المـــــــوقـــع الــرســــــــمى الـخــــــــــــاص بــ "د/ تـــــــامر المــــــــــلاح"

"تكنولوجيا التعليم " الحاسب الألى " الانترنت " علوم المكتبات " العلوم التربوية " الدراسات العليا "

في زمن العولمة ثوابتنا على خطر !!!

 

قضية العولمة وما تمثله من مخاطر وتحديات نفسية وفكرية، وآثارها في زعزعة الثقة بالنفس، وطمس الهوية الإسلامية، وتغريب الفكر، من أهم القضايا التي تواجهها الأمة ويتفاقم أمرها وتزداد خسائرها ويتسع خرقها يوماً بعد يوم.

ماهية العولمة:
ومن المهم في بداية المقال تحديد معنى العولمة. قد تعني القدرة على الاتصال والتأثير المباشر على المستوى العالمي وهي بهذا وسيلة محايدة تعتمد دلالتها وأثرها على المحتوى الذي تحمله والهدف الذي تسعى لتحقيقه.
والعولمة إذا كان محتواها إيجابياً وتبنى أطرافها منهج الحوار والاحترام المتبادل، والبحث عن المصالح المشتركة ووجوه التعاون في دفع مسيرة الحضارة الإنسانية، لمنفعة الإنسان وترقية نوعية حياته، وتحسين وسائله فهي قضية حضارية.


أما إذا كان محتواها الذي تخدمه وتحقق أهدافه مصالح استعمارية مأساوية، تهدف إلى توظيف التفوق التقني لتمكين مصالح الطرف الأقوى واستعباد الشعوب الضعيفة، واستنزاف مواردها، وإرهاب شعوبها، وعرقلة مسيرتها، وإخماد طاقاتهم، وطمس هويتهم، وتبعية فكرهم، ووأود حركات الأصالة والإصلاح والتطوير في بناء ثقافاتهم، تكون العولمة بهذا المفهوم الذي يلف اخطبوط ساسته الاستعمارية كيان العالم الإسلامي، هو غزو واستعمار غربي تقني ثقافي واقتصادي وسياسي أشد ضراوة وشراسة من أي لون من ألوان الاستعمار الغربي الذي سامت خسفه الإنسانية.


ولعل من أهم آثار العولمة التي بدأت نذرها منذ بداية النصف الثاني لهذا القرن تهب على العالم الإسلامي، أن عانى من عدد من الحروب والويلات التي جعلته ميداناً لصراعات الدول الغربية الكبرى، وتطوير أسلحتها لتزداد حدة المعاناة اليوم بإضافة الأزمات الاقتصادية، التي تحطم طاقة الأمة واستلاب مواردها وطاقاتها والسيطرة على مقدراتها. بدلاً من أحلام التقدم والرفاه نجد العالم الإسلامي ودول الجنوب تزداد اليوم فقراً، وتتسع هوة الفقر والهوان بينها وبين دول يد التقنية والثروة الطولى في الشمال.

التحدي الفكري:


وتهدد عولمة السيطرة والتسلط الغربي الأمة الإسلامية بمزيد من المآسي الإنسانية والحضارية إذا لم تهب الأمة بالأخذ بوجوه الإصلاح الذي يعيد إليها طاقة الأداء الحضاري والمبادأة الحضارية.
وسوف تزداد المعاناة لأن الرؤية الكونية للأمة الإسلامية، تغاير الرؤية الكونية العلمانية الغربية، وتتحتم المواجهة بينهما وتستمر مع هذه المواجهة معاناة الأمة، بتزايد قدرة الغرب المادية إلى أن تمحى الهوية الإسلامية.


أو بالطرف المقابل تنهار الحضارة الغربية تحت وطأة إنهيار البنية الاجتماعية الغربية، أو يكون أن يحل الأطراف إشكالية الصراع بينهما، بأن تهتدي الأطراف إلى القواطع المشتركة وسبل التفاعل والتعايش الإيجابي السلمي بينهما.


ولسمو الرؤية الإسلامية الكونية وجذورها في تأريخ الأمة والطبيعة الإنسانية، فلا مجال لمحو الهوية الإسلامية والقضاء عليها، وإن كان من الممكن تجريحها وإضعافها وزعزعة ثقة نفوس أتباعها.
أما إنهيار الحضارة الغربية إذا لم تهد إلى كليات تعيد إليها القدرة على إدراك معنى الحرية الإنسانية وحدودها، ومعرفة طبيعة النظام الاجتماعي الإنساني وقواعد بنائه، فذلك أمر قد يطول مداه ويصعب التنبؤ بأحداثه.


وإذا كانت الرؤية العقيدية الكونية الإسلامية رؤية متفوقة فلاشك أن الفكر الإسلامي ومناهجه قاصرة مختلفة لم تنفعها وفرة موارد الأمة ولا قيم الإسلام وغاياته السامية.


وعمق هوة ضعف الفكر الإسلامي ومناهجه في العصور المتأخرة هو الذي عرقل المسيرة الحضارية الإسلامية، وأدى إلى إنبهار العقل المسلم بمنجزات الغرب العلمية، ودفعه إلى سبيل التقليد والمحاكاة. فقاعدة تمكين الاستعمار الغربي وغزوه الثقافي هو في الجوهر يعود إلى قصور مناهج الفكر الإسلامي وقدرتها على الأداء العلمي السليم، مما أضعف صناعة الأمة ومعارفها وأورثها القابلية للإستعمار. ولذلك فإن أرض المعركة الحقيقية بين الاستعمار الغربي والأمة الإسلامية هو الميدان الفكري، وفي ميدان الفكر يتقرر مصير الأمة، وتستعيد طاقاتها وقدراتها إذا أمكنها إصلاح مناهج فكرها.
وأساس إصلاح الفكر الإسلامي أولاً هو استعادة وحدة مصادره في توجيه قيم الوحي، وتوجيه مبادئه وهديه إلى قدرة العقل الإنساني في معرفة الطبائع والدراية بالواقع أي وحدة الوحي والعقل في توليد المعارف الإسلامية.


وإصلاح الفكر الإسلامي وإصلاح مناهجه، لابد أن يقودنا إلى إصلاح مناهج التربية، ومعرفة العلاقة الصحيحة بين الجانب المعرفي المعلوماتي والبعد النفسي، كشرط أساسي لاستعادة النفس الإسلامية قدرة المبادرة، ويستعيد العقل المسلم طاقة الإبداع.


إن الإصلاح المنهجي الفكري والتربوي هو الأساس لاستعادة القدرة الإسلامية الحضارية، واستعادة الثقة بالنفس وتأكيد الهوية الإسلامية وتميزها، وهو الأساس للقضاء على ضعف الأمة وانبهارها بالغرب، وما يلحق بذلك من داء المحاكاة والتقليد الأعمى والقابلية للخضوع والتبعية.
إن إصلاح المناهج الفكرية والتربوية، وإعادة بناء الطاقة النفسية والقدرة على الأداء التقني والحضاري، سيعزز الهوية الإسلامية، ويعيد إلى المسلمين الثقة بالنفس ويقضي على فكر المحاكاة والتغريب، ويعيد للأمة طاقتها ودورها في البناء الحضاري القائم على أساس إخاء الإنسان وعدالة الميزان.


إن الإصلاح المنهجي الفكري والتربوي الذي يعيد للعقل المسلم قدرته وللنفس المسلمة طاقتها، هو جوهر التحدي الذي يواجه الأمة وهو الذي سوف يحدد ساحة الحوار بين الإسلام والغرب، ويرسم حدوده الصحيحة للمقارنة والتفاعل السلمي الحضاري، بين الرؤية الإسلامية التوحيدية الأخلاقية الديناميكية المنضبطة بضوابط القيم الإسلامية وكليات الغيب ومآل الوجود، وبين الرؤية الغربية العلمانية المادية التي حرمت هداية كليات الوحي لتصبح قاصرة (اعتباطية) قد فقدت ضوابطها بفقد تقاليدها التاريخية، ولم يعد لها مرجع قادر موثوق مقبول بشأن كليات الحياة والوجود وغايات ممارستها وضوابط السلام في نظامها.


وضع مواجهة الحوار بين الإسلام والعلمانية الغربية في موضعه الصحيح، سوف تعم به الفائدة للإسلام والغرب فسوف يعين الإسلام الغرب على استعادة توازن نظامه الاجتماعي وتصحيح مساره بتفهم منطلقات الإسلام الكلية وقيمه الأخلاقية والروحية، وبذلك تتجنب الإنسانية مخاطر اختلال توازن الحضارة الغربية التي قد تكون عاتية مدمرة.
إن التفاعل الإيجابي بين الإسلام والغرب كأهم حضارتين عالميتين هو الوسيلة الهامة في إعطاء العولمة مضمونها الصحيح في الحوار والتفاعل والتعايش وتبادل المنافع بين الأمم والحضارات. وعلى الله قصد السبيل.

بقلم الدكتور: بقلم د. عبدالحميد أحمد أبو سليمان دكتوراه في العلاقات الدولية، حالياً مدير الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا ورئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية، ومؤلف أزمة العقل المسلم من منشورات المعهد العالي للفكر الإسلامي بالولايات المتحدة الأمريكية.

المصدر: إعداد م/ تامر الملاح
tamer2011-com

م/تامر الملاح: أقوى نقطة ضعف لدينا هي يأسنا من إعادة المحاولة، الطريقة الوحيدة للنجاح هي المحاولة المرة تلو المرة .."إديسون"

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 226 مشاهدة
نشرت فى 8 يوليو 2012 بواسطة tamer2011-com

ساحة النقاش

م/ تامر الملاح

tamer2011-com
باحث فى مجال تكنولوجيا التعليم - والتطور التكنولوجى المعاصر »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

3,755,279

بالـعلــم تـحـلـــو الحـــيـاة

للتواصل مع إدارة الموقع عبر الطرق الأتية:

 

 عبر البريد الإلكتروني:

[email protected] (الأساسي)

[email protected]

 عبر الفيس بوك:  

إضغط هنا

(إني أحبكم في الله)


أصبر قليلاً فبعد العسر تيسير وكل أمر له وقت وتدبير.