حكام عرب أغبياء

د. عصام عبد الشافي

 

في عام 2002، نشر المخرج الأمريكي "مايكل مور" كتاباً بعنوان "رجال بيض أغبياء"، يتناول فيه سياسات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ويتهمه بالغباء, وبأنه يمثل أمة غبية. ورغم أن المؤلف انتهي من كتابة مؤلفه قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 إلا أنه نُشر بعدها, ورغم ذلك لم يفقد أهميته, بل العكس كان الصحيح، فقد جاءت هذه الأحداث لتعزز من الأطروحات والأفكار التى تضمنها والتي تدور حول جهل وغباء الرئيس الأميركي وعدم إلمامه بالسياسة وصناعة القرار، ويرصد الكتاب نقاط الخلل في السياسات الأمريكية وفي ثقافتها السياسية, ويرى أن أشد ترجمة لذلك الخلل هو انتخاب جورج بوش رئيساً, وفساد البطانة التي حوله والتي سهلت تآمرت معه على سرقة الفوز.

قفز إلى ذهني عنوان كتاب مور، وأن أتابع وأرصد تحولات الأوضاع في عدد من الدول العربية، وما تشهده من ثورات وانتفاضات ومظاهرات شعبية، وكيفية تعاطي حكام هذه الدول مع تلك التحولات وردود أفعالهم تجاهها، ومع تكرار ردود أفعالهم لدرجة الاستنساخ، وقفت على عدة مظاهر ومؤشرات تؤكد أننا أمام "حكام عرب أغبياء"، لم تكن نتيجة السياسات التى تبناها من سبقهم، في الدول التى شهدت الثورات الشعبية، وأطاحت بنظمها الفاسدة، رادعاً لهم أو مرشداً لسياساتهم، أو موجهاً لمستشاريهم، لتغيير السياسات والتعاطي بواقعية وموضوعية مع ما تشهده مجتمعاتهم من تحولات، فجاءت المحصلة واحدة.

ففي مصر، تكررت نفس السياسات وردود الفعل الحكومية، التي تبناها زين العابدين بن علي في تونس، فسقط مبارك كما سقط بن على، وفي البحرين واليمن تتكرر نفس السياسات التى تبناها مبارك وبن علي، ثم جاء معمر القذافي ليتفوق على جميع من سبقوه في ردود أفعاله، التى تخطت حدود الغباء المتعارف عليها.

وفي هذا السياق، تم التمييز في إطار "مؤشرات الغباء"، بين عدة مستويات، سياسية، وأمنية وإعلامية، واقتصادية، ونفسية وهى تلك المرتبطة بإثارة عدد من الفزاعات لتخويف الداخل والخارج، من مغبة استمرار المظاهرات والثورات الشعبية في الدول العربية:

أولاً: الغباء في ردود الفعل السياسية:

في إطار ردود الفعل السياسية من جانب النظم الحاكمة في الدول العربية التى شهدت مظاهرات وثورات شعبية لتغيير النظام، تبرز عدة مؤشرات للغباء السياسي في التعاطي مع تلك الثورات، ومن ذلك:

1ـ إعلان التفرد والخصوصية: كانت بداية الانتفاضات والتحركات الشعبية في الجمهورية التونسية، وبالتالي لم يستطع زين العابدين بن علي استخدام هذه الآلية، ومع بداية الثورة في مصر، بدأ الحديث المكثف عن الخصوصية المصرية من جانب مسئولي النظام وحاشيته، وتكرار الحديث عن أن مصر ليست تونس، وأن ما حدث في تونس لا يمكن أن يحدث في مصر، فمصر ـ وفقا لهؤلاء ـ تتمتع باستقرار كبير، وشعبها يحب الرئيس، وأجهزتها الأمنية والعسكرية كفيلة بالحفاظ على الأمن والاستقرار، ومع بداية الأحداث في اليمن، تكرر السيناريو، حيث خرج على عبد الله صالح، ليعلن في كل مناسبة أن اليمن ليست تونس ومصر، متناسياً أن اليمن أسوأ من الدولتين، لأنها تعاني منذ عقود من حرب أهلية، وصراعات عسكرية، وأنها خلال السنوات السبع الأخيرة فقط شهدت ست جولات من الصراع المسلح بين الحكومة والحوثيين في محافظة صعدة.

ومع انتقال المظاهرات للبحرين، خرج ملكها ليكرر نفس المقولة، أن البحرين، ليست تونس ومصر، وكذلك فعل سيف الإسلام القذافي، الذي لم يكتفي بالقول أن ليبيا ليست مصر وتونس، بل وجه الاتهام لمصر وتونس بالتورط فيما تشهده ليبيا من أحداث.

2ـ كبش الفداء: اتفق الحكام العرب في تعاطيهم مع الثورات الشعبية على تقديم كبش فداء للحفاظ على كراسيهم، وكانت البداية عند زين العابدين بن على الذي أطاح بوزير داخليته وبعدد من المسئولين الأمنيين، ثم قيام حسني مبارك بإقالة حكومة نظيف وتعيين حكومة شفيق.

ويرتبط بسياسة كبش الفداء، توسع القيادات السياسية في الحديث عن فساد الحاشية وعدم مسئولية الرئيس عما يحدث من مفاسد، وكأن الأمر لا يعنيه، وكأنه فقط مسئول عن الكرسي الذي يجلس عليه، والتأكيد على أن الوزراء والمسئولين لم يلتزموا بتعليماته السديدة وتوجيهاته الرشيدة، وبرامجه وخططه العظيمة للوفاء بالمطالب الشعبية.

3ـ الحوارات المطاطية: ما إن تنشب المظاهرات والاحتجاجات الشعبية في دولة من الدول العربية، إلا ويعلن حكامها عن فتح باب الحوار، ودعوة قيادات المعارضة لطاولة المفاوضات، للتباحث والتشاور، وإغراق الجميع في متاهة التفاصيل، حتى يتمكنوا من الالتفاف على مطالب الثوار، ووضع السياسات الكفيلة بقمع التظاهر.

4ـ الإصلاحات الخادعة والمضللة: مع بداية المظاهرات، يرفع المتظاهرون عدد من المطالب، فيتجه الحكام، وأتباعهم إلى الإعلان عن قبولهم بعضاً من هذه المطالب، من خلال تغيير بعض الأشخاص، وتشكيل بعض اللجان للتقصي، والحوار، والتعديل، ولا يفوتهم في هذا المقام التأكيد على أن نيتهم كانت قائمة لتحقيق هذه الإصلاحات، وأن الخطط موضوعة لذلك، وأن الإصلاح لا يأتي فجأة بل هناك أولويات تنال منهم الاهتمام الرئيس.

5ـ الخطب العاطفية: في الحالة التونسية، خرج الرئيس التونسي ثلاث مرات موجها حديثه للشعب التونسي، وبعد نهاية خطابه الثالث، استقل طائرته تاركاً البلاد تواجه مصيرها، بعد أن أعد عدته، وجمع ملياراته، ونقل جانباً منها معه في رحلة اللاعودة. وتشابه مبارك مع بن علي، فقد ظهر مخاطباً المواطنين ثلاث مرات، وفي كل مرة كان يركز على عاطفة الشعب ومشاعر المواطنين، مستعرضاً إنجازاته وخدماته ودوره البطولي في العمل العام عبر 62 عاماً منها 30 عاماً على رأس الدولة، ولكن الملاحظ أنه في أعقاب كل خطاب لمبارك كانت تحدث كارثة، وتزداد حالة الغليان والسخط الشعبي عليه وعلى نظامه، وكما كان الخطاب الثالث فارقاً في نظام بن علي في تونس، كان الخطاب الثالث فارقاً في نظام مبارك، ففي اليوم التالي للخطاب خرجت الملايين إلى الشوارع، في كل المحافظات المصرية، ليخرج في مساء نفس اليوم نائبه ليعلن للشعب تنحي الرئيس.

ولكن تبقي ليبيا دائما متفردة، فمع اشتعال الثورة الشعبية، لم يخرج القذافي للحديث، بل أخرج ابنه، الذى ألقي خطابا مطولاً مرتجلاً، كان كفيلاً في ذاته وفي مضمونه، وفي طريقة إلقائه لإشعال ما تبقي من أماكن لم تشتعل في ليبيا، وفي اليوم التالي لخطابه وبعد انتظار ساعات لخطاب للقذافي، أعلنت عنه الفضائية الليبية، خرج القذافي فى وضع شاذ وغريب، حيث يجلس تحت وسيلة نقل شعبية (يطلق عليها في مصر اسم التوك توك)، ويمسك بيده واقياً للمطر أو الشمس (يطلق عليها في مصر شمسية)، وجاء خطابه في 27 ثانية فقط، ليقول للشعب أنه موجود في ليبيا، وليس في فنزويلا.

ثانياً: الغباء في ردود الفعل الأمنية:

في إطار ردود الفعل الأمنية، تبرز عدة مؤشرات للغباء في التعاطي الأمني مع الثورات الشعبية، ومن ذلك:

1ـ التوسع في استخدام القوات الأمنية: حيث ركز الحكام العرب في هذه الدول على الآلة الأمنية، بالدرجة الأولي في قمع المظاهرات، ولما لا وهذه الآلة هى أهم مؤسسة في معظم إن لم يكن كل الدول العربية، وهذا ليس بمستغرب على نظم حكم تفتقد للشرعية والمشروعية، ولا تجد سنداً لتعزيز استقرارها واستمرارها إلا في الاستبداد والهيمنة، وممارسة القمع والقهر عن طريق أجهزتها الأمنية والعسكرية، وتراوحت ممارسات هؤلاء الحكام بين استخدام خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين، وحملات الاعتقالات الواسعة في صفوف الناشطين، إلى استخدام الرصاص الحي والمطاطي، حتى جاء تفرد التجربة الليبية، ممثلاً في لجوء نظام العقيد القذافي إلى استخدام الطائرات والدبابات والقذائف في قمع المتظاهرين، مؤكداً عزمه على الاستمرار في القتال حتى آخر جندي، وكأنه يقود حرب الشرف والكرامة ضد قوى الاحتلال الفاشي النازي، التى تحتل الأراضي الليبية.

2ـ استخدام البلطجية (والمرتزقة): حيث اتفق كل من زين العابدين من على (في تونس) وحسني مبارك (في مص) وعلى عبد الله صالح (في اليمن) ومعمر القذافي (في ليبيا)، على استخدام ما أطلق عليهم "البلطجية" أو "المرتزقة"، لمواجهة المتظاهرين، مستعينين في ذلك بالدائرة التى ترتبط بهم من قيادات حزبية، أو نواب برلمانيين سابقين أو رجال أعمال.

ومع هذا التشابه، إلا أن هذا المؤشر من مؤشرات الغباء الأمني، لم يخل من تفرد وتميز في بعض التجارب، حيث أبدع مبارك وأعوانه في استخدام الجمال والخيول في مواجهة المتظاهرين، ثم الادعاء بعد ذلك، أنهم من العاملين بالسياحة في منطقة الهرم، ممن تقطعت أرزاقهم، كما أبدع القذافي في استخدام "بلطجية دوليين"، من خلال الاستعانة بقوات مرتزقة من عدد من الدول الأفريقية، بجانب الأفارقة الموجودين في حرسه وقواته الخاصة.

ثالثاً: الغباء في ردود الفعل الإعلامية:

في إطار ردود الفعل الإعلامية، تبرز عدة مؤشرات للغباء ـ وقد كانت كثيرة وواضحة ـ في التعاطي الإعلامي مع الثورات الشعبية، ومن ذلك:

1ـ قطع الاتصالات الهاتفية: مع انتقال الثورة إلى مصر، قامت الأجهزة الحكومية بقطع الاتصالات الهاتفية، ليس فقط الدولية، ولكن أيضاً الداخلية في عدد من المحافظات المصرية، عن كل شركات الهاتف المحمول، مع بقاء خدمة الهاتف الثابت، والذي يخضع بطبيعة الحال للرقابة الحكومية، واستمر قطع الخدمة عدة ساعات، ولكن استمر قطع خدمة الرسائل القصيرة عدة أسابيع، بل واستخدام شركات الهاتف المحمول في توصيل الرسائل الخاصة الصادرة عن الأجهزة الأمنية، وعن القوات المسلحة.

2ـ قطع خدمات الإنترنت: كانت شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فاعلاً رئيساً في كل الثورات والانتفاضات التي شهدتها الدول العربية، في المرحلة الراهنة، وأمام هذه الأهمية اتجهت الحكومات العربية في الدول التي شهدت هذه المظاهرات إلى قطع خدمة الاتصال بالإنترنت من الأساس، أو حجب بعض المواقع، دون أن تعي هذه الحكومات أن هذا القطع من شأنه أن يزيد من حالة الغليان التي يعيشها الشباب، لأنها من ناحية تؤكد لهم صدق معتقداتهم، ومن ناحية أخري تنال من مجال حريتهم والمتنفس الرئيس لهذه الحريات، مما يدفعهم للتمسك بمطالبهم، والبحث عن آليات جديدة للتواصل، وهو ما نجحت فيه سواء من خلال الإعداد المسبق للتحركات، أو عبر أرقام الهواتف التي خصصتها مواقع التواصل الاجتماعي للمتظاهرين، للاتصال بها من الهواتف الثابتة دون الحاجة للاتصال بالإنترنت.

3ـ التشويش الإعلامي: شكلت سياسة التشويش الإعلامي، مظهراً آخر من مظاهر ردود الفعل التي اتسمت بالغباء، من جانب حكومات الدول التي شهدت الثورات والانتفاضات الشعبية، وهو ما مارسته تونس ضد قناة الجزيرة، ومارسته مصر أيضاً ضد قناة الجزيرة، بل وتوسعت مصر في ممارساتها في هذا السياق، من خلال حجب القناة، بل وحذف ترددها على النايل سات المملوك لمصر، وفي الحالة الليبية، كانت قنوات الجزيرة والعربية وبي بي سي، محلا للتشويش والهجوم، في الكلمة الأولي التي وجهها سيف الإسلام القذافي إلى الشعب الليبي.

4ـ الإعلام الموجه: مارست وسائل الإعلام الحكومية، في الدول العربية التي شهدت ثورات شعبية، نوعاً من المسخ الإعلامي، المثير للدهشة والسخرية، حيث تعاملت مع هذه الثورات، بشكل يعكس درجة عالية من الغباء الإعلامي، وبرز من مؤشرات هذا الغباء: تجاهل وجود هذه الثورات من الأساس، وتصوير الأمر على أنه تحرك بضعة آلاف، وغير مؤثر على الأمن والاستقرار، من ناحية، وعدم وجود مراسلين مباشرين من مناطق الأحداث من ناحية ثانية، والتركيز في البث المباشر على العناصر المؤيدة للنظام، من ناحية ثالثة، وبث مواد إعلامية تشيد بإنجازات الرؤساء، أو بث أغاني وطنية، من ناحية رابعة، بل ووصل الأمر في التليفزيون المصري، وفي الوقت الذي يغلي فيه الشارع في انتظار خطاب مبارك بالتنحي، كان يذيع فقرة رياضية عن نتائج المسابقات الأوربية.

رابعاً: الغباء في ردود الفعل الاقتصادية:

شهدت ردود الفعل الرسمية من جانب حكومات بعض الدول العربية، سواء في مواجهة الثورات والمظاهرات التي نشبت بالفعل، أو كخطوة وقائية، استباقا أو تجنبا لمنع وقوع المظاهرات، عدد من ردود الفعل التي يغلفها الغباء، حيث اتجهت إلى إما تقديم مبالغ مالية للمواطنين، أو الإعلان عن بث استثمارات ضخمة كمشروع القذافي للإسكان، والذي رصد له 24 مليار دولار، أو الإعلان عن تقديم مواد تموينية مجانية للمواطنين لفترات مطولة، أو الإعلان عن رصد مخصصات شهرية للعاطلين، أو إسقاط الديون عن المدينين، أو إسقاط الأقساط المستحقة على بعض المواطنين.

ومبعث الغباء في هذه السياسات، أنها لم تراع أن هذه الثورات، قامت بالأساس من أجل تغيير النظم برمتها، ومواجهة الفساد الذي يتغلغل في أركانها، والتخلص من الظلم والاستبداد، والحصول على الحرية والكرامة، وفي مؤخرة المطالب تأتي تحسين الأوضاع الاقتصادية.

خامساً: الفزاعات الوهمية:

اتجهت النظم السياسية في الدول العربية التى شهدت ثورات وحركات احتجاجية إلى استخدام سياسة التخويف والتفزيع، اعتقادا منها أن ذلك من شأنه أن يفل الهمم ويوقف الثورة في النفوس، وفي إثارتها لهذه المخاوف وتلك الفزاعات كانت توجه خطاباً مزدوجا، الأول للخارج ويستهدف الدول الغربية بصفة عامة والولايات المتحدة بصفة خاصة، والثاني للداخل، ويستهدف البسطاء وعامة المواطنين، بصفة عامة، والمرتبطين بالنظام والمستفيدين من فساده بصفة خاصة، وفى هذا السياق تمثلت أهم الفزاعات في:

1ـ فزاعة الإسلام: عمد الحكام العرب في الدول التي شهدت ثورات شعبية على توجيه رسالة للخارج، وتحديداً للدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية، مفادها أنهم صمام الأمان لمصالحها في المنطقة، وأن نظمهم لو انهارت فستسيطر الجماعات الإسلامية "المتطرفة" على الحكم في هذه الدول، فاستخدم زين العابدين بن على فزاعة حزب النهضة الإسلامية، مذكراً بتجربة الجزائر في بداية التسعينيات، واستخدم مبارك فزاعة الإخوان المسلمين، الذين يسعون إلى الانقضاض على السلطة، وبناء نظام أشبه بالنظام الإيراني. وتفرد النظام الليبي، ليس فقط في التخويف، بل أعلن عن قيام عدة إمارات إسلامية في المشرق الليبي، وأن هذه الإمارات ستكون خطراً على أوربا، وستكون مقرات للإرهاب والعنف والتطرف على هذه الدول.

2ـ فزاعة الجوع والفقر: حيث عمد حكام الدول الثائرة على إثارة فزاعة المواطنين بالحديث عن النقص في المواد الغذائية، وإغلاق المحال التجارية، وارتفاع الأسعار، وتوقف المصانع، والمبالغة في الحديث عن الخسائر الاقتصادية من جراء استمرار التظاهر، مارس ذلك بن على ومبارك وعلى عبد الله صالح، وتفرد حاكم ليبيا وابنه في تهديد المواطنين بأنه لا تعليم، لا صحة لا بترول، لا خدمات، فالوقت وقت النار والدم فقط !!.

3ـ فزاعة التقسيم: لجأ حكام الدول الثائرة إلى اللعب على وتر التقسيم، حيث خرج عدد من مفكري النظام في مصر، للحديث عن تقسيم مصر إلى عدة دويلات، للبدو في سيناء وللمسلمين في الوسط، وللمسيحيين في الغرب، وللنوبيين في الجنوب، وخرج على عبد الله صالح للحديث عن تقسيم الدولة إلى دولتين شمالية وجنوبية، بل والحديث عن دولة شيعية في محافظة صعدة، كما خرج القذافي وابنه للحديث عن دولة في الشرق، ودولة في الغرب، ودولة في الجنوب، بل والمبالغة في التقسيم، لدرجة القول أن كل قبيلة في ليبيا ستسعي لتأسيس دولة، وبالتالي تأتي أهمية التأكيد على أن نظام مبارك في مصر ونظام صالح في اليمن، ونظام القذافي في ليبيا هو الضامن لوحدة هذه الدول، وبقائها آمنة مستقرة، فأصبحت الدول هي شخص الزعيم والقائد، فهو ضمان الوحدة، ليس فقط كذلك، بل أصبح هو "المجد"، و"التاريخ"، و"الثورة"، كما في الحالة القذافية.

4ـ فزاعة القوى الخارجية: فقد عمد حكام الدول الثائرة إلى الحديث عن تورط القوى الخارجية في إثارة الفتن والأزمات في صراعاتهم، للقفز على وحدة الدولة وأمنها واستقرارها، واختلفت القوى الخارجية في كل دولة، باختلاف أعدائها، أو من تعتبرهم ـ في العلن أعدائها ـ فكانت إيران وحماس في الحالة المصرية، وكانت إيران والسعودية في الحالة اليمنية، وكانت الولايات المتحدة وإسرائيل وإيطاليا في الحالة الليبية، وزاد عليها سيف الإسلام القذافي، المتآمرون القادمون من مصر وليبيا، وكانت دولة قطر، من خلال قناة الجزيرة، قاسماً مشتركاً في كل الثورات العربية، في تونس ومصر واليمن وليبيا.

5ـ فزاعة الأجندات الخاصة: فمع اشتعال الثورات في الدول الأربع محل الاهتمام، وبطبيعة الحال في باقي الدول العربية، التى شهدت مظاهرات، اتجه حكام هذه الدول إلى الحديث المتكرر والتخويف المستمر للثائرين والمتظاهرين من وجود قوي سياسية وتيارات دينية وحركات اجتماعية، تحاول الالتفاف على الثورة، والنيل من أهدافها النبيلة، وتحقيق مكاسب سياسية وبطولات زائفة على حسابها، في محاولة منهم لشق الصف وإثارة الفتنة بين الثائرين، دون إدراك منهم أن هذه ثورة عامة، ثورة شعب، وليست مظاهرات فئوية، يمكن استدراجها لهذا الخط العبثي.

وأمام هذه المظاهر والمؤشرات على الغباء السياسي والأمني والاقتصادي والإعلامي والنفسي، وأمام عدم إدراك هؤلاء الحكام لطبيعة المرحلة الراهنة، ولطبيعة الشعوب التى يجثمون فوق صدور أبنائها لعقود طويلة، وكانوا يسعون لتوريث السلطة إلى أبنائهم، كانت النتيجة المنطقية، لهذا الغباء، هى السقوط المروع لهؤلاء الحكام، ونظمهم القمعية السياسية والأمنية والإعلامية، سقوط سريع، ومدوي، يكشف عن مدى تغلغل الفساد في أركان هذه النظم، ومدى هشاشتها من الداخل، كما تكشف عن صبرنا طويلاً على هذا القمع وذلك الفساد.

 

ساحة النقاش

Khaled-now

اكثر من رائع لقد وضعت يدك على الجرح الغائر في خاصرة الأُمة العربية

ForeignPolicy

وافر الشكر أستاذ حمادة على مروركم الكريم وتفضلكم بالتعليق
تحياتي وتقديري

ForeignPolicy
موقع بحثي فكري، يعني بالعلوم السياسية بصفة عامة، والعلاقات الدولية، بصفة خاصة، وفي القلب منها قضايا العالمين العربي والإسلامي، سعياً نحو مزيد من التواصل الفعال، وبناء رؤي فكرية جادة وموضوعية، حول هذه القضايا، وبما يفيد الباحثين والمعنيين بالأمن والسلام والاستقرار العالمي. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

104,833

ترحيب

يرحب الموقع بنشر المساهمات الجادة، التى من شأنها النهوض بالفكر السياسي، وتطوير الوعي بقضايانا الفكرية والإستراتيجية، وخاصة في  العلوم السياسية والعلاقات الدولية