سياسة التعليم الجامعى المصري: رؤية تحليلية نقدية
يعد انتشار التعليم العالى من أهم المسائل المتصلة بمدى إسهامه فى التنمية، كذلك أصبح التوسع فيه قضية خلافية فى البلدان النامية، فى سياق إعادة الهيكلة الرأسمالية والعمل على تقليص دور الدولة، والادعاء (غير الصحيح) بقلة العائد منه فى البلدان النامية، وتقصر المؤشرات المتاحة عادة عن مدى الالتحاق بالتعليم الجامعى عن التعبير الدقيق عن مدى إسهام هذه المرحلة التعليمية فى تكوين رأس المال البشرى، خاصة فى البلدان النامية التى تتسم بحداثة العهد بمؤسسات التعليم الجامعى.
ويحتاج تحقيق الأهداف العديد من القرارات والإجراءات بما يضمن ترجمتها إلى واقع، كما تتطلب أيضاً وضوح الرؤية بالنسبة للمستفيدين منها، والذين يأتى فى مقدمتهم الدولة التى تقوم بتمويل الجامعات، ثم الطلاب الذين يرغبون فى الحصول على التعليم الجامعى، ومن هذا المنطلق تثار مجموعة من الأسئلة حول ما السياسة المرغوبة فى التعليم الجامعى؟، وهل يفتح التعليم الجامعى أبوابه أمام أعداد محددة لاستيعاب المزيد من الأعداد؟، وهل يقبل التعليم الجامعى كل من يرغب فى الالتحاق به أو لابد من الانتقاء له وفق شروط محددة؟، إلى غير ذلك من الأسئلة التى يمكن أن يتم طرحها وإعادة الطرح لها.
ويعد التوسع فى الفرص المتاحة للالتحاق بالتعليم الجامعى مطلباً أساسياً، لا سيما ونحن فى بداية القرن الحادى والعشرين، الذى يؤكد على أهمية هذا النوع من التعليم، حيث إنه يوفر التدريب واكتساب المهارات والمعارف والمعلومات التى تعد من شروط الدخول لعالم العمل، الأمر الذى يدفع إلى ضرورة تبنى سياسة التوسع فى الالتحاق بالتعليم الجامعى.
وقد نجد أن الدول المتقدمة التى تنادى بذلك، ينتهج بعضها سياسات لا تتناسب مع هذا التوجه العالمى، فنجد التنوع فى سياسات القبول والانتقاء لطلاب الجامعة، حيث تتنوع سياسة القبول فى بعض هذه الدول حسب المؤهل والشهادة، أو عن طريق لجان خاصة، وقد تكون عن طريق الانتقاء من قائمة الانتظار، أو الانتقاء على أساس اختبارات القبول، أو عن أى طريق آخر(<!--).
وإذا كان العالم iيتجه نحو إتاحة التعليم الجامعى لكل المواطنين انطلاقا من المبادىء العالمية، كتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص وتحقيق الديموقراطية فى ظل النظام العالمى الجديد، فإن هناك من يرى أن هذا التوجه -بالإضافة إلى ما سبق- ينطلق من مجموعة من الأسباب يأتى فى مقدمتها يلى(<!--):
<!--زيادة الطلب على التعليم الجامعى.
<!--الاهتمام بالاحتياجات المتنوعة والمتزايدة للطلاب كالخروج للعمل مع الدراسة لبعض الوقت.
<!--ظهور مهن ومجالات تكنولوجية وإدارية جديدة.
<!--توسع المعرفة ذاتها، والذى أدى إلى بزوغ مداخل لعلوم جديدة، وعلوم بينية ذات مداخل متعددة.
وتشغل عملية تطوير التعليم الجامعى"بال ووقت وفكر المسئولين عنه، كما تشهد اهتمام الإعلام، حيث تشغل حيزاً كبيراً فى المجلات وساعات الإرسال الإذاعى والتليفزيونى، إلى جانب اهتمام جماهيرى عريض من عامة الشعب والمثقفين، وطلاب الجامعة وأساتذتها، ويدعم كل هذا نداء جاد تكرر فى أكثر من مناسبة من السيد رئيس الجمهورية، بضرورة الاهتمام بتطوير هذا النوع من التعليم على طريق تركيز النظر فى برامج إعادة بناء الإنسان المصرى وتصحيح مسار أصالته وكفاءته التى شهد بها التاريخ"(<!--).
وإذا كان هناك توجه للتوسع فى قبول الطلاب بالتعليم الجامعى، فإنه يعنى أن يكون هناك تواؤماً بين سياسة التوسع فى القبول بالجامعات، والتوسع فى أنماط التعليم الجامعى، بحيث تتاح فرص الالتحاق لجميع الراغبين من الطلاب، ويوجهون طبقاً لقدراتهم، وطاقات المؤسسات التعليمية، واحتياجات المجتمع(<!--).
وبمتابعة إحصائيات سياسة الكم والكيف نجد أن الجامعات فى مصر-حكومية وخاصة- تقف عاجزة عن توفير تعليم عال وجامعى لجميع الراغبين فيه، مع أنه أصبح حقاً لكل مواطن ينبغى على الدولة توفيره، نظراً لأن التعليم الجامعى والعالى يعد حالياً تعليم للجميع، وليس للصفوة كما كان سائداً فى السابق، وتؤكد الإحصائيات أن عدد طلاب التعليم الجامعى الحكومى والخاص بلغ (2059724 طالباً وطالبةً فى عام 02/ 2003)، وأن تقديرات الشريحة العمرية للسكان فى سن التعليم العالى والجامعى للفئة العمرية ( 18 : 23 ) تقدر بـ (6624000 نسمة) طبقاً لتقديرات عام 2003م(<!--).
ويعكس ذلك نسبة المقيدين بالتعليم الجامعى والعالى، والتى تبلغ (30,34 %) بالنسبة للشريحة العمرية لمجموع السكان عام 02/2003م وليست هذه نسبة مرتفعة، أو تفوق المعدل مقارنة بفترتين زمنيتين فى مصر، حيث بلغت عام 1995، ما يقدر بـ (21% ) وعند المقارنة ببعض الدول المتقدمة والنامية فى ذات الشأن، يتضح أنها نسبة متدنية جداً، حيث إنها فى الولايات المتحدة الأمريكية بلغت ( 81 % )، وفى اليابان ( 72 % )، وفى كوريا الجنوبية ( 49 % )، وفى الأرجنتين (41 %)، وفى إسرائيل (39 %)، ولعل فى ذلك ما يعكس عجز الجامعات المصرية عن الوفاء بمتطلبات وحاجات السكان من التعليم الجامعى(<!--).
ويدعو ذلك إلى أهمية أن تتبنى مصر سياسة توازن بين هذه الأمور جميعاً، دون التعلل بالظروف الاقتصادية، وكان ذلك مقبولا فى فترات تاريخية سابقة، فى فترات الحروب المصرية، فالوضع تغير والبلاد تعيش استقراراً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، الأمر الذى يؤكد على ضرورة تبنى سياسة تعليمية جامعية تحقق لهذا الشعب الذى يعانى الحرمان من التعليم الجامعى مقارنة بغيره، نوعاً من المواءمة بين ما يحتاجه الشعب، وما يحتاجه المجتمع المعاصر.
ولم يعد مقبولا، لا شكلاً ولا موضوعاً، هذا الوضع الذى يؤدى إلى مشكلات تتصل بأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، والمتمثل فى " قلة المكافآت التى يحصلون عليها عند إنتاج البحوث والدراسات - خاصة - الماجستير والدكتوراه، وكذلك عدم قدرة الكليات على توفير المصادر المالية الكافية لتأمين احتياجات الباحثين، بالإضافة لندرة مصادر تمويل البحوث العلمية من المؤسسات والأجهزة التى تستفيد من نتائجها، مما يدفعهم إلى اللجوء لاختيار مشكلات بحثية نظرية، لتجنب تكاليف البحوث الميدانية، وتعلو الصيحات بعدم جدية البحوث والدراسات التى تجرى داخل الجامعة، وأنها منعزلة عن المشكلات الحقيقية التى يمر بها مجتمعنا"(<!--).
ولم تعد الزيادة السكانية تمثل ضغطاً - مبرراً - على التعليم الجامعى، فى ظل التحديات التى تواجه المجتمع المصرى، والتى تفرض عليه أن يواكب التطورات العلمية والتكنولوجية التى تتسم بها المجتمعات المتقدمة، خاصة أن نسبة البطالة التى نتجت عن التعليم الجامعى لا تتجاوز نسبة 10 % مقارنة بنسبة 80 % لخريجى التعليم الفنى والمتوسط، مما يدل على أن التعليم العالى ليس مسئولاً عن البطالة فى مصر، ويوضح الجدول التالى تطور أعداد المقيدين بالتعليم الجامعى والعالى فى مصر بالنسبة لعدد السكان لنفس شريحة سن التعليم الجامعى من السكان:
جدول (1):
تطور أعداد طلاب الجامعة بالنسبة للسكان والشريحة العمرية فى الفترة من 1975: 2003م.
نسبة الجملة إلى شريحة السن |
إجمالى المقيدين فى التعليم العالى والجامعى |
شريحة السكان (18 : 23 سنة) |
عدد السكان |
السنوات |
14.2 % |
477.417 |
3.369.000 |
36.997.000 |
1975/1976 |
16.9 % |
770.577 |
4.566.000 |
42.289.000 |
1985/1986 |
21.3 % |
1.233.005 |
5.780.000 |
60.603.000 |
1995/1996 |
30.34 % |
2.059.724 |
6.624.000 |
67.313.000 |
2002/2003 |
* ج، م، ع، المجلس الأعلى للجامعات، شبكة الجامعات المصرية، القاهرة، 2003.
web sit : http//:www.scu.eun.eg
وبمقارنة الجدول السابق، والمعدلات العالمية نجد أن مصر بحاجة إلى زيادة عدد الجامعات بغرض توفير فرص التعليم الجامعى للراغبين فيه ولمواجهة هذه الزيادة، والضغط الاجتماعى عليه.
وإذا تأكدت ديمقراطية التعليم، وتكافؤ الفرص، بما يؤدى لجعل التعليم الجامعى حقاً للجميع، وفى ضوء الزيادة السكانية المتوقعة فى مصر خلال عشرين عاما قادمة، وفى ظل متغيرات عالمية متسارعة تصبح هناك ضرورة ملحة لزيادة عدد الجامعات ومؤسسات التعليم الجامعى كله فى ظل هذه المتغيرات(<!--).
وبحساب عدد الجامعات التى يفترض إنشاؤها خلال العشرين عاماً القادمة، نجد أن عدده سيكون مرتفعا جداً، بحساب العدد الحالى حيث سيصل إلى ثلاثة أضعاف أو أكثر من عدد الجامعات الحالية عام 2025م على أساس أن تخصص جامعة لكل مليونين من السكان وفق المعايير العالمية، وهذا يحتاج إلى تمويل مرتفع جداً ونفقات باهظة يمكن أن تكون عبئاً على الدولة.
ولاشك فى أن اختلال التوازن بين نسبة أعضاء هيئة التدريس للطلبة فى مصر هو أحد مثالب التوسع السريع فى التعليم الجامعى دون توفير الإمكانات اللازمة لضمان رقى النوعية، وهذه نقطة مهمة، إذ عادة ما يلقى اللوم فى تردى النوعية على "الانفجار" فى الالتحاق بالتعليم العالى، دون زيادة مواكبة فى الإمكانات، ولا خلاف فى أن قصور الإمكانات عامل مهم.
وتؤكد إحصائيات وزارة التعليم العالى، كما يشير الواقع إلى الاهتمام المتزايد من الدولة بضرورة التوسع فى فرص التعليم الجامعى، بحيث تلحق مصر بالمعدلات العالمية للطلاب، وقد انعكس ذلك على التطوير الملحوظ فى خريطة انتشار رقعة التعليم الجامعى فى مصر، حيث يوجد (12جامعة)· تضم ما يقرب من (277 كلية ومعهداً) موزعة على معظم محافظات جمهورية مصر العربية، هذا وتشير البيانات الإحصائية - من خلال الجدول السابق - إلى الزيادة الجوهرية فى أعداد الطلاب والإمكانيات المادية والبشرية للجامعات فى العام الجامعى 02/2003، عند المقارنة بينه والعام الجامعى 93/1994(<!--).
وتبقى هذه النسبة ضعيفة جداً مقارنةً بالعديد من الدول، حيث إن نسب الالتحاق بالتعليم الجامعى فى كثير من الدول تصل إلى مثلين للنسبة فى مصر، كما حددتها التقارير التى أعدتها وزارات التربية والتعليم، والتعليم العالى، وتقارير المؤسسات المهتمة بالتنمية البشرية فى مصر والعالم.
وتمشيا مع سياسة التوسع تؤكد الإحصاءات ارتفاع عدد الطلاب المقبولين بالجامعات إلى(242 ألف طالب عام 02/2003)، مقابل (131 ألف طالب عام 93/1994)، بنسبة زيادة قدرها (119.2 %)، ويعزى ذلك إلى سببين هما: زيادة أعداد الطلاب الناجحين فى الثانوية العامة، بالإضافة إلى التوسع فى أعداد الطلاب المقبولين بالجامعات، حيث تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة المقبولين فى الجامعات إلى الناجحين فى الثانوية العامة بلغت (78.2 %) عام 02/2003 مقابل (66.5 %) عام 93/1994. فضلاً عن الطلاب المقيدين أصلاً، ويمكن أن ندرك من خلال الإحصائيات أن التوسع كميا سيؤدى إلى التأثير فى الكيف، كما سيؤثر سلباً على وضعية الأستاذ الجامعى، فيما يتصل بإدارة وقته، وقدرته على القيام بمهام وأدوار منوطة به تحقق أهداف الجامعة.
وتشير الإحصائيات إلى أن التوسع فى نسبة الطلاب، لا يصحبها توسع مماثل فى أعداد هيئة التدريس، ومع ما شهدته الجامعات المصرية فى عقد التسعينيات من زيادة أعداد أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم، حيث بلغت أعدادهم نحو (56 ألف عضو)، فى عام 02/2003 مقابل (39 ألف عضو)، فى عام 93/1994 بنسبة زيادة قدرها (43%)، وهى نسبة تتضمن الأساتذة المعارين ومن هم منهم فى إجازة، والمعاونون، وأعد الباحث جانباً من تطور أعداد أعضاء هيئة التدريس حسب المتوفر من بيانات، فى الجدول التالى:
جدول (2):
جانب من تطور إجمالى أعداد أعضاء هيئة التدريس بجامعات جمهورية مصر العربية
فى الفترة من عام 93/1994 - 04/2005·.
عضو هيئة تدريس/طالب |
عـــدد الطـــلاب |
عدد هيئة التدريس |
البيان السنة |
||
الجملة |
المقيدون |
المقبولون |
|||
1/27.6 |
650543 |
519536 |
131007 |
23546 |
93/1994 |
1/30.3 |
746342 |
597964 |
148378 |
24660 |
94/1995 |
1/37.9 |
993479 |
755606 |
237873 |
26230 |
95/1996 |
1/43.4 |
1195292 |
926325 |
268967 |
27560 |
96/1997 |
1/45.3 |
1284669 |
1043765 |
240904 |
28351 |
97/1998 |
1/47 |
1389421 |
1167891 |
221530 |
29717 |
98/1999 |
1/45.1 |
1375741 |
1175155 |
200586 |
30486 |
99/2000 |
1/46 |
1437303 |
1203086 |
234217 |
31502 |
2000/2001 |
1/45.2 |
1466474 |
1223419 |
243055 |
32414 |
2001/2002 |
1/44.4 |
1482321 |
1240321 |
242000 |
33369 |
2002/2003 |
1/44.3 |
1535724 |
1278148 |
257576 |
34681 |
2003/2004 |