الطائرة الروسية والمؤامرة الكونية
د. عصام عبد الشافي
في 31 أكتوبر 2015 تحطمت طائرة "متروجيت" روسية تحمل رقم 9268 على ارتفاع 9500 متر (31 ألف قدم) فوق سطح البحر. مما أسفر عن مقتل جميع الركاب وعددهم 224 على متنها وكذا جميع أفراد طاقمها، وعلى الرغم من اتجاه البعض في بداية الأحداث التي تلت عملية الانفجار إلى عدم استبعاد احتمالية حدوث فشل هيكلي نتيجة للإجهاد التي تتعرض له خلال عمليات الإقلاع والهبوط، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية عدم ترجيح إسقاط الطائرة عبر استخدام أنظمة الدفاع الجوي المحمولة على الكتف (مان باد). على الرغم من عدد من مسلحي سيناء قد تمكنوا من قبل من استخدام أنظمة (مان باد) لإسقاط طائرة هليوكوبتر مصرية، كما قاموا بإطلاق الصواريخ على طائرات إسرائيلية؛ إلا أن الطائرة الروسية، كانت تحلق خارج نطاق هذه الأسلحة، كما أنه لاستعراض أولي لمسجل بيانات الرحلة؛ فإنه لا شيء يثبت أن الطائرة قد تم استهدافها (ضربها) بواسطة كائن خارجي.
أولاً: تفجير الطائرة ـ البدائل والاحتمالات:
مع الإعلان عن تشكيل لجان دولية للتحقيق في الحادث، برز التفسير الأكثر احتمالا لسقوط الطائرة هو وجود عبوة ناسفة على متن الطائرة، واتجه كثير من المحللين للقول بأن هذه الاحتمال تتجاوز نسبته الـ 90% على الأقل، وبافتراض صحة هذا الاحتمال يبقي السؤال عمن يقف وراء هذا التفجير.
هنا تبرز عدة احتمالات، ومعها تتعدد المؤشرات:
الاحتمال الأول: التنظيمات المسلحة:
في إشارة إلى تنظيم ولاية سيناء الذي أصدر عدة بيانات تبني فيها عملية التفجير، يدعم هذا الاحتمال كذلك أن أنصار هذا التنظي وغيره من تنظيمات مسلحة تعمل في شبه جزيرة سيناء، استخدموا عددًا من العبوات الناسفة المتطورة في الأشهر الأخيرة، لذلك فإن إنشاء ونشر عبوة ناسفة صغيرة لكنها فعالة يقع ضمن قدرات هذه التنظيمات، يساعدهم على ذلك أن مطار شرم الشيخ كغيره من مطارات مصر، لا يمتع بالقدر الكافي من التأمين، وانتشار الفساد وتأكيد عدد من الركاب أن العاملين بالأمن في المطار يمكنهم قبول رشاوى في مقابل السماح للركاب بتجاوز نقاط التفتيش والفحص الأمني. ومع سهولة تهريب المتفجرات إلى متن الطائرة، فإن فساد الأمن يزيد من احتمال أن الجهاز الذي تم استخدامه في التفجير يمكن أن يكون قد تم حمله على متن الطائرة أو تم تحميله في عنبر الشحن.
الاحتمال الثاني: أجهزة أمنية مصرية:
ويقوم هذا الاحتمال على قيام فصائل أو أجهزة أمنية مصرية بتدبير هذا التفجير بهدف التخلص من رأس النظام ومنظومته العسكرية بعد أن أصبح وجوده عبئاً عليهم، في ظل تصاعد معدلات الانهيار في كل القطاعات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وتفشي الفساد بمعدلات غير مسبوقة.
الاحتمال الثالث: أجهزة أمنية غربية:
ويقوم على أن هناك عدة أجهزة أمنية غربية تعبث في سيناء في ظل انهيار القبضة الأمنية والعسكرية للنظام، وأن هذه الأجهزة هي التي تقف وراء الحادث، وذلك لتحقيق العديد من الأهداف التي قد تبدو متناقضة، ولكن تحقيق أى منها من شأنه تعظيم مكاسبها في المنطقة، ومن بين هذه الأهداف: ضرب علاقات بوتين ـ السيسي، التي تنامت في العامين الأخيرين منذ انقلاب 3 يوليو 2013، والتنسيق المتنامي بينهم في سوريا وليبيا واليمن وشرق المتوسط، هذا من ناحية ومن ناحية ثانية، التخلص من قائد الانقلاب وتعريته أمام الجميع في الداخل والخارج في ظل سياساته المتعارضة والمتناقضة، وممارساته الابتزازية، ومن ناحية ثالثة، إجباره على تقديم المزيد من التنازلات في ملف سيناء وغيره من ملفات، وضمان استمرار استخدام الجيش في إدارة الصراعات الخارجية.
الاحتمال الرابع: بقايا نظام مبارك:
فقد كشفت ما يسمي بـ "الانتخابات البرلمانية" التي جرت جولتها الأولي في مصر الشهر الماضي عن انحسار الصراع سياسياً واقتصادياً بين أنصار نظام مبارك من جانب ومن يسعون لتشكيل أنصار لنظام جديد بقيادة قائد الانقلاب العسكري، ومع التضييق على أنصار مبارك فإن هذا قد يدفعهم للانتقام من النظام الانقلابي القائم، وخاصة أن منطقة سيناء كانت المقر الدائم لمبارك وحاشيته، وهذا الاحتمال قد يجد سنده في عمليات الاعتقال والتحفظ على أموال عدد من أهم رموز عصر مبارك ورجال أعماله.
الاحتمال الخامس: النظام القائم نفسه:
ويقوم هذا الاحتمال على أن عناصر محسوبة على النظام الانقلابي القائم هي من دبرت هذه العملية، كوسيلة من وسائل ترسيخ فزاعة الإرهاب التي تتاجر بها منذ 3 يوليو 2013 وحتى الآن، وقامت بذلك كوسيلة من وسائل ضمان استمرار البقاء واستمرار الدعم.
ومع تعدد هذه الاحتمالات، تأتي أهمية التأكيد على أن هذا مجرد رصد لأهم الأطراف التي يمكن أن تستفيد من هذا التفجير، وبطبيعة الحال يبقي الباب مفتوحاً لدخول أطراف أخري بمصالح أخري.
ثانياً: مصر والمؤامرة الكونية ـ البدائل والاحتمالات:
مع تفجير الطائرة وثبوت انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية المصرية في ظل حكم الانقلاب العسكري، كان منطقياً أن تسارع دول العالم إلى ترحيل مواطنيها من مصر، والتحذير من السفر إلى مصر، وكذلك قيام عدد من شركات الطيران الكبري بتعليق أو وقف رحلاتها عبر شبه جزيرة سيناء، وهنا تبارى قطاع محدد وثابت فيما يسمي "الإعلام المصري" بالحديث عن "مؤامرة كونية تستهدف مصر"، وأن "المسؤولين في بريطانيا والولايات المتحدة هم من قيادات الإخوان"، وأنهم "يعملون على تدمير مصر وتفتيتها وتقسيمها"، وأنهم "يسعون لوقف المسيرة المباركة لهذا النبي المرسل الذي بعثه الله للقضاء على طواغيت الأرض وإعادة هيكلة النظام الدولي".
وهذه العبارات منطقية في هذه المرحلة وتجد منطقيتها في تحليل هيكل من يقومون ويتحكمون ويوجهون هذا "الإعلام".
فهذا الهيكل محكوم بعدد من الاعتبارات التي تؤثر فيه وفي مخرجاته، ومن بين هذه الاعتبارات:
1ـ غياب الشفافية بشكل مطلق: أمام هيمنة جهة واحدة على كل المعلومات ووجود مصدر وحيد للتوجيه هو الشؤون المعنوية بالمؤسسة العسكرية المصرية، التي تحرك كل هذه الأجهزة والوسائل والقنوات "الإعلامية" بمجرد اتصالات هاتفية.
2ـ الخوف والجبن من بطش النظام الانقلابي القائم وممارساته، التي لم تعد تستثني أحداً، ولم تعد تقف عند مناهضي ومقاومي هذا النظام ولكنها بدأت تنال مِن كُل مَن أيده وسانده.
3ـ هيمنة الفساد والتضليل والتزور والغش والتدليس على "رموز العمل الإعلامي" في هذه المرحلة في "الإعلام المصري" سعياً نحو حماية مصالحهم، وضماناً لاستمرار النظام الحالي، لأن استمرارهم أصبح رهناً باستمراره، ويخوضون الآن معركة صراع وجود مع هذا النظام ضد كل القوي الثورية الرافضة والمناهضة والمقاومة لحكم العسكر وهيمنة مؤسساتها أجهزته على مقدرات الدولة.
وبين الحقائق التي كشفتها أزمة الطائرة الروسية وبين أوهام المؤامرة الكونية التي يتحدث عنها أبواق النظام الانقلابي العسكري، تتضخم معدلات انهيار مصر، دولة ومجتمعاً على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ومع استمرار هذا الانهيار وتفاقمه فإن التداعيات والأضرار ستنال الجميع ولن تقف عند الدولة المصرية بحدودها الراهنة، إذا ظلت هذه الحدود ثابتة في المرحلة القادمة.
ساحة النقاش