تأصيل الاتجاه العقلى :

يقول الفيلسوف الفرنسى ديكارت إن "العقل هو أعدل الأشياء قسمة بين الناس" وهذا يعنى أن الناس قد يختلفون في أمور كثيرة ، كالأجسام والأشكال والألوان ، لكنهم يتفقون في مستوى إدراكهم العقلى لكن المشكلة لم تكن أبدًا بسيطة فقد اختلف الناس عقليًا على مدى العصور وما زالوا يختلفون فما السبب ؟ الواقع أن بعض الناس يتكاسلون على تشغيل عقولهم ، ويكتفون بتصديق الأمور الشائعة دون تمحيص ، وبعضهم الآخر لا يطبق المنهج الصحيح لاستخدام العقل ، وبعضهم الثالث تكون له مصلحة شخصية في التحليل أو الدوران حول الحقيقة العقلية التي لا تستجيب لمصلحته وهذه الطرق المتعرجة كلها هى التي تزيد من خلافات الناس في المسائل العقلية المحددة ولهذا السبب قام أرسطو (قبل الميلاد بثلاثة قرون) بأروع محاولة لوضع قوانين عقلية يتفق عليها البشر جميعًا ، ولا يمكن لأى (عاقل) أن يجادل فيها ، وسمى تلك القوانين (علم المنطق) الذي ظل مسيطرًا على العقول قرابة ألفي عام بعد ذلك ، وما زالت قوانينه صحيحة في مجالات معينة ، كالتعريف ، والتقسيم، والتصنيف ، والقضايا المباشرة الخ أما المنهج الذي حل محل منطق أرسطو فكان هو "المنهج التجريبى" الذي تقدمت به – وما زالت – حركة العلوم التي نشهد نتائجها على كل المستويات حاليًا

وهنا نقول إن من واجب الفلسفة الإسلامية أن تبين للناس في الوقت الراهن مسيرة العقل الإنسانى عبر العصور ، والقوانين الثابتة المرتبطة به ، أو النابعة منه (مثل أن الكل أكبر من الجزء ، أو أن الشىء لا يكون موجودًا في مكانين مختلفين في نفس الوقت ) وكذلك خصائص وخطوات كل من المنهج العقلى والمنهج التجريبى الذي يقود الإنسان إلى المعرفة الحقيقية ، وليست المعرفة المزيفة ، أو المعرفة حسب الشائعات إن الإنسان المعاصر من حقه أن يسأل من يحدثه بأى حديث قائلاً : على أى شىء اعتمدت في حديثك هذا ؟ وما هو الدليل الذي يجعلنى أصدقك ؟ وبهذا السؤال تصبح كل سلطات المعرفة المفروضة على الإنسان المعاصر معرضة للفحص ، وعادة الفحص ، والتمحيص ، والتساؤل ، بدلاً من الخضوع لها كمسلمات لا يمكن مناقشتها ومن حسن حظ الفلسفة الإسلامية أن الدين الإسلامى نفسه قد جعل العقل مستندًا له ، وطالب الناس جميعًا بأن يستخدموا عقولهم ، بل وساق القرآن الكريم الكثير جدًا من الحجج والأمثلة المحسوسة لكى (يقنع) بها الناس ، مع أن الإيمان في نهاية الأمر ليس إلا ومضة روحية تضىء الكيان الإنسانى كله ، وتكاد تتجاوز بأشعتها حدود العقل !

لكن يبقى أن تأصيل الاتجاه العقلى لدى المسلمين ، وغيرهم ، يظل صمام الأمان الذي يمنع ، أو على الأقل يحد من فورة الاختلافات المرتبطة دائمًا بالتعصب الأعمى ، أو بالحرص على المصالح الشخصية ، أو بفرض المذاهب ذات الأغراض السياسية ، وقد سبق أن عانى المسلمون من ذلك كثيرًا ، فعندما حاولت بعض تلك المذاهب أن تأخذ العامة لجانبها اخترعت "مبدأ التأويل" الذي يقرر أن لكل كلمة ظاهرة المعنى : باطنًا آخر لا يدركه إلا العارفون بحقائق الأمور ! وهكذا أصبح لكلمة لشمس أو القمر أو البحر معان أخرى بعيدة كل البعد عما وضعت أو استخدمت من أجله ، ومن المقرر أن شيئًا كهذا ما كان ليحدث إلا في غيبة العقل ، وعدم وضوح المنهج العقلى الصحيح لدى جماهير المسلمين ، نتيجة خفوت صوت الفلسفة الإسلامية التي لم تكن في معظم الأحيان موضع ترحيب من حكام المسلمين أنفسهم !!

 

المصدر: www.hamedtaher.com
Dr-mostafafahmy

د/ مصطفى فهمي ...[ 01023455752] [email protected]

  • Currently 31/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 570 مشاهدة

ساحة النقاش

مصطفى فهمي

Dr-mostafafahmy
فلسفة الموقع مهتمة بتحديد طريقة الحياة المثالية وليست محاولة لفهم الحياة فقط. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

499,857