يميل الجيش للابقاء على النظام الفردى لضمان عدم حدوث تحولات كبيرة فى المشهد السياسى تطيح تماماً بالتيارات القديمة وتهيئ المناخ للاسلاميين لاكتساح الساحة واحراز الأغلبية المريحة . كان هناك تعاطف مع رموز نظام مبارك ، وتم الابقاء عليهم فى الحكومات المتعاقبة ، وأحدث أسلوب التعامل مع مبارك ورموز حكمه شروخاً فى جدار العلاقة بين الجيش والثورة ، حيث كان الطموح الثورى يستهدف عقوبات رادعة ومعاملة مُهينة ليحدث الاشباع الثورى الذى لا يتحقق الا بالاجهاز على الطاغية ومعاونيه أو على الأقل سجنهم أو نفيهم . ما حدث أنه تم افراغ المشهد من مضمونه حيث أُغلق التحقيق مع زوجة مبارك وتُرك زكريا عزمى بالقصر عدة أسابيع ليتمكن من التخلص من كل ما يدين السلطة ، وكانت شهادات بعض العسكريين أمام محكمة مبارك من عوامل تعقيد اثبات تهمة قتل المتظاهرين عليه وعلى معاونيه وقادة جهاز أمنه . مواقف كثيرة دفعت باتجاه ادماج نظام مبارك فى مشهد ما بعد مبارك ، يتضح ذلك فى الموقف من تعديل قانون الغدر والتراخى فى محاسبة من قطعوا خطوط السكك الحديدية فى نهايات 2011 م بعد التهديد بتطبيق العزل السياسى ، والسماح لرموز نظام مبارك بالترشح لرئاسة الجمهورية . تشدد المجلس العسكرى مع الفعاليات فى الشارع والتى تطالب بما يتجاوز ما تم انجازه من تنحية مبارك وانهاء حكم أسرته ووضح أن هذه هى حدود الفعل الثورى لدى الجيش وما عداها من المحظورات ، ووضح ذلك فى أسلوب التعامل مع حركة 6 ابريل بعد تظاهرها فى يوليو 2011م أمام وزارة الدفاع ، لتهتز الثقة وتضعف بعد سقوط أكثر من 150 شهيد فى أحداث ماسبيرو وما بعد مليونيتى 18 و 21 نوفمبر التى عُرفت بأحداث محمد محمود ، ثم أحداث مجلس الوزراء رداً على تكليف الدكتور الجنزورى برئاسة الوزراء ، ثم بعد ذلك المجلس الاستشارى الذى قوبل بالرفض . وبلغت ذروة الخصومة بين الجيش والثورة فى نهاية يونيو 2012م عند اصدار الاعلان الدستورى المكمل وقرار الضبطية القضائية للجيش واعادة تشكيل مجلس الدفاع الوطنى ، وجميعها تحدُ من صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فى مقابل صلاحيات واسعة للقوات المسلحة أهمها الدستورية والتشريعية والرقابية . من البداية اختارت القوات المسلحة موقف الحياد مع الاعتراف بحقوق جميع الأطراف ولم يكن الاختلاف سوى فى الأسلوب والتوقيت بسبب تباين المواقف والرؤى والمصالح والفجوة الجيلية ، بداية من توقيت ازاحة مبارك الى توقيت تسليم السلطة لادارة مدنية منتخبة وآليات ذلك . ظلت الجفوة بين الجيش والثورة مع الاصرار على أحمد شفيق رئيساً للوزراء واستمرار وزراء من عهد مبارك واستمرار اللغط حول ملفات أمن الدولة .. الخ . المُعاش اليوم فى الذكرى الثالثة للثورة هو محاولات اعادة الصراع لنقطة البداية فى اتجاه الدفع بملف الأزمات بين الثورة والجيش الى الصدارة لأهداف كثيرة ومتباينة ، وهذا ينبغى أن يُثير تساؤلات عدة حول أخلاقية الشحن الأيديولوجى طوال الفترة الماضية لصالح الاسلاميين وقضية الدكتور مرسى ورفاقه ؛ فهل مواقف الجيش وتحركاته طوال الشهور الماضية كانت نابعة من عداء ضد الاخوان – أو كما يتم الترويج له ضد الاسلام والشريعة – أم أنه لا يخرج عن اطار رؤية الجيش الأولية للتعامل مع حركات الاحتجاج والرفض وموازناته لتخرج المعادلة فى سياق اصلاحى محدود دون امعان ثورى بلا ضوابط يتفادى آثار تحولاته الكبيرة داخلياً وخارجياً ؟ واذا حكم البعض على الجيش كخصم أيديولوجى مناهض للحركة الاسلامية ، فما هو الحكم العام بعد استدعاء أحداث الشهور الأولى للثورة والخصومة مع كثير من الحركات الشبابية غير الاسلامية والتعامل بقسوة أيضاً مع شباب غير اسلامى والتفريط فى حقوق شهداء لم يكونوا محسوبين على الحركة الاسلامية ؟ واذا عدنا لنقطة البداية فالجيش من المؤكد أن لدية خطة لحماية مؤسسات الدولة ضد أية انقلابات أو عصيان شامل ، وفى اطار ما كان موجوداً على أرض ميدان التحرير فى 28 يناير 2011م كان المتوقع أن يجهض الجيش ذلك التجمع المناهض لمبارك وكل ما يمثله من خطر على مؤسسات الدولة الأخرى ، لكن حدث غير ذلك وشاهد الجميع حماية الجيش للشباب وتلاحمه مع الشعب مما أسهم فى النهاية فى اسقاط نظام مبارك . الجيش يفعل ذلك الآن ليس لأنه عدو للاخوان أو لمرسى ، انما لأن لديه رؤية خاصة متعلقة بالثورة والتغيير وبانتاج نظام سياسى بصورة سلمية يعكس التنوع المجتمعى ويحمى مصالح المجلس العسكرى ويحمى الدولة من المخاطر . :