كيف تكون قائدا
منذ بدأت الثورات العربية وأخذ الإعلام يزيد في كمية السموم التي يبثها في أذن وعقل المشاهد، حتى خرج علينا من يقول أن أهم ما يميز ثورات الربيع أنها بلا قيادة، والحقيقة أنه لا عمل ينجح بلا قيادة، وكان الهدف الأكبر من تلك المقولة هو ضرب القيادات حتى يتم تصنيع قيادات عميلة تستطيع القفز على الثورات بثورات مضادة.
والآن وبعد مرور ست سنوات على الثورات العربية يخرج علينا من يقول أن الشعوب ستفرز قيادات تتحمل تبعات المرحلة التي نعيشها الآن، إذا كانوا يقصدون أن القيادات ستخرج من الشعب وليس صناعة العسكر أو صناعة المحتل فهذا حقيقة لا مراء فيها، ولكن أن ينتظر القادة أو العلماء أن يخرج الشعب لهم بقائد فهذه تحتاج إلى تفكير أو إجابة السؤال التالي: هل القيادة يصنعها صاحب الفكرة أم القيادة تصنعها الشعوب؟
"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"، هذا يعني أن الناس لا تهتدي إلى الحق إلا برسول من عند الله يحدد لهم معالم الطريق، "فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين"، هنا ألقيت المسئولية على القوم الذين تبعوا فرعون، وقد كان سحرة فرعون كهؤلاء القوم، لكنهم حين جاءهم موسى عليه السلام بالمعجزات آمنوا ولم يخشوا تهديد فرعون لهم: سأقطع أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل، هنا كان أمامهم دعوتين: دعوة فرعون أنا ربكم الأعلى، ودعوة موسى عليه السلام: أنه نبي الله الذي أرسله إليهم ليهديهم إلى الحق، وكان عليهم أن يختاروا.
إذن القائد أو صاحب الفكرة عليه أن يقوم بعدة أمور حتى ينجح في نشر فكرته:
<!--الإيمان الراسخ الذي لا يتزعزع بفكرته إيمان نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه.
<!--حسن اختيار من يعاونه على نشر الفكرة، مثلما فعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما بدأ دعوته سرا، حين اختار المقربين إليه والذي يثق في أمانتهم وحسن أخلاقهم وكفاءتهم في نشر الدعوة، ومنهم زوجه خديجة رضي الله عنها، وصاحبه أبوبكر وابن عمه علي وغيرهم، وقد قام كل هؤلاء بالدعوة إلى دين الله حتى أن الصديق أبوبكر أسلم على يديه ستة من العشرة المبشرين بالجنة، كما قام بشراء العبيد الذين تعرضوا لتعذيب الكفار، وهكذا تحرك أصحابه دعاة للإسلام.
<!--تحمل الأذى في سبيل نشر الفكرة أو تحقيق الهدف الذي يسعى إليه القائد، وقد رأينا ما تحمله النبي وصحابته منذ جهر بالدعوة حتى هاجر إلى المدينة.
<!--عدم إكراه أحد على الإيمان بالفكرة، لأنه لو أكره سيكون ضدها ويكون عامل هدم لها، وكان أعظم ما جاء به الإسلام هو الحرية التي تجعلك تختار أن تكون مسلما أو لا تكون.
<!--حسن اختيار الجمهور الذي سينشر فكرتك ويحملها إلى الناس معك ومن بعدك، لقد عرض الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام على قريش فرفضت دعوتهه إلا من القلة التي أسلمت في بداية الدعوة، ثم عرض الإسلام على أهل الطائف فرفضوا الدخول في الإسلام، ثم عرض الإسلام على أهل المدينة فوجد قلوبهم مفتوحة للدعوة فعقد معهم بيعة لنصرته ونصرة دعوته ولهم الجنة، وتمت بيعة العقبة والهجرة إلى المدينة لبناء دولة الإسلام بها، ومنها انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها.
فإذا وجدت القيادة التي تتوفر فيها الشروط السابقة سنخرج من مرحلة الدفاع عن النفس وصد هجوم العدو إلى الهجوم وصد العدو عن الإعتداء على الآخرين.
فمن لها في بلاد المسلمين؟
سحر زكي