السراج المنير في الطب العربي والإسلامى

الطبيب المسلم والعلاج بالقرآن

أ.د. عبدالكريم مصطفى إبراهيم

أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة الأزهر

ملخص المقال

 

العلاقة بين الطبيب المسلم والعلاج بالقرآن يجب أن تكون متميزة عن الطبيب غير المسلم. وهذه ليست دعوة للتحيز ضد العلم ولكن على العكس هي دعوة للإلتزام بقمة المنهجية العلمية. ذلك أن العلم التجريبي نفسه لا يدعي الإلمام بكل حقائق الوجود، ولكنه يلزم العالم بالإلتزام بمنهج تجريبي منضبط يخضع لحواس البشر بما فيها عقله. والعلم لا يدعي الإلمام بما هو خارج حدود العقل كما لا يمكنه إخضاع ذلك للمنهج التجريبي. ولهذا سيظل العلاج بالقرآن وغيره من الأمور السمعية خارج حدود العلم التجريبي وخاضعا لمنهج العلم الشرعي المبني على القاعدة الشرعية سمعنا وأطعنا "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا".

ولهذا لا يجب أن يكون هناك تناقض بين حقيقة السماء ممثلة في العلم الشرعي وحقيقة الأرض ممثلة في العلم التجريبي. فإذا كان هناك ثمة تناقض فالاحتمال الأول أن فهمنا للنصوص الشرعية قاصر والاحتمال الثاني أن حقيقة الأرض خطأ سيتداركه العلم التجريبي في المستقبل.

وإذا كان هذا شأن الطبيب المسلم بصفة عامة فهو أولى إذا كان طبيبا نفسيا فهو يتحمل مسئولية تفهم بيئته المسلمة بدءا من المريض المضطر مرورا بالراقي أوالمعالج المستفيد وانتهاء بالعلماء والأدلة الشرعية التي أتى بها من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم. كما يجب على الطبيب النفسي أن يتفهم طبيعة المرض الذي يتعامل معه والوصمة المرتبطة به والتي تجعل من يطلبون المساعدة من المرضى لا يتعدون الربع ولا يصل منهم إلى المتخصص إلا الثمن أي أن من بين كل ثمانية مرضى لا يصل إلى الطبيب النفسي إلا مريض واحد في أحسن الأحوال. وهذه معضلة من معضلات الطب النفسي تتطلب حكمة في التعامل معها وتفرض على الطبيب النفسي المسلم ألا يغلق عليه مكتبه انتظارا لمريضه بل أن ينفتح فكريا على المريض وأهله والمعالج بالقرآن والعلماء والعلم الشرعي. على الطبيب النفسي المسلم أن يكون ميسرا لحوار بين علمه من ناحية وجميع هذه الأطراف من ناحية أخرى للوصول إلى أفضل النتائج الدينية والدنيوية. ولهذا يجب أن يشمل التميز في العلاقة بين الطبيب المسلم والعلاج بالقرآن كل هذه الأطراف.

 

 

 

أولا المريض:

إن من حق المريض على الطبيب أن يكون مهنيا معه فلا يسفه معتقداته ولا يفرض قناعاته على مريضه وخاصة إذا كان هناك خلاف بين معتقديهما. فالمريض يكون في حالة ضعف وتعلق بطبيبه بعلاقة مهنية تجعل الطبيب جزء لا يتجزأ من العملية العلاجية وقد تجعل من غير المتيسر على المريض أن يترك طبيبه وإذا كانت الدعوة إلى الله تتطلب الحكمة والموعظة الحسنة فإن ذلك أدعى في حالة هذا

المريض. أما إذا كان الطبيب مسلما والمريض مسلما فإن المريض حينما اختاره حمله مسئولية أكبر، حيث أصبح عليه أن يستثمر معتقدات المريض فيما ينفعه في دينه ودنياه فالطبيب في هذه الحالة عليه أن يحاول أن يصلح الدنيا بالدين وأن يربط الأرض بالسماء في إطار من الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وعليه ألا يحرم مريضه من أن يعالج بالقرآن وبالرقى الشرعية. وأن يوجه المعالجين بالقرآن لألا يوقفوا العلاج الطبي.

 

ثانيا المعالج أو الراقي:
يجب أن يتم حوار بين الطبيب والمعالج في جو ودي بعيد عن التشكك وقراءة النوايا والإقصاء ومعتمدا على تحديد المفاهيم وحسن الظن والتعاون والمشاركة فلن يستطيع المعالج أن يفعل ما يفعله الطبيب ولن يصل إلى الطبيب كل من يأتون إلى المعالج، وبقليل من التعاون يفهم المعالج ما يمكن أن يقدمه الطبيب لمريضه ويدرك الطبيب أهمية المعالج في حياة مريضه.


ولا بد أن يدرك الراقي أن لهذا العلم أسسا وقواعد اكتسبها الأطباء من خلال الاختصاص العلمي والتجربة العملية التطبيقية 0

كذلك بالنسبة للطبيب المسلم يجب أن يدرك أن الأمراض التي تصيب النفس البشرية من صرع وسحر وعين وحسد ونحوه ، هي حق وصدق ، وقد وردت بها الأدلة الصريحة الثابتة في الكتاب والسنة ، فعليه أن يقر وأن يسلم بذلك 0
وعند التأكد من كافة هذه الفحوصات وعدم وضوح وتحديد أية أمراض عضوية أو نفسية نتيجة لتلك المعاناة ، عند ذلك لا بد للطبيب المسلم من توجيه النصح والإرشاد للحالة المرضية بالتوجه أولا إلى الله سبحانه ، ثم اللجوء للرقية الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة 0

أما إن أثبتت الفحوصات الطبية بأن المريض يعاني من مرض عضوي أو نفسي ، فواجب الطبيب المسلم إضافة إلى تحديد الداء ووصف العلاج اللازم والمناسب ، أن يربط المريض بخالقه سبحانه ، وأن يوضح له أن الشفاء مرهون بتوجهه إلى الله سبحانه وتعالى وحده 0

يجب أن يهتم بها الراقي باستفتاء العلماء في مشروعية ما يفعله مع المرضى من جهة وأن يسأل الأطباء خطورة التدخلات التي يستعملها مع مرضاه لمعرفة مدى ضررها من الناحية الطبية ، ولا بد أن يدرك المعالج أن المرضى أمانة في عنقه وهو ضامن من الناحية الشرعية ، كضمان الطبيب المسلم ، فعليه أن يستشير أهل الخبرة والدراية ليكون على بينة وبصيرة فيما يقوم به ، لكي لا يقع في محظورات طبية تؤدي لمحظورات شرعية
وكما يقول أبو البراء في أحد المواقع على شبكة المعلومات:
لا يحق للراقي أن يتدخل في المسائل الطبية كتشخيص المرض بجوانبه العضوية أو النفسية إلا في حالة حصوله على إجازة أو درجة علمية لممارسة مهنة الطب ، كأن يجمع بين الرقية والطب، ورغم اتفاقي مع أبي البراء في كل ما يقوله إلا أنني أرى الفصل بين وظيفتي العلاج بالطب النفسي والعلاج بالرقية الشرعية لأن ذلك قد يؤدي إلى اضطراب في العلاقة بين المريض والطبيب ويشعر المريض والمعالج بالقرآن بعدم احترام التخصص مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.

ويضيف أبو البراء: أما أن يشخص الراقي للمرضى من خلال قراءة الكتب والخبرة والاطلاع الثقافي ، فهذا يجب ردعه وإيقافه عند حده لخطورة النتائج المترتبة عن فعل ذلك ، أو أن يطلب من المريض التوقف عن أخذ الدواء أو العلاج ، أو صرف أي نوع من أنواع الدواء الطبي ، أو طلب تحاليل أو صور أشعة أو تقارير طبية ، وهذا كلام بغير علم ، ولا يقل خطورة عن سابقه ، وقد يعجب الكثير من طرح مثل تلك القضايا وإمكانية حدوثها ، وهذا واقع محسوس مشاهد عاينته بنفسي وعشت معاناته وقهره ، بل قد وصل الأمر بأحدهم ممن تفنن بأساليب التلاعب بعقول الناس إلى حد فاق التصور والوصف حيث عمد إلى تعليق وسائل تعليمية طبية في عيادته ليشرح للمرضى تأثير الجن والسحر والعين على هؤلاء المرضى ، وإن كنت أنقل هذا الكلام وأنشره على صفحات هذه المجلة الغراء فإني والله أتألم غاية الألم من أمثال هؤلاء وتصدرهم لحمل أمانة هذا العلم ومعالجتهم للمسلمين ممن ابتلي بهذه الأمراض ، وواقع الأمر أن أمثال هؤلاء يحتاجون لعلاج أنفسهم قبل أن يعالجوا الآخرين ، وما أظن أولئك إلا أنهم قد أصيبوا بلوثة فكر ، أو نظرة كبر اعتقدوا من خلالها أنهم أصحاب علم لدني لا يباريهم فيه أحد ، ولا يجاريهم فيه مجد ، فإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله 0

وعليه فمهمة المعالج حال وقوفه على الأسباب الرئيسة للمعاناة وأنها ناتجة بسبب التعرض للإصابة بمرض من الأمراض التي تصيب النفس البشرية ، هو الاهتمام بالجانب المتعلق بعمله فقط وهو الرقية الشرعية ، دونما الخوض في القضايا الطبية والبحث فيها ، أو إعطاء أي توجيهات للحالة المرضية تتعلق بهذه الناحية كترك المراجعة الطبية أو العزوف عن استخدام الدواء ، وقد تكون المعاناة مزدوجة ، أي أن المريض يعاني من مرض عضوي ومرض آخر من الأمراض التي تصيب النفس البشرية كالصرع والسحر والعين والحسد ونحوه ، وهذا يؤكد على أمر في غاية الأهمية يتعلق بتركيز المعالج على النواحي والجوانب التي تهمه فقط دون الخوض والبحث في المسائل الأخرى التي قد يؤدي البحث فيها لعواقب وخيمة تضر بالرقية الشرعية وأهلها وتعطي فكرة للعامة والخاصة ملوثة بالشوائب والرواسب ، مع أن الرقية الشرعية علم قائم بذاته جعلت لتحقيق أغراض وأهداف سامية ونبيلة يتحقق من ورائها المصلحة الشرعية العامة للمسلمين 0

وكذلك الأمر بالنسبة للطبيب المسلم فعليه واجب شرعي يتمثل بتوجيه المرضى وتعلقهم بالخالق سبحانه وتعالى والتضرع إليه ، وكذلك توجيههم للرقية الشرعية وحثهم على رقية أنفسهم للاستشفاء بالكتاب والسنة ، وكذلك تحفيزهم على طلب الرقية الشرعية إذا احتاجوا إليها عند أصحاب العقيدة الصحيحة ومن يتوسم فيه الخير والصلاح من أهل الخبرة والاختصاص في هذا المجال ، خاصة إذا علم أنه يقوم بعمله وفق منهج شرعي سليم محافظا على سلامة المرضى وصحتهم ، وأن لا يمانع من الرقية الشرعية كما قد يفعل البعض وإظهار أن الطب بشقيه العضوي والنفسي لا يؤمن بتلك الأمراض وأعراضها وتأثيراتها والطرق الشرعية المتاحة لعلاجها 0

على المعالج أن يحرص على استخدام كل ما هو نافع وثابت في الكتاب والسنة كالعسل والحبة السوداء وماء زمزم وزيت الزيتون ونحوه ، والابتعاد عن وصف أو إعداد أية مواد طبية أو أعشاب متنوعة دون علم ودراية ودون ترخيص أو إجازة من الجهات المسؤولة عن ذلك ، وقد يؤدي مثل ذلك التصرف لإيذاء المرضى ، وقد يتسبب استخدام تلك الأعشاب دون علم ودراية لمضاعفات جسيمة ذات عواقب وخيمة لا يعلم مداها وضررها إلا الله ، وتكون المسؤولية عظيمة آنذاك أمام الخالق سبحانه وتعالى ، وأمام الآخرين من ذوي العلاقة والحسبة 0

قال الشوكاني - رحمه الله - : ( قال ابن رسلان وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالأخف لا ينتقل إلى ما فوقه فمتى أمكن التداوي بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى قطع العرق ) ( نيل الأوطار – 8 / 205 ) 0
وهناك تجربة رائدة في اللقاء بين الأطباء والمعالجين في المدينة المنورة أخبرني بها الدكتور أحمد حافظ استشاري طب نفس الأطفال حيث يحضر بعض المعالجين مناظرة الأطباء للمرضى ويتم عمل دورات تثقيفية لهم لتوعيتهم بالأعراض والعلامات المرضية وكما يقول أبو البراء أن من الأمور الهامة التي يجب أن تتبلور بين الراقي والطبيب عقد اجتماعات ولقاءات دورية لتدارس الحالات ووضع الملاحظات التي ستؤدي لنتائج ذات فائدة عظيمة للطرفين ، ولما يترتب عن تلك اللقاءات من مصلحة شرعية عامة للمسلمين ، بحيث يكتسب الطبيب رؤية واضحة جلية عن تلك الأمراض التي أقرها الشرع وأثبتها ، وبذلك يزداد إيمانا بخالقه وهو يرى أمام ناظريه بعض الحقائق عن هذا العالم الغيبي التي لم تستطع كافة المكتشفات الطبية بلوغه بكل ما وصلت إليه من التطور والرقي العلمي ، وأن يسترشد الراقي بإرشادات الطبيب لعدم الوقوع في أخطاء تتعلق بصحة وسلامة المرضى.

ومما يؤكد هذا المفهوم كلام جميل أنقله للدكتور الفاضل محمد بن عبدالله الصغير الطبيب النفسي في جامعة الملك سعود بالرياض – قسم الباطنية – فرع النفسية - في تقديمه للكتاب الموسوم " كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية ؟ " للشيخ عبدالله بن محمد السدحان – حفظه الله - ، يؤكد من خلاله ثمرة التعاون في هذا المجال لعلاج عدد من الحالات المرضية حيث يقول :
وقد اختلفت مع الأخ عبدالله في بعض النقاط المتعلقة بالأمور النفسية من واقع ما أعايشه – وزملاء المهنة في الطب النفسي – وقد استجاب مشكوراً ، حرصاً منه على التقارب في وجهات النظر وسعياً إلى إيجاد حلول عملية واقعية لكثير من الممارسات والأخطاء التي تقع في هذا الجانب ولئلا يكون المريض وأقاربه في حيرة وقلق ولئلا يقع منهم ما يخلّ بالأمور المشروعة 0 وكان ثمرة هذا التعاون علاج عدد من الحالات المرضية النفسية بصورة أكمل وتماثلت للشفاء في وقت أسرع بعد توفيق الله تعالى ، والله الموفق ) ( كيف تعالج مريضك بالرقية الشرعية ؟ - ص 17 ) 0

قلت : قد يحصل الاختلاف ولكن من خلال الاعتماد على الله سبحانه وتعالى ثم الدراسة الموضوعية الدقيقة لا بد أن يتوصل كلا الطرفين المعالج والطبيب النفسي لقاسم مشترك ، وهذا يؤكد على البحث عن الحقيقة والوصول إليها دون الركون لهوى النفس أو انتصار للذات ، والدراسة الجدية الموضوعية لا بد أن تحقق مصلحة شرعية تعود فائدتها على المعالج والطبيب والمريض وهذا ما تحقق فعلاً للدكتور والشيخ – حفظهما الله – "

 

ثالثا العلم الشرعي وعلماؤه:

بالرغم من أهمية أن يحرص الطبيب المسلم على الجمع بين دراسته الأكاديمية التخصصية في مجال الطب وبين الأمور الشرعية التي تعتبر عاملا أساسيا في التوفيق والسداد لو استغلت على الوجه المطلوب، فلا بد أولا من إخلاص النية لله في عمله ومحاولة إصلاح ما بينه وبين الله سبحانه وتعالى ليصلح الله ما بين يديه ويبدأ باتباع منهج الحبيب المصطفى في البدأ بالتسمية وذكر الله قبل معاينة المرضى والاعتماد على الله في العلاج والتشخيص والتيقن بأن تيسير الشفاء على يديه هو توفيق من الله وحده ، وبذلك يتم الجمع بين أسباب الشفاء المختلفة كما أن عليه أن يتلقى العلم من علماء الشريعة ويجتهد في تعلم دينه ولا سيما المسائل التي تتعلق بتخصصه.

وبالرغم من أهمية هذا كله إلا أنني أنبه على أن المريض أتى لشخص يتوقع أن مهنته طبيب ولا يتوقع أنه أتى لمعالج بالقرآن أو واعظ أو عالم دين وبالتالي يجب عدم خلط الأوراق أمام مريض لا ينقصه مثل هذا الخلط فإذا كان هناك من دعاء للمريض فليكن بظهر الغيب وإذا كانت هناك دعوة فلتكن بالحكمة الموعظة الحسنة وليكن من الحكمة اختيار التوقيت والظروف والطريقة المناسبة للمريض فأنت مثلا لا تأتي لمن يحتضر وتقول له قل لا إله إلا الله ولكن تذكر الشهادة على مسمع منه لعله يتذكر فيقولها بدون أن تفتنه فيرفض وهذا يعلمنا أن نختار الطريقة المناسبة للدعوة فالمريض الذي يعاني من الأكتئاب قد يضره الإحساس بالذنب في حين أنه قد يفيد المريض ذا الشخصية المضادة للمجتمع.

إن هذا النسق من الطبابة لم يجمع بين الأخذ بأسباب الدين والدنيا فحسب ولكنه يساهم بشكل فعال في تقوية العلاقة بين المرضى وطبيبهم ويساعدهم على تقبل الدواء والبرنامج العلاجي0

إن النصوص الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في علاج كثير من الأمراض ليست عرضة للخطأ أو الزلل وهي قائمة إلى قيام الساعة ، وتحتاج لتوظيف الكوادر التي تقوم في البحث والدراسة للاستفادة منها على أكمل وجه وأنفعه ، وهذا يؤكد ضرورة اهتمام الطب في العصر الحاضر بهذا الجانب ، ودراسة وعمل الأبحاث الخاصة باستخدامات العسل والحبة السوداء والزيت ونحوه ، واستخدامها في العلاج إضافة للوصفة الطبية الخاصة بالمرض 0

واليوم نرى بجلاء ووضوح بعض الباحثين والدارسين الإسلاميين الذين تصدروا مثل هذا العمل ، ومن هؤلاء الدكتور أحمد القاضي والدكتور أسامة قنديل في الولايات المتحدة الأمريكية ، وكذلك بعض الأبحاث الصادرة في المملكة العربية السعودية عن جامعة الملك عبدالعزيز بجده ، فجزى الله الجميع على مجهوداتهم وشكر سعيهم ووفقهم لما فيه الخير والمصلحة الشرعية للمسلمين 0

وفي ذلك يقول ابن القيم – رحمه الله - : ( وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء ، فإن طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلهي ، صادر عن الوحي ، ومشكاة النبوة ، وكمال العقل ، وطب غيره ، أكثره حدس وظنون ، وتجارب ، ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة ، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول ، واعتقاد الشفاء به ، وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان ، فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور – إن لم يتلق هذا التلقي – لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها ، بل لا يزيد المنافقين إلا رجسا إلى رجسهم ، ومرضا إلى مرضهم ، وأين يقع طب الأبدان منه ، فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة ، كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة والقلوب الحية ، فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع ، وليس ذلك لقصور في الدواء ، ولكن لخبث الطبيعة ، وفساد المحل ، وعدم قبوله ، والله الموفق ) ( زاد المعاد – 4 / 35 ، 36 )

 

رابعا الطب النفسي

 

 

الطبيب الذي يفهم علمه لا يملك إلا أن يزداد تواضعا يوما بعد يوم فمثلا ما يعرفه علم الطب النفسي اليوم هو أكبر دليل على جهل هذا العلم!!! ذلك لأن ما نعرفه اليوم لم نكن نعرفه قبل 20 عاما أي أننا كنا جاهلين به قبل 20 عاما وهذا يؤكد أننا نجهل أشياء أخرى اليوم سنعرفها إن شاء الله بعد 20 عاما أخرى وعليه يمكننا القول أن العلم هو أكبر دليل على الجهل!!!

والعلوم الدنيوية في تطور مستمر ولذلك نتوقع أن القواعد والقوانين العلمية عرضة للتغيير والزيادة والنقص وربما تعدى ذلك إلى إلغاء تلك القوانين من أساسها ، لما يشوبها من خطأ أو زلل أو انحراف أثبتته الأيام والخبرة والتجربة على مر السنين ، وكم من دواء أثبتت الأيام نتائجه السلبية الضارة على جسم الإنسان ووظائفه المختلفة بحيث تم سحبه من الأسواق وإلغاء اعتماده كدواء ناجح وفعال ، وكل ذلك يعزى إلى أن تلك الدراسات والأبحاث من صنع البشر الذين كلما تعلموا شيئا اتضحت لهم الرؤ

 

 

 

 

 

 


وأعجب مما يتناقله بعض العلماء والأطباء العضويين على أن القرآن الكريم هو كتاب للعقيدة والشريعة وهداية الإنسان وضبط حياته ، وليس كتاباً في الطب ، أو أن القرآن شفاء للأمراض الاجتماعية والأخلاقية والانحرافات بكل أنواعها فأنى له أن ينقل من ميدانه هذا ليوضع في المستشفيات كي يكون علاجاً للمرضى 0

وكذلك يزداد العجب من كلام قرأته في مجلة " الأسرة " في مقالة تحت عنوان " قرَّاء أم مشعوذون " مع أن مجلة الأسرة من المجلات الإسلامية المتميزة في الطرح والعطاء ، وكان من المفترض أن يعطى هذا التقرير حقه من البحث والتحقيق العلمي الموضوعي لأهمية هذه الموضوعات على الساحة اليوم من جهة وعلاقتها بمسائل العقيدة من جهة أخرى ، ولا يخفى علينا جميعاً التجاوزات والشطحات والترهات التي اتسع فيها الخرق على الراقع في هذا المجال ، إلا أن الحق أبلج لا يمكن رده بادعاء بعض المحررين الصحفيين بما يمتلكونه من معلومات شرعية ضئيلة لا تؤهلهم للخوض في هذا الموضوع الدقيق والحساس ، ولا أقصد من خلال هذا الكلام الإساءة لأحد بعينه ، إنما المصلحة الشرعية تحتم علينا تقوى الله سبحانه وتعالى في كافة المعلومات التي نقدمها للجمهور المسلم لما يترتب عن هذه المعلومات من غرس للأفكار والمعتقدات التي قد توقع العامة ممن لا يملكون كماً من العلم الشرعي في الضلال ومن ثم الوقوع في الإثم العظيم ، مع تقديري واحترامي لأسرة مجلة الأسرة ، والدعاء لهم بالتوفيق والسداد ، ومما جاء في هذا التقرير :

(
والغريب أن بعض أدعياء العلاج بالقرآن في مصر يصر على زيارة أحد مشاهير العلماء ويأخذ صورة معه ثم يدعي أنه بارك عمله في العلاج بالقرآن 0 وهذا ما فعله 00000 الذي قال إن الشيخ متولي الشعراوي – رحمه الله – دعا له وبارك قيامه بالعلاج بالقرآن 0 على الرغم من أن الشيخ الشعراوي صرح أكثر من مرة " أن علاج الأمراض العضوية بالقرآن دجل وشعوذة ويجب على كل مسلم أن يجتهد في العبادة ويأخذ بأسباب العلاج من خلال الأطباء المتخصصين الذين هم أهل الذكر الذين أمرنا الله بسؤالهم إذا تعرضنا للمرض 0

إن الذين يدعون العلاج بالقرآن ممن أسمع عنهم مجموعة من الدجالين ، فالقرآن شفاء لأنه يهدي إلى الحق ويحذر من الباطل أما الرحمة فهي نزع الغفلة من قلب المؤمن 0 إن المرض والأوجاع نوع من الاختبار الإلهي يهدف إلى تعليم الإنسان كيفية استقبال قدر الله ) ( مجلة الأسرة – ص 10 – 11 – العدد 75 جمادى الآخرة 1420 هـ ) 0

وكافة ما ذكر فيه وجه حق وآخر باطل ، أما وجه الحق فهو ما قرره علماء الأمة من أن القرآن كتاب عقيدة وشريعة وهداية ، وكذلك شفاء للأمراض الاجتماعية والأخلاقية والانحرافات بكل أنواعها ، وأما وجه الباطل فإنكار حقيقة العلاج بالقرآن بل وصف ذلك بالدجل والشعوذة والدروشة التي ينبغي أن يتجرد منها العلم الإسلامي ، مع أن النصوص النقلية الصحيحة قد أكدت بما لا يدع مجالاً للشك هذه الحقيقة ، كما أكد علماء الأمة الأجلاء ذلك ، ومما لا شك فيه أن العلامة الرباني ابن القيم قد أوضح ذلك في كلامه آنف الذكر بأروع بيان وأوضح برهان ، وفي ذلك كفاية عن كل مقولة ورواية ، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة 0

وأذكر في ذلك كلاماً جميلاً ذكره العيني نقلاً عن الأمام الخطابي يقول فيه : ( الرقية التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هي ما يكون بقوارع القرآن ، وبما فيه ذكر لله تعالى على ألسن الأبرار من الخلق الطاهرة النفوس ، وهو الطب الروحاني ، وعليه كان معظم الأمر في الزمان المتقدم الصالح أهله ، فلما عزّ وجود هذا الصنف من أبرار الخليقة مال الناس إلى الطب الجسماني ، حيث لم يجدوا للطب الروحاني نجوعاً في الأسقام ، لعدم المعاني التي كان يجمعها الرقاة ، وما نهي عنه هو رقية العزَّامين ومن يدعي تسخير الجن ) ( عمدة القاري - 17 / 403 )



تاسعاً : إن بعض الأطباء النفسيين يقعون في خطأ إعادة كافة الأعراض المتعلقة بالحالات المرضية في حالة اليقظة أو النوم لأسباب نفسية بحتة :

وكذلك الحال بالنسبة لبعض المعالجين ممن يعيد تلك الأعراض للإصابة بالأمراض الروحية كالصرع والسحر والعين والحسد ونحوه ، وكل ذلك مخالف للصواب ، فلا بد أن تكون الدراسة الموضوعية والبحث والتقصي في هذا المجال كفيلين للوصول لما يصبو إليه الطبيب والمعالج وهو سلامة وشفاء المريض بإذن الله تعالى ، وبما أن الهدف والغاية واضحة فلا بد من التقاء جاد بين الطرفين الأطباء والمعالجين لدراسة تلك الأعراض وتحديد الوجهة الصحيحة للعلاج ، وهذا لا يعني مطلقا ترك اتخاذ أسباب العلاج بالرقية الشرعية ، بل المقصود من ذلك تحقيق الغاية والهدف الذي يسعى له الجميع 0

ولا بد أن تكون تلك الدراسة بعيدة عن التخبط أو الانحياز والتعصب لرأي خاطئ ما لم تكن الأعراض والأدلة تشير إلى طبيعة الحالة ومعاناتها ، وبذلك يستفيد كل طرف من الآخر ، ويسعى الجميع لتحقيق المصلحة الشرعية 0

تلك هي بعض الملامح المحددة التي لا بد أن تتبلور في العلاقة بين الراقي والطبيب ، ونحن على يقين تام بأن الالتزام بهذه المنهجية في التعامل بين الطرفين تؤتي ثمار أكلها طيب ونفعها عظيم وشامل بإذن الله تعالى ، وإن كنت أقدم نصيحة لإخوتي الأطباء والمعالجون فهي تقوى الله سبحانه وتعالى في السر والعلن ، وأن يكون القصد والغاية من العمل وجه الله سبحانه ، لا أن يكون انتصار للذات أو تقديم علم البشر على علم الخالق أو تحقيق أي أمر من أمور الدنيا الزائلة إنتهى كلام أبي البراء 0

 

وإذا أردنا أن نجيب على سؤال ما هي المادة الفعالة في العلاج بالقرآن؟. فإذا قلنا أنه القرآن نفسه فلماذا يقرأه شخص على آخر؟ أليس من الأجدى أن يكون للمريض دور إيجابي في التداوي بتمرير العلاج على كل خلية من خلايا جسده وأن يتفاعل بنفسه مع القرآن دون مساعدة حاجز بينه وبين القرآن. وإذا قلنا أن المعالج بالقرآن هوجزء صغير أو كبير من هذه المادة الفعالة فما هي المعايير المستخدمة لتصنيع هذه المادة الفعالة؟. وهل هذه المادة الفعالة تظل فعالة طوال الوقت ألا تفسد أو تنتهي فترة صلاحيتها؟ ألا تحتاج لدراسة آثارها السامة على المرضى؟ ألا يجوز إعادة النظر فيها واستبدالها بمواد أكثر فعالية وأقل ضررا؟ ألا تحتاج لتطوير أو تعديل؟ هل من المهم أن يكون المعالج على علم وتقوى وورع ولديه من الإخلاص والتواضع ما يجعله يرجع إلى الفقهاء إذا حاك في صدره شيء؟ ولماذا لا نرى المخلصين من العلماء والفقهاء يمارسون هذا العلاج؟ ولماذا لم تبرز هذه الوظيفة في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم بروزها في زمننا هذا؟ أسئلة مازالت تبحث عن إجابة.

 

 

أ.د. عبدالكريم مصطفى إبراهيم

 

أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة الأزهر

 

 

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 650 مشاهدة
نشرت فى 10 مايو 2012 بواسطة tebnabawie

سالم بنموسى

tebnabawie
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,214,492