التخطيط التربوي وأهميته في تنظيم الموارد والإمكانات المادية والبشرية
اعداد الدكتور/ سعد بن سعيد آل غالب
إن التخطيط وسيلة علمية وعملية مهمة، تهدف إلى تنظيم الموارد والامكانات المادية والبشرية المتاحة لتحقيق الغايات التي تترجمها الأهداف باستقلال يحقق أعلى مستوى من الجودة وباستخدام أمثل للكلفة والوقت وينطلق من استقراء الحاضر واستشراف المستقبل لتلبية الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية.
ولقد شهد العقدان الأخيران متغيرات عميقة وسريعة في البيئة الداخلية والخارجية للتعليم استوجبت تغييرات جوهرية في أساليب التخطيط التربوي التقليدية، واستهدف التخطيط الفعال تحليل البيئة الخارجية للمؤسسات التعليمية لاستقراء الفرص المتاحة والمخاطر المحتملة وتحليل القدرات الذاتية لتحديد نواحي القوة والضعف والتوصل إلى البدائل وإحداث التنسيق والتعاون بين جميع الأنشطة لتنفيذ استراتيجية المؤسسة التعليمية وتحقيق غاياتها. إن اختيار أسلوب التخطيط ومنهجه لا يقل أهمية عن توظيف عملية التخطيط نفسها، إذ إن تحديد المنحى انطلاقاً من فلسفة تخطيطية محددة واضحة يهيئ فرصة أكبر للنجاح في العمل التخطيطي، مما يجعل منه قاعدة للعمل المؤسسي، وأداة لترشيد القرار التربوي وتوجيهه. والمملكة العربية السعودية كمثيلاتها من الدول الأخرى مارست عملية التخطيط لتواجه متطلبات التنمية الشاملة وحاجات الأفراد والمجتمع في المجالات كافة، وحققت بتوفيق الله - من خلالها بنية تحتية مادية حضارية ذات مستوى متميز وبمعايير وجودة عالمية. ولقد خطت المملكة خطوات حثيثة باتجاه تحقيق قدر كبير من النجاح والنمو التربوي والتعليمي في العقود القليلة الماضية ولتحقيق أهداف التنمية في مجال التربية والتعليم فقد رُصدت أموال طائلة لتكوين مخرجات تعليمية ذات مواصفات تحقق أغراض وأهداف مراحل التحول والنمو والازدهار الاجتماعي والاقتصادي ولكن ليس من اليسير الحكم على قدرات النظام التعليمي ومؤسساته في تلبية الاحتياج المستقبلي في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتقنية الحاضرة والمرتقبة ليواجه ما يعرف (بمجتمع الموجة الثالثة) أو مجتمع ما بعد الصناعية، فضلاً عن تشابك المتغيرات وسرعتها التي تتطلب المزيد من الترسيخ للنهج العلمي المعمق في ممارسة عملية التخطيط بشكل عام والتخطيط التربوي بشكل خاص، فالأخير يتكامل وظيفياً مع التخطيط الاجتماعي والاقتصاد التربوي لسنوات مضت بجهود المخلصين العاملين فيها وحققت العديد من الأهداف وتواصلت هذه الجهود حتى تم إعداد خطة السنوات العشر القادمة ملتزمة بمنهجية التخطيط الاستراتيجي وتقنياته وقد أدى إلى تبنيها عوامل عديدة نذكر منها:
1 - الزيادة في عدد الطلاب وبالتالي في الطلب على التعليم.
2 - التغير والنمو الاجتماعي والاقتصادي وبالتالي الزيادة في الطلب على التعليم كماً وكيفاً.
3 - التغير والتحول الصناعي والتقني، وبالتالي التحول في احتياجات المجتمع وسوق العمل.
4 - تداخل المتغيرات على العملية التربوية والتعليمية وبالتالي ازدياد الحاجة إلى التجديد والإصلاح في ضوء الحاجة المستقبلية وتنوع أنماطها.
5 - وجود فجوة بين التخطيط التربوي والتخطيط التنموي الشامل وضرورة المواءمة بين خطط التربية وخطط الدولة الشاملة.
6 - الحاجة الملحة لإتاحة الفرص التعليمية المتماثلة بنسبة عالية من الجودة لجميع المواطنين في مختلف بيئات المملكة العربية السعودية ومناطقها (وزارة التربية والتعليم، ص4).
وبالنظرة العميقة وهذا التوجه من قبل وزارة التربية والتعليم فإننا نظن أن المسؤولين قد أدركوا أهمية التخطيط وادركوا أن الإدارة التعليمية هي الأداة الرئيسة لتحقيق غايات المجتمع واحتلاله المكانة اللائقة بين المجتمعات العصرية غير أن التربية والتعليم لا يمكن أن تحقق الغايات المنشودة منها إلا إذا توافر من يخطط لها وينظمها ويوجهها ويشرف عليها ويقومها ويوفر لها كل الامكانات البشرية والمادية اللازمة ويتخذ القرارات المناسبة وهذا المطلب الأساسي لهذا التخطيط.
ووزارة التربية والتعليم قد وعت أن التخطيط التربوي هو عملية تربوية علمية منظمة تهدف لإحداث تغيير في بناء الإنسان وتنميته وتفعيل أدواره الاجتماعية والاقتصادية من خلال توجيه التعليم ومؤسسات موارده نحو أهداف مستقبلية مقصودة تحقق احتياجات الأفراد والمجتمع بأقل تكلفة وبأعلى نسبة من الجودة وبأقل تكلفة وأقصر وقت. فعملت على إصدار القرار الإداري رقم 9831/25/1ق وتاريخ 2/11/1425ه القاضي باعتماد إنشاء إدارة للتخطيط والتطوير الإداري بإدارة التربية والتعليم بمناطق المملكة العربية السعودية ومحافظاتها. ونص هذا القرار على:
1 - دمج إدارة التخطيط والتطوير (إدارة التطوير سابقاً) بإدارة التخطيط والتطوير الإداري في إدارة واحدة تحت اسم (إدارة التخيطي والتطوير).
2 - يندرج تحت اسم هذه الإدارة الوحدات التالية: وحدة التخطيط، وحدة القياس والتقويم والجودة، وحدة الدراسات والتجديد التربوي.
3 - تقوم وحدة التخطيط في الإدارة بمهام: التخيط، التطوير الإداري، اقتصاديات التعليم.
وبذلك فقد أدرك المسؤولون اهمية التخطيط لأن التخطيط يستهدف تحقيق التنمية الاقتصادية، وأن هناك علاقة وثيقة بين التعليم والتنمية الاقتصادية كما أن التخطيط الجيد على الانفاق على التربية والتعليم يعد ركناً أساسياً من رأس المال الثابت، حيث إن الموارد والمصروفات التي تنفق على التربية والتعليم تعد انفاقاً استثمارياً وليس انفاقاً استهلاكياً ولكن ذلك برؤية وتخطيط جيدين، حيث اجمع كثير من التربويين على أن من أبرز أهداف التخطيط التعليمي ما يلي:
1 - تحقيق التوازن بين نتاجات التعليم من القوى العاملة المؤهلة واحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية على المديين القصير والبعيد.
2 - تحقيق تكافؤ الفرص التعليمية بين المواطنين جميعهم وتمكينهم من مواصلة تعليمهم بالمراحل التعليمية المختلفة وفق امكاناتهم وقدراتهم وميولهم ومطالب نموهم حتى يتمكنوا من ممارسة أدوارهم الاجتماعية المتوقعة منهم في مجتمعهم بغض النظر عن الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية لأسرهم.
3 - حصول كل فرد على نوع من التعليم يمكنه من تنمية شخصيته وقدراته مع التأكيد على مراعاة التخصص والكفاءة النوعية المتطلبة لإعداد الموارد البشرية القادرة على تطوير المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وفق الموارد والامكانات المتاحة..
4 - تحقيق التوازن في الإنفاق المالي على التعليم ليس فقط بين نوع التعليم مستوياته المختلفة، بل بين قطاع التعليم والقطاعات الاقتصادية الأخرى.
5 - تقديم الخدمات التعليمية العادلة والمتكافئة للمواطنين سواء في التعليم الرسمي أو غير الرسمي أو التعليم في المدن أو القرى أو تعليم الذكور أو الإناث.
6 - مواجهة مشكلات البطالة التي أصبحت ظاهرة اجتماعية واقتصادية تؤثر سلباً على الاستقرار السياسي والاجتماعي وخاصة في المجتمعات النامية.
ولقد وضعت وزارة التربية والتعليم على عاتقها مهام في مجال التخطيط التربوي حيث إنها الجهة المسؤولة عن تخطيط التعليم العام للبنين في المملكة العربية السعودية ولقيامها بهذه المسؤولية فإنها تستعين ببعض الأجهزة في إعدادها للخطط التعليمية، لأجهزة استشارية، هذا إلى جانب الاتصال بالوزارات والهيئات الأخرى للتنسيق بين الخطط التعليمية وخطط هذه الجهات، والمفترض أن تقوم الوزارة من خلال الإدارة العامة للتخطيط التربوي بالتعاون مع الإدارات والقطاعات المختلفة داخل الوزارة، بإعداد مشروعات الخطط التعليمية، وتنسيق هذه المشروعات في ضوء خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كما تتلقى اقتراحات المناطق التعليمية بالنسبة لمشروعات الخطة العامة للوزارة اللازمة لها.
وإعداد الدراسات الخاصة بها ومتابعة تنفيذها بغرض تقويمها والتنسيق بينها في حدود الموارد المتاحة وتكافؤ الفرص التعليمية، ودراسة اقتراحات المناطق بشأن تعديل الخطة في المراحل المختلفة، ودراسة واستنتاح المؤشرات التربوية التي تستخدم في تقويم النظام التعليمي، كما تقوم بالتنسيق مع الجهات المعنية داخل الوزارة بإعداد الدراسات والبحوث وتحسين الكفاءة الداخلية والخارجية للتعليم، وإعداد دراسات خفض التكلفة، وإعداد خطط تدريب المعلمين والعاملين بالمدارس كما تقوم بالإشراف على التخطيط بالمناطق التعليمية ووضع خطط الأنشطة الاحصائية لجمع ونشر المؤشرات التربوية وبالمناطق إلى هذه المهام وهذه الجهود المضنية والواضحة من قبل وزارة التربية والتعليم ممثلة في الإدارة العامة للتخطيط والتطوير التربوي يجد أنها جهود مباركة وموفقة ومتطابقة مع الاتجاهات التربوية المعاصرة التي تؤمن بأن عملية التخطيط أصبحت مهمة لترتيب هذه الأعمال عبر خطة زمنية محددة وواضحة لنصل إلى الغايات والأهداف المرجوة كما أصبحت رؤية وزارة التربية والتعليم التي يقودها وزيرها معالي الدكتور عبدالله بن صالح العبيد تتمثل في تخريج طلاب وطالبات مُزودين بالقيم الإسلامية معرفة وممارسة ومكتسبين للمعارف والمهارات والاتجاهات النافعة، وقادرين على التفاعل الايجابي مع المتغيرات الحديثة والتعامل مع التقنيات المتطورة بكل كفاية ومرونة، وعلى المنافسة العالمية في المجالات العلمية والعملية، والمشاركة الإيجابية في حركة التنمية الشاملة.
وذلك من خلال نظام تعليمي فعال قادر على اكتشاف القدرات والميول وبث الروح الايجابية للعمل، وفي بيئة مدرسية محفزة على التعليم والتعلم. ويحرص المسؤولون في وزارة التربية والتعليم على تنفيذ هذه الخطط وتطبيقها ولكن من جانب كل مواطن عاش على تراب هذا الوطن يأمل أن تكون هذه الخطط لوزارة التربية والتعليم خططاً علمية مدروسة مؤيدة بمعرفة صحيحة للأوضاع الاقتصادية والسكانية والتربوية والاجتماعية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بما أن وزارة التربية والتعليم وضعت هذه الخطط المبنية على أسس علمية وباستراتيجية واضحة، وبزمن محدد واضح هل تنفذ هذه الخطط بالشكل المطلوب. وهل تم تدريب العاملين في الميدان على تنفيذ هذه الخطط؟ وما الفرق بين التخطيط، والخطة؟ وهل تمت متابعة تنفيذ هذه الخطط، هذا أملنا الكبير في وزارة التربية والتعليم وهذا ما عهدناه وما نتمناه. وفي الختام نتمنى للمسؤولين في وزارة التربية والتعليم التوفيق والتقدم والعون لكل ما يخدم العملية التعليمية في بلادنا الحبيبة وإلى الأمام دائماً.
ساحة النقاش