إدارة وقت أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية.
إن ما سبق عرضه من المهام والأدوار التى يؤديها عضو هيئة التدريس بالجامعات المصرية، يؤكد على أهمية هذا البحث ويدعم بقوة، الهدف الذى قام من أجله، ويسعى لتحقيقه، ولا يمكن أن نفاضل بين هدف وآخر فلكل واحد منها دوره الذى لا يقل أهمية عن الآخرين، والنتيجة أنهم يعملون على خدمة وتنمية المجتمع، أو ما يمكن أن نسميه التداخل بين البحث العلمى وخدمة المجتمع.
ومن هنا فإن دراسة الوقت وإدارته من الممكن أن نراه من خلال نظرة نقدية فى منظمة تقوم على أساس الحقائق المجتمعية، لأن هذه النظرة تكشف عن تأثر المجتمع بالتغيير، وكيف أن الأساليب الداخلية للمنظمة تركز على الوقت داخل أجواء فسيحة، وإن الخلاف التنظيمى من الممكن أن يعجل بأطر مختلفة لكينونة الوقت من خلال جذب كل منهما الآخر، مثل البطء التقليدى فى التغيير المؤسسى من الممكن أن يصطدم مع التغير البيئى السريع(<!--).
ويكون التأكيد من منطلق أن إحدى الواجبات الأساسية لأستاذ الجامعة هى التصدى لمشكلات المجتمع ودراستها وتحليلها، وتقديم الحلول الصحيحة التى تعود بالفائدة والنفع للبلد، ولكن ربما خرج ذلك عن دائرة اهتمام نسبة غير قليلة من أساتذة الجامعة، إذ نلاحظ أن أستاذ الجامعة عندما يفكر فى حل مشكلة عامة أو عندما يتصدى لقضية جماهيرية، فإنه - إلى حد بعيد - إنما يفكر فى ذات الوقت أن يعود الحل عليه بالنفع.
وربما كانت إدارة الوقت لدى أعضاء هيئة التدريس بالجامعات أكثر وضوحا من خلال الحديث عن "أن اهتمامات نسبة كبيرة من أساتذة الجامعات تنحصر فى الحصول على المزيد من المكاسب المادية على حساب الوقت المخصص للقراءة والاحتكاك بالآخرين، والعطاء العلمى داخل المدرجات، وقد حدا بهم ذلك للابتعاد عن الأمور المعنوية، فباتوا لا يعيرون الأمور الفكرية، أو الثقافية، أو العلمية الجديرة بالاهتمام الواجب اللازم"(<!--).
وترى الدراسة الحالية أن أعضاء هيئة التدريس ربما يكون لديهم عذر فى ذلك، نظراً لما يتمتعون به من مكانة اجتماعية رفيعة، واكتساب حب وتقدير المجتمع لهم بكل فئاته، دون أن تكون هناك العوائد المادية التى توازى ذلك، فينطلقون مضطرين لقبول ما يؤدونه، فإذا انضم إلى ذلك أنهم يحتاجون لمبالغ مادية وتكاليف زائدة للبحث العلمى، على توافر المادة العلمية وتراكمها، إلا أن الأساليب البحثية والطرق التقنية المعاصرة باتت تمثل مشكلة تحتاج للتفكير والحل لدى كثير منهم.
وقد تؤكد الدراسات على أن إدارة الوقت تمثل مشكلة لدى أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، وذلك بسبب ما يحيط بهم من معوقات، الأمر الذى حدا بالدراسات التى تناولت أعضاء هيئة التدريس إلى الدعوة إلى "إزالة العوائق التى تعوق عضو هيئة التدريس عن إجراء البحوث العلمية مثل، زيادة العبء التدريسى، ونقص الأموال المخصصة للبحث العلمى، والقيود على الحرية الأكاديمية، وغيرها"(<!--).
كما عمدت إحدى الدراسات التى تناولت التنمية المهنية لدى عضو هيئة التدريس إلى الحديث عن اضطراب إدارة الوقت لديهم، فقامت بالنص عليه والتحديد له مباشرة حيث" إن من بين العوامل والأسباب المعوقة للاستفادة من المصادر المتاحة لدى أعضاء هيئة التدريس، ما يعرف بطغيان المهام الوظيفية الروتينية، وضيق الوقت"(<!--).
وقد تبين من الدراسة التى تم تطبيقها على سبع كليات للتربية فى مصر، تضم 171 عضو هيئة تدريس من التربويين دون سواهم، أن جميع أفراد العينة لا تتاح لهم فرص الحصول على إجازة للتفرغ للبحث العلمى، ولا تتاح لهم فرص حضور دورات تدريبية، أو زيارة لمؤسسات تعليمية أجنبية، وأن نسبة كبيرة منهم لم يتم إيفادها فى مهمات علمية، ولم تتح لهم فرص المشاركة فى مؤتمرات علمية، أو القيام ببحث تربوى(<!--).
ومع أن القانون رقم (49 لسنة 1972) ولائحته وتعديلاته واللوائح الداخلية، ونظام كل كلية وقسم، قد حددوا النصاب التدريسى وعدد الساعات لكل عضو هيئة تدريس حسب درجته العلمية فإن الدراسات ذات الصلة تنادى بضرورة" أن يعاد النظر فى توزيع ساعات عمل عضو هيئة التدريس بين التعليم والبحث العلمى، والإشراف على الرسائل العلمية، والأعمال الإدارية، والأنشطة الريادية، والأعمال الاستشارية، وذلك من منطلق تحقيق الإفادة القصوى لعضو هيئة التدريس فى المجالات التعليمية، والبحثية، والإدارية، والمنهجية بوجه عام"(<!--).
وأظهرت الدراسات أن النشاط الأكاديمى لعضو هيئة التدريس ينحصر فى ثلاث مجالات أساسية هى، التدريس، والبحث العلمى، وخدمة الجامعة والمجتمع، وبلغ متوسط عدد الساعات المقررة لكل من المجالات الثلاثة ( 33 ساعة للتدريس، 15 ساعة للبحث العلمى، 12 ساعة لخدمة المجتمع ) فى الأسبوع، بالإضافة إلى (1.4 ساعة مخصصة لنشاطات أكاديمية أخرى )، لهذا فإن متوسط ساعات النشاط الأكاديمى لعضو هيئة التدريس (6104 ساعة، بواقع 54 % للتدريس، 24 % للبحث العلمى، 20 % لخدمة المجتمع، 2 % للأنشطة الأخرى)(<!--). ومن الملاحظ أن هذه النسب تختلف من أكثر من وجه عن النسب التى أظهرتها الدراسات السابقة، الواردة فى الدراسة الحالية.
ويمكن أن نفسر هذه الزيادة التى جاءت فى تحديد عدد الساعات المخصصة لبعض مهام أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، فى ضوء ثقافة المجتمع فمن المعلوم أن المجتمع المصرى الذى تتعدد وتتشعب فيه الارتباطات الاجتماعية والأسرية، يمارس مرونة فى المواقيت الزمنية، نظراً لتداخل الأنشطة فى غير ساعات العمل الرسمى، ومن هنا تأتى صعوبة تحديد الوقت الذى يخصص لنشاط بعينه بالدقة المطلوبة(<!--)، ويتضح ذلك فيما يلى:
جدول رقم ( 3 )
المتوسط والانحراف المعيارى لعدد الساعات الأسبوعية لأنشطة التدريس لعضو هيئة التدريس
النشاط |
المتوسط |
الانحراف المعيارى |
التدريس الفعلى |
7.2 |
2.9 |
التحضير للدرس |
7.2 |
5.3 |
الساعات المكتبية والإرشاد |
5.0 |
6.8 |
إعداد الاختبارات |
2.1 |
1.9 |
تصحيح الاختبارات |
4.1 |
5.8 |
الأنشطة الخاصة بالمختبرات |
1.8 |
3.4 |
بحوث الطلاب |
2.5 |
3.3 |
تصحيح الواجبات |
1.5 |
2.2 |
نشاطات أخرى متعلقة بالتدريس |
1.7 |
5.5 |
كل أنشطة التدريس |
33.0 |
15.0 |
* المصدر : أحمد عبد الرحمن السيد : أولويات النشاط الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس، دراسات تربوية، يونيو، 1996، ص 136.
ونلاحظ فى هذا الجدول أن عدد ساعات التدريس الفعلى تساوى فى المتوسط عدد ساعات التحضير، كما يلاحظ أن الانحراف المعيارى فى كل هذه الأنشطة كبير نسبيا مقارنة بمتوسط النشاط ( باستثناء ساعات التدريس الفعلى ) مما يدل على أن التباين كبير بين أعضاء هيئة التدريس فى عدد الساعات التى يخصصونها لهذه الأنشطة، ومن الجدير بالذكر أن التدريس الفعلى والتحضير وإعداد وتصحيح الاختبارات والساعات المكتبية والإرشاد هى الأنشطة الأساسية فى المجال التدريسى، حيث تحظى بأكبر عدد من الساعات.
وعلى العكس مما سبق نجد الدراسات تقدم لنا نتائج لأساتذة الكليات العملية والنظرية، حيث " أظهرت أن أعضاء هيئة التدريس بكليات التربية، والحقوق والعلوم، والآداب يخصصون وقتاً أكبر لنشاط البحث العلمى، ومن الطبيعى أن أعضاء هيئة التدريس فى العلوم الطبيعية يخصصون وقتاً أكثر للنشاط البحثى مما يخصصه العاملون فى العلوم الإنسانية"(<!--).
وجاءت نتائج نفس الدراسة التى تعتمد على التقييم Assessment ، كمنهج علمى لتشخيص الظواهر الأكاديمية، بهدف النهوض بالأنشطة الأكاديمية المختلفة، وذلك من خلال اتباع منهج علمى واضح للوصول إلى مستوى الأداء المرغوب، من تدريس مميز، وبحث علمى راق، وخدمة مهنية ومجتمعية متقدمة، ومفيدة، لتؤكد على ذلك، وساعدت هذه الدراسة على تأكيد المهام المتشعبة التى يقوم بها أعضاء هيئة التدريس فى الأنشطة الأكاديمية المختلفة، ومن ثم تقييم فاعلية أداء الجامعة بشكل عام، وكان من النتائج التى توصلت إليها:
<!--ضرورة إعادة النظر فى توزيع الزمن المخصص لأولويات النشاط الأكاديمى لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة على جوانب النشاط المختلفة، بما يضمن التوازن بينها، فى ضوء النسب العالمية.
<!--إعادة النظر فى كم وكيف جوانب النشاط الأكاديمى، بما يتلاءم مع متطلبات النظام التعليمى.
ويمكن إرجاع هذا التخصيص من أساتذة الكليات الإنسانية، على نحو ما سبق ذكره، إلى عدة عوامل يعانون منها حيث" ازدادت الأعباء الملقاة على أعضاء هيئة التدريس، فكثير منهم يتحمل ثلاثة أمثال نصابه من المحاضرات فى أكثر من كلية تغطية للعجز، فى حين أن عضو هيئة التدريس إنسان له طاقات محدودة، ولم يعد هناك وقت للتفاعل الأكاديمى بين رجال الجامعات، ومن ثم ظهر أثره على مستوى الطلاب العلمى والعملى والفنى، وعلى شخصية الطالب كباحث ومفكر، بالإضافة إلى عدد من المشكلات الأخرى"(<!--).
ويعد من بين أهم هذه المشكلات ما يسمى " بتأثير المناخ السائد فى المجتمع، وتفاقم البطالة فى المتعلمين، الأمر الذى هز الثقة فى المؤسسات القائمة على رسم المستقبل"(<!--) ومن المؤكد أن ذلك سيمتد بالتأثير السلبى على القائمين بهذا الأمر وهم أعضاء هيئة التدريس فى الجامعات، فإذا انضم إلى ما سبق، الارتباط بالسلطة والإذعان لها، كانت المشكلات أكثر تأثيراً عليهم، وذلك لفقدانهم للحرية الأكاديمية المخولة لهم.
وإذا كان من الضرورى إعادة النظر فى توزيع الزمن المخصص لأولويات النشاط الأكاديمى لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة على جوانب النشاط المختلفة، بما يضمن التوازن بينها فى ضوء النسب العالمية، نتيجة مهمة فقد دعت الدراسات إلى إعادة النظر فى برامج إعداد المعلم الجامعى مع الاهتمام بزيادة الوقت المخصص للنشاط الأكاديمى، ولا سيما ما يتعلق بالمستجدات فى الميدان التربوى فى العصر المعلوماتى(<!--).
وفى هذه النتائج ما يدعم ويقوى، بل ويأخذ على يد الدراسة الحالية من حيث الهدف الذى نادت به، وقامت من أجله، حيث إن موضوع إدارة الوقت لدى أعضاء هيئة التدريس بالجامعات ما يزال بحاجة شديدة إلى العديد من الدراسات التى تتناوله من كل زواياه بمجتمع الجامعة.
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
(<!--) G. W. Tierney, : “ The Cultural Context of Time Management in higher Education”, op cit. pp (1-26).
(<!--) سامى فتحى عمارة : مرجع سابق، ص (56).
(<!--) مهنى محمد إبراهيم غنايم :"العوامل المؤثرة فى إنتاجية أستاذ الجامعة العربى"، مجلة التربية والتنمية، ع7، السنة 2، المكتب الاستشارى للخدمات التربوية، القاهرة، 1994، ص ص (178-222).
(<!--) السيد سلامة الخميس :"مصادر النمو المهنى لأستاذ الجامعة المعار لأقطار الخليج العربية بين الإمكانية والإشكالية، دراسة ميدانية"، مجلة دراسات تربوية، مجلد 9، ج6، 1994، ص ص (42-87).
(<!--) محمد عبد السلام حامد : "النمو المهنى لعضو هيئة التدريس بكليات التربية المصرية، دراسة تقويمية"،المؤتمر السنوى الأول، كليات التربية فى الوطن العربى فى عالم متغير، فى الفترة من 23 -25 يناير 1993، الجمعية المصرية للتربية المقارنة والإدارة التعليمية، ج 2، ص ص (475-520).
(<!--) محمد على نصر : "تقويم دور الجامعة فى تنمية المجتمع الوعى البيئى لدى الطلاب وخدمة المجتمع"،، ص (102).
(<!--) أحمد عبد الرحمن السيد : "أولويات النشاط الأكاديمى لأعضاء هيئة التدريس بالجامعة فى تحسين كفاءة النظام التعليمى، دراسة ميدانية"، دراسات تربوية واجتماعية، كتاب غير دورى يصدر عن كلية التربية، جامعة حلوان، مجلد 2، ع 2، 1996ص (148).
(<!--) سيف الإسلام على مطر : "العلاقة بين البحث التربوى وصنع السياسة التعليمية : دراسة تحليلية لبعض عوامل الانفصال والاتصال"، دراسات تربوية، ج 2، مارس 1986، ص (19).
(<!--) أحمد عبد الرحمن السيد : مرجع سابق، ص (149).
(<!--) محمود كامل الناقة : مرجع سابق، ص (149).
(<!--) إبراهيم جميل بدران : التنشئة والتعليم والتكوين العلمى والسلوكى للباحث والأستاذ الجامعى، شركة الإعلانات الشرقية، دار الجمهورية للصحافة، القاهرة، 1426، ص (26).