها الإنسانية بالمعنى الأدبى كما بينا . وفى ضوئها أرانا بوزانكت أن الدولة لم تعد نهاية المطاف : سواء بمفهومها الفردى عند هيجل ؛ أو بمفهومها الطبقى عند ماركس؛ (وأضيف : أو بمفهومها المصلحى عند "بيرك" نظريا و "تشرشل" عمليا ؛ بل صار هدف الحركة الدائبة فى الاجتماع الإنسانى إزالة التناقض على نحو آخر لأنها حركة روحية أو دياليكتيك : لا هيجلية ولا ماركسية (ولا بيركية ولا تشرشلية) ؛ لأنها فى انتقالها فى متوالياتها (الخمسة الآن بحسبان البوزنكيتية) "تنفتح على المجتمع بالفن والدين والفلسفة" . وهى أى الفلسفة "دم المجتمع" كما يسميها بوزانكت .
* لقد اتسمت فلسفة بوزانكت بين الفلسفات بسمة التسامح Tolerance كما اتسمت بالشعورية ؛ فجاز لنا عدها فلسفة إنسانية (لا بمجرد المعنى العلمانى الذى يقابل الإنسانى بالكنسى أو الدينى) ، ولكن بالمعنى الشعورى الوِجدانى الأيقونى الأبعاد الذى نقصده فى هذا السياق . وكفى بالبوزنكيتية بِرا بالإنسانية أنها تحذرها من أن تستنفد نفسها فى أهداف أرضية ومادية لأن هذه الأهداف وهمية وخطرة وهى أساس كل النزاع .
▲أما أهداف الاجتماع والإنتاج الواجبة عند عند "بوزانكت" فهى : تنظيم الحياة بحيث تبوح بما فى سرها من "الخير الروحى" الذى "هو وحده الحقيقى والدائم" .
*فى ضوء الجارى اليوم : هل نجافى القصد إذا قلنا أن نظام بوزنكت الممتاز هذا وطموح الرومانسيين واليوتوبيين عالا عمليا إلى برجماتيات غير محضة لأنها فى صورة العالم اليوم – وإن لم نعدها ماكيافيلليات طبق الأصل- ما تزال نهز الدول الكبرى على تفاوت فى الكم أو الدرجة ؟
[1]<!--[endif]--> ص93-100/ الفكر السياسى الغربى والقومية المحافظة فى الشرق، إخراج ثان منقح 2011م
[2]<!--[endif]--> بول آرمر مور" و "نورمان فورستر" و "استيوارت شيرمان" و "هيدون كلارك"
[3]<!--[endif]--> عبد الحكيم العبد/ تطور النقد والتفكير الأدبى فى مصر فى الربع الثانى من القرن العشرين، دكتوراه بآداب الإسكندرية 1985م، ص 284
ساحة النقاش