نشرت في السنوات الخمس الأخيرة نتائج العديد من البحوث التي أجريت في الخارج لتحديد العوامل المسببة للتخلف العقلي كأساس للوصول إلى أساليب ذات فعالية في العلاج والوقاية تسهم في الحد من خطورة المسكلة .
وقد أدت الهود المضنية التي بذلت في الدائرة العلمية والطبية والنفسية العالمية والنتائج التي توصلت إليها تلك البحوث إلى درجة من النجاح في تحديد بعض أسباب التخلف العقلي ، ونلخصها فيما يلي :
1. عوامل وراثية " جينية " .
2. شذوذ في تكوين عدد الكروموسومات .
3. عوامل فطرية مؤدية إلى خلل في التمثيل الغذائي ، وخاصة تمثيل البروتين مثل " RKU" .
4. إختلاف أو عدم تشابه دم الأم ودم الطفل " RH. Factor " .
5. الإستخدام الزائد لأشعة إكس ، أو النظائر المشعة في علاج الأم أثناء الحمل .
6. إصابة الأم بالزهري أو الحصبة الألماني أو غيرها من الأمراض الفيروسية اثناء الفترة الأولى من الحمل .
7. إدمان الأم للمخدرات أو المسكرات أثناء الحمل .
8. إنحباس أو نقـص الأكسجين عن الجنين في المرحلة الأخيرة من الحمل أو إلتفاف الحبل السري .
9. الولادة العسرة القيصرية أو الجافة .
10. إصابات الجمجمة أو المخ أثناء الولادة .
11. إصابة الطفل بعد الولادة ، وقبل البلوغ بأحد الحميات التي تؤثر على خلايا المخ " الحمى الشوكية " والتشوهات الخلقية في الجمجمة كصغر حجمها وكبره أو نقص جزء من المخ أو تلف في خلاياه .
12. التسمم بمركبات الرصاص أو أستنشاق أبخرته أثناء الطفولة المبكرة أو الزرنيخ .
13. السقوط أو أصطدام الجمجمة بشدة في مرحلة الطفولة قبل المراهقة بصورة يترتب عليها تلف بعض أجزاء المخ .
14. سوء التغذية الشديد للطفل ، وخاصة إذا تميز غذاء الطفل بنقص شديد في البروتين في السنة الأولى من عمره ، وقد أثبتت البحوث الحديثة أن سوء التغذية إذا تكرر لعدة أجيال في الأسر يمكن أن يؤدي إلى تخلف عقلي عند أطفال الأجيال الأخيرة منها .
15. البيئة الفقيرة ثقافيا التي تفتقد الأنشطة الذهنية الحافزة لذكاء الطفل في مراحل نموه الأولى تعتبر مسئولة عن نسبة عالية جدا م نحالات التخلف العقلي البسيط ( المورون ) .
16. إضطرابات الغدد الصماء قبل أو بعد الولادة ، كضمور الغدة التيموسية أو تضخم الغدة الدرقية .
وبالرغم من أن الدائرة العلمية المتخصصة تعتقد أن كل هذه الأسباب تعتبر مسئولة عن 25% فقط من حالات التخلف العقلي ، وأن بقية الحالات ترجع إلى أسباب مجهولة أو مشكوك فيها تقدر بحوالي 500 سبب ، فإن برامجنا العلاجية والوقائية تستطيع أن تستفيد من القدر المحدود من المعرفة التي توصلنا إليها نتيجة تلف ابلحوث ، وخاصة إذا أدرجنا ضخامة عدد حالات التخلف العقلي الذي يمكن أن يترتب على بعض هذه الأسباب التي تم الكشف عنها .
وسنقتصر في عرضنا هذا على ثلاث من أهم الحالات التي تؤدي إلى تخلف عقلي ثم التوصل فيها إلى إجراءات علاجية وقائية ، وثبت أنها تصبح وحدها مسئولة عن 305 على الأقل من حالات التخلف العقلي إلى أهمل علاجها :
1. حالات خلل التمثيل الغذائي وأهمها حالة Phenylketonurea وهي حالة تورث من جيل إلى جيل ، وقد أثبتت الدراسات الإحصائية التي أجريت في الدانمرك على أن من بين كل ألف طفل حديث الولادة يوجد ثلاثة أطفال يعانون من هذا المرض ، وإذا أهمل علاجهم إنتهى بهم الأمر إلى حالة تخلف عقلي شديد .
فالمعروف أن جسم الإنسان يحتاج إلى عدد كبير من الأحماض الأمينية من البروتينات التي تدخل في تركيب كثير من المواد الغذائية كالألبان واللحوم والبقول . وقد تبين منذ القدم أن بعض الأطفال يولدونولديهم قصور في القدرة على تمثيل أحد أنواع هذه الأحماض الأمينية ، وهو الفينايلالانين Phenylalanine ، وقد ثبت أن أقل قدر من هذا الحمض الأميني في الدم ، إذا لم يمثل يصبح ذا أثر سام مدمر لخلايا المخ والأنسجة العصبية ، ويمكن أن تظهر أثاره في البول والدم ، ويعرف طبيا بإسم فينايلكيتون .
ويمكن الكشف عليه بسهولة بإختبار PKU بإضافة قطرة من محلول تركيزه 10% من كلوريد الحديديك على البول ، فيظهر لون أخضر مزرق إذا إحتوى البول على هذا الحمض الأميني ، ولون أصفر إذا كان خالياً منه . كما يمكن الكشف عليه في الدم ، ويجرى هذا الإختبار عند حوالي الأسبوع الثاني بعد الميلاد ، ويمكن إذا اكتشف قبل نهاية الشهر الثاني من عمر الطفل – علاج الحالات المصابة نقاذ الطفل من الوفاة ، أو من التخلف العقلي المتوقع .
ويتلخص العلاج في تجنب الأغذية التي تحتوي بروتينا ينتج بعد هضمه هذا الحمض الأميني ، وقد وجد أن اللبن يعتبر من أغنى المصادر للحمض الأميني " فينايلانين " . ولهذا يمنع اللبن من غذاء الطفل ، ويستعاض عنه بمنتجات فول الصويا ، على أن يكرر الكشف بإجراء إختبار PKU على فترات للتأكد من تناقص كمية الحمض الأميني المذكور في دم الطفل خلال السنوات الأربع الأولى من عمره ، وقد أظهرت متابعة عدد كبير من هذه الحالات نجاحا كبيرا ، وتقدما ملحوظا في النمو العقلي حتى يصبح طبيعيا في النسبة الخامسة من عمر الطفل .
هذا وقد جعلت بعض الدول الكشف على هذا الخلل في التمثيل الغذائي إجباريا على الأطفال خلال الشهور الثلاثة الأولى بعد الميلاد ، بل وتلجأ بعض الدوائر الطبية إلى إجراءات غاية في البساطة لتسهيل إجراء الإختبارات الخاصة به ، ففي بعض دول غرب أوربا تعد مظاريف صغيرة بكل منا إبرة معقمة وقطعة من النشاف وكارت بيانات وتعليمات .
وتوضع هذه المظاريف تحت تصرف مستشفيات وعيادات الولادة والآباء والأمهات ، وما أن يولد الطفل حتى تستخدم الإبرة المعقمة في الحصول على قطرة من الدم على قطعة النشاف بوخز كعب رجله ، ثم تملأ بيـانات الكارت التي تتضمن إسم الطفل ووالديه وعنوانه وإسم طبيب الأسرة ، ثم يوضع الكارت وقطعة النشاف في المظروف المطبوع عليه عناوين مركز يقوم بتحليل قطرة الدم مستخدما إختبار معروف بإسم PKU فإذا تبين من نتيجة الإختبار وجود المرض أخطر طبيب الأسرة مباشرة للبدء في العلاج الذي يتلخص في تغيير غذاء الطفل ، وبهذا ينقذ الطفل من الإصابة بالتخلف العقلي .
2. حالات عدم تطابق دم الطفل ودم الأم من حيث عامل RH سبق وأوضحنا أن من الحالات التي ثبت أنها تؤدي إلى الضعف العقلي هو إختلاف دم الأم عن دم الطفل من حيث العامل RH ، وقد ثبت أن 86% فقط من البشر يحملون العامل RH في دمهم ، وإذا كان دم الأم (+RH) ودم الطفل (- RH) ترتب على ذلك عدم تكامل نضج الكرات الحمراء التي تتكون في نخاع العظام وزيادة نسبة الصفراء في الدم ، والتي تؤثر على خلايا المخ ووظائفه ، وقد تؤدي إلى وفاة الطفل أو إلى حالة ضعف عقلي شديد إن لم تعالج في خلال الأسابيع الستة الأولى من حياة الطفل عن طريق نقل الدم المخالف من عامل الـ RH من وإلى الطفل .
ولهذا يؤكد البحث ضرورة تكرار الكشف عن دم الأم أثناء الحمل ، وعن دم الطفل على أثر ولادته مباشرة لتحديد مدى تشابه أو خلاف نوعي الدم ( + RH أو – RH ) وإتخاذ الإجراءات العلاجية السريعة .
3. حالات الخلل أو الشذوذ الكرومسومي :
تبين من البحوث والدراسات أو الشذوذ أو الخلل الكروموسومي يعتبر أكبر سبب ، وواحد من أسباب التخلف العقلي ، فهو مسئول عن 10% عن حالات التخلف العقلي .
بل وثبت أيضا أن هذا الخلل يؤدي إلى وفاة طفل من كل 150 طفل حديث الولادة ، وأنه مسئول عن 25% من حالات الإجهاض في الشهور الثلاث الأولى من الحمل ، وعن 50% من حالات العقم عند النساء “ Femele Sterility With Primary Amenorrhea “ . وعن 20% من حالات العقم عند الرجال .
وبالرغم من أن البحوث التي أجريت في السنوات الأخيرة على حالات الشذوذ الكروموسومي لم تصل إلى وسائل ناجحة للوقاية من حدوث هذا الشذوذ ، فأمكن مثلا عن طريق الفحص الميكروسكوبي لقطرة من الدم عزل بعض الخـلايا في مراحل انقسامها ، وفحـص كروموسوماتها ... و وقد أمكن على سبيل المثال فحص دم آباء الأطفال المتخلفين عقليا ( من فئة المنجول ) في حالة رغبتهم في إنجاب طفل آخر للتنبوء بما إذا كان طفلهم التالي سيكون متخلفا عقليا أم لا .
كما أمكن التنبوء بالصور التي سيشب عليها الطفل المتخلف عقليا في المستقبل ، بإجراء هذا التحليل على دمه في السنوات المبكرة من عمره . وفي يناير 1975 نشر المركز القومي للبحوث العلمية عن التخلف العقلي في الدانمرك بحثا يبين إمكان التنبوء بما إذا كان الطفل سيولد طبيعيا ، وينمو إلى قدراته العادية أم سيولد متخلفا عقليا عن طريق إجراء فحص وتحليل ميكروسكوبي لقطرة من السائل الجيني Amniotic Fluid ، تؤخذ من دم رحم الأم أثناء الأسبوع العاشر أو الثاني عشر من فترة الحمل .
وقد وردت في التقرير المذكور أن هذا التحليل يمكن أن يترتب عليه إذا سمحت بذلك القوانين الشرعية – إستخدام الإجهاض الصناعي لتجنب ولادة طفل متخلف عقليا .
هذه أمثلة من بعض ما كشفت عنه البحوث الأخيرة في مجـال الوقاية من الإصابة بالتخلف العقلي ، وأمكن نتيجة لذلك إنقاذ ثلاث حالات كان محتما أن تصاب بالتخلف العقلي من بين كل 10 أطفال مصابين به .
المصدر: ]دراسة مقدمه من الأستاذ الدكتور عثمان لبيب فراج
أستاذ الصحة النفسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
نشرت فى 4 يناير 2011
بواسطة FAD
الاتحاد النوعى لهيئات رعاية اللفئات الخاصة والمعاقين هيئة ذات نفع عام لا تهدف لتحقيق ربح تأسس الاتحاد عام 1969 العنوان 32 شارع صبرى أبو علم – القاهرة الرمز البريدى 11121 ت: 3930300 ف: 3933077 »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,502,614
ساحة النقاش