لم يحد علاء الأسوانى فى روايته الجديدة " نادى السيارات " عن الخط الذى اختطه لنفسه فى " عمارة يعقوبيان " والذى يركز من خلاله على النماذج "الشاذة " والتى لا تعبر عن المجتمع المصرى العريض المعروف بإيمانه وتدينه ولكنها تمثل استثناءات يصر الأسوانى على تسليط الضوء عليها وإن لم يكن بنفس براعة نجيب محفوظ الذى كان بدوره شغوفاً بالشخصيات القلقلة والمنحرفة وتمكن من بسط مساحات كبيرة لها فى أعماله المتنوعة ففى روايته " اللص والكلاب " تمكن محفوظ من تقديم شخصية الراقصة " نور " فى قالب إنسانى بديع ورائع وجعل منها الشخص الوحيد الذى بسط يد الرعاية لـ " سعيد مهران " فى مواجهة ظلم المجتمع وقسوته فى الوقت الذى فشلت فيه شخصيات كثيرة فى أداء ذلك الدور حتى إمام المسجد فشل هو الآخر فى إرشاد سعيد مهران وإنقاذه من الكلاب التى تتعقبه وتقتفى أثره ، ومن يراجع كثيرا من روايات محفوظ يجد هذا الخط ملازما له وتمكن من تقديم العديد من الشخصيات المنحرفة فى قالب إنسانى بديع إضافة إلى دورها فى خدمة البناء الدرامى لرواياته ، كما أنه مارس ذلك بحرفية ومهارة تامتين . ولكن الأسوانى جاء كظل باهت للأداء المحفوظى حتى فى تقديم الشخصيات صاحبة الازدواجية الأخلاقية والتى تجمع فى تصرفاتها بين التزامها الظاهرى بأداء العبادات وبين فجورها وفحشها فلم يتمكن من إقناعنا أن الشخصيات " الشاذة " أو التى تعانى من الازدواجية التى حشرها حشرا فى نادى السيارات قد لعبت دوراً مؤثراُ فى الحبكة الدرامية أو أن غياب " شذوذها " قد يؤدى إلى انهيار العمل الروائى . فعلى حمامة الذى اجتهد الأسوانى على مدار ما يقرب من ثلاث صفحات فى تفسير اسم الشهرة الذى اشتهر به " حمامة " وكان من الممكن الاستغناء عنها تماما ، هذا الرجل اشتُهر بأنه : " بخيل وفظ ، لا يهتم بمجاملة الناس ولا يحترم مشاعرهم وهو بالرغم من حرصه على أداء الصلوات فى الجامع لا يفوت فرصة واحدة لغش البضائع !!! " وعلامات التعجب هنا من عندى أما " الكوو " كبير شماشرجية القصر الملكى وصاحب السلطة ورمز الطغيان نظرا لقربه الشديد من الملك والمسؤول فى الوقت ذاته عن الخدم الموجودين فى نادى السيارات من حيث تدريبهم ونظافتهم والإشراف عليهم فقد اعتاد أن يعاقب المقصر والمخطىء منهم بالضرب الشديد عن طريق مساعده " حميد " الذى يقدمه الأسوانى فى صورة الشاذ الذى : " أفسده أحد الخدم وهو طفل ، وداوم على مضاجعته حتى كبر وهو شاذ .... " ولم يكتف الأسوانى بذلك بل استرسل فى السطور التالية فى وصف أحوال المتعة الحسية التى يشعر بها الشاذ بعبارات بالغة التقزز والقرف ، ليس لها من وظيفة سوى مخاطبة " الخارج " الذى سيحرص على قراء الرواية وترجمتها وهو مجتمع معروف عنه أنه يقيم احتراما كبيراً للشذوذ وأهله وفى الوقت ذاته محطة هامة فى سلم " نوبل " التى يحلم الأسوانى بها . لم يكن الشذوذ مقصورا على حميد فقط بل امتد لجميع العلاقات الجنسية التى ملأ بها الأسوانى روايته حتى ولو كانت بين ذكر وأنثى فهى خارج إطارها الشرعى والطبيعى فهناك العلاقة بين جميس رايت وأوديت فتال ، والعلاقات بالغة الغرابة والشذوذ التى كان يقيمها محمود عبد العزيز همام وصديقه فوزى مع العجائز اللاتى تخطين الستين من أعمارهم بل ومنهن من ناهزت السبعين ، ولم يكتف الأسوانى بتقديم نموذج واحد منهن بل أسهب فى تقديم ثلاث نماذج متتالية فى إطار حسى قد يليق بفتاة فى سن العشرين وليس لعجوز تخطت الستين بل إن إحداهن لم تجد غضاضة من ارتداء بدلة للرقص وممارسته إرضاء لنزوات فوزى حمامة !! هذا الشذوذ حرص الأسوانى على أن يقدمه فى أجواء أسطورية فمحمود وصديقه فوزى يملكان طاقة جنسية هائلة وفحولة متجددة ورغبة جامحة لا تلوى على شىء جعلتهما محط أنظار عجائز الطبقة الراقية فى الوقت الذى يحكم فيه الأسوانى على العلاقة الشرعية الوحيدة فى القصة بالفشل إذ يفشل زواج " صالحة عبد العزيز همام " من " عبد البر " إذ اكتشفت أن الأخير كان " عاجزاً " وغير قادر على القيام بواجباته الزوجية .. فهل كان الأسوانى يريد أن يقول إن العلاقات الشرعية المنضبطة مصيرها الفشل ، أما العلاقات الشاذة والمنحرفة فنجاحها مضمون وبامتياز ؟! لماذا يصر أدب اليسار دوما على إبراز أسوأ ما فى المجتمع ولا يرون فيه إلا الشذوذ والعلاقات المحرمة وزنا المحارم ؟! وأخيرا هل هذا هو المجتمع المصرى حقاً ، أما أن الأسوانى كان يكتب – وبحق كما علق أحد القراء الأعزاء على مقالى السابق – مغازلاً للغرب ولقيمه ومعتقداته ؟!!!