المس والصرع وضرب المريض :
قال الله تعالى : [ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ
الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ ] ( البقرة : 275 ) .
قال القرطبي : « في هذه الآية دليل على فساد إنكار من أنكر الصرع من
جهة الجن وزعم أنه من فعل الطبائع وأن الشيطان لا يسلك في الإنسان ولا يكون
منه مس » [40] .
وقال ابن كثير : « أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة إلا كما يقوم
المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له ؛ وذلك أنه يقوم قياماً منكراً » [41] .
فالآية أثبتت أن الشيطان يمس الإنسان ويجعله يتخبط وهذا لا يقتضي حصر
التخبط والصرع في المس ؛ فليس كل صرع يكون بسبب المس ؛ وقد بوب
البخاري رحمه الله في صحيحه في كتاب الطب باباً عنوانه : « باب فضل من
يصرع من الريح » وساق فيه حديث ابن عباس رضي الله عنه في المرأة السوداء
التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : « إني أُصرَع وإني اتكشف
فادع الله لي ، قال : إن شئت صبرتِ ولك الجنة ، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك ؟
فقالت : أصبر . فقالت : إني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف فدعا لها » [42] .
قال ابن حجر : « قوله ( باب فضل من يصرع من الريح ) انحباس الريح قد
يكون سبباً للصرع وهي علة تمنع الأعضاء الرئيسة عن انفعالها منعاً غير تام ...
وقد يتبعه تشنج في الأعضاء فلا يبقى الشخص معه منتصباً ؛ بل يسقط ويقذف
بالزبد لغلظ الرطوبة » [43] .
قال ابن القيم : « الصرع صرعان : صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية ،
وصرع من الأخلاط الرديئة والثاني : هو الذي يتكلم فيه الأطباء في سببه وعلاجه ،
وأما صرع الأرواح فأئمتهم وعقلاؤهم يعترفون به ولا يدفعونه » [44] .
وبعض من يعالجون بالرقية يقومون بضرب المريض ( مع ربطه أو خنقه )
لطرد الجن ، وقد سئل عن هذا الشيخ ابن باز رحمه الله فأجاب : « هذا يفعله
بعض الناس والذي ينبغي تركه ؛ لأنه قد يتعدى عليه وقد يضره على غير بصيرة ،
ولقد ورد عن بعض الأئمة فعل مثل ذلك الضرب وهذا يحتاج إلى نظر ؛ فإن الخنق
والضرب قد يترتب عليه هلاك المريض ؛ والمشروع والمعروف هو القراءة فقط
بالآيات والدعوات الطيبة ، وهذا هو الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
والصحابة رضوان الله عليهم ولا نعرف منهم أنهم كانوا يضربون ، أما فعل بعض
العلماء فليس بحجة ؛ لأن هذا فيه نظر ؛ فقد يأتي إنسان يدعي الرقية والطب
ويؤذي الناس بالضرب والخنق وربما قتله وهو يريد نفعه ؛ فالواجب عدم فعل ذلك
وعدم التعرض لهذا الخطر العظيم ، ولو كان خيراً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم
وبينه الصحابة رضي الله عنهم ثم هذا في الغالب تخرصات ؛ فقد تفضي إلى هلاك
المريض » [45] .
ولأنه لم يرد نهي عن استعمال الضرب فقد استعمله بعض الأئمة كما نقل ذلك
ابن القيم عن شيخه ابن تيمية رحمهما الله .
وقال ابن تيمية : « فإنه يصرع الرجل فيتكلم بلسان لا يعرف معناه ،
ويضرب على بدنه ضرباً عظيماً لو ضرب به جمل لأثر به أثراً عظيماً ،
والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب ولا بالكلام الذي يقوله » [46] .
وهذا أدى بكثير من الرقاة إلى ضرب العديد من المرضى ضرباً شديداً
« معولين على كلام ابن تيمية » ظناً منهم أن هذا الضرب لا يقع على المريض
وإنما يقع على الجن مما أدى ببعض الحالات إلى الوفاة أو الإصابات الخطيرة [47] . .