جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
قد يستغرب البعض هذا العنوان.. هل يقول أحد أن لدماء الأبرياء من النساء والأطفال التي لطخت حوائط المعبد البحري ايجابيات.. وهل لأشلائهم التي تناثرت على أرضيته مزية.. وهل يتصور مثل هذا القول من أحد أولئك الذين صنعوا المبادرة ووقفوا بحسم في مواجهة العنف وشلال الدماء.
ولكي نصل إلي ما أريد قوله أذكر أن المبادرة كانت في يوليو من ذات السنة.. وكانت بالنسبة للجميع حدثاً غريباً في ذلك الوقت وسط البيانات العنترية التي اعتاد الجميع سماعها – ولهذا فقد وقف الجميع يترقب ما تسفر عنه..
كنا ننظر بقلق لشتي الأطراف.. فأجهزة الدولة لم تكن مطمئنة إلي إمكانية وقف هذه الأحداث والسيطرة عليها بمثل هذه المبادرة – ولها في ذلك العذر – فقد كان بيننا وبينهم سنين طويلة من الدماء وكان هناك العشرات ممن يحملون السلاح في الحقول والجبال يستحيل الاتصال بهم ونحن في السجون.. ثم هل من الممكن حتى لو وصل لهم هذا البيان المقتضب أن يستجيبوا دون أن يتحققوا من مصدره أو من صدوره عن إرادة صحيحة أو دون أن يطلعوا على مبرراتنا الشرعية لذلك.
وكنا أيضاً لقين من الإخوة لهاربين وإمكانية استجابتهم فقد كان البيان مليئاً بالشكوك فهو صادر من السجن الذي يستحيل أن يتصل بمن فيه احد ليتحقق من مصدره ومن أنه كان عن إرادة حرة وكانوا مع ثقتهم فينا فقد اعتادوا ألا نكلمهم إلا بالدليل الشرعي وكان البيان مختصراً لا يحمل تفصيلاً نظراً لظروف السجن في ذلك الوقت.. كل هذه الأشياء جعلت الجميع ساكناً متوقفاً ينتظر ما تسفر عنه الأحداث.. وكان فشل هذا النداء يعني أننا قد فقدنا آخر فرصة لحل هذه المشكلة المستعصية.
وكانت الأيام تمضي متثاقلة وكلما مر يوم ولم نسمع فيه عن عملية جديدة أو حدث جديد يزداد أملنا في النجاح ويتسرب الاطمئنان ببطء إلي القلوب.. حتى جاء حادث الأقصر.
كان حادثاً مفاجئاً وغريباً وبشعاً كان مفاجئاً لأنه جاء بعد فترة سكون طويلة وكان غريباً لأن إخواننا لم يتعودوا التعرض للنساء والصبيان وتشويه الجثث وتقطيع الأطراف، وكان بشعاً لأنها كانت مذبحة بشعة موجهة إلي نساء وأطفال وسياح لا ذنب لهم فيما يحدث من اقتتال.
أحسسنا جميعاً بأن كل ما أملناه ينهار وأن المبادرة تلقت بهذا الحادث طعنة مميتة.
ولكن رب ضارة نافعة.
لقد أسفر هذا الحادث عن أمرين كانا سبب إحياء المبادرة وانتعاشتها أما الأولي فكانت أن القيادة السياسية أزاحت قيادات مؤسسية لم تكن متجاوبة مع فكرة المبادرة والحل وجاء بقيادات أخري مقتنعة بالفكرة ومستعدة للمجازفة في سبيل إنهاء حالة الاحتقان ولاحتراب التي كانت البلاد تعيشها.. وهكذا بعد أن هدأ غبار الحدث وجدنا من قيادات الدولة من يجلس معنا ويستمع إلينا ويرتب معنا ما يمكن أن يدعم مبادرتنا وينقلها إلي حيز التفعيل.
وهكذا تحول سجن ليمان طره إلي خلية نحل يتعاون فيه الجميع في كتابة الأبحاث ومراجعتها وإعدادها للنشر.. ثم تلي ذلك رحلات السجون وما كان فيها من محاورات ومحاضرات وجلسات لترتيب كيفية التعامل مع الإعلام والدعاية للمبادرة وهكذا تحولت المبادرة إلي منظومة متكاملة من الحوار والتعاون ساهم فيها كل فرد بسهمه وحمل فيها الجميع المسئولية تجاه هذا البلد رغم ما حف بالعمل فيها من مجازفة.. وتحولت هذه المبادرة إلي نبراس استضاء به كل مخلص من أبناء الحركة الإسلامية يسعي لرفعة بلده ودفعه للأمام.. وما مبادرة الجهاد بعد ذلك إلا ثمرة من ثمراتها بل وأزعم أن كل دعاة المراجعة والتصحيح من شتي الاتجاهات استفادت منها لنسأل الله أن يجعلها في ميزان حسنات كل من ساهموا فيها.
أما الأمر الآخر فكان أثر الحادث على إخوة الجماعة خارج مصر فقد فاجأتهم المبادرة كما فاجأت الجميع فسارعوا بالطبع برفضها لاعتبارات رأوها.. وكانت مشكلة كبيرة كيف نوصل لهم وجهة نظرنا ونقنعهم بمبرراتنا وأسباب مبادرتنا الشرعية والواقعية.
إذ أن الاتصال بهم في ظل ظروفنا وظروفهم كان مستحيلاً وكنا نخشى أن تتسبب معارضتهم في انهيار آمالنا في وقف سيل الدماء.. وكانت الوسيلة الوحيدة للتواصل معهم كانت الإعلام وهي وسيلة مليئة بالمحاذير والصعوبات.. ثم كان حادث الأقصر والذي صدم الجميع وألقي في مياه الإخوة بالخارج حجراً ضخماً سرعان ما توالت تداعياته.. ومع النقاش والخلاف سرعان ما بدأوا يتداعون فرداً فرداً نحو الاستجابة لطلبنا منهم مشاركتنا هذه المبادرة.
ولم يمض وقت طويل حتى فعل حادث الأقصر فعله فيهم وأحس الجميع من تداعيات الحدث بعدم شرعية هذا العنف وضرره وهكذا أعلنوا مجتمعين تأييدهم ومباركتهم لخطوتنا ليضعوا بموقفهم هذا حجر الأساس في تفعيل المبادرة والسير نحو جني ثمارها.
نعم كان لحادث الأقصر سلبيات وأضرار ومفاسد بشعة وشديدة.. ولكن لولا هذا الحادث البشع ما أطيح بقيادات سابقة أعلنت أن هذه المبادرة لا تخص إلا أصحابها ولما جيء بقيادات أخري تفهمتها وتجاوبت معها إلي أقصي درجة ليحصل بها أعظم تحول في الحركة الإسلامية في تاريخ مصر الحديث.
ولولا هذا الحادث وتداعياته لاستمر تردد إخواننا في الخارج في الاستجابة ولاستمر عدم الاطمئنان لجدية موقفنا الذي أعلناه وبالتالي كانت الثقة ستظل مفقودة بيننا وبين أجهزة الدولة وهي تري بعضنا لازال معترضاً.. ولما سارت مبادرتنا في طريقها المنشود.
ملحوظة هامة
- الحادثة لم يحدث فيها تحقيق قضائي حتي الآن رغم مرور عشرين سنة عليها
- من ارتكبوا الحادث ماتوا جميعا سواء قتلوا أو انتحروا ومات معهم سرهم
- رغم مرور هذه السنين الطوال لم اسمع أحدا من ابناء الجماعة يذكر معرفته بمن أمر أو فعل هذا الحادث
- جميع من اعرفهم من اخواننا استبشعوا الحدث وخطأوا التعدي علي حباة السياح وخاصة النساء والاطفال