بالإضافة إلى نشر الصوفية لأورادهم وأذكارهم، وأحزابهم الخاصة بطرقهم الخاصة، فقد كان لبعضهم محاولات – أثناء الاحتلال البريطاني لمصر – في نشر الكتيبات التي تدعو إلى معاداة البريطانيين إبان الحرب العالمية الأولى، ومن أبرزهم الشيخ محمد ماضي أبي العزائم، ثم محاولة أخرى صدرت من الشيخ محمد أبي الفيض المنوفي الذي نشر مجموعة كتيبات تحمل اسم " صحائف الحق " وصدرت في المدة من سنة 1919م، حتى سنة 1924م بصورة غير منتظمة، ثم أصدر الشيخ المنوفي مجلة باسم " لواء الإسلام" في يوليو سنة 1924م بصورة متقطعة حتى سنة 1930م، وكانت تنقد السياسة البريطانية مما أدي إلى سحب ترخيصها وسجن صاحبها(<!--) .
ثم بدأت الاقتراحات تكثر من الطرق الصوفية بإنشاء مجلة لهم يعرضون فيها آراءهم وأفكارهم، حتى اتخذ المجلس الأعلى الصوفي قرارًا في محضر جلسة أبريل سنة 1936م بإنشاء هذه المجلة باشتراك سنوي قدره خمسة وعشرون قرشًا، وأن يقدم مشايخ الطرق كشوفًا بأسماء المشتركين، وأن يكون الحد الأدنى للمشتركين في كل طريقة ثلاثين عضوًا، وعلى الرغم من هذا لم ترَ كل هذه الاقتراحات أو القرارات النور(<!--) .
وعند مجيء حكومة الثورة، والتي قررت في سنة 1958م تدعيم مشيخة الطرق الصوفية في إنشاء مجلة لها تحمل اسم " الإسلام والتصوف "(<!--)، وقد استمرت المجلة على هذا الاسم بضع سنوات، ثم عادت وصدرت باسم " التصوف الإسلامي " في سنة 1979م، ومازالت تصدر حتى الآن(<!--) .
وقد صدر العدد الأول من المجلة في جماد ثان 1399هـ/مايو 1979م في عهد الشيخ محمد محمود سطوحي، ثم استمرت في الصدور في عهد الدكتور أبي الوفا التفتازاني، ثم توالى صدورها في عهد الشيخ حسن الشناوي، والآن مازالت تصدر في عهد الشريف أحمد كامل ياسين، وكلهم كانوا يشغلون منصب رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية ورئيس مجلس إدارة المجلة(<!--) .
كما كان للطرق الصوفية آنذاك تأثير على الحركة الثقافية، وإسهامها في تكوين عديد من المفكرين في مصر الحديثة من أمثال " عبد الرحمن الجبرتي " و "حسن الطويل " و " أبو الوفا درويش " و " محمد عبده " و " عبد الله النديم " و " حسن البنا " وغيرهم، فقد تتلمذ هؤلاء على يد شيوخ الصوفية بين الدرس وحلقات الذكر في المسجد الأحمدي بطنطا، والدسوقي بدسوق، والقنائي بقنا، وأبي الدرداء بالإسكندرية(<!--) .
كما كانت هناك ظاهرة ثقافية ارتبطت بالتصوف، وراجت برواجه، تمثلت في مؤثرات التصوف على الحركة الأدبية، فمنذ ظهور الاتجاه الصوفي في الأعمال الروائية والمسرحية في مصر في القرن العشرين؛ فإن التصوف أصبح محورًا رئيسيًا دارت حوله أعمال كثير من الكتاب سواء أكان ذلك من خلال النقد، أو الهجوم أو غير ذلك .
فهناك من الباحثين من تنبَّه إلى الجانب الصوفي في شخصية وكتابات الأديب العالمي " نجيب محفوظ " وأصدر كتابًا يحمل عنوان " نجيب محفوظ، الثورة والتصوف " وأكدَّ فيه أن الهدف من التصوف عند نجيب محفوظ يقترب في كثير من هدف التصوف السني.. فالتصوف عنده يقودنا إلى التعرف على القطاع الواعي في فكره، وهو قطاع يلتقي مع هذا القطاع الواعي لدى المتصوف السني...(<!--).
كما كانت هناك النماذج البشرية التي تعرض كثير من كتاب القرن العشرين لمعالجتها كـ(النموذج الشكي) الذي برز عند " يحيى حقي " والذي عالجه في قصته " قنديل أم هاشم "، ونموذج ( الولى ) الذي بدا واضحًا عند " يوسف إدريس "، و(النموذج الصوفي ) الذي اتضح في بعض أعمال " صلاح عبد الصبور " وبخاصة في مسرحيته "مأساة الحلاج"، وكذلك في المسرحية الشعرية " الفتى مهران " عند الكاتب " عبد الرحمن الشرقاوي "، وكافة هذه النماذج جعلت من الفكر الصوفي، أو الحياة السلوكية التي اتخذتها الحركة الصوفية محورًا أساسيًا لأفكارهم وكتاباتهم .
كما كان – قبل ذلك – للصوفيين على اختلاف طبقاتهم، وعلى مر العصور أدب إسلامي رفيع وغزير، ومجال واسع في النثر والشعر، وباع طويل في كل أغراض الأدب، ومنزلة عالية في التجديد في معاني الأدب وأخيلته وأساليبه، وهذا يبرر ما احتوى عليه الأدب الصوفي من عاطفة صادقة، وتجربة عميقة في آثارهم، شعرًا ونثرًا، حكمة ونصيحة، موعظة ومثلاً وعبرة.
وقد تناول الصوفيون في أدبهم الكثير من دقائق الحكمة والتجربة والفكر والمعاني والأخيلة، وأعمق مشاعر الإنسان، وحفل أدبهم بروائع المناجاة والحب الإلهي(<!--) .
<!--
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
(1) فريد دي يونج: تاريخ الطرق الصوفية في مصر، ص 182.
(2) عبد المجيد عابدين: لمحات من تاريخ الحياة الفكرية قبل الفتح العربي وبعده، ص 127-128، ط1، 1384هـ/ 1964م ، القاهرة .
(3) من الواضح أن حكومة الثورة رأت ضرورة تدعيم مشيخة الطرق؛ وذلك لأن الطرق الصوفية آمن إلى حدٍّ ما من التيارات المتطرفة الأخرى آنذاك.
(4) د/ زكريا سليمان بيومي: الطرق الصوفية في مصر، ص 95.
(5) مقدمة مجلة التصوف الإسلامي، العدد 357، السنة 30، 1429هـ/2008م.
(6) د/ زكريا سليمان بيومي: الطرق الصوفية في مصر، ص 76.
(7) د/ مصطفي عبد الغني: نجيب محفوظ، الثورة والتصوف، ص 127، 1994م، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة .
(8) د/ محمد عبد المنعم خفاجي: الأدب في التراث الصوفي، ص 63-66، دون تاريخ، مكتبة غريب، القاهرة ، و د/ على صافي حسين: الأدب الصوفي في مصر، ابن الصباغ القوصي، ص 291-294.
ساحة النقاش