" دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية وفكرة اجتماعية ". 

كان مؤسس جماعة «الإخوان المسلمين» ومرشدها العام الأول الأستاذ حسن البنا يعنى ما قاله عندما عرَّف هذه الجماعة بأنها دعوة سلفية وحقيقة صوفية، فهو - على المستوى الشخصي - قد نجح فى الجمع بين منهج السلف وسلوك المتصوفة فى إطار واحد، وذلك من خلال تنقية هذا وذاك من شوائب شتى والتمسك بجوهر كل منهما عبر (العودة بالإسلام إلى معينه الصافى من كتاب الله وسنة رسوله) ومن خلال إدراكه أن (أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب فى الله، والارتباط على الخير) وفق مفهومه لكل من السلفية والصوفية على التوالي، وعليه فالسلفية والصوفية الصحيحتان لا تتعارضان كما اكتشف ذلك مؤسس جماعة «الإخوان» .

وكلنا يعرف أنه نشأ في طريقة صوفية، كما حدّثنا بقلمه عن نفسه في مذكراته، وهي "الطريقة الحصافية" فنجده قد استفاد من تجربته الصوفيّة؛ أخذ منها ما صفا، وترك ما كَدِرَ، وهو موقف كل الرجال الرَّبّانيين، كما رأينا عند شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم، فلم يكونا ضِدّ التصوف بإطلاق، كما يَتصوّر أو يُصوّر بعض من يزعُم الانتساب إلى مدرستِهما، بل كانا من أهل المعرفة بالله، والحبّ له، ومن رجال التربية الإيمانيّة والسلوك الرَّبّاني، كما بدا ذلك في مجلدين من مجموع فتاوى ابن تيمية، وفي عدد من كتب ابن القيم رحمهما الله.

فهذا هو التصوّف، وهذه هي الصوفية الحقيقية عند حسن البنا، إنها ليست الموالدَ والعوائد، وليست "الشِّركِيّات" في العقيدة، ولا "البِدعيّات" في العبادة، ولا "السلبِيّات" في التربية، التي تجعل المُريد بين يدي الشيخ كالميّت بين يدي الغاسِل! 

والحق أنه لعلو شأن التصوف انتسب إليه كثير ممن لا يستحقون شرف هذه النسبة، وقاموا بالكثير من الممارسات الخاطئة البعيدة عن الكتاب والسنة ، فشابوا التصوف وأساءوا إليه عامدين أو جاهلين؛ لأن التصوف الحقيقى المبنى على الكتاب والسنة – في أبسط معانيه - هو ذلك المشرب القلبى والروحى الجميل الذى ينبغى للمسلم أن يأخذ بحظه منه.

ولابد من الإشارة إلى أن هذه الممارسات الخاطئة كما أثارت من هاجم التصوف بسببها، أثارت - وبصورة أشد وأقوى - أئمة الصوفية أنفسهم ، وقاموا بحملات صادقة على هؤلاء المدعين للتصوف، وليست هذه الاتجاهات المغلوطة التى نسبت إلى التصوف الإسلامى وليدة العصر الحالى، بل هى قديمة ترجع إلى القرون الأولى .

والآن .. وبعد خذلان نتائج جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية لمؤيدي شفيق من غالبية مشايخ الطرق الصوفية، ومبايعة القليل منهم الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية، وتأكيد تأييدهم لمرسي طيلة الفترات السابقة، وأن الله وفقهم في اختيار "الرجل المناسب في المكان المناسب"، كما أنهم "غير متخوفين من مرسي ولا من وصول جماعة الإخوان للرئاسة" نقول: ماذا يحمل الصوفية في حقائبهم للمرحلة القادمة ؟

اعتقد أنه على المجلس الصوفي العالمي ألا يكتفي - فقط - بالتهنئة للرئيس المنتخب معلقًا عليه الآمال أن يعمل على المصالحة الوطنية، وأن يهتم بإصلاح البيت الصوفي، بل عليه أن يحذو حذو الأولين وينتهج أسلوب النقد الداخلى الذى قام به أئمة القوم لتنقية التصوف مما شابه، وأن يُنكر على المتصوّفة الحاليين كثيرًا من أفكارهم وأذكارهم وسلوكياتهم، ويصِف ذلك بأنه بِدَع وضَلالات، مثل: طوافهم حول أضرِحة الأولياء، واستغاثتهم بهم، وعمل الموالد لهم، إلى آخر هذه السلوكيات المعهودة عند الصوفية في شتَّى البلاد الإسلامية. 

وأن يتيقنوا مما قالوه عن الإخوان إنهم " ليسوا فزاعة كما يحاول البعض أن يصورهم، لكن الإخوان والسلفية فصيل من أبناء الوطن لابد أن يتحدا مع جميع التيارات من أجل مصر" وبالطبع – أذكرهم بأن - هذا الاتحاد المقصود هنا لابد أن يكون مبنيًا على ما قاله الإمام السيوطى أن " طريقة الصوفية أن لا يُلتزَم مذهب معين بل يؤخذ من كل مذهب بالأشد والأحوط والأورع "، هذا هو التصوف: العمل بالأحوط والأشد والأورع، وترك التساهل فى دين الله، وليس هذا قطعًا هو التصوف الذى كان يمارسه الأدعياء في زمن المخلوع، ويجلبون به التهم والهجوم على التصوف ككل.

ولعل ما يحدث في مصر الآن – من مشيئته سبحانه وتعالى – فرصة حقيقية أمام الصوفية الحقيقيين أن يعيدوا التفكير في أمور كثيرة، داخل البيت الصوفي، ترجع به - كما كان – سنيًّا ، متبعًا وليس مبتدعًا، رائدًا، روحانيًّا، مجاهدًا في سبيل الله وكلمة الحق.

 

المصدر: الواقع والمامول
Dr-mostafafahmy

د/ مصطفى فهمي ...[ 01023455752] [email protected]

ساحة النقاش

مصطفى فهمي

Dr-mostafafahmy
فلسفة الموقع مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية وليست محاولة لفهم الحياة فقط. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

500,338