والحاصل أن ضرب المريض لا ينبغي وذلك لعدة أمور هي :
1 - لم يثبت بذلك شيء من الكتاب ولا السنة ولو كان فيه خير لسبقنا إليه
السلف بل لدلنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كيف لا وهو أحرص الناس على
نفع أمته وأرحم العباد بالعباد وقد أرشد أمته إلى أنواع من الأدوية الشرعية والحسية
« كشرب العسل والحجامة والكي » .
2 - إذا لم ينتفع المريض بالرقية الشرعية « وهي أقوى شيء على الشياطين
إذا صدرت من قلب مؤمن ونية صادقة » فمن باب أوْلى ألا ينتفع بالضرب مهما
كان قوياً .
3 - لا أحد يستطيع أن يجزم قاطعاً أن الضرب لا يقع على جسد هذا
المريض وإنما يقع على الجان ، وليس في ذلك سوى الظن الذي كثيراً ما يُخطئ
فيقع ضحيته أناس مرضى ، لا يعلم الذي ضربهم عظم معاناتهم بسبب شدة الضرب .
4 - إن حادثة واحدة ( أو أكثر ) وقعت لبعض الأئمة ( كابن تيمية ) لا ينبغي
أن تجعل شرعاً وسنة يؤذى على ضوئها عدد غفير من المرضى ولو كان ابن تيمية
في هذا العصر وعلم ما يحصل من الضرر والأذى على المرضى فلربما منع
الضرب وقد كان من أعلم الناس وأحكمهم وأعرفهم يقتدون به في باقي خصاله من
العلم والعمل والصدق والإخلاص .
5 - إذا لم تُجد مع المريض الرقية الشرعية وحدها واحتاج الراقي أن يضم
إليها شيئاً من أنواع العلاجات فالأوْلى والأحكم أن يطلب أن يُضم إليها شيء من
العلاجات الطبية الحديثة التي جربت ونفعت بإذن الله ، وثبت تأثيرها الإيجابي
وانتفى خطرها على البدن والروح « وإن كان لها بعض الآثار الجانبية اليسيرة »
لا أن يُصار إلى الضرب المبرح المتحقق الضرر .
6 - ثبت بالمشاهدة أن كثيراً من المرضى الذين ليس فيهم جن إذا ضربوا
ضرباً مبرحاً « خصوصاً إذا كانوا مربوطين ولا يستطيعون التخلص » فإن الواحد
منهم سرعان ما يقول بلسان نفسه إنه جني ويعاهد على الخروج من أي مكان يريد
القارئ ، وهدفه أن يتخلص من الضرب الشديد الذي صار أشد عليه من أن يقال له
مجنون .
7 - هناك أمراض نفسية عصبية « الهستيريا التحولية بأشكالها » يحصل
فيها فقد تام أو شبه تام للإحساس بالألم والحرارة وسائر أنواع الإحساس ؛ بحيث قد
لا يحس المريض حتى بأشد أنواع الضرب « وبعضهم يتمزق بعض جلده ويخرج
منه الدم وهو لا يحس » فيظن المعالج الذي يضرب المريض أن هذا بسبب الجن
والحالة نفسية عصبية معروفة قد تزول بإبرة مهدئة تعيد المستقبلات العصبية إلى
عملها فيعود إحساس المريض خلال دقائق ؛ وهذا مشاهد في كثير من الحالات
النفسية .
وبعض المرضى يكون في حالة شبه إغماء فيبالغ المعالج في ضربه حتى
يفيق ، وقد زالت عنه الحالة ( لأنها عادة لا تدوم سوى ساعات أو أقل ) فيظن
المعالج ( وربما المريض أيضاً ) أن هذا كان بسبب المس ، وأن الجني خرج
بالضرب .
وهؤلاء غالباً ما تعاودهم الحالة مرات ومرات وكل مرة يزعمون أن بهم مساً
جديداً