<!-- Place this render call where appropriate -->
لابد من تحْديد عن أي إبداع وأي أدب وأي فن نتحدث ونحن نطالب بضرورة إشراك المرأة فيه ، فالإبداع الذي نعنيه هنا مقطوع الصلة تماماً بروايات غرف النوم والاعترافات الليلية التي دأبت بعضهن كتابتها فى الفترة الأخيرة فى سوق الأدب الذي اختلطت فيه البضاعة الجيدة بالمعطوبة . وهو كذلك مقطوع الصلة تماماً بعُروض الانحطاط والرقص الماجن والمُيوعة والإسفاف والخضوع بالقول والكلمات السُوقية البذيئة ومشاهد الفراش والتعري .
ليسَ بالطبْع إبداع قصائد الجسد والتنهدات والآهات ، وليس بالطبع الطبْلة والرِق والصَاجَات ومطربين الأفراح ، وليس ما يُطلق عليه الفن التجارى وأسواق التسلية والترفيه عن الناس وليس ملاذ كل فنان فاشل يرغب فى تسويق منتجه الراكد بإثارة المراهقين ببعض مشاهد العُرى والجنس . ليس هذا ما نعنيه عندما نشير إلى مصطلح الإبداع ونربط بينه وبين المرأة المسلمة ، صاحبة التاريخ الزاهر والمشرق فى دنيا الإبداع والأدب والنقد الأدبي .
وليس على سبيل الحصر إذا ذكرنا بعض الأسماء ، مثل الشاعرة المُجيدة " الخنساء " ، والسيدة " سكينة بنت الحسين " التى اشتهرت بموهبتها فى الأدب وفى النقد الأدبى ، بل ان ابن خلكان يروى عن أبى حيان التوحيدى أنه ذكر من أساتذته فى العلم " مؤنسة الأيوبية " بنت الملك العادل شقيق السلطان صلاح الدين الأيوبى .
ما نتحدث عنه هنا لا يمت بصلة لوقع الإسفاف والسطحية وتوظيف الجسد الأنثوي لأغراض مادية ، وتلك مقدمة لابد منها حتى لا يكون حكمنا على عمل المرأة فى الإبداع والأدب والفن من منطلق موقفنا المُسبق من الوضع القائم تأليفاً وتصويراً وإخراجا . ولتأصيل هذه الرؤية يحسن العودة إلى مقولة أن الحرام الطارئ لا يُحرم الحَلال ؛ كما تقول القاعدة الأصُولية : " الأصل فى الأشياء الإباحة " .
والحرام هو مشاركة المرأة فى تلك الأسواق التى تعج بها الساحة الابداعية اليوم ، والتى شوهت وجه الإبداع والأدب قبل أن تشوه صورة المرأة . والحلال هو مشاركة المرأة فى صناعة الإبداع والنهضة وارتقاء الأوطان وخدمة الدعوة والرسالة بكافة الوسائل – خاصة ذات الجاذبية الجماهيرية العالية - ، وفى الأمر بالمعروف والحض على الفضيلة فى كل ميدان تستطيع أن تبدع وتنتج فيه بحسب ما أنعم الله عليها من مواهب . الإبداع الذى نتحدث عنه هنا هو التعبير الأمثل والأرقى عن الإنسان وقضاياه ومشاعره وهمومه وأفكاره ، وهو ضمير النخبة المثقفة الحَى وسلاحُ المجتمع فى الدفاع عن قيمه وأخلاقه وثوابته ، وهو فن أرْقى وأسْمى وأعف من أن نقارنه بذلك الواقع المُزرى الذى يحتاج بايجابية وتضحية ودأب إلى سنوات طوال لتطويره وإصلاحه وتنقيته من الدخلاء عليه – والدخيلات - .
صنعَ البعض من هذه الجزئية مسألة شائكة ومشكلة مستعصية على الحل ، بالرغم من حسم القرآن الكريم للقضية حيث حضرت المرأة فى مختلف أدوارها فى الحياة ؛ فالأم المربية الراضية عن قدرها فى قصة أم موسى عليه السلام ، والمرأة المناضلة فى سبيل ايمانها فى قصة زوجة فرعون ، وامرأة العزيز تمثل شريحة من النساء اختبرهن الله عز وجل بالفتنة وهو امتحان مشترك للرجل والمرأة على السواء فى قصة يوسف عليه السلام .
والمرأة حاضرة فى إبداعات الصفوة من الأدباء والمبدعين الكبار أصحاب الرسالة والهدف النبيل أمثال باكثير والكيلانى والسحار ويحيى حقى ومحمود غنيم وغيرهم . وإذا كان القائمون على الفن والإبداع على الطرف الآخر قد تفننوا فى عرض ما أنتجه خيال البعض عن المرأة بتقديمها فى صورتها السلبية كعنصر جذب وإثارة ، فلم تخرج عن كونها إما تاجرة مخدرات أو مُدمنة أو مُغوية أو فتاة لعوب أو عشيقة أو داعرة أو خائنة .. الخ .
وإذا كانَ البعض كرس حضورَ المرأة ابداعياً كأداة للتسلية والمتعة والاغراء والتحريض على الفتن والانحراف ، واذا اهتموا بسير وقصص حياة الراقصات ، فأين دور الابداع الملتزم الايجابى فى معالجة ما أبدعه أدباؤنا فنياً وتقديم المرأة بالصورة التى تليق بها والاحتفاء بالعناصر الايجابية المشرقة وعرض سير الفاضلات والصالحات والمفكرات والمناضلات والمقاومات والمجاهدات ، وتأريخ سير حياة المرأة المكافحة البسيطة الشريفة – سواء كانت عاملة أو فلاحة أو موظفة حكومية .. الخ - والتى تمثل غالبية مجتمعاتنا ، وما سوى ذلك فقلة ضئيلة ؟ .
معظم النقاد ذوى الاتجاه الاسلامى آثروا السلامة وفضلوا الاستغناء عن المرأة فى السينما والمسرح ، ومنهم من اعتبر ذلك خصوصية للفن الاسلامى ، والأسباب مُكررة فى كل كتاباتهم ؛ أهمها عدم امكانية خوض الفنانة والمبدعة المُلتزمة تلك التجربة فى ظل هذا الواقع المنفلت الذى يموج بالفتن ، وهو مبرر عجيب فاذا كنا نسعى لتغيير هذا الواقع فكيف سنغيره بالهروب منه والانعزال عنه ؟ المُبدعة الملتزمة ذاهبة لا لتكون جزءاً من ذلك الواقع ولكن للانقلاب عليه وتغييره ومنافسته . ولا يصح هنا الحديث عن مضار الاختلاط فى تجمع ما وحده ، وما جمع أفراده وعناصره رجالاً ونساءاً الا الدعوة الى الخير والحث على الفضيلة والطُهر والعفاف والبر والصلاح ، وهو مثل أى تجمع فى النقابات والجامعات وصالات التحرير يَحْكمه الاختلاط المنضبط بالشرع .
المفاسد التى يخاف منها البعض من وراء الاختلاط هنا مُتوهمة ، والمصالح ظاهرة للعيان بعدم حرمان المرأة المبدعة صاحبة الرسالة والضمير الحر من توظيف مواهبها فى نصرة دينها وقيمها ومبادئها فى الميدان الذى تجد نفسها فيه ؛ فى كتابة السيناريو وكتابة الروايات التى تسلط الضوء على تاريخنا المشرق وتُعيد تقديم قصص أبطالنا وقادتنا ومفكرينا ومجاهداتنا ، وبتقديم المرأة المسلمة والمرأة المصرية فى صورتها الحقيقية النقية ، بكامل حشمتها وزيها الاسلامى الذى أمَر به الشرع وبكامل حيائها ، وبمواقفها وقناعاتها وأفكارها وتصوراتها التى سترسم بها لفتيات المسلمين ملامح الطريق .
وإذا كان المتلقى هناك فى سوق التسالى ينظر إلى تلك الممثلة أو تلك الكاتبة أو المخرجة بنظرة ازدراء واحتقار بسبب ما تقدمه من إسفاف فى المضمون والشكل ، فهو سينظر هنا الى الفنانة والمبدعة الملتزمة الراقية التى تصنع الرُقى وتبدعه نظرة إعزاز واحْترام وإكبار ، وهو الشعور الذى أحمله لبعض الفنانات الايرانيات – مع التحفظ على الطرْح العَقدى – اللاتى قدمن أعمالاً فنية تحمل قدراً كبيراً من الإبداع والرقى ، أهلتهن لنيل جوائز عالمية وهن محتشمات محتفظات بسلوكهن ومبادئهن وأخلاقهن ، فكن خير داعيات لما يحملنه من منهج ومن فكر . فى مجال الفن والأعمال الدرامية ، تعجبتُ من اعتزال بعض الفنانات بعد التزامهن بالحجاب والزى المحتشم !
أعْلم جيداً التحديات والصعاب التى يواجهنها مع فرق عمل لا تنتمى لنفس فكرتها وربما لا تحترم التزامها وحجابها ، وربما تضطر إحداهن لتقديم أعمال لا تتوافق مع قناعاتها وأفكارها وتصورها للفن ورسالته . لذلك تساءلتُ : لماذا الاعْتزال والانسحاب والابتعاد تماماً ؟ وماذا لو اجتمعن بفريق الفنانين والفنانات المُعتزلات – وهم كثير بفضل الله – وقاموا بدورهم المَنوط بهم فى هذا المجال الحَيوى والخطير بالتعاون مع الأدباء والكتاب المحترمين ، بدلاً من الانسحاب المُتوالى ، وترك الساحة الابداعية للعقول الماركسية والعلمانية تعبثُ بها كيفما تشاء ؟