الجامعات المصرية والتحديات المستقبلية
ويمكن أن نلاحظ فى بنية التعليم الجامعى فى مصر نقاطاً كثيرةً تحتاج لوقفات متعددة، وتؤكد الدراسة الحالية على ضرورة تحليل الجامعات المصرية تنظيمياً، والبيئة الخارجية، بهدف قياس الفرص والاستراتيجيات المستقبلية، وهو ما يمكن أن نطلق عليه التحليل التنظيمى لعناصر القوة والضعف، والتحليل البيئى للجامعة من حيث الفرص والتهديدات، أى التحليل الرباعى للمنظمة والذى يمكن أن يرمز له اختصاراً بـ SWOT Analysis، حيث إنه يتضمن أربعة أمور هى:
أ- نواحى القوة الداخلية Internal Strength.
تشير نواحى القوة الداخلية إلى "تلك الأنشطة الداخلية فى منظمة معينة، والتى يتم أداؤها بشكل جيد"(<!--) وتتمتع الجامعات المصرية بعدد من نواحى القوة ما التالية(<!--):
<!--توفر عدد مناسب من الخبراء والاستشاريين فى كل التخصصات والكليات لتقديم الخدمات الجامعية.
<!-- توفر صلات وتواصل مع المصريين العاملين بالخارج فى الجامعات العديدة بالعالم.
<!-- توفر مبان وإمكانيات معملية وبحثية فى جميع الكليات.
<!-- يوجد بالجامعات المصرية فرق عمل وخبراء فى العديد من التخصصات.
<!-- توفير الحكومة للدعم والمساندة المعنوية والمستمرة لأعضاء هيئة التدريس.
ب- نواحى الضعف الداخلية. Internal Weakness.
وعلى العكس من نواحى القوة نجد أن نواحى الضعف تميز الأنشطة التى تحد من أو تؤثر بشكل سلبى على نجاح الجامعة، والتى يمكن رؤيتها من خلال ما يأتى(<!--):
<!--عدم وجود فلسفة عامة أو استراتيجية مستقبلية محددة.
<!--غياب الرؤية الشاملة.
<!--تضارب وظائف مؤسسات التعليم العالى المختلفة وازدواجيتها وغياب تصور واضح للتعامل معها.
<!-- تقدم النظم، وهبوط المستوى المعرفى، وبسط عمليات التطوير فى سياق البرامج والمناهج وطرق التدريس، وإدارة مؤسسات التعليم الجامعى.
<!--عدم توافر خصائص ومهارات مخرجات المنظومة مع متطلبات سوق العمل المتطورة.
<!--تضخم الهياكل الإدارية، وتقادم النظم المالية والإدارية، والجمود فى أعمال قواعد حكومية لا تناسب المؤسسات التعليمية والعلمية والبحثية.
<!--عدم التفرغ التام لكثير من أعضاء هيئة التدريس.
<!--تزايد أعداد الطلاب وتضخم حجم الكليات الجامعية.
<!--استمرار هيكل الجامعات الحكومية على حاله منذ الستينيات دون تطور فاعل مع متطلبات المرحلة.
ويلاحظ أن طالب الجامعة يمثل ناحية من نواحى الضعف، حيث إنه يأتى للجامعة ويفترض أنه تعلم كثيراً من الخبرات، ولكن الذى يلمسه الجميع أن الطالب يأتى للجامعة، وقد افتقد الكثير من جوانب إعداده فى المرحلة الثانوية، إلى الدرجة التى تضطر عدداً من أعضاء هيئة التدريس إلى أن ينفق وقتاً طويلاً فى تعليم أولويات مكانها التعليم العام، ويأتى فى مقدمة هذا: مظاهر الضعف فى اللغة القومية، حتى تتحول الكتابة إلى طلاسم وشفرات تحتاج إلى فكها، مما يفقدهم الطريق إلى المعانى والمضامين العلمية نفسها، وإذ تتسع دائرة هذا التعليم العام وتزحف على التعليم العالى، يخشى أن تنسحب وظيفته إلى مستوى ذات الوظيفة التى من المفروض أن يتكفل بها التعليم العام.
ج- الفرص الخارجية External opp.
وتشير الفرص الخارجية إلى الأحداث الواقعية فى بيئة المنظمة والتى يمكن أن تستغلها لتحقيق منافع ذات أهمية فى المستقبل، ولدى جامعاتنا المصرية من هذه الفرص الكثير وذلك على نحو ما يأتى:
<!--الخبرة، وانخفاض التكلفة.
<!-- توافر الموارد الذهنية البشرية النادرة أحيانا.
<!-- اقتصاديات الحجم.
<!-- معرفة التكنولوجيا الحديثة.
د- التهديدات الخارجية External Threats.
يمكن النظر بعين الاعتبار إلى تلك الأحداث والاتجاهات الاقتصادية، والسياسية، التكنولوجية، والتنافسية والتى يتوقع أن تكون لها أثار ضارة على موقف الجامعة فى المستقبل، ومن العوامل الخارجية ما يأتى:
<!-- دخول الجامعات الأجنبية منافسة للجامعات المصرية فى السوق المحلية.
<!-- المنافسة بين اتفاقيات الجات وحقوق الملكية الفكرية.
<!-- منافسة الجامعات الخاصة للجامعات الحكومية.
<!-- نقص التحول المناسب للتطوير والتجديد الجامعى.
<!-- انفصال الجامعات عن جانب الطلب والفرص المتاحة.
<!-- منافسة الجامعات الخارجية للجامعات الداخلية.
<!-- تغير الطلب لدى المستفيدين.
<!-- التحولات السكانية، وتوظيف الموارد السكانية.
<!-- مشكلات البطالة، والتضخم وارتفاع الأسعار، وملوثات البيئة.
وبالتصدى لكل ما يظهر من تهديدات مجتمعية للجامعات المصرية، خاصة من خلال عملية التحليل الرباعى، يمكن أن نتصور تنفيذه من خلال، التطوير المتكامل سلوكياً وترشيدياً ومعلوماتياً وتكنولوجياً لحماية المواطنين والبيئة، لخدمة التنمية المتواصلة، والوقوف أمام المنافسة العالمية من خلال إدارة ناضجة وفاعلة - وبطبيعة الحال - فإنه لا يمكن معالجة تحديات اليوم والغد فى شتى منظماتنا بنمط إدارة الأمس أو الإدارة التقليدية(<!--).
وتنطلق الدراسة الحالية من أن" محدودية التعليم الرسمى، وصعوبة التغيير فى قواعده وضوابطه، أو تطوير مقرراته بصورة تجعله يستوعب التغيرات العصرية حال ظهورها، ونتيجة لزيادة الطلب الاجتماعى على التعليم العالى والجامعى مع عجزه عن تلبية كافة الرغبات، كان التفكير فى عدد من البدائل خضع بعضها لقواعد كنظام الانتساب، والتعليم الخاص، وذلك فى مقابل بدائل أخرى تحللت من كافة القيود، كالتعليم من بعد، والتعليم المفتوح"(<!--).
وأعضاء هيئة التدريس، العنصر الأكثر تأثيراً فى إحداث البون الشاسع بين الدول المتقدمة وغيرها، كما أنه فى معظمه ناتج التعليم الجامعى، وإذا كان الأمر كذلك، فلابد أن يثار سؤال مؤداه، كيف يكون هناك دولة حديثة النشأة مثل إسرائيل بها جامعات وعلماء ومفكرين، متساوين - تقريباً –من حيث العدد مع نظرائهم فى دولة عريقة ذات حضارة قديمة قدم التاريخ، هى مصر، إلا أن إنتاجهم العلمى -علماء إسرائيل - لا يفوق الإنتاج العلمى للمصريين فحسب، بل ومعهم علماء جميع الدول العربية كلها.
ومع انتباهنا لكل ذلك، والتأكيد عليه مراراً، ومحاولة الدفع بالواقع الجامعى المصرى للأفضل، إلا أننا ما نزال نعانى هذا الفرق بين الجامعات المصرية والإسرائيلية، وقد أجيب عن ذلك السؤال الذى يثور من خلال هذا الحديث بأكثر من رؤية، إلا أن أبرز هذه الرؤى - من وجهة نظر الدراسة الحالية - أن المشكلة التى نعانيها " مشكلة إدارة، فقد تكون هناك مشكلة اقتصادية، وقد يكون هناك قصور فى الموارد، وقد تكون هناك مشكلة سكانية، ولكن لو كانت عندنا إدارة فعالة لأمكننا التغلب على كل هذه المشكلات ولاستطعنا أن نرسم إستراتيجيات للتغلب على ما قد يواجهنا من مشكلات، ومشكلة التعليم الأولى مشكلة إدارته كمنظومة، إدارة علمية"(<!--)، وفى هذا ما يؤكد على أهمية إدارة الوقت باعتبارها إدارة، فإذا كانت الشكوى، كل الشكوى من الإدارة، فكذلك الأمر بالنسبة لما يتعلق بإدارة الوقت لدى أعضاء هيئة التدريس فى أكبر وأكثر المؤسسات التعليمية تأثيراً فى المجتمع.
ومن هنا كان التفكير فى تقديم بعض البدائل التى يقوم بها أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، لمواجهة هذه الأمور، وبالتالى كان التفكير فى إدخال مهارة إدارة الوقت كأسلوب يمكنهم من خلاله التغلب على هذه الصعوبات فى بنية التعليم الجامعى وتخفيف العبء الملقى عليهم، والإسهام فى تحقيق أهداف الجامعة على نحو أفضل.
كما أن العالم كله يتسم بالتغير المتنامى، مما يؤكد على أن مسايرة التغير المستمر ليس أمراً سهلاً، ولكن إذا كانت البيئة مستقرة، فإن ذلك يصبح أمراً ممكناً من خلال تغيير عميق الجذور، كما أنه يمكن مسايرة التغيير التنظيمى لدى أعضاء هيئة التدريس ومؤسساتهم، طالما أن المحتوى الزمنى معلوم، وإذا لم يتحرك أعضاء هيئة التدريس فى بيئتهم الجامعية بما يساير التغيرات البيئية والعالمية، فإنهم سيواجهون بتحديات مفاجئة وغير متوقعة، الأمر الذى سيؤدى بهم لعدم السيطرة على أوقاتهم، وبما يؤدى للإخفاق فى تحقيق الأهداف الشخصية والجامعية والمجتمعية.
وفى النهاية يجب أن نجزم بأن التحدى المستقبلى الحقيقى للتعليم العالى يكمن فى التوصل إلى جملة المبادىء المتكاملة والمترابطة القادرة على إعادة هندسة هذا التعليم وتطويره لخدمة أهدافه ومجتمعه وحضارته.
4 - الخيارات والتوجهات المستقبلية للتعليم الجامعى:
يشير الواقع العالمى إلى التسارع والتسابق فى المجال المعرفى والتكنولوجى والصناعى، أو بمعنى أدق التحول من عصر إلى عصر جديد يعرف باسم مجتمع المعلومات، مما يحتم على الجامعات المصرية ضرورة التحرك مع هذا العصر وفى نفس الاتجاه، وبنفس السرعة، ومن هنا فإن الحديث عن التوجهات المستقبلية، ينتظم على النحو التالى:
أ- التحول نحو مجتمع المعرفة والمعلومات الكونى:
وقد جاء هذا المجتمع بعد مراحل عدة مر بها التاريخ الإنسانى، تميزت كل مرحلة منها بنوع من أنواع التكنولوجيا، ويوصف مجتمع المعلومات والمعرفة بأنه مجتمع سريع التحول نحو المعلومات التكنولوجية والتحسين فى تكنولوجيا الاتصالات، وصارت فيه المعرفة رأسمال ومصدر الثروة، ومن ثم كانت هناك حاجة لتعليم يتسم بالجودة العالية الفائقة، فى مجتمع ذى جودة عالية أيضاً، وهذا يتطلب تلاحماً بين الجامعة ومجتمعها ليترقى هذا المجتمع كإطار وسياق للجامعة، بما يساعد على ترقى هذه الجامعة(<!--).
ب- العـولمـة :
العولمة مصطلح ظهر وانتشر حديثاً مع نهايات النظام العالمى ثنائى القطبية، وترتبط العولمة فى سرعتها بتغيرات هائلة، منها الحراك البشرى، وثورة المعارف والمعلومات، وانتقالها بل وإلغاء الحدود والحواجز أمامها، ومن هنا يتزايد الطلب على التعليم العالى وتعميم خدماته النظامية والافتراضية، والتخطيط الاستراتيجي يمكن أن ييسر للدول النامية أن تكون جزءاً من نظام للاقتصاد العالمى، وعولمة سياسية وثقافية(<!--).
ويدمر مفهوم العولمة دور الجامعة الوطنى والقومى، ويستبدله بمؤسسات "عبر وطنية" و"عبر قومية"، بدعوى الامتياز والجودة والكفاءة على حساب قيم أساسية. إنه لرهان خطير، ومن هنا فإنه من أهداف الدراسة الحالية توجيه انتباه مخططى السياسات الجامعية إلى هذه المتغيرات، وإتاحة فرصة الاستعداد لها من الآن، والمشاركة فى اختيار بدائل ومسارات وصيغ جامعية جديدة من بين الخيارات المتاحة والممكنة، تعمل بفاعلية فى إطار ما هو مرتقب أكثر مما تعمل فى إطار ما هو سائد أو امتداد له بغية تكريس الثقافة والقيم الداعمة لوجود المجتمع ولضمان استمراريته.
وفى ظل العولمة أصبح العالم قرية صغيرة مع الانتشار الواسع لوسائل الاتصال وكثافة المعلومات، وأصبح لزاماً على جميع المنظمات بدون استثناء، بما فيها الجامعات –بطبيعة الحال- أن ترتدى زى العولمة، ليس مجاراة للواقع فقط، وإنما ليكون بمقدورها أن تؤدى الأدوار والمهام المنوطة بها بكفاءة، لأن المجتمعات النامية على العكس من الصناعية ما تزال الأولى بحاجة للجامعات والتعليم العالى لإحداث التنمية(<!--).
ج- التوجه الديمقراطى :
وهذا التوجه سمة من سمات المجتمع المعاصر، واستجابة لضغوط العولمة وثورة المعرفة، وهناك ضغوط داخلية أيضا للتعددية السياسية والمشاركة المجتمعية، ونشر الحرية فى أرجاء المجتمع، ولا يمكن تحقيق ديمقراطية حقيقية إلا بتعليم عال مستنير يتمتع بالحرية والاستقلال يرتبط بالمجتمع ارتباطا عضوياً(<!--).
د- تحدى التنمية:
تمثل التنمية تحدياً كبيراً نظراً لمحدودية الموارد المجتمعية وانتشار الفقر، وبخاصة فى البلاد النامية، وانخفاض المستوى السكانى ومواجهة التعليم لمشكلات عديدة، ويمكن التوجه نحو تسويق التعليم الجامعى أن يمثل مخرجاً لأزمات تمويله، فضلاً عن أن التوسع والامتداد الجامعى يحقق تقدما اجتماعياً عوائده للمجتمع وجامعاته.
وإجمالاً فإن الطرز المتنوعة من التنمية بمفاهيمها التقليدية قادت مجتمعاتها إلى التبعية والتوجه إلى الخارج، وأساءت توزيع ثمارها، كما أدت إلى كثير من الأزمات، ولم تنجح فى - أحسن حالاتها - إلا أن تحد تهذيباً للتخلف، ولم تصل إلى قلب العملية التنموية، وهو الإنسان.
وإذا أردنا الارتقاء بمستوى الأداء الجامعى وزيادة قدرة الجامعة على تحقيق أهدافها، فلا مناص من التطوير المستمر لركائزها الأساسية، خاصة، عضو هيئة التدريس لأنه "أهم الركائز فهو الذى يكسب جميع المدخلات التعليمية الفاعلية المطلوبة لتحقيق الأهداف المنشودة، ومن ثم يتوقف عليه - إلى حد بعيد - مدى قدرة الجامعة على القيام بوظائفها وتحقيق أهدافها المختلفة، فهو موصل المعلومات الأول لطلابه، والمؤثر فى بنائهم العلمى، كما أنه صاحب الباع فى مجال البحث العلمى، وفى ربط جامعته بمجتمعها المحلى"(<!--).
ويصبح هذا الاهتمام بالغ التعقيد فى ظل التغير والتطور الحادثين فى التعليم الجامعى فى ظل الكونية المفروضة، والمعلوماتية المتسارعة، والتكنولوجيا المسيطرة، والأعداد المتزايدة من الطلاب، وظهور أشكال جديدة من التعليم الجامعى، ونقص كفايات أعضاء هيئة التدريس، وشكوى الطلاب الصارخة أحياناً من قصور بعض أعضاء هيئة التدريس عن القيام بمهامهم، وعدم قدرة الطلاب على الاستفادة من علمهم الممتاز، وزيادة أعباء عضو هيئة التدريس(<!--)، ومع كل هذا لم يتم الالتفات إلى إدارة الوقت كأسلوب فعال لحل، أو التغلب على، تلك المعضلات التى تواجهه، فضلا عن غيرها من الأساليب التى يمكن أن تساعده فى ذلك، وفى الواقع فإنه توجد بعض مسببات تؤدى إلى تدهور قيمة الوقت تتمثل فى" ضعف قيمته، وضعف الإحساس بأهميته، والعلاقات الشخصية، والوساطة، والمجاملات، والمركزية، وعدم التفويض"(<!--).
هـ- القدرات التنافسية:
يصاحب التوجه نحو حرية السوق، توسع فى التعليم الخاص، ونتج عن ذلك ظهور جامعات خاصة يقدم بعضها تعليما متميزاً، تسعى إلى تسويق خدماتها التعليمية والبحثية وتحقق امتداداً مجتمعياً، وقد تجد الجامعات الحكومية نفسها متفائلة أمامها، وبحاجة إلى أن تثبت وجودها، ويتطلب ذلك تحسين الخدمة التعليمية والبحثية وربط الجامعة بالمجتمع.
وإذا كنا نعيش عصر المعلومات فإن المنافسة الاقتصادية فيه تعتمد على قدرة البشر المعرفية على الإنتاج المبدع، وهذا يستلزم تطوير المهارات البشرية وتنمية الكوادر التى تستطيع التعامل مع مخرجات هذا العصر، والتكيف مع نتائجه، فرخاء المجتمع رهن بالتجديد المستمر لأداءات الأفراد(<!--).
وفى ضوء ما سبق نرى أن هذا العصر يفرض مطالب جديدة على التعليم الجامعى – بوجه عام – وأعضاء هيئة التدريس – بوجه خاص – تتمثل فى مواجهة الطلب المتزايد عليه، وإعداد الخريج الملائم لمتغيرات العصر، وتحقيق التوازن بين وظائف الجامعة، مع مراعاة عدم التركيز على الكم على حساب الكيف، هذا مع ضرورة التكيف مع التغيرات فى طبيعة المهن والمهارات المتطلبة لكل منها، وتحديث النظم التعليمية وطرق التدريس بها(<!--).
و- اعتبار الجامعة قاطرة التنمية:
ينبغى أن يكون التعليم الجاامعى للقرن الحادى والعشرين تعليماً متميزاً يتاح للجميع دون تمييز، تعليماً يلبى احتياجات المجتمع والمتعلمين، ينهل من العلم والتكنولوجيا، وهذا التعليم الجامعى ينبغى أن يكون النموذج الذى تحتذيه كافة المؤسسات الاجتماعية، بل ينبغى أن يقود المجتمع نحو التقدم، وتتطلب هذه القيادة تميزاً، كما تتطلب كذلك تغلغل الجامعة فى نسيج المجتمع، وتوصيل الخدمة التعليمية إلى كافة أنحائه، وتقوم ببحوث ترقى العلم والمعرفة، وتوجهها نحو النهوض بالمجتمع، وتسعى إلى المشاركة المتبادلة مع المجتمع والبيئة.
ويتأكد أن الثورة العلمية والتكنولوجية تعتبر بالفعل طفرة حضارة جديدة على طريق التطور البشرى، ولكن هذه الطفرة لا ينبغى أن تتبدى فى كميات إنتاجية من مواد خام وطعام وإنتاج صناعى فقط، ذلك أنه من الضرورى السعى الحثيث - مهما كانت الصعاب المنهجية - للتنبؤ بمستقبل الجانب الإنسانى للإنسان.
وسوف يشهد مجتمع ما بعد الحداثة - المسألة الإنسانية وتأثير العالم الجديد على المجتمع الذى بدأت الثورة العلمية والتكنولوجية فى تخليقه - أثاراً بعيدة المدى على الإنسان فى علاقته ببيئته، وفى تحديد مصير المجتمع وتكوينه الذى يثير تحولات نفسية واجتماعية عميقة فى وعى الإنسان والقيم الأخلاقية، وهذه هى المسألة الإنسانية التى يجب على مجتمع الجامعة بكل أعضاء هيئة التدريس بها التحسب لها(<!--).
واتضح مما سبق مدى ما يتمتع به هذا النوع من التعليم من مكانة فى المجتمع المصرى، فضلاً عمًا يطمح إليه المجتمع من تلبية الجامعات لحاجاته، ومن هنا فإنه يرى أنه بإمكان الجامعات - بما تمتلك من قدرات أعضاء هيئة التدريس بها - أن تقدم له الكثير مما يحتاج إليه، وبالتالى فإنه يتوقع أن يكون هناك توجهاً مستقبلياً للتعليم الجامعى المصرى من خلال مجموعة من المبادىء العامة يمكن رؤيتها فيما يأتى:
<!--أن يكون التعليم الجامعى متاحاً للجميع، وأن يفتح أبوابه لكل قادر عليه راغب فيه، تبعاً لكفاءاتهم، والتخلى عن كل صور التمييز، أو التحيز، بسبب أى عامل من عوامل الإعاقة، أو التعويق البدنى، أو الثقافى، أو الاجتماعى أو الاقتصادى، فكل من تتوافر لديه القدرة المعرفية والرغبة له الحق فى هذا التعليم.
<!--المحافظة على المهام الأساسية للتعليم الجامعى والعالى، وهى التعليم، والتدريب، والبحث العلمى، والإسهام فى التنمية وخدمة المجتمع، ويضاف إلى ذلك مهمة استشراف المستقبل.
<!--الارتقاء بمستوى خريجى التعليم الجامعى والعالى من خلال برامج تعدهم كمواطنين مسؤولين منتجين، وتوفر لهم مجالات متجددة للتعليم على مستوى عالٍ.
<!--تحول التعليم الجامعى والعالى إلى منظمة للتعليم مدى الحياة، وذلك بأن يستجيب بسرعة للمطالب المتغيرة للمجتمع، والاحتياجات المتجددة للمتعلمين، والتطورات المتسارعة فى المعرفة والثقافة والتكنولوجيا، على أن يستثمر فى ذلك مؤسسات المجتمع المدنى مثل (الجمعيات الأهلية، والنقابات المهنية، ... وغيرها).
<!--التعليم الجامعى والعالى يجب أن يتسم بالمرونة، بحيث يهيىء لطلابه فرصاً جديدة لتغيير المسار، ويفتح أبوابه لمتعلمين جدد من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية.
<!--تعزيز دور التعليم الجامعى والعالى فى الارتقاء بمستوى جودة الحياة، Quality of Life، وذلك من خلال تحقيق التوازنات الواجبة بين الوطنى والإقليمى والعالمى، وبين الماضى والحاضر والمستقبل، وبين العام والأهلى والخاص، وبين الشخصى والاجتماعى والمادى، وبين المعرفى والوجدانى والعملى، وذلك تحقيقاً للتنمية الشخصية للفرد، والتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع.
<!--تطوير وتنمية المهام الأساسية للطلاب وأعضاء هيئة التدريس والإدارة، مع الالتزام الكامل بالمبادىء الأخلاقية والدقة العلمية، فى مختلف الأنشطة التى يقومون بها، والتركيز على النشاط الناقد والإبداعى والاستشرافى، وتوفير منظومات للتهيؤ والإنذار والوقاية، مع ضرورة تمتعهم بالاستقلال الأكاديمى، والحرية الأكاديمية من جانب، ومسئولية كاملة أمام المجتمع وخضوع لمساءلته وتقويمه من جانب آخر.
<!--توافر آلية لتقويم الأداء فى التعليم الجامعى والعالى، من منظور الجودة الشاملة فى إطار المرجعيات التى تستند إلى المعايير العالمية، مع تقدير مدى ملاءمة التعليم الجامعى والعالى من خلال التحقق من التطابق بين ما ينتظره المجتمع منه، وما تقوم به مؤسساته بالفعل، استناداً إلى علاقة وثيقة بين هذه المؤسسات وعالم العمل.
<!--تطوير برامج التعليم الجامعى والعالى، بحيث ترتكز على تنمية قدرات استحداث المشروعات، وتطوير روح المبادرة والإبداع، والتركيز على إنتاج المعرفة ومكابدة العمليات دون الاقتصار على القفز على النواتج، وتحقيق مبدأ الاتقان والجودة، وتنمية ثقافة التقويم، والتحول الى التعلم الذاتى، والتحرر من ثقافة القهر والإجبار والانتقال إلى ثقافة المشاركة والاختيار، وذلك من خلال بيئة تسودها العدالة.
<!--الاهتمام بدور مؤسسات التعليم الجامعى والعالى فى خدمة المجتمع لبناء القدرات الذاتية، وتعزيز حقوق الإنسان، والتنمية المستدامة، والديمقراطية، مع الاهتمام بالأنشطة التى تهدف إلى القضاء على الفقر والعنف والأمية وتدهور البيئة والمرض، وذلك من خلال التداخل بين التخصصات أو تجاوزها، والذى يؤدى إلى منهج جامع لفروع المعرفة.
<!--إسهام التعليم الجامعى والعالى فى تنمية النظام التعليمى كله، ويتطلب ذلك إعادة تنظيم علاقاته بجميع مستويات التعليم السابقة عليه، فهو جزء من نظام متصل الحلقات، يبدأ بالتعليم من مرحلة الطفولة، ثم التعليم الأساسى والتعليم الثانوى، ويستمر مدى الحياة، وقد يكون دور التعليم الجامعى والعالى فى تطوير التعليم الثانوى أكثر إلحاحاً، حيث إن مخرجات التعليم الثانوى هى عادة مدخلات التعليم الجامعى والعالى.
<!--إعادة النظر فى أهداف التعليم الثانوى ووظائفه، للإعداد للتعليم الجامعى والعالى، وتيسير الالتحاق به من ناحية، وتوفير وتدريب كافٍ يعد الطلاب للحياة العملية بعد التعليم الثانوى من ناحية أخرى.
وتخلص الدراسة الحالية إلى عدة نقاط تمثل تحليلاً ناقداً لما تم عرضه فى هذا الفصل، ويأتى فى مقدمتها ما يلى:
يتضح من عرض الأهداف المعلنة للجامعات المصرية، ومدى ارتباطها بمتطلبات المجتمع، عدة أمور منها:
<!--أنه يمكن الإشارة إلى أن أهداف التعليم الجامعى فى مصر تلتقى مع المنظور الدولى الذى عمدت الدراسة الحالية لعرضه خلال الفصل الحالى، فيما يتصل بأهداف ووظائف الجامعة، التى تؤكد على الدور التقليدى للجامعة من، بحث وتدريس، والدور الاجتماعى لها، من خلال تطويع هاتين الوظيفتين لخدمة المجتمع، بمعنى التداخل بين الأهداف مجتمعة.
<!--هناك ثوابت فى الأهداف، وهى ما يؤمن به المجتمع، وتكون جزءاً من تكوينه وعقيدته، ومرتكزات حياته الإنسانية والاجتماعية، وتكون الفيصل فى تحديد اتجاهات تطوره اللاحق، وخياراته المستقبلية.
<!--هناك متغيرات فى الأهداف، وهى التى تتعلق بتوفير ما يمثل حاجة ذات فائدة زمنية محددة، مرتبطة بالتغيرات الحاصلة فى المجتمع، أو التحديات التى يواجهها.
<!--تلعب الاتجاهات السياسية للمجتمع دوراً بارزاً فى صياغة الأهداف، وتنشيط أو تحجيم المسيرة العلمية، والبحثية، والتكنولوجية للجامعات.
ويطرح ذلك مجموعة من الأسئلة المتصلة بالأهداف تحتاج للإجابة، خاصة، فى ظل التوجهات العالمية لعصر المعلومات بما يحتاجه من مواصفات خاصة لخريج من نوع متميز، يمكن أن تتمثل فيما يلى:
1 - كيف يتاح التعليم الجامعى والعالى للجميع؟.
2 - ما نوعية المقبولين من الطلاب والدارسين فى مؤسسات التعليم الجامعى والعالى؟.
3 - ما مدى تأثير زيادة أعداد هؤلاء الطلاب فى كفاءة أداء هذه المؤسسات؟.
وترى الدراسة الحالية أن سياسة التوسع فى القبول بالتعليم الجامعى هى السياسة المتوقع اتباعها فى القرن الحادى والعشرين، وذلك تحقيقاً لمبدأ التعليم الجامعى للجماهير، وتلبية لاحتياجات سوق العمل المتجددة، كما يجب أن نؤكد فى هذا السياق على ضرورة استيفاء الطلاب لشروط ومتطلبات الدراسة الجامعية، من خلال تنظيم اختبارات موضوعية للقبول تحقق اختيار وانتقاء الطلاب، وتوجههم نحو الدراسة الجامعية التى تتفق مع ميولهم وقدراتهم، وفى ذات الوقت ربط سياسة القبول باحتياجات ومتطلبات سوق العمل.
وترى اليونسكو أن صياغة سياسة وطنية ومؤسسية للتعليم الجامعى تتعلق بمهامه ووظائفه تعنى التطرق إلى أسئلة أساسية يمكن إيجازها فى سؤال محورى هو، ما دور التعليم الجامعى فى المجتمع ؟ ، من حيث(<!--):
<!--إسهامه فى التغيير الاجتماعى الاقتصادى .
<!--مساعدته على تحقيق تنمية بشرية مستدامة .
<!--إسهامه فى تنظيم المجتمع الحديث .
<!--مشاركته فى الجهود الرامية للحد من الفقر وحماية البيئة ودعم الرعاية الصحية وتعزيز مبادئ المجتمع المدنى وتطوير مستويات وآشكال التعليم .
<!--استجابته للتغيرات فى عالم العمل .
<!--المساعدة فى تكوين ثقافة مدنية للتصدى للتحديات.
وثمة مسلمات رئيسية عن دور الجامعات ورسالتها باعتبارها من أرقى مؤسسات التعليم العالى، منها أنه لا يمكن أن تحقق رسالتها وتؤدى وظائفها وتصل إلى أهدافها كمؤسسات أنشأها المجتمع تسعى إلى خدمته دون أن تقوم بإجراء بحوث علمية تتصل بقضايا المجتمع الإيكولوجية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، والمجتمع بمفهومه الواسع، والمحلى، والوطن، بل والعالم أيضا.
يبدو أننا لسنا بحاجة إلى القول : بأن هناك اختلافاً لا شك فيه بين قدرات العاملين بالجامعات طلاباً وأعضاء هيئة تدريس وإداريين وفنيين، وكذلك تبايناً فى الاحتياجات المحلية، وفى الثقافات الفرعية لكل إقليم، ومن ثم اختلافات فيما تواجهه كل جامعة من قضايا ومشكلات.
فضلاً عما تتطلبه التباينات بين التخصصات العلمية والتطبيقات المتعددة من تنوع فى الطرق والأساليب، وكل هذا يفرض تعدداً فى الصيغ والأشكال والأنماط، بينما يؤدى التنميط إلى بطء الحركة والتماثل، والتكرار، وضعف الإنتاج، ويشيع مللاً فى النفوس، يفقدها فورة التدفق المفروض للحركة الحيوية.
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
(<!--) خيرى على الجزيرى : إدارة الاستراتيجية، دراسات فى الاستراتيجية، مطابع الولاء الحديثة، القاهرة، 1998/1999، ص (23).
(<!--) فريد راغب النجار : "استراتيجيات التسويق العالمى بالجامعات"، المؤتمر القومى الأول لتسويق الخدمات الجامعية، رؤى الجامعات فى تسويق الخدمات الجامعية، المجلس الأعلى للجامعات، القاهرة، 18-19 مارس 1998، ص (27).
(<!--) جمهورية مصر العربية، وزارة التعليم العالى : مشروع الخطة الاستراتيجية لتطوير منظومة التعليم العالى، القاهرة، 13-14 فبراير، 2000،القاهرة، 2000، ص ص (5-6).
(<!--) أحمد سيد مصطفى : "إدارة الجودة الشاملة فى تطوير التعليم الجامعى لمواجهة تحديات القرن الحادى والعشرون"، المؤتمر العلمى السنوى الثانى، إدارة الجودة الشاملة فى تطوير التعليم الجامعى، كلية التجارة، فرع بنها، جامعة الزقازيق، 11 ـ 12 مايو 1997، بنها، 1997، ص (364).
(<!--) أحمد سعيد خليل ، بدرى أحمد أبو الحسن : "رؤية مستقبلية للتعليم الجامعى المفتوح بجمهورية مصر العربية فى ضوء خبرات بعض الدول"، مجلة كلية التربية بأسوان، ع 15 ، ديسمبر، 2001، ص (221).
(<!--) أحمد إسماعيل حجى : الإدارة التعليمية والإدارة المدرسية : الفكر العربى، القاهرة، 1998، ص (5).
(<!--) جمهورية مصر العربية، وزارة التعليم العالى : "الجامعة والمجتمع"، مشروع تنمية قدرات أعضاء هيئة التدريس، وحدة إدارة مشروعات التعليم العالى، القاهرة، 2005، ص ص (40).
(<!--) راجع فى ذلك:= السيد محمد ناس، ونهى عبد الكريم : "الجامعة والعولمة ـ الطالب الجامعى بين الإقليمية والعالمية"، مؤتمر جامعة القاهرة لتطوير التعليم الجامعة "رؤية لجامعة