الأمن القومي العربي
إذا كان عالمنا العربى قبل ثورات الشعوب العربية يؤثر الأمن الوطنى على الأمن القومى العربى حيث لم يتم تفعيل معاهدة الدفاع العربى المشترك وبعد الغزو العراقى للكويت فشلت الجامعة العربية فى حل الأزمة ولجأت لهيئات دولية أخرى وبرز الخلل فى النظام الإقليمى العربى، الأمر الذى أثار الوساوس حول انهيار النظام الإقليمى العربى وانهيار الأمن القومى العربى، فبرز الأمن الوطنى والذى يعنى أن لكل دولة خصوصياتها الوطنية وحساباتها الداخلية وأيضاً الخارجية فى علاقاتها الدولية والثنائية ولذا تبرر الكويت أن أمنها الوطنى استدعى تدخل قوات الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة سواء لتحريرها أو كمبرر لمساندة الغزو الأمريكى للعراق باعتبار أن العراق أصبح يمثل المصدر الأول للتهديد لدول الخليج الأخرى، وأعطى الفرصة للولايات المتحدة الحليف الإستراتيجى للكيان الصهيوني بأن تكون اللاعب الأوحد فى المنطقة ووقعت الكارثة وكان الغزو الأمريكى للعراق وسقوط بغداد فى مارس 2003 وأصبحت وبحق (فلسطين ثانية).
ومن أبرز نتائج الإحتلال الأمريكى للعراق أنه أحدث فراغاً استراتيجياً وأصبح الأمن القومى العربى عارياً فى الجناح الشرقى (أمن الخليج) وهذا يمثل بالفعل انتصاراً استراتيجياً لإسرائيل المصدر الرئيسى الأول لتهديد الأمن القومى العربى سواء فى تحطيم القوة العسكرية الثانية فى النظام الإقليمى العربى أو بتواجد القواعد العسكرية الأمريكية بمنطقة الخليج بالإضافة الى دور الموساد الإسرائيلى وأساليبه فى تنفيذ المخططات الإسرائيلية وفى تحقيق الحلم الصهيونى.
الشرق الأوسط ليس مصطلحا جغرافيا بل مصطلحا سياسيا يشمل دولا غير عربية ويستبعد بلدانا عربية أخرى، وهذا المصطلح يجزئ الوطن العربي ولا يعامله كوحدة واحدة متميزة متجانسة في الدين واللغة والثقافة، بل يضم دولا أخرى مثل تركيا وقبرص وأثيوبيا وإيران وأفغانستان وباكستان ويستبعد بلدانا عربية مثل المغرب والجزائر وتونس وليبيا والسودان مما يعطي انطباعا أن هذه المنطقة غير متجانسة، وقد أطلق هذا المصطلح لرفض حركة الوحدة العربية وتبرير وجود عقبات لتحقيقها.
يقع الوطن العربي في أجزاء من أفريقيا وآسيا: في الشرق الأوسط- البحر الأحمر- الخليج العربي- المحيط الهندي، وهي تشمل مناطق تقوم فيها أقطار الجامعة العربية، هكذا يحتل الوطن العربي المنطقة من المحيط الأطلسي غريا إلى الخليج العربي شرقا ومن سوريا والعراق شمالا إلى الصومال وجيبوتي واليمن وعمان في الجنوب، والتعبير الإقليمي الشرق الأوسط الذي يشمل بلدانا عربية وغير عربية ويستبعد بعض البلدان العربية ليس تعبيرا ملائما عن منطقة الوطن العربي، إننا مع استبعاد الدول غير العربية نستطيع أن ندخل الشرق الأوسط داخل المنطقة العربية(<!--).
البحر الأحمر والملاحة الإسرائيلية
في مشروع تقسيم فلسطين لم يعط الكيان الصهيوني منفذا على البحر الأحمر في الخريطة التي صدر بها قرار الأمم المتحدة، وظلت الأردن هي الدولة الوحيدة التي تطل على البحر الأحمر من العقبة التي انتزعها الإنجليز من السعودية عام 1925 وضموها إلى الأردن وميناء صغير اسمه أم الرشراش، وقد تصدت بريطانيا لأية محاولة إسرائيلية للإقتراب من العقبة التي كانت مع عدن مفاتيح السيطرة البريطانية على البحر الأحمر، ولكن تحت الضغوط الصهيوأمريكية احتل الكيان الصهيوني أم الرشراش في 10 مارس 1949.
أصبح الكيان الصهيوني بعد مصر الدولة الثانية التي تطل على البحرين الأحمر والمتوسط، وكانت الخطوة التالية هي بناء ميناء وخط أنابيب ينقل النفط من إيلات على البحر الأحمر إلى أسدود على البحر المتوسط منافسا لقناة السويس وخط التابلاين الذي ينقل النفط السعودي، وخط الأي بي سي الذي ينقل النفط العراقي، كما يربط الميناء الجديد أفريقيا بآسيا، وكانت مصر قد منعت الملاحة الإسرائيلية في قناة السويس منذ لحظة تقسيم فلسطين في 15 مايو 1948.
أما خليج العقبة الذي تقع إيلات على رأسه فإن طوله مائة ميل وأوسع مناطقه 17 ميلا ومدخله تسعة أميال تسده جزيرتان تيران وصنافير وهما سعوديتان، جزيرة تيران تقسمه إلى فتحة سعودية مليئة بالصخور وفتحة مصرية عرضها أربعة أميال بها ممران، والممر الوحيد الصالح للملاحة هو الممر المصري القريب من شرم الشيخ ورأس نصراني.
ولما كان الممر في المياه الإقليمية المصرية فكان من الطبيعي أن تفكر الحكومة المصرية في إغلاق فتحة الخليج من الجنوب مما يفقد إيلات مبررات وجودها فلا يستفيد الكيان الصهيوني من موقعه على البحرين، وفي 21 ديسمبر 1950 أغلقت الحكومة المصرية المضيق في وجه الملاحة الإسرائيلية(<!--).
في أول مايو 1951 أطلقت البحرية المصرية النار على سفينة بريطانية حاولت اختراق الحصار واعتقلتها 24 ساعة واستمر الحال على ذلك في حكومة الثورة، وفي سبتمبر 1951 حاول الصهاينة تحدي الحصار فأرسلت السفينة بات جليم فصادرتها السلطات المصرية واعتقل بحارتها، وفي سبتمبر 1955 منعت مصر الطيران فوق الخليج وتوقفت رحلات شركات العال.
يقول عبدالعظيم رمضان عن موشي ديان قوله: كانت هذه المضايق هي الهدف الرئيسي للمعركة، ولو توقفت المعارك وفي يدنا شبه جزيرة سيناء دون شرم الشيخ إذن لظل الحصار قائما على الملاحة الإسرائيلية وذلك يعني أننا خسرنا المعركة.
ويقول عبدالعظيم رمضان أيضا عن تطورات فتح الخليج: احتل الكيان الصهيوني شرم الشيخ يوم 5 نوفمبر 1956، وبعد الإتفاق المصري- الأمريكي وانسحاب الكيان الصهيوني من شرم الشيخ في مارس 1957 أرسلت أمريكا في 6 أبريل 1957 سفينة أمريكية تحمل نفطا إيرانيا للكيان ومرت في خليج العقبة واكتفت مصر بالاحتجاج، وكان ذلك أول اقتحام للخليج منذ أغلقته الحكومة المصرية عام 1950.
الحكومة المصرية قبل الثورة أغلقت الخليج في وجه الملاحة الإسرائيلية، وحكومة بعد الثورة فتحته، لم نكن نسمح بمرور السفن الإسرائيلية من قناة السويس أثناء وجود االقاعدة البريطانية على الأرض المصرية، يقول عبدالعظيم رمضان(<!--): مرور الملاحة الإسرائيلية في مضيق تيران يعد أضخم مكسب حصل عليه الصهاينة منذ احتلال أم الرشراش في مارس 1949، وهو أخطر تطورات الصراع العربي الصهيوني وترتب على ذلك النتائج التالية:
<!--تحول ميناء إيلات إلى ميناء عالمي وأصبح بديلا عن قناة السويس
<!--أنشأ الكيان الصهيوني مطارا عسكريا شمال إيلات يصلح لهبوط الطائرات النفاثة، كما أنشأ طريقا بريا بين حيفا وإيلات يبلغ طوله 467 كيلومتر أطلق عليه الصهاينة قناة السويس البرية.
<!--تم استقطاب حركة الملاحة من ميناء العقبة الأردني وبلغ حجم السفن التي تصل إلى ميناء إيلات سبع سفن مقابل سفينة واحدة إلى ميناء العقبة.
<!--تسرب النفوذ الصهيوني إلى أفريقيا وتنوع نشاطه في الميادين الإقتصادية والثقافية والعسكرية فنافست الصناعة العربية.
<!--نزع سلاح غزة ومنع الجيش المصري من دخولها، قالت جولدا مائير: زال رعب الفدائيين، تقررت الملاحة في مضيق تيران، قوات الطوارئ تحركت إلى قطاع غزة وشرم الشيخ وكسبنا نصرا عسكريا جعل التاريخ العسكري يثبت مرة أخرى قدرتنا على حمل السلاح للدفاع عن أنفسنا(<!--).
هكذا فهم الكيان الصهيوني قيمة البحر الأحمر منذ قرار التقسيم وذلك للسيطرة على الملاحة وضرب اقتصاد الدول العربية في مقتل بعمل طريق مواز لقناة السويس، وضرب ميناء العقبة الأردني والتوغل في سواحل أفريقيا، وغيره من الضرر المباشر على الأمن القومي العربي.
البحر الأحمر والأمن القومي المصري
يمثل البحر الأحمر قناة الوصل بين البحار المفتوحة فى المحيطين الهندى والأطلنطى عبر البحر المتوسط وقناة السويس، فضلاً عن تحكمه فى مخارج ومداخل كل من البحر المتوسط والمحيط العربى فأى تحرك عبر أى منهما يجب أن يمر بالبحر الأحمر وتتضح هذه الأهمية فيما يتعلق بنقل البترول بأنابيب من وإلى الخليج العربى فإذا كان حل أزمة الطاقة من ناحية كمية الإنتاج مفتاحه فى الخليج العربى فإن حلها من ناحية النقل يعتمد على البحر الأحمر.
البحر الأحمر هو مفتاح الأمن العربي ولابد من وجود إرادة عربية استراتيجية موحدة لتأمين سيطرة استراتيجية قوية عليه(<!--)، وعندما قصف الكيان الصهيوني المنشآت البحرية لمصر في سفاجة والغردقة وغيرهما من الأهداف فيما وراء الأقصر على البحر الأحمر خلال حرب الاستنزاف(1968-1969)، نقلت مصر جزءا من قوتها الجوية إلى وادي سيدنا شمال الخرطوم وإلى قواعد جوية سودانية أخرى، كما نقلت وحدات بحرية مؤقتا إلى موانئ السودان واليمن، كذلك خلال حرب 1973 أظهرت البحرية العربية مدى الأهمية الإستراتيجية الكبيرة للبحر الأحمر بالنسبة للأمن العربي، وخصوصا في الصراع العربي الصهيوني.
ولكي يتوفر الأمن في البحر الأحمر لابد من إتخاذ عدة خطوات ضرورية من قبل الدول العربية منها: مقاومة التدخل الأحنبي في المنطقة، التعاون والتنسيق في السياسات بين الدول العربية ذاتها وبينها وبين الدول غير العربية، والتعاون الإقليمي هو الطريق الوحيد لإبعاد التدخل الأجنبي والتنافس على البحر الأحمر(<!--).
ويظهر التاريخ أن الإعتماد على دول أجنبية كان نذيرا بإنهيار العرب، كما أنه لا يستطيع بلد عربي أن يحقق الأمن الإستراتيجي للبحر الأحمر بمفرده كما يقول الأستاذ أمين هويدي الخبير في الأمن القومي العربي، ويقول محمد عبدالغني الجمصي وزير الحربية المصري الأسبق مؤكدا أن إحراز أمن البحر الأحمر هدف لا يمكن فصله عن هدف تحقيق الأمن القومي للأمة العربية(<!--)
الأمن لا يعني المعدات العسكرية فقط، ولا القوة العسكرية وحدها توفر الأمن، فالأمن هو التنمية والتعاون بين الدول الإقليمية لتحقيق هذه التنمية، سواء على مستوى الدول الإقليمية المطلة على البحر الأحمر أو البحر المتوسط، فبدون التنمية والتعاون بين تلك الدول لن يتحقق الأمن.
يبلغ عدد سكان الدول العربية المطلة على البحر الأحمر 100 مليون نسمة كما أن الساحل الغربى له والبالغ طوله 2200 كم يوجد منها 400 فقط لدول غير عربية أما باقى السواحل فهي عربية، فضلاً عن الساحل الشرقى كله، كما أن أغلب الحمولات البحرية التى تمر فى البحر الأحمر حمولات عربية وهذا يضفى أهمية خاصة على أمن هذه الدول العربية المطلة عليه.
يطل على كل من شاطىء البحر الأحمر دولتان من أكبر الدول العربية هما السعودية فى الشاطىء الشرقى ومصر فى الشاطىء الغربى وهى مركز الثقل الأول فى الوطن العربى وطول سواحل كل من الدولتين المطلة على البحر الأحمر يجعل منه منطقة حساسة لأمن كليهما خاصة فيما يتعلق بإمكانية السيطرة على منابع النيل من خلال التوغل غرباً على شاطىء البحر وبالتالى يهدد الأمن المصرى فى الصميم.
نشطت الدبلوماسية الإسرائيلية حرباً وسلماً بالصراع والتعاون لتؤكد الأهمية الكبرى التى يحتلها البحر الأحمر بالنسبة لها وتحتل اسرائيل مركزاً رئيسياً فى الصراع فى البحر الأحمر وفى ضوء ذلك لابد من تزايد وعى دول المنطقة بأهداف الكيان الصيوني وإحداث سيادة عربية أفريقية مشتركة على البحر الأحمر والالتزام بسياسة حسن الجوار العربى الأفريقى.
وقد أشار بعض العسكريين والمفكرين السياسيين إلى ضرورة إنشاء قيادة عسكرية بحرية موحدة ممثلة فيها دول البحر الأحمر تشمل أسطولاً كبيراً به عدد من القطع البحرية تمكنها من السيطرة على مياه البحر الأحمر وبما يمنع اختراق الكيان الصهيوني للجسد العربى ولو من الجانب الإفريقى.
وإذا كانت المعركة الحالية هى معركة البترول فإن الحرب القادمة هى حرب المياه، ولذا سعى الكيان الصهيوني إلى إقامة علاقات خاصة مع دول الجوار الجغرافى العربى المركزية والتى تؤثر بصفة رئيسية على الأمن المائى العربى من خلال إثارة الوقيعة بينها وبين الدول العربية بحجة عدم العدالة فى توزيع المياه بين الجانبين العربى وهذه الدول، بالإضافة إلى المحاولات الإسرائيلية فى الحصول على المياه من دول الجوار غير العربية فكان التحالف الإستراتيجى التركى الإسرائيلى 1996 والذى لايزال يثير تساؤلات عديدة، وهناك خلافات تركية مع بعض الدول العربية المحددة ومنها مشاكل نهرى دجلة والفرات مع سوريا والعراق، وأياً كان الأمر لنفى تركيا لهذا التحالف واعتباره نوعاً من التعاون، إلا أنه يعتبر تهديداً للأمن الإقليمى باعتبار أن إسرائيل هى المصدر الرئيسى للتهديد للأمن القومى العربى والحليف الأول للولايات المتحدة.
ويستغل الكيان الصهيوني نتائج عدم الاستقرار السياسى والمصالح المتضاربة فى حوض النيل وإثارة أثيوبيا ودق إسفين معها ومع الدول العربية فى حوض النيل ولاسيما مصر بإثارة إنشاء مشروعات على النيل وبحجة ضعف حصة أثيوبيا مع أنها نافورة المياه فى أفريقيا بدون نهر النيل، ولكنها تسعى لتوسيع مفهوم الأمن القومى الأثيوبى بورقة نهر النيل ولذا يشهد التعاون العسكرى الإسرائيلى الأثيوبى ذروته من خلال إسناد أثيوبيا للكيان وبصفة عامة مهمة تدريب وتطوير القوات المسلحة الأثيوبية منذ عام 1996.
ويعد الوجود العسكرى الإسرائيلى فى أثيوبيا تهديداً مباشراً للأمن القومى العربى ولصالح الأمن الإسرائيلى إلا أن مصر والسودان تحتفظان حالياً بعلاقات قوية مع دول حوض النيل وأياً كان الأمر فإن اسرائيل فى هذه المنطقة الحساسة خطر حاضر ومؤثر على الأمن القومى العربى، والنيل بالنسبة لمصر شريان الحياة وأى مساس أو تلاعب فى مياه النيل يعنى الحرب مباشرة بإعتبار أن ذلك ضرب للأمن القومى المصرى وتهديد مباشر من أى مصدر خارجى.
وإذا كان مفهوم الأمن الجماعى العربى قد ولد فى ظروف عصيبة وضاغطة نشأت إثر الهزيمة فى الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 فإن الأمة العربية تمر الآن بظروف أصعب وأقسى بعد احتلال العراق وما يحدث فى فلسطين بالإضافة إلى انفصال الجنوب في السودان، فمن الضرورى سرعة العمل على رد الاعتبار للأمن القومى العربى من الناحية السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية وأيضاً العسكرية.
هناك من يدعو إلى ضرورة إجراء استفتاء شعبي من أجل وحدة بين مصر وشمال السودان، بحيث تكون البداية عبارة عن اتحاد كونفيدرالي كخطوة مرحليَّة نحو الوحدة الشاملة، محذِّرين من خطورة الإنتظار حتى يصل الخطر إلى مصر عبر المطالبات بإقامة دولة للنوبيين وأخرى للأقباط، وهو ما يتمُّ التخطيط له حاليًا. فهل تشهد الأيام المقبلة خطوات في اتجاه الوحدة بين شمال السودان ومصر حتى ولو على مستوى المواقف السياسيَّة والتحركات الدبلوماسيَّة، أم يقف كلا الطرفين منفردًا في مواجهة المخططات الصهيوأمريكيَّة التي تهدف إلى النَّيْل من مصر والسودان وتتخذ من الدولة الوليدة في الجنوب السوداني مقرًّا له.
إن العلاقة بين الأمن المصرى والأمن العربى علاقة تفاعل وتنسيق مشترك ولم يحدث تصادم بين الأمن القومى المصرى والأمن القومى العربى، والأمن المصرى وحمايته أو حماية مصالح الأمن القومى المصرى ولو بإستخدام القوة المسلحة هو العنصر الرئيسى الأول والذى يعد له ألف حساب لحماية الأمن القومى العربى من أى تهديد من مصادر خارجية.
يجب على صانع القرار تقوية الصلات والإرتباطات الدولية مع دول ومنظمات ترتبط أهدافها ومصالحها وقوة تأثيرها مع مصر وتطوير قواتها المسلحة بأحدث وسائل التكنولوجيا العسكرية، باعتبارها ركيزة إستراتيجية للردع وأداة مواجهة أخطر التهديدات الإستراتيجية لمصر وأصعبها ، وهى معادلة القدرة النووية الإسرائيلية أو تحييدها – وأن تأثيرات تطوير القدرات الصاروخية والفضائية لإسرائيل على الأمن القومى العربى واضحة تماماً، وتتطلب أن تُبنى سياسة مصر العسكرية على قدرات الردع مع بداية القرن الحادى والعشرين فالقوات المسلحة هى صمام أمان الأمن القومى وحشد الجهود العربية العسكرية المنسقة فى مواجهة الخطر الصهيونى والذى سيستمر دوماً المصدر الرئيسى الأول لتهديد الأمن القومى العربى.
فإذا كانت اسرائيل تريد السلام مع العرب فلماذا الإتفاقيات العسكرية مع تركيا؟ بل وصل الأمر بها إلى التعاون العسكرى مع الصين والهند، مع تطوير إمكانياتها العسكرية وتطويق الدول العربية، وهيكلة الجيوش الأفريقية بتسليح إسرائيلى حتى يتسنى لها التدخل، ولما كانت اسرائيل تتبنى دائماً استراتيجية هجومية لما يسمى بحماية مصالحها الحيوية ولذا فإن الصراع العربى الإسرائيلى صراع وجود وليس صراع حدود، ولذا تولى مصر أهمية قصوى للحفاظ على الحد الأدنى لحماية الأمن القومى العربى وتسعى جاهدة إلى وجود أرضية مشتركة لتفعيل مؤسسات جامعة الدول العربية، ودورها باعتبار أن مصر هى الدولة القائد فى المنطقة العربية وتسعى إلى توثيق علاقاتها مع الدول العربية ولاسيما الدول التى تمثل العمق الإستراتيجى للأمن القومى المصرى كالسودان، وتسعى إلى إحياء التكامل المصرى السودانى ليعود إلى الحياة من جديد وحفاظاً على مياه النيل الذى يمثل شريان الحياة بالنسبة لمصر تربة وماء وأى مساس به يمثل تهديداً مباشراً للأمن القومى المصرى.
إن التحالف الإستراتيجى الأمريكى الصهيوني وتطابق مصالحهما فى أفريقيا هو أحد المصادر الرئيسية لتهديد الأمن القومى العربى ويقوم هذا التحالف على أسس متينة ويعيش الكيان الصهيوني وسط بيئة لازالت تقاوم وجوده فهو محاط بحصار عربى سياسى واقتصادى وبجانب هذه العزلة يشعر الكيان الصهيوني أن الدول النامية لم تقبله كدولة آسيوية أو أفريقية لتزايد عدوانه على الشعب الفلسطينى ومعاداته للشرعية الدولية.
إن أهمية القارة الأفريقية أمنياً وسياسياً واقتصادياً بدأت بالنسبة للكيان الصهيوني من منطلق البحث عن المكاسب السياسية أمام ظروفه وعزلته ولضمان توكيد الأمن والوجود الإسرائيلى كان لابد له من سياسة خاصة تجاه أفريقيا وفق مخطط بارع مستفيد من أوضاع وظروف القارة، وإذا كان الأمن الإسرائيلى هو المحور الرئيسى لسياستها الخارجية فإن الهدف الإقتصادى لا يقل أهمية.
هناك أوراق يمكن أن تستخدم في الضغط على النظام الإثيوبي، لا تشمل شن حملة عسكرية على إثيوبيا، وتتمثل في مد النفوذ المصري حول وداخل إثيوبيا ذاتها عن طريق الصومال، العدو التقليدي لإثيوبيا، وهي الدولة التي تعتبر إثيوبيا استقرارها يعني إحياء قضية الأوجادين، وهو الإقليم الصومالي الكبير الذي تحتله إثيوبيا، ويضم أهم ثرواتها النفطية والحيوانية والزراعية، هذا البلد العربي تعني عودة الأمل إليه تراجعاً استراتيجياً كبيراً في الدور الوظيفي لإثيوبيا في القرن الإفريقي، وانحساراً للكيان الصهيوني على البحر الأحمر وأعالي النيل.
ستقع إثيوبيا تحت ضغط هائل إذا ما نجحت مصر في العمل على إستقرار الصومال، وستندفع باتجاه ترضية القاهرة في حال زادت تطلعات الصوماليين في عودة هذا الإقليم العربي المحتل إلى السيادة الصومالية، وسيتسلل إليها الخوف سريعاً إذا ما استشعرت أن استقرارها الداخلي هش، مبني على تسلط قبيلة التيجراي (نحو 2 مليون نسمة) على حكم الشعب الإثيوبي (60% مسلمون، والباقي ما بين مسيحيين ووثنيين) والبالغ تعدادها نحو 80 مليون نسمة، وقد تكون الثورات العربية ملهمة للأكثرية المقهورة في إثيوبيا لطلب الحرية والمساواة بقبيلة التيجراي التي تتركز في يديها السلطة والمال حالياً.
إن التحرك المصري في الصومال لابد أن يأخذ بإعتباره ضرورة تفعيل دور الشخصيات القادرة على إقناع الفرقاء في الصومال، ومعظمهم من ذوي الخلفيات الدينية، من خلال مبادرة شعبية، ووفود مدعومة بقرار مصري واضح يضع أمنها القومي فوق كل اعتبار.
يذكر الصوماليون جيداً أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر عندما تباطأت إيطاليا عن استيراد الموز الصومالي للضغط على مقديشو، سرعان ما أعلن أن مصر ستستورد المحصول كله؛ فتراجعت إيطاليا، أما الإثيوبيون فيتذكرون جيداً يوم دعا الرئيس الراحل السادات خبراءه العسكريين لوضع خطة طوارئ عام 1979م عندما أعلنت إثيوبيا عن نواياها بإقامة سد لري 90 ألف فدان في حوض النيل الأزرق، وهدد بتدمير هذا السد، ضمانا لأمن مصر القومي في العمق الأفريقي.
وفي ظل الكيانات الكبيرة والقوية الموجودة في العالم، والتي تسعى للسيطرة على الكيانات الصغيرة، لابد للدول العربية أن تتكامل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا، لأن الحدود والتجزئة التي خلفتها الحقبة الإستعمارية لابد أن تزول لكي يحل محلها تكامل عربي يؤدي إلى تحقيق الأمن والنهوض بالأمة.
<!--[if !supportFootnotes]-->
<!--[endif]-->
<!-- د. عبدالله عبدالمحسن السلطان:البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي –الطبعة الثالثة ص: 303 (1988)
<!-- محمد جلال كشك: ثورة يوليو الأمريكية ص:585 (1408هـ- 1988م)
<!-- عبدالعظيم رمضان: المواجهة المصرية-الإسرائيلية في البحر الأحمر (1982)
<!-- محمد جلال كشك: ثورة يوليو الأمريكية ص:589 (1408هـ- 1988م)
<!-- محمود عزمي: السيطرة على البحر الأحمر ضرورة استراتيجية،شئون فلسطينية العدد 66:ص 109 (1977)
<!-- د. عبدالله عبدالمحسن السلطان:البحر الأحمر والصراع العربي الإسرائيلي –الطبعة الثالثة ص: 295 (1988)
<!-- أمن البحر الأحمر قضية كل العرب- ص2 (1978)