قضيت أمس الأول الأربعاء أتابع أخبار فض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية، وعصفت بي الحيرة بعدها، إذ لم أجد ما أشعر به، خواء يضم براحتيه عاطفتي في غير حنو، راقبتهم في صمت كما لو كانوا أشياءا غير حية، ولا غرابة فقد جرى الإعداد لتلك اللحظة بالوجدان في صمت، فأثمرت هذا الخواء عندما حانت. ألم أردد ـ صادقا ـ مرارا وتكرارا أن هؤلاء لا يؤمنون بالوطن، فلا وجود لهذه اللفظة في أدبياتهم، التي لا تحتفي بغير الأمة…؟، وأنهم من أجل تشكيل المجتمع الإسلامي كما ينبغي أن يكون، أو كما هو كائن في نموذجه المصغر “الجماعة”، لن يتحرجوا من استباحة هذا “المجتمع الجاهلي”، وأن سلطانهم كان “نكسة للثورة كتلك التي حطت على ثورات كثيرة عبر التاريخ.. وأنهم “يعاقبة” ثورتنا، وأن بركان أحقادهم الحي لمرشح للفوران لتندفع من فوهته حمم الدماء أكثر فأكثر!”.. ألم أدعو الجيش بلا مواربة لأن يكون أداة التغيير، في ظل عجز النخبة وفشلها المتواتر، ذاهبا إلى أن “مؤسسة الجيش لن تكون قادرة على الاحتفاظ بكينونتها كمؤسسة وطنية إذا تطاول حكم الإخوان” *، ورغم علمي حينها بما تستتبعه دعوتي هذه من تبعات، لكنني كنت وغيري، ندرك جيدا أن مخطط الجماعة في التمكين سيكون مآله انهيار الدولة، وان أي بديل مهما بلغت درجة سوءه سيكون أفضل من هذا المصير. كل هذا (وغيره من أفعال خسيسة لم يستثن الإخوان من صنفها شئ لم يرتكبوه) ربما يفسر الشعور بالخواء الذي تلبس وجداني رغم أنفي، لكن ذلك لم يمنع عقلي من إدانة تلك المشاهد الدموية التي صاحبت فض اعتصام رابعة العدوية.
لا جدال أن عددا من أفراد الجماعة كان مسلحا وأن التدخل الأمني (الذي لا نرفضه في حد ذاته) لفض الاعتصام كان ليستتبع سقوط ضحايا، غير أن الأرقام الضخمة للقتلى، والشهادات التي تتابعت تشير إلى كون الأجهزة الأمنية لم تؤد عملها باحترافية، بل كان يشوبه الانتقام، والتلذذ ـ كذلك ـ أحيانا، ولا غرابة فالجهاز الشرطي ما زال على حاله لم يمسسه معول التغيير، المقلق أن عددا لا بأس به من الحركات الثورية لم يدن بل لم يحذر في تأييده لما قامت به تلك الأجهزة، وهو تأييد يضع اللبنة الأولى لمسار الثورة التي وصفها هيجل بأنها “ذات طابع إرهابي”، هذا المسار الذي سلكته ثورات عدة عبر التاريخ فكان وبالا على شعاراتها وأفكارها التي تحطمت على أيدي أبنائها لا أحد غيرهم. هذا المسار الذي إذا ما أوغلنا فيه لتتشابه ملامحنا وأبناء نظام مبارك، ليغور مشروع الثورة داخل نفوسنا، ولا يبقى غير صراع على السلطة. نعم ربما لم يترك الإخوان بأفعالهم مجالا للتعاطف مع مصابهم، فلم تكن جماعتهم سوى خنجر مسموم في خاصرة الثورة، كلما تقادم عليها الزمن اشتد نزفها بفعله، لكن عقولنا تأبى أن نتردى في وحل لا أخلاقيتهم، إذ هي الخطوة الأولى التي تردي مشروع الثورة. وهو ما افترق عليه رفيقا جبهة الإنقاذ البرادعي وصباحي، فأبى الأول أن يخطو في هذا الطريق، وخطى الثاني خطوة مشئومة.
ساحة النقاش