وسطية للثقـافــة والحـوار

اشراف: صالح أبو العباس

 

لم تكن جريمة الاغتصاب التي وقعت أثناء الاحتفال الشعبي بميدان التحرير هي الأولي من نوعها ولن تكون الأخيرة ؛ إذا تعاملت الدولة أمنياً فقط مع هذا الملف الخطير.. وفى حال إذا استمر نظرها للمتحرش علي أنه مجرم يستحق أشد العقوبة وفقط ، ولم تبحث عن الأسباب والدوافع الكامنة وراء هذا الفعل الآثم .

المدقق في وقائع التحرش المختلفة يجد أن سن المتحرش لا يتجاوز الثلاثين .. بينما سن المتحَرش بها لا يزيد عن سن 25 عاماً فى الغالب ؛ وهذا يدل علي أن جريمة التحرش لم تكن في يوم من الأيام انتقاماً من المرأة كما يحلو للبعض الترويج لذلك .. حيث يري البعض أن المتحرش مصاب بمرض نفسي "سادي" يتلذذ بتعذيب الآخرين وليست أيضا خطة سياسية تعمل علي تهميش المرأة وإبعادها عن المشهد السياسي فى تفسيرات وتحليلات فريق آخر .

فالنساء شقائق الرجال ولهن الحق الكامل في المشاركة السياسية بل أصبحت المرأة في الآونة الأخيرة قوة "تصويتية" وقوة حشدية لا يستهان بها .

أتصور أن المتحرش ليس هو المذنب الوحيد في هذه الجريمة بل هناك أطراف عدة تشاركه في هذه الجريمة النكراء ، فلا ينبغي أن ننظر إلي المتحرش علي أنه مجرم فقط.. بل يجب أن ننظر إليه علي أنه مريض وضحية يعاني من مرض نفسي مزمن يجب علاجه أولاً ورعايته والاعتناء به .. ثم عقابه ثانياً.. والعقاب يأتى فى المرتبة الثانية بعد العلاج النفسي والاجتماعي والاقتصادي.. فمن الظلم عقابه والمناخ كله موبوء بالأمراض الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .

أتصور أن أبرز الدوافع وراء هذه الجريمة الكبت الجنسي الرهيب الذي يتعرض له الشاب نتيجة لما يشاهده صباح مساء علي شاشات الفضائيات.. بل ما يشاهده في الشوارع من عري وملابس غير لائقة.. في الوقت الذي لا يجد فيه الشاب تربية دينية و أخلاقية وسطية تهذب سلوكه المجتمعي وفي الوقت نفسه لا توفر له الدولة أمور ومتطلبات الزواج.. بل تعقد له الأمر تعقيداً بسن قوانين تعرقل مسيرة الزواج والاستقرار ـ في سن مبكر يتسم بالنضوج ـ بل يجد ثقافة مجتمعية تغالي في تكاليف الزواج .

والأدنى من ذلك أنه يجد امرأة في ريعان شبابها ترقص أمام عينية وتظهر مفاتنها وسط مجموعة من الوحوش الضارية عديمي الأخلاق والتربية ومنزوعي الرجولة والمروءة .. ثم يطالب كثيرون ومتابعون ومواطنون وإعلاميون ألا يتعرض لها أحد بأذى ! وهذا المطالبات ما هي إلا أمنيات وكلام دعائي أقرب للخيال منه إلى الواقع .. و يذكرني بقول الشاعر:

ألقاه في اليم مكتوفاً وقال .. إياك إياك أن تبتل بالماء .

أدعو عقلاء مصر ومؤسساتها إلي تشكيل لجنة تبحث هذه الظاهرة من حيث الأسباب والدوافع وطرق العلاج.

والعجيب أن هذا الفعل الآثم بدأ يتسلل إلي شريحة من الشباب يبتعد كثيراً عن أوساط البلطجية.. فليس كل المتحرشين من البلطجية ومدمني المخدرات والترامادول .. علي أن يكون الحل الأمني أحد أساليب العلاج وليس هو الحل الوحيد.

وأقترح علي الداخلية نشر دوريات وأكمنة ثابتة ومتحركة في الشوارع حتى نستبق الحدث ونمنع وقوع الجريمة قبل حدوثها .. وبذلك يتم القضاء علي هذا الجريمة التي تهدد أمن البلد .

أما تحميل المتحرش وحده المسئولية وحصر الأسباب فى فوران الشهوة أو تأثير المخدرات ومن ثم التعامل مع القضية كأي جريمة أخرى بمنطق العقاب والحل الأمني فلن نصل لنتيجة.. لأن هناك عوامل ودوافع وتيارات ثقافية وإعلامية ومجتمعية تحرشت بالمتحرش ليتحرش فى دائرة تحرش يتلذذ الجميع بها .. حيث تعود عليهم بالنفع وتحقق لهم المصالح.

الثلاثاء الموافق

20شعبان 1435

18-6-2014

wasatya

وسطية للثقافة والحوار

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 67 مشاهدة
نشرت فى 7 أكتوبر 2014 بواسطة wasatya

وسطية للثقافة والحوار

wasatya
نافذة للرأى الحر الوسطى المعتدل من كل طوائف الشعب المصرى والعربى والاسلامى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,431