وسطية للثقـافــة والحـوار

اشراف: صالح أبو العباس

انقسمَ الشعب المصري انقساما ً حادا ً حول توصيف أحداث 30/6 .. فالبعض يري أنها ثورة وآخر يري أنها انقلاب في الحقيقة لم يشغلني توصيف هذا اليوم.. وهل هو ثورة أم انقلاب .. أو حتى عيد ميلاد.. بقدر ما أرقتني كيفية التعامل مع هذا الموقف فهناك رئيس منتخب أصبحَ الآن سجيناً تُشوه جماعته وتوصَف بالإرهاب ويُكال لها الاتهامات بالحق وبالباطل. وزادَ الطين بلة أن ساندها بعضُ التكفيريين - قبلت أم رفضت - بتفجيراتهم المعروفة ولا شك أن هذه التفجيرات ستلحق بجماعة الإخوان وسيكتب التاريخ أن الإخوان هم من حرقوا الكنائس وفجروا المتفجرات وما إلي ذلك من اتهامات بالحق وبالباطل أيضا ً. هذا ليس أول حدث في تاريخ الصراع علي السلطة.. فالتاريخ حافل بما يشبه هذه الأحداث، صحيح قد يكون التاريخ تناول تجارب ووقائع تختلف جزئياتها أو تتفق في أخري مع جزئيات واقعنا.. لكن هذه التجارب تحمل لنا أسمي الدروس وأعظم الخبرات . إنها حكمة السنين تأتينا سهلة مجانية لمن يقرأ ويتأمل عبر صفحات التاريخ .. فمن عاش مع دروس التاريخ طالَ عمره وزادت خبرته ، ولن نستطيع أن نعيشَ أعمارنا مرتين.. عمرا ً نجرب فيه ونخطئ.. وعمراً نتعلم فيه من أخطائنا . ولعلنا نذكر هنا تجربة واحدة من تجارب التاريخ.. لعلنا نجد فيها حلاً لأزمتنا السياسية التي نعيشها الآن . حينما قتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه انقسمَ المجتمع حول قضية الثأر لمقتل عثمان رضي الله عنه .. حتى وصلَ الأمر إلي اقتتال عظيم كان هو الأول في تاريخ الأمة الإسلامية.. وكان بين فئتين عظيمتين بين سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسيدنا معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.. أسفر عن مقتل 70 ألفاً من أتباع سيدنا معاوية و20 ألفا من أتباع سيدنا علي . وكلهم من خيار الناس رضي الله عن الجميع.. وبعد وفاة سيدنا علي رضي الله عنه لم تنته جذوة الحرب المشتعلة بين أبناء ملة واحدة بل ووطن واحد.. حتى قامَ سيد شباب أهل الجنة سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنه فتنازل عن الشرعية لسيدنا معاوية فحقن بذلك الصنيع العظيم دماءَ الأبرياء التي ستسال حتماً بلا ثمن من أجل كراسي السلطة الزائلة . لو تمسك الحسنُ رضي الله عنه بالشرعية وقال دونها الرقاب ما عَاتبه أحد.. و"لكن العار خير من النار" كما قال الحسن .. وأردف أيضا ً: "أيها الناس لقد كانت جماجمكم بين يدي فخشيت أن أقتلكم علي الملك ". فكان صادقاً مع نفسه رضي الله عنه وساعياً لاستقرار أمته وتماسكها ووحدتها .. مُقدماً ذلك كله على حظوظ النفس المتشوفة دائماً للسلطة والنفوذ . استتبَ الأمر لمعاوية رضي الله عنه وقبل وفاة معاوية أرادَ أن يطلب البيعة (الرئاسة) لابنه يزيد.. فبايعه الكثيرون ورفضَ مبايعته آخرون كان علي رأسهم سيدنا الحسين رضي الله عنه. وبعد وفاة معاوية أرسلَ أهل الكوفة إلي الحسين يبايعونه علي رئاسة الدولة بعد وفاة معاوية فهو أحق بها من يزيد بن معاوية.. فأرسلَ إليهم مسلم بن عقيل ليستكشف له حقيقة الأمر في الكوفة .. فتجمع أهلُ الكوفة يؤكدون لمسلم بن عقيل مبايعة الحسين .. ولكن أهل الكوفة وقتها غدروا وتراجعوا تحت قهر عبيد الله بن زياد .. فعلمَ مسلم أنه مقتول فأرسلَ للحسين يحذره من أهل الكوفة ويدعوه للعودة إلي مكة.. وكان الحسين في طريقه إلي الكوفة فسمع بمقتل مسلم بن عقيل فقال " إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ".. ثم قال: "لا خير في العيش بعده". ومضي رضي الله عنه وكان قد اصطحب الزوجات والأولاد .. فقتل رضي الله عنه أمام أبنائه وزوجاته في ساحة الحرب بكربلاء .. حتى هَم البعض باسترقاق بعض نساء بيت النبوة .. فلم تعد الشرعية ولم تحقن الدماء . وقد خطأ هذا الخيارَ الأئمةُ كالحسن البصري والإمام ابن تيمية وغيره من المفكرين المعاصرين .. مع تقدير الجميع وحبهم لسيدنا الحسين رضي الله عنه.. أما الآن .. وبعد أن وقع ما وقع وبعد أن مضي السيف فيمن مضي وبعد أن نزل القضاء بما قضي .. وبعد أن ضربت رقابنا ورُملت نساؤنا ويُتمَ أبناؤنا واقتحمت المساجد وانتهكت الحرمات مازال البعض مصراً علي خيار الحسين. المفارقة العجيبة أنهم أقل شجاعة من سيدنا الحسين.. فلم يفر الحسين حينما سمعَ بمقتل مسلم بن عقيل.. فقال مقولته التي تنم عن شجاعته وجسارته وبسالته رضي الله عنه : "لا خير في العيش بعده".. إذ فر بالأمس القريب بعض "القادة" حينما سمعوا بفض اعتصام رابعة العدوية بالقوة وتركوا الشباب المخلص وعوام المسلمين الطيبين والنساء والأطفال يواجهون رصاص الشرطة والجيش بصدور عارية في مواجهة غير متكافئة بعد أن شحنوهم بالخطب الرنانة شحن القائد العسكري في ساحة الحرب وقت اصطفاف العدو . أحبتي الكرام .. إن كان البعض أقل شجاعة من أن يختاروا خيارَ الحسين رضي الله عنه بعد أن تبين خطأ اجتهاده تاريخياً وواقعياً وكان قد حذركم بعض المفكرين الوسطين من عاقبة هذا الخيار فاتهمتموه بجلد الذات ونقد الذات وغيرها من الاتهامات.. فلا تحرموا أنفسكم من شرف خيار الحسن بن علي رضي الله عنه الذي حقن الدماء ووحد به الشعب وحمى به الأمة .. حتى بعد فوات الأوان.. ووقعت الفأس في الرأس لتنقذوا ما يمكن إنقاذه من المسلمين البسطاء والغلابة الذين ولاكم الله عليكم .

wasatya

وسطية للثقافة والحوار

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 53 مشاهدة
نشرت فى 1 نوفمبر 2013 بواسطة wasatya

وسطية للثقافة والحوار

wasatya
نافذة للرأى الحر الوسطى المعتدل من كل طوائف الشعب المصرى والعربى والاسلامى »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,166