الشباب هل هم رصيد للمجتمع أم عالة عليه؟ كثيرًا ما نسمع أن التزايد السكاني في دولنا العربية هو أحد أهم أسباب تفشي البطالة، والحل في رأي من يقول ذلك هو تحديد النسل، حتى لا يصبح لدينا أيدٍ عاملة كثيرة نبحث لها عن وظائف وأعمال. فهل نعلق بطالة الشباب على شماعة كثرة عددهم؟ وهل هذا يعني أنهم فعلًا عالة على مجتمعاتهم؟ ما هو الحل لبطالة الشباب؟ ما هو الحل لمن يتخرج ولا يجد فرصة عمل وتضيع سنوات من عمره وهو يبحث عن عمل بلا طائل؟ وقد يستدل البعض بأوروبا والغرب وأن النمو السكاني عندهم بطيء ولذا الاقتصاد مزدهر والكل يجد أعمال والكل يجد وظائف والحياة مزدهرة، وهذا استدلال خاطئ وليس في مكانه وذلك من عدة نواحي: أولًا، لو كانت مشكلتنا في العالم العربي فقط مشكلة التضخم السكاني، فهذا يعني أن هنالك قطاع منتج ومبدع صغير يقدم لنا الاختراعات الجديدة كل يوم ويحرك عجلة الاقتصاد والأرباح، أما من يعاني من الفقر والبطالة فهم الفائض السكاني الذين لا لزوم لهم. فهل هذا هو الواقع؟ أم أن الجميع يعاني؟ وحتى من يجدوا وظائف في عالمنا العربي فهل وظائفهم منتجة؟ هل العامل العربي بنفس إنتاجية العامل الغربي؟ ثانيًا، لو أخذنا دولة أوروبية مثل إيرلندا على سبيل المثال، هي من أكثر الدول الأوروبية نموًا سكانيًا، مع ذلك فهي أكثر الدول الأوروبية نموًا اقتصاديًا وأكثر من ذلك تعاني من نقص العمالة المدربة! سبحان الله، كيف دولة عندها نمو سكاني جيد (ليس كبيرًا مثل الدول العربية) لكن عندها نقص في العمالة؟ ونفس السؤال نطرحه بخصوص تركيا وهي دولة عدد سكانها يساوي عدد سكان مصر وفيها نمو سكاني عالي نسبيًا، وكانت دولة فقيرة ومتخلفة اقتصاديًا ولم تنطلق إلا بالسنوات الأخيرة، واختفت البطالة وأصبح الكل منخرطًا في مجال العمل. ثالثًا، الجواب على النقطتين السابقتين يكمن في اختلاف النظرة إلى اليد العاملة، وإلى الخريجين الجدد والشباب المتدفق على سوق العمل، في الدول المتقدمة اقتصاديًا والمزدهرة ينظر إليهم على أنهم عناصر إنتاج، يمكن استغلالهم والاستفادة منهم اقتصاديًا، تستغل هذه الطاقات للإنتاج والمزيد من الإنتاج، وتكون المكاسب متبادلة: يجد الشاب فرصة عمل يؤمن بها مستقبله، والشركات تزيد من مبيعاتها وبالتالي تزيد من أرباحها. أما في الدول المتخلفة فينظر إلى اليد العاملة على أنها أفواه جائعة، وإلى الوظيفة على أنها صدقة نقدمها لمن جاء يطلب مساعدة الحاكم أو الرئيس أو الحكومة، لا أحد يفكر باستغلالهم في نشاط اقتصادي يفيدهم ويفيد المجتمع والدولة، وبالتالي يكون الشباب طاقات معطلة وعالة على مجتمعاتهم. من مسؤولية الحكومة أن توفر المناخ المناسب لانطلاق الأعمال والصناعات، ومحاربة الفساد والرشاوى والمحسوبيات التي تضيق الخناق على العمل الحر والإنتاج الحقيقي، والتوقف عن التعامل مع شعوبها بعقلية الإحسان والانتقال إلى مستوى تنمية هذه الشعوب اقتصاديًا وتشجيع العمل المنتج، بدلًا من البطالة المقنعة. وفي المقابل من مسؤولية الشباب أن يغير طريقة تفكيره وقناعاته، ويؤسفني جدًا أن أسمع من شباب خريج، يفترض به أن يكون شعلة نشاط متقدة، أن أكبر همه هو وظيفة على بند البطالة! أو يفكر بوظيفة حكومية فقط لأن راتبها مضمون والعمل مريح (أو لا عمل كما في الكثير من الأحوال)! أو يفكر بالوظائف التي تدر دخلًا بدون مجهود يبذل. صحيح أن لقمة العيش مقدمة على أي شيء آخر، لكن هل مخصصات البطالة لقمة عيش؟ لماذا لا يكون طموحك أعلى من الفتات المسمى راتب البطالة وتحاول أن تبدع وأن تجد لك مجالًا للعمل الحر، قد لا يزيد دخلك عن راتب البطالة، لكنه يبقى من عرق جبينك وليس مجرد إحسان يقدم لك، والأهم من ذلك هو أنك تكتسب خبرة عملية تساعدك على الانطلاق مستقبلًا في حياتك. لا شك أن مجتمعاتنا العربية عاجزة عن استيعاب الشباب والخريجين الجامعيين، ودمجهم في سوق العمل، لكن هل ننتظر حتى تأتينا حكومات تتولى هذه المهمة؟ لماذا لا نبادر نحن؟ وليساعد كل منا نفسه، أم ننتظر هطول الرزق مع هطول الأمطار؟ أم ننتظر حلولًا سحرية من الفارس المخلص القادم من المجهول؟ لا يوجد شيء اسمه أرباح سهلة، ومن جد وجد ومن طلب العلا سهر الليالي، وحياة الإنسان مكابدة ومعاناة وجهاد، ولقد خلقنا الإنسان في كبد، فإن كان لا بد من مكابدة فلتكن من أجل طموح يناطح السحاب لا من أجل التسول على موائد السلطان.
مجموعة المستقبل للأستثمار
العمل الجماعي ضرورة عصرية، أنتجته ظروف الواقع المعاش الذي يحتم على كل طموح أن يتجه إليه لتحقيق أكبر أهداف بأقل وقت، وأنسب ثمن. من هنا علينا أن نؤمن بأن الشباب ثروة المجتمع والاستثمار فيهم هو أفضل استثمار، فمكاسبه مضمونة ولا خسارة فيه. لن أقول رب همة أحيت أمة ،،،، بل »
مجموعة المستقبل للأستثمار
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
22,323