الفكر الإسلامي المعاصر ـ أبعاد الأزمة وإستراتيجية المواجهة
د. عصام عبد الشافي
الإسلام دين الوحدة الكبرى فى هذا الكون بين جزئياته ومفرداته … بين حركاته وسكناته .. بين آخرته ودنياه … لم ينزل الإسلام برسالته على قوم دون غيرهم، ولم يكن كتاب الإسلام لأمة دون أخرى، ولم يكن رسول الإسلام لشعب دون آخر، بل جاء الإسلام رسالة ورسولاً للناس كافة وللبشر أجمعين فى كل زمان ومكان، قال تعالى: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون"(1) وقال: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم إن الله عليم خبير"(2) وقال عن كتابه الكريم: "قل يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً"(3).
وقال أيضاً: "قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل"(4) وقال: "إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل"(5). وقال عن رسوله: "يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فأمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما فى السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً"(6) وقال: "قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعاً الذى له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو الحق يحى ويميت فأمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون"(7) وقال: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون"(8).
وفى إطار هذا الفيض الكريم كانت الدعوة الإسلامية عامة وشاملة وحمل لواءها قادة الفكر الإسلامى فى كل زمان ومكان لا تحدهم ثقافات أو حضارات ولكنها تزيدهم قوة وإصراراً فى سبيل نشر دعوة الخالق وتبليغ رسالته، التى كانت أساس انطلاقهم وانفتاحهم على العالم عبر مختلف العصور.
لقد قامت الأمة الإسلامية التى قادها الرسول صلى الله عليه وسلم لتنشئ فكراً راسخاً وحضارة متميزة من وحى الإسلام، قامت تنشئ استقامة عجيبة فى سلوك الناس .. وتنشئ ترابطاً قوياً بينهم .. وتنشئ شعوراً إنسانياً بين الناس كافة .. وتنشئ مجتمعاً يتوازن فيه الفرد مع المجتمع.. وتنشئ أخلاقاً فى كل أمر من الأمور الدنيوية والأخروية(9).
ساعدها على ذلك ما تملكه من أسس ومقومات تستمدها من منهج لا يجعل الدين مجرد ذلك النشاط الروحى فقط إنما يجعله بوتقة الحياة كلها، تصهر فيه، ثم تشكل فى جميع صورها وألوانها، كما يجعله الإطار الذى تزاول الحياة فى داخله كل نشاطها، وهو المحور الذى تقوم عليه الحياة الإنسانية بكل مقوماتها(10).
وفى إطار هذا المنهج لم يصبح المسلمون نسلاً أو شعباً فحسب ولم يكن الإسلام عادات وتقاليد وتراث تتوارثه الأجيال ولكنه دعوة ورسالة وحياة وعقيدة تقتضى أن يكون نظر المسلم أوسع من كل المحسوسات ووطنه أوسع من كل المناطق، وأن يكون قلبه عامراً بحب كل إنسان كائناً من كان وأن لا تكون الأوطان والأنساب عائقاً فى سبيل حبه وعطفه، وأن لا يكون سعيه منحصراً فى نطاق الحياة الضيق، كما يلزم على كل من يدين بهذا الدين أن يحمل للبشرية رسالة للروح والقلب والعاطفة والسياسة والاجتماع ويملك قوة أخلاقية وأساس متين من العلم، وبينات محكمات فى المدنية، وحياة نبى كان ولا يزال المثل الأعلى والقدوة الطيبة للبشرية فى مختلف ظروفها وأحوالها، وفى مختلف عصورها وأجيالها(11).
وفى إطار هذه النظرة أصبح المسلمون مكلفين بتبعات إنسانية تجاه البشرية بحكم وصايتهم عليها ووصاية كتابهم على كتبها هذه الوصاية وذلك التكليف يحكمه العديد من الأسس والأصول ويقوم على العديد من المقومات والدعائم التى كانت السبيل أمام العديد من الإسهامات التى قدمها الإسلام للعالم والتى تقوم عليها نظرته لهذا العالم، إلا أن فكر المسلمين يعاني منذ قرون بالعديد من التحديات والمعوقات التي تؤشر لأزمة عميقة تتطلب الوقوف على أبعادها ومظاهرها، وكيفية مواجهتها، وهو ما يمكن تناوله وفق المحاور التالية:
أولاً: أصول الفكر الإسلامى:
يقوم الفكر الإسلامى فى نظرته للعالم وللكون من حوله وللحياة وما تقوم عليه من مقومات ونشاطات على عدد من الأصول:
1ـ النظر العقلي لتحصيل الإيمان: قال تعالى: "أولم ينظروا فى ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأى حديث بعده يؤمنون"(12) وقال: "قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير"(13).
2ـ الاعتبار بسنن الله فى الخلق: فلله فى الأمم والأكوان سنن لا تتبدل وشرائع وقوانين راسخة يجب النظر والتأمل فيها وأخذ العبرة منها باعتبارها الأصل الذى بدونه يفقد الإنسان حاضره ومستقبله، قال تعالى: "قد خلت من قبلكم سنن فسيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين"(14) وقال: "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم"(15) وقال أيضاً: "فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلاً ولن تجد لسنت الله تحويلا أولم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان ليعجزه من شئ فى السماوات ولا فى الأرض أنه كان عليماً قديراً"(16).
3ـ الكتاب والسنة مصدر التشريع الإسلامي: فليس لأحد بعد الله ورسوله سلطاناً على عقيدة أحد ولا سيطرة على إيمانه، وليس على المسلمين فيما بينهم إلا الدعوة والتذكير والإنذار والتحذير، ولكل مسلم أن يفهم إسلامه من كتاب الله وسنة رسوله بعد أن يمتلك الوسائل المؤهلة للفهم، وإن لم تسمح له حاله الوصول إلى ذلك فليس عليه إلا أن يسأل العارفين بذلك ويطالبهم بالأدلة الشرعية التى تتفق وما جاءوا به.
4ـ حماية الدعوة لمنع الفتنة: فتشريع القتال والجهاد جاء لرد اعتداء المعتدين على الحق وأهله إلى أن يأمن شرهم ويضمن السلامة من أخطارهم وغوائلهم وليس للإكراه على الدين ولا للانتقام من مخالفيه، قال تعالى: "لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى"(17) وقال عن القتال: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون"(18) وقال أيضاً: "ما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون"(19) وقال عليه الصلاة والسلام: "من آذى ذمياً فليس منا" وقال: "من أذى ذمياً فأنا خصمه ومن كنت خصمه، خاصمته يوم القيامة".
5ـ الجمع بين مصالح الدنيا والآخرة: حيث أباح للمسلم التمتع بحياته وبزينتها وطيباتها على شريطة القصد والاعتدال وحسن النية والوقوف عند الحدود الشرعية قال تعالى: "قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين آمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون"(20). وقال أيضاً: "وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض إن الله لا يحب المفسدين"(21).
فالإسلام لم يبخس الحواس حقها، كما أنه هيأ الروح لبلوغ كمالها، وجعل الإنسان من أهل الدنيا كما هو من أهل الآخرة، ولن يتحقق ذلك إلا بالعلم والعمل والأخذ بأسباب كل شئ، فأهل العلم والعمل هو الذين يعرفون مقدار نعم الله تعالى وعظيم قدرته وأسرار عظمته(22).
ثانياً: مقومات الفكر الإسلامى:
يسر الله أمام الأمة الإسلامية طريق الوحدة الكاملة والرابطة القوية فكانت الأخوة الإسلامية فوق كل الحواجز الجنسية والعرقية والقومية والحزبية والسياسية، هذه الأخوة التى ربطت بين المسلمين ووحدة صفوفهم وجعلتهم أمة واحدة لها شأنها واعتبارها بين الأمم من حولها عبر مختلف المراحل والعصور، وقد ارتكزت هذه الأمة فى وحدتها بين أعضائها من ناحية ومع من حولها من ناحية أخرى على العديد من المقومات:
1ـ وحدة الأصل الإنسانى: فالناس جميعاً على اختلاف أجناسهم وتمايز ألوانهم وتباعد أقطارهم يرجعون إلى أصل واحد هو آدم، وقد ذكر القرآن الكريم هذه الحقيقة وأكد عليها ليضعها المسلمون فى اعتبارهم ويرعوها حق رعايتها فيعيشوا متآخين متوادين فيما بينهم وبين الناس جميعاً، قال تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً"(23) وفى التأكيد على ذلك والتذكير به إيماء إلى ما يجب من شكر الله وإرشاد إلى ما يجب من التعارف والتعاون بين البشر وأن يكون التفرق إلى شعوب وأمم مدعاة للتآلف والتراحم. قال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"(24). وقال عليه الصلاة والسلام: "أيها الناس: ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربى على عجمى ولا لعجمى على عربى ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: فليبلغ الشاهد الغائب"(25).
2ـ وحدة العقيدة: فالعقيدة الإسلامية هى أعلى ما يمكن أن تقوم عليه وحدة المسلمين وتنطوى تحتها كل العلاقات الأخرى، وأساس العقيدة هو الإيمان بوجود الله تعالى، هذا الإيمان الذى يشكل أساس الدين كله، لأنه يدفع الإنسان إلى التصديق بكل ما أخبر به الله وتنفيذ كل ما أرشد إليه من أوامر أو نواه(26).
وتقوم هذه العقيدة على عدد من الأركان أرشدنا إليها الله فى كتابه الكريم فقال تعالى: "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون"(27).
وهذه العقيدة هى الأساس والمنطلق الذى يخرج به الإنسان من قوقعة الأنانيات الفردية والقبلية والقومية إلى صعيد اللقاء الإنسانى على أساس المبادئ المتينة الراسخة، والتى أعد بها النفوس للتعارف والتعاون الإنسانى وجعل من العصبيات بأنواعها فسوقاً وخروجاً عن العقيدة وانحرافاً عن مبادئها.
والعقيدة ضرورة لا غنى عنها للفرد والجماعة، ضرورة للفرد ليطمئن ويسعد وللمجتمع ليستقر ويتماسك، وهى قوة لا تكافئها قوة فى ضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه، فهى أساس صلاحه أو فساده، وأساس بقائه واستمراره ولذلك كانت حاجة الإنسانية إلى الإسلام عقيدة وسلوكاً(28).
وقد ترتب على وحدة العقيدة الإسلامية العديد من الآثار على وحدة المسلمين وقوتهم ومن بين هذه الآثار:
(أ) وحدة الفكر: فالأمة التى توجه تفكيرها عقيدة واحدة، تفكر بطريقة واحدة وتكون أهدافها وغاياتها واحدة، والمراد بوحدة الفكر هنا وحدة المبادئ الأساسية التى تستند إليها الأمة فى تفكيرها مع وضوح هذه المبادئ لكل فرد من أفرادها.
(ب) التآلف والمحبة: فالعقيدة تؤلف بين القلوب وتشد المؤمنين بعضهم بعضا فتجعلهم كمثل الجسد الواحد، وهذه المحبة جزء لا يتجزأ من الإيمان فلا يتم إيمان المؤمن إلا به، قال عليه الصلاة والسلام: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"(29).
(ج) التعاون: فالعقيدة الإسلامية هى المحرك الرئيسى للتعاون بين المسلمين وبعضهم البعض لأنهم يشعرون بقيمة التعاون وما يحققه لهم من فوائد، سواء فيما بينهم أو بينهم وبين غير المسلمين ممن يعايشونهم ويتعاملون معهم قال تعالى: "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين"(30).
3ـ وحدة مصدر التشريع: فأصل التشريع عند المسلمين هو القرآن الكريم الذى أنزله الله ليكون دستور الخالق فى إصلاح الخلق ينظم الحياة ويعالج النفوس ويقوم اعوجاج المجتمع ويهدى أفراده إلى الصراط المستقيم. قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم فى رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً"(31). وقال عليه الصلاة والسلام: "إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه(32)".
4ـ العبادة الصحيحة: الأصل فى العبادات أنها تؤدى امتثالاً لأمر الله تعالى وأداء لحقه على عباده وشكراً لنعمائه التى لا تنكر، والعبادة فى الإسلام لها شأن يبدو جلياً واضحاً فيما ينعكس من آثارها على حنايا النفس عمقاً وبعداً والأخذ بيد الإنسان إلى قصد السبيل، ولذلك دعا الإسلام إلى الجماعة فى أداء العبادات لما يترتب على الاجتماع من جمع الكلمة والتحاب والتعاطف والتآلف والتعلم وتعود الصبر والامتثال فى أداء العبادات(33).
5ـ المبادئ والأخلاق: فالمبادئ والأخلاق التى قام عليها الإسلام كانت سبباً لانتشار الإسلام ورسوخه فى الدول التى فتحها المسلمون، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام مثالاً حياً لهذه الأخلاق، قال عنه الحق فى كتابه الكريم: "وإنك لعلى خلق عظيم"(34) وقال عليه السلام عن نفسه: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"(35) ولأنه عليه الصلاة والسلام قدوة المسلمين ومثلهم الأعلى فقد كانت أخلاقه وسيلة من وسائل وحدة المسلمين أمام سعيهم للتمسك بها والإقتداء برسولهم فى صفاته وأخلاقه.
وجاءت العبادات الإسلامية لتسمو بهذه الأخلاق فالصلاة فيها تنمية للنظام والطاعة والطهارة والنظافة والعفة، والتعاون والتراحم، وفى الصيام تزكية للنفس بخلق الصبر والاحتمال والإحساس بالفقير والعطف عليه، وتنمية مراقبة الله فى السر والعلانية، وفى الزكاة تطهير للنفس من شحها وللمجتمع من الأحقاد وتزكية لأخوة الإسلام والمحبة فى الله بين الغنى والفقير، أما الحج ففيه تطهير للنفس من الذنوب والآثام وتنمية لروابط الأخوة بين المسلمين(36).
6ـ المرابطة: أى معرفة كيفية الحفاظ على العقيدة الإسلامية وحمايتها وبيان الوسائل والأساليب التى يمكن من خلالها تحقيق ذلك والتى يبينها الإسلام فى إخلاص النية لله وحده، وصرف الاهتمام عما لا يفيد وتركيزه فيما يفيد. قال عليه الصلاة والسلام: "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه" وهو ما يساهم فى حفظ توازن الشخصية وتجانسها وتوحدها، ومن هذه الوسائل أيضاً التوجه إلى الله فى كل شئ والعودة إلى كتابه وسنة رسوله يستمد منها المسلم ما يحميه ويشد أزره وقت المحن والأزمات التى تحيط به وتحاول أن تعصف به.
7ـ الوسطية والاعتدال: فالوسطية فى الإسلام منهج اعتقادى ونظام سلوكى فهو متغلغل فى أعماق النفس وظاهر فى نظام الحياة وطريقة السلوك بين الغيب والحاضر، بين الدنيا والآخرة، بين العمل والعبادة، بين القوة والرحمة، بين الفردية والجماعية، بين الزهد والغنى، بين المثالية والواقعية، وهذا سر التوازن النفسى فى الشخصية الإسلامية. قال تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً"(37).
8ـ الجهاد: ويمثل أهم مقومات الشخصية الإسلامية، فالشخصية الإسلامية صاحبة رسالة سامية ودعوة خالدة وهى مكلفة بتحقيق وترسيخ هذه الدعوة على المستوى النفسى الذاتى الأسرى والاجتماعى وعلى المستوى الإنسانى بصفة عامة ولذلك لا يمكن تصور هذه الشخصية فى موقف دفاع سلبى أمام واجبات الدعوة وانتشارها فى الأرض، ولا يمكن كذلك تصورها فى موقف هجومى متعصب لتحقيق أهداف ضيقة، ولكن الأساس فى التصور والطريق الوحيد لبنائه هو المبادرة الجهادية الإيجابية المتعقلة والمدروسة والمتدرجة وطويلة الأمد والتى تتفق وما جاء به الإسلام من قيم وتعاليم وأخلاق سامية. فالجهاد ليس قتالاً فقط ولكنه أيضاً علاج لمواطن الضعف الشخصية والاجتماعية وهو فى معناه الشامل " أى جهد يبذله المسلم لنصرة قوى الخير فى الأرض طبقاً لمنهج الله ولتكون كلمة الله هى العليا".(38)
وهكذا أرسى الإسلام قواعد المنهج الأمثل والأشمل للحياة والذى يقوم على النظام العقيدى الصحيح والبسيط، والإطار المرجعى الشامل والمفصل والمتناسق، والمتماسك، ووضوح الرؤية والهدف، ووجود العلامات الإرشادية التى تنظم حركة الحياة، وتحقيق التوازن بين شقى الوجود الإنساني وإعلاء قيمة النظام الأخلاقى وما يتتبعه من سلام نفسى واجتماعى. (39)
وأمام تمسك المسلمين بهذه المقومات وسعيهم نحو تأصيلها وترسيخها فى نفوسهم أولاً وفى المجتمع المحيط بهم ثانياً تعددت إسهاماتهم وإنجازاتهم فى خدمة البشرية، وقدم الفكر الإسلامى للعالم من الإسهامات ما يستطيع به تحقيق الغاية التى خلق الإنسان من أجلها وهى عبادة الله وعمارة الأرض.
ثالثاً: إسهامات الفكر الإسلامى:
فى ظل المقومات السابقة كان للأمة التى كونها الإسلام شخصية متميزة وملامح أصيلة وخصائص فريدة استحقت بها أن تكون ليس فقط "أمة الأمم" ولكن "أمة الله" لأنها لا تبتغى ديناً غير دينه ولا نظاماً غير نظامه ولا شرعاً غير شرعه ولا حكماً غير حكمه ولا عزة ولا كرامة إلا فى ظلال رحمته وهداه ورضاه. وفي ظل هذه المقومات قدم الفكر الإسلامى العديد من الإسهامات الخالدة للبشرية، والتى يمكن مع الالتزام بها والحرص على الأخذ بها وتطبيقها تحقيق سعادة العالم، ومن هذه الإسهامات:
1ـ ترسيخ الهوية الإنسانية: فقد أعطى الإسلام للإنسان هويته، وتناول مراحل حياته وأسرار خلقه، وكرمه الله فى كتابه على كثير من خلقه وشرفه بالعقل والنطق وحمل الأمانة وجعل الناس كلهم أخوة ولهذا نشأ المجتمع الإسلامى خالياً من الاستعباد وظهر التواضع المطلق والعبودية لله سبحانه وتعالى، قال تعالى: "ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير من خلقنا تفضيلاً"(40). فالإنسان قبل الإسلام افتقد إنسانيته وكرامته وانتهكت حرماته حتى جاء الإسلام فكان رحمة للعالمين ولهذا رأى الناس فيه النور والهداية فسارعوا إليه وبسرعة هائلة انتشر الإسلام فى كل ربوع الأرض فاتحاً ومنقذاً للإنسان من شتى صنوف العذاب والهوان(41).
2ـ المنهج الصحيح للحياة: حيث جاءت العقيدة الإسلامية بمنهج شامل متكامل صالح للحياة فى كل زمان ومكان، وينظم للإنسان حياته الدنيا والآخرة سواء مع نفسه أو مع من حوله أو مع خالقه، فالإسلام نظام كامل وحضارة تامة وتشريع فريد لأنه وحى من الله سبحانه ولأنه منة الله ونعمته على البشرية والإنسانية. قال تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام ديناً"(42).
يقول "هملتون جب": "ليس الإسلام ديناً بالمعنى المجرد الخاص بل هو مجتمع بالغ التمام والكمال يقوم على أساس دينى ويشمل كل مظاهر الحياة الإنسانية .. والحق أن الإسلام ليس مجرد نظام عقائدى أنه أعظم من ذلك كثيراً فهو مدنية كاملة" وأسباب ذلك كثيرة من أهمها:
(أ) عقيدته: التى تمثل أصفى أنواع التوحيد وأكثره إشراقاً وسمواً وكمالاً، كما أنها عقيدة علم تخدم العقل وتدفعه بقوة نحو المجهول لكشف أسراره وخفاياه، كما أنها عقيدة أخلاق جوهرها المحبة والعدالة والرحمة.
(ب) الروحانية الإيجابية البناءة التى تسمو بالنفس وتطهر البدن وتقود الإنسان إلى الإبداع والابتكار فى عمارة الأرض، والوفاء والإخلاص فى عبادة الخالق. يقول "توماس كاريل" عن هذا الإنسان الذى آمن بالإسلام منذ فجر الدعوة: "خرجت جيوش رعاة الأمس تقتحم الأرض شرقاً وغرباً وتفتح باسم الدين الجديد، وفى خلال قرن واحد من الزمان قضت على القوى العظمى وملكت الأرض من تحت أقدامهم، إنها معجزة ولولا أنها حقيقة تاريخية لقلت أنها خرافة أو خيال. لقد كانت صيحة محمد أشبه ما تكون بشرارة ملتهبة وقعت لا على كثبان كسولة من رمال الصحراء، ولكن على جبال من البارود الذى تفجر مرة واحدة فعم نوره الآفاق من هضاب الهند حتى سهول الأندلس(43).
3ـ محاربة الفساد: جاء الإسلام فأضاء العقول وطهر الضمائر، وكان شفاء لما فى الصدور والنفوس، قال تعالى: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً"(44). جاء الإسلام فأنقذ البشرية من الجهل والخرافة والسحر والشعوذة وفتح الباب للبحث وتتبع الحقيقة والانتفاع بما أودع الله تعالى فى الأشياء من أسرار وخواص. جاء الإسلام فحرر العقول من التعصب الأعمى والأحقاد الدينية والعنصرية وعلم الإنسان سعة الأفق، وحثه على التعامل بالمنطق والحكمة والموعظة الحسنة. قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن"(45).
وفى محاربته للفساد وتحريره للعقول وتطهيره للنفوس والأبدان لم يكن الإسلام محدود النطاق أو ضيق الأفق، ولكنه جاء للعالم ولخير العالم، ولهذا كانت رسالته للبشر جميعاً، وكان رسول الإسلام مبشراً ونذيراً ورحمة عامة للجميع قال تعالى: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"(46) وقال: "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً"(47) وقال: "قل يا أيها الناس أنى رسول الله إليكم جميعاً"(48) ولهذا كان محمد عالمياً وكانت دعوته عالمية ونادى بالأخوة العالمية تحت تعاليم ربانية إنسانية واحدة ليكون الدين كله لله وتكون كلمة الله هى العليا فى إطار ما جاء به الإسلام من قيم ومبادئ سامية(49).
4ـ نظرية الكرامة الإنسانية: جعل الإسلام الإنسان أشرف مخلوق فى الوجود وأعز شئ فى الكون وأكرم نفس فى العالم، سواه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأسجد له ملائكته، ورفع منزلته وكرمه نفساً وحياة ورزقه من الطيبات، بل إنه خلق الأكوان كلها من أجله وسخرها لراحته وهيأها لمعيشته، قال تعالى: "هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعاً"(50). هذه الإنسانية التى يسوى بينها خالقها يسوى بينها الإسلام ويجعل لها من الكرامة والرفعة والسمو ما جعله الله سبحانه لها، لا يؤثر فى ذلك اختلاف الأجناس أو الألوان أو الأزمات أو الأديان.
5ـ نظرية العدالة الإنسانية: قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"(51) فعدل الإسلام لا يفرق بين إنسان وإنسان حتى لو كان مسلماً وغير مسلم، فحسب المسلمين أن الله هو الرقيب عليهم وأن تعاملهم يكون دائماً معه، وأنه سبحانه وتعالى صاحب الحق القيم على تنفيذه المطلع على السرائر والنفوس، المراقب والعالم بكل خاطرة .. حسبهم ذلك فتجند مشاعرهم للحفاظ على الحق فى وجه الدنيا كلها ابتداء من النفس والمشاعر الفطرية وانتهاء بكل من على وجه الأرض(52).
6ـ النظرية العلمية: دفع الإسلام مكانة العلم والعلماء وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة، وجعله طريق الرفعة فى الدنيا والسعادة فيها وطريق الجنة فى الآخرة فقال عليه الصلاة والسلام: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً يسهل الله له طريقاً إلى الجنة وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما صنع وأن العالم ليستغفر له من فى السموات ومن فى الأرض"(53).
وتقوم النظرية العلمية فى الإسلام على أن العلم هو الخير والنماء، وهو الحياة والهداية والنور وهو قاعدة العمل وحجة على العالم حتى تنار الدنيا بالعلم فلا يصار إلى قول دون عمل، وفى هذا الإطار فإن للعقلية الإسلامية طبيعة علمية متميزة لها العديد من الخصائص المتفردة أبرزها:
(أ) العلاج والبناء: من خلال البيان والإرشاد والنصح والتقويم والتبصير والتنوير.
(ب) التكامل والتوازن بين الدين والدنيا: بين الأمور الدنيوية والأخروية فالروحانيات وقود لتحصيل الماديات وإحسانها وإشاعة خيرها وإصلاح شأنها والماديات دفع للروحانيات وتحقيق لمقاصدها وعون على تحقيق غاياتها ومراميها. قال تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد فى الأرض أن الله لا يحب المفسدين"(54).
(ج) النظر والبحث والتقصى والملاحظة والتجربة: قال تعالى: "هو الذى جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"(55). وقال: "قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير"(56).
رابعاً: أزمة الفكر الإسلامي:
تجتاز الأمة الإسلامية فى الفترة الراهنة مرحلة من العجز وفقدان التوازن إزاء مواجهة العديد من التراكمات السلبية التى أفرزتها خبرة تاريخية مريرة من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولذلك فالتشخيص الدقيق للأزمة يقتضى استقراء التاريخ وقراءة الحاضر والعكوف على الذات وتقويم دعائمها وتحديد أسباب العجز والقصور ومواطن التقصير والتي هى بمثابة مقدمات أساسية لاستشراف المستقبل.
والأزمة التى يمر بها العالم الإسلامى المعاصر هى أزمة فكرية فى جوهرها وتندرج تحتها سائر الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجاءت هذه الأزمة نتيجة اضطراب مصادر الفكر واختلال طرائقه ومناهجه وتجسدت فى غياب الرؤية الواضحة وانعدام الأصالة الثقافية والتوازن النفسى واضطراب المفاهيم واختلاط الأهداف وانهيار الأنظمة والمؤسسات وفوق كل هذا اضطراب البناء الفكرى للإنسان المسلم(57).
ويمكن التمييز بين عدد من المظاهر الأساسية للأزمة التى يعانى منها الفكر الإسلامى المعاصر بصفة عامة والتي من بينها:
1ـ ضيق نطاق تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بوجه عام حتى أنها لا تكاد تعدو فى كثير من الأحوال مسائل الأحوال الشخصية.
2ـ عدم التزام دساتير عدد من الدول الإسلامية بأحكام الشريعة الإسلامية، واقتصارها على النص أن "الإسلام دين الدولة" وهو نص لا يترتب عليه التزام الدولة بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، بل أن هناك بعض الدول الإسلامية التى نصت دساتيرها على أنها (علمانية) أو غير دينية.
3ـ انصراف الكثير من المسلمين عن التمسك بالقيم والمبادئ والأحكام الإسلامية، وانتشار العديد من المذاهب المادية الوافدة بينهم وما صاحب ذلك من فقدان الغالبية العظمى من علماء الدين لما كان لهم من نفوذ وسلطان على الحكام والمحكومين عبر مختلف عصور التاريخ الإسلامى.
4ـ فقدان القدرة على الإبداع وسيطرة التقليد على مختلف مجالات ونظم الحياة فى الدول الإسلامية، وهو ما يظهر فى انتشار المبادئ والقيم الغربية بين المسلمين واتجاههم إلى تقليد الغرب فى كل ما يقوم عليهً(58).
5ـ انتشار أزمة عدم الثقة بين العديد من الحكومات الإسلامية أمام الاختلاف فى المصالح والمبادئ السياسية والاجتماعية وما يترتب على ذلك من تشرذم الأمة وتفتتها وتصارع وتقاتل أبنائها.
6ـ امتهان الإنسان المسلم فى عصر تراجعت فيه القيم والعقائد واتخذ الأعداء من أبناء الإسلام سلاحاً لقتال دينهم وعقيدتهم وأمتهم(59).
خامساً: أسباب أزمة الفكر الإسلامي:
إذا كانت الأزمة الفكرية ظاهرة عالمية معاصرة فإنها ذات طبيعة متمايزة فى الإطار الإسلامى أمام تمايز الأسباب التى أدت إليها والتى من بينها:
1ـ الغزو الثقافى من الحضارة الغربية للأمة الإسلامية والذى يستهدف تحويل المسلمين بعيداً عن عقيدتهم ونهضتهم باسم حركة التجديد ـ ظاهرياً ـ فى حين أن الهدف هو السيطرة على المجتمع الإسلامى وفصله عن قيمه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية وتحويله إلى مجتمع علمانى، وقد سارت محاولات الغزو الثقافى والفكرى بصورة متعددة باذلة كل جهدها لتدمير المضمون الإسلامى وخلق أجيال من المسلمين يؤمنون بالحضارة الغربية وثقافتها والدعوة لها فى بلدانهم(60).
2ـ تعدد مظاهر الخلاف والانقسام بين الفرق والتيارات الإسلامية، ومن ذلك: الخلاف فى فهم نصوص الكتاب والسنة غير قطعية الدلالة، والخلاف فى الاهتمامات التخصصية لهذه الفرق، والجهل بأحكام الشرع ومقاصده، وإتباع الهوى والتعصب للآراء والأشخاص(61). وما ترتب على هذه الخلافات من تعدد فى العصبيات المذهبية والعقلية والعرقية داخل المجتمع الإسلامى وبالتالى استهلاك المسلمين طاقاتهم وفكرهم فى خلافات لا طائل منها(62).
3ـ الجمود وقفل باب الاجتهاد ويقصد بالجمود الوقوف عند آراء الأئمة الأربعة، وهو ما يطلق عليه لدى الشرعيين "التقليد" وقد ساعد على ذلك نظرة التصوف العجمى التى دخلت إلى حياة المسلم فجعلته ينظر إلى هذا العالم على أنه شر يجب البعد عنه بل والهرب منه.
4ـ الأنظمة الدكتاتورية أو الاستبدادية التى تعاقبت على العالم الإسلامى وخاصة فى مرحلة الضعف والانكسار، وقضائها على الحريات والاتجاه إلى كبتها وعزل المسلمين عن مظاهر التطور من حولهم خوفاً على سلطانهم، وهو ما ترتب عليه قتل روح الابتكار والإبداع والخوف من التغيير فى عقول وقلوب المسلمين(63).
5ـ استغلال الدين فى تحقيق بعض الأغراض والمصالح الضيقة استناداً لبعض العلماء الذين عرف عنهم بعض نزعات استغلال الإفتاء أو القضاء أو الدين أو بعض مواقف ضعف أو هوان إزاء أصحاب النفوذ أو السلطان(64).
سادساً: استراتيجية مواجهة الأزمة:
تستند استراتيجية تفعيل دور الفكر الإسلامى والنصوص به على عدد من المنطلقات الأساسية:
1ـ الإيمان بكونية الرسالة الإسلامية باعتبارها الخطاب الإسلامى الخالد للإنسان فى كل زمان ومكان.
2ـ الإيمان بخلود الرسالة الإسلامية وخاتميتها وتجردها عن حدود الزمان والمكان.
3ـ الاعتقاد بأن أزمة الأمة فكرية وليست أزمة قيم فالقيم محفوظة بحفظ الله تعالى كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين مصداقا لقوله تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"(65).
4ـ الإيمان بقدرة الأمة على صناعة الأفكار المعاصرة فى ضوء توجيهات القيم وتسخير السنن للقيام بأعباء الاستخلاف وحل مشكلة الأمة والبشرية وإنقاذها من المعاناة.
5ـ عصمة عموم الأمة عن الردة والضلالة العامة المطلقة وقدرتها على امتلاك وسائل النهوض الحضارى عند تحقيق شروطه والتمكن من سنته.
6ـ الإيمان بأن الأفكار ليست بديلاً عن الحركة ولكنها شرط لصوابها، وأن سلامة العمل مرهونة بسلامة منطلقاته الفكرية(66).
سابعاً: متطلبات ومرتكزات تنفيذ الاستراتيجية:
حتى تحقق الاستراتيجية الأهداف المنشودة منها فإن ذلك يتطلب توافر عدد من المتطلبات والركائز الأساسية من بينها:
1ـ الوعى الموضوعى بالتراث والإلمام بسياقه الاجتماعى والتاريخى وتحقيق أقصى استفادة ممكنة منه فى إثراء حياتنا الفكرية الراهنة، وهذا الوعى يتطلب التمييز بين الأصول الثابتة التى تحفظ للشريعة استقرارها واستمرارها وتواصلها، والتراث الفقهى الذى يمثل نتاجاً وعطاء للعقل البشرى يعبر عن رؤى وأفكار إنسانية تحتمل الخطأ والصواب.
2ـ إحياء فقه المقاصد كأداة لإنضاج الاجتهاد الفقهى وإثرائه وتوسيع مجالاته، وهو ما يتطلب معرفة مقاصد الشريعة وتنمية دراستها والعمل على وضع القواعد والضوابط التى تضمن أعمال هذا المنحنى الاجتهادى فى إطاره ونطاقه السليم الذى يلتزم بمبادئ الشريعة الإسلامية.
3ـ تأطير جهود التجديد الفكرى على نحو مؤسسى وجماعي، وذلك عن طريق ممارستها من خلال هيئات ومجاميع علمية فقهية ومؤسسات فكرية محايدة ومستقلة يكون غرضها الأساسى هو إثراء الفكر الإسلامى(67).
4ـ إعادة قراءة الكتاب والسنة كمصدرين للمعرفة والحضارة والثقافة والفكر والانطلاق من السيرة الصحيحة كفترة مصونة بتسديد الوحى للاهتداء بها فى منهاجية تنزيل النصوص على الواقع.
5ـ دراسة الواقع الإسلامى المعاصر واستقراء حاجاته وتحديد أسباب الأزمات التى لحقت به.
6ـ بناء النسق المعرفى والثقافى الإسلامى القائم على مجموعة من الضوابط والشروط والموجهات التى تضبط حركة الفكر الإسلامى وتوجه العقل الإسلامى نحو إنتاج الفكر المحقق لغايات الإسلام ومقاصده والمنسجم مع كلياته وغاياته.
ثامناً: وسائل وسياسات تنفيذ الاستراتيجية:
تتعدد الوسائل والسياسات التى يمكن من خلالها إصلاح الفكر الإسلامى والنهوض بدوره فى بناء وتشكيل النظام العالمى الجديد ومن بين هذه الوسائل وتلك السياسات:
text-align: justify; text-justify: kashida; text-kashida
ساحة النقاش