آفات كثيرة يعاني منها العمل السري في إدارته وتنظيم حركته خاصة لو كان للجماعة جناح علني لا يمارس العمل السري والسلاح.. وإنما يمارس الدعوة والتربية السلمية في إطار المشروعية والقانون عامة.. وفي إطار الدعاية لدعوة الجماعة بالصور المقبولة.. وجناح آخر سري مسلح يمارس أعماله من إعداد وتسليح وعمليات بصورة غير قانونية ومصادمة للدولة ومؤسساتها وللمجتمع.. عانينا منها وعانى منها كل من سلك مسلكنا في العمل.. عن طريق التشكيلين العلني ذي النشاط المشروع.. والسري ونشاطاته المحظورة قانونا ً.
أول هذه المشكلات هو استحالة وجود لوائح منتظمة تنظم العلاقة بين أفراد التنظيم السري.. وبينهم وبين العمل العلني وكافة مؤسسات المجتمع المحيطة بهم.. وكذا بينهم وبين قياداتهم والقيادات العامة .
وإن وجدت فإنه يصعب تعميمها على الأفراد حتى لا تعرف بينهم الهياكل التنظيمية للتنظيم.
وعليه فالعلاقات تكون خاضعة لتقدير المسئول .. وكثيرا ً ما يحدث نتيجة عدم وضوح تلك العلاقات خلطا ً بين العملين السري والعلني.. فيتحمل العمل العلني أعباء ومخاطر العمل السري.
بل وقد تعم هذه المخاطر جماعات أخرى نتيجة غياب هذه اللوائح والضوابط .
وكم رأينا من جماعات كاملة تعمل في العلن دون مشاكل تساق إلى السجون دون ذنب أو جريرة, اللهم إلا وجود تلامس بين أحد أفرادهم وفرد ممن يعملون في العمل السري.. وذلك الفرد يجر البلاء على جميع إخوانه وخاصة إذا كان لا يبالي بأثر اتصاله هذا.. فيتحمل الذين يعملون في العلن نتيجة أعمال .. لا هم قرروها.. ولا رضوا عنها .. ولا نفذوها.. ولا أخذ رأيهم فيها .
وغاية ما في الأمر أن أحدهم قد لقي بعضهم في طريق أو بات عنده دون أن يعرف ما وراءه وذلك كله لعدم وجود ضوابط واضحة للعلاقة بين الطرفين.
تنازع الاختصاص بين هيكلي العمل
فلكل من العمل العلني والسري هيكل منفصل يدير شئون هيكله.. ولأن العمل السري قائم على الكمون وقلة الحركة فإن ذلك كثيرا ً ما يسبب الضجر لدى أفراده.. فيندفعون للمشاركة في العمل الدعوي فتتنازعهم أوامر القيادتين.
فمشاركتهم في العمل الدعوي وحركتهم وإبداعهم فيها توصف عند السريين بالانفلات وعدم الانضباط والخروج على التعليمات .
ومن ثم فإن الفرد يكون في نزاع بين انضباط يحرمه من العمل والدعوة ويكبت فيه روح الاجتماع والمشاركة.. وبين انفلات يتيح له ذلك.
وكذا فإن اختيار الأشخاص بعد التحقق من المواصفات من ثقة والتزام وضبط يحتاج لمتابعة .. ولا يمكن أن تتم هذه الأخيرة إلا من خلال العمل العام الذي يتيح متابعة الفرد.
وهناك سيفاجأ الناس باختفاء الفرد من مجالس الدعوة والعلم.. مما سيثير الاستغراب وسيلفت الانتباه له ويثير الشكوك حوله.
فإن حدث ذلك ارتاب الجميع فيه .. وإن ترك دعوته واختفى تحت الأرض فإنه يكون تحت الأعين وعرضة لممارسة الضغوط عليه ومعرفة ما وراءه من أحوال.
ولقد عانينا كثيراً من هذا الخلط.. وكان لظهور قيادات سرية في العمل العلني والعكس أثره في انكشاف كثير من الأعمال حتى قبل أن تبدأ وتظهر.
بل أقول أن كل قيادات العمل السري بالداخل والخارج كانت من ثمرات العمل العلني .. وكانوا كما يقولون محروقين أمنيا ً.. فكانوا مضطرين إلى الهروب الدائم والاختفاء.
وذلك كله سبب خللا ً في إدارة العمل وضبط سريته.. مع التحرك السري والمطاردات الأمنية .. خاصة في أوقات الأزمات .. حيث يفقد الأفراد اتصالهم بالقيادة.. وتفقد القيادة صلتها بهم .. يستوي في ذلك اختباء هذه القيادات.. وهذه بدورها تؤدي إلي اعتقالهم .
وحينما يعتقل القادة وهم العقل الراشد في الحركات الإسلامية يبدأ الأفراد في التحرك دون توجيه أو أوامر.. وإنما يتحركون متأثرين بانفعالاتهم الخاصة وتصوراتهم.
سواء كانت تنبع من تصورهم لسياسات الجماعة في ذلك الوقت بعض النظر عن صحة هذا التصور من خطئه .
وقد يتحركون كرد فعل لما يتعرضون له من مشاكل وأحداث .
وعادة ما تكون ردود الأفعال هذه مبالغا ً فيه وتقيس الأمور بصورة انطباعيه وانفعالية ودون دراسة وعادة ما تكون بحسب الحالة النفسية للفرد أو ما يتعرض له من مشكلة.
هذا فضلا ً عن شح المعلومات وغيابها عند اتخاذ قراراته نتيجة اختفائه وكمونه.. فيخرج القرار عادة غير متوافق مع توجه الجماعة وقياداتها.
وذلك كله قد يوقع الجميع في مواقف قد لا يريدونها .. وقد كانت أكثر المشاكل والمعارك التي خاضتها الجماعة نتيجة لمثل هذه الظروف.
بل إن أكثر الجماعات وقعت في مثل هذا .. فقد كانت أكثر القرارات التي تصدر في مثل هذه الظروف تخرج مرتجلة ومسلوقة دون نضج .
وكل ذلك عرض الجماعة الإسلامية وغيرها كلها للمشاكل الفظيعة التي تعرضت لها من إعدامات ومحاكم استثنائية وأحكام مشددة وتعذيب.. وكان أصحاب هذه القرارات هم أول الضحايا.
اختيار القيادات في التنظيمات السرية عادة ما يكون بالتعيين من القيادة الأعلى دون استشارة الأفراد من عدمه.. وبالتالي فقد لا يختار أنسب الموجودين.. خاصة أن من خصائص العمل السري الطاعة المطلقة والتي تمنع من الاعتراض أو إبداء الرأي في القادة .. لأن الاجتماع للتشاور وتبادل الآراء مستحيل في العمل السري.
وكم عانت التنظيمات السرية من سوء اختيار القادة وضعف مستواهم حتى وصل الحال في الأيام الأخيرة.. ونتيجة شدة المطاردة واختفاء كثير منهم خلف جدران السجون إلى اختيار القادة محدودي الكفاءة أو ذوي مشاكل متعددة .. فارتكبوا في حق الأفراد أخطاء كثيرة كانت كلها تحسب على أعمال الجماعة.
صعوبة المراقبة والمتابعة من قبل قيادات الجماعات أو رصدهم لمستويات العمل والأفراد وتقييمهم دوريا ً أو مراجعة الميزانيات والإنفاق وغير ذلك.. لأن السرية تستلزم اخفاء هذه المعلومات الخاصة بالأفراد والتمويل والإنفاق حتى عن القيادات بمختلف مستوياتها.. فضلا ً عن الأفراد.. حماية لتلك المعلومات أن تقع في يد غير أمينة.. وهكذا .
فغياب المتابعة الدقيقة عن الأفراد والتقييمات الدورية يحرم التنظيم من متابعة ما يطرأ على الأفراد من ضعف أو انحراف .. والسعي في تقييمهم .. أو عزلهم أن لم ينجح التقويم.
وقد تتغير قلوب بعض الأفراد داخل التنظيم السري تحت ظروف خاصة عصيبة حتى وصلوا إلى الخيانة دون أن تشعر بهم قياداتهم.
وأما الأموال فالفساد فيها أكثر وأيسر.. إذ أنه يصعب وضع ضوابط واضحة للإنفاق والمحاسبة نظرا ً لتنوع صور الإنفاق وسريته.
وبالتالي فالمال في أيدي المسئولين في التنظيمات السرية والأجنحة العسكرية لن يعرف الأفراد مصدره .. ولا يستطيعون أن يعرفوا مصارفه.. وأكثرهم بحمد لله كانوا على ورع وتقوي تحميه من العبث بهذا المال.
ولكن البشر خطاء وطبيعي أن تحدث في ظل هذه الظروف العصيبة انحرافات يصعب متابعتها ومحاسبة أصحابها في ظل غياب الضوابط الواضحة في هذا الأمر.
وعلى العموم فالجماعة سرية كانت أو علنية تحتاج لوضع تلك الضوابط لحماية أفرادها من الانحراف.. وكذا لحمايتهم من الادعاء ضدهم بهذا الانحراف دون وجه حق.. حفظاً لسمعتهم ومنعاً للقيل والقال .
وبعد
هذه بعض الآفات الإدارية التي رصدتها والتي أعتقد أنها تصلح بداية جيدة لنبني عليها المزيد من الدروس والأفكار حول الأضرار التي تعاني منا الحركة نتيجة استخدام السرية في الدعوة والتربية والعمل العام.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 157 مشاهدة
نشرت فى 9 أغسطس 2016 بواسطة usamahafez

أسامة ابراهيم حافظ

usamahafez
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,471