بسم الله الرحمن الرحيم
شهود يوم القيامة
18/7/1414هـ
الشيخ/ ناصر بن محمد الأحمد
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، أما بعد:
لو أنك علمت عملاً ما، ثم سُألت عنه، فأنكرت، وقلت: أني لم أعمل هذا العمل، ثم جيء بشهود عدول شهدوا على ما فعلت، وأحضرت الأوراق التي تثبت ما علمت، ماذا يكون موقفك من نفسك أمام هؤلاء الشهود؟ لا شك أنه موقف صعب، لا تُحسد عليه، إذا كان الموقف كذلك، فليفكر أصحاب المعاصي، وأصحاب المخالفات، والذين لا يأتمرون بأوامر الله - عز وجل -، بمن يشهد عليهم أمام الله - عز وجل - يوم القيامة، في ذلك اليوم الذي يظهر كل شيء، ويكشف كل شيء، والشهود في ذلك اليوم، من أصدق الناس، ومن أعدل الناس في إعطاء شهاداتهم.
أيها المسلمون: إن شهود الدنيا، في قضية ما قد يكذبون وقد يكونون شهود زور، وقد يبالغون في الحقيقة، وقد يمتنعون عن الإدلاء بالشهادة خوفاً من مهدد، أو طمعاً في مرغب، وقد تكون شهادتهم غامضة تحتاج إلى توضيح وتفصيل، وقد يحضرون للشهادة، وقد يمتنعون عن الحضور لشغل شاغل، أو عائق معوق؛ لكن شهود يوم القيامة، صنف آخر من المخلوقات، يختلفون تماماً عن شهود الدنيا، لا تنفع معهم الرشاوى، ولا يعرفون المجاملات، يؤمرون من خالقهم فينطقون، لا يزيدون ولا ينقصون، لا يكذبون ولا يمتنعون، شهادتهم واضحة، لا تحتاج إلى إيضاح، عباراتهم مفهومة، لا تحتاج إلى تفصيل، كلهم يرفع راية {أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [(21) سورة فصلت].
عباد الله: فلننتقل معكم في رحلة سريعة، نمر بها معكم على شهداء يوم القيامة، لعل هذه الرحلة، ترقق قلوبنا، وتذكرنا بمواقف سوف نمر عليها جميعاً، وسوف تكون مواقف صعبة للعصاة منا، والمخالفين منا لأوامر الله، والتاركين منا لبعض ما أوجبه الله علينا، فكل منا أدرى بنفسه وتقصيره من غيره، فلنحاسب أنفسنا يا عباد الله، ونحن هنا في الدنيا، وفي الوقت متسع، وباب التوبة مفتوح، قبل أن يؤتى بالشهود، في يوم عسير، على الكافرين والفاسقين والمنافقين غير يسير.
فلنبادر أيها الأخوة بترك المنكرات، وترك ما نهى الله عنه، قبل أن يؤتى بشهود يوم القيامة، الذين لا تنفع معهم واسطة، ولا محاباة لأحد، أسأل الله - عز وجل -، أن يرحمني وإياكم في ذلك اليوم، وأن يعاملنا بلطفه ومنه وكرمه، وأن يتجاوز عنا، وأن يسترنا، ولا يفضحنا بين الناس.
الشاهد الأول من شهود يوم القيامة: الأرض، نعم الأرض، يقول الله تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [(1-5) سورة الزلزلة] عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} [(4) سورة الزلزلة] قال: ((أتدرون ما أخبارها؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة، بما عمل على ظهرها، أن تقول: عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا، قال فهو أخبارها)) [رواه الإمام أحمد في مسنده].
ياله من موقف صعب، وياله من منظر مهول، الأرض، هذا المخلوق، الذي كان الإنسان يطأه بقدمه في الدنيا، ويعمل عليه المعصية، دون أن يعلم بأن هذا الجماد الصامت سوف ينطقه الله يوم القيامة، ليكون شاهداً له أو عليه، يشهد بكل ما رأى من زنى وتبرج وربا وقتل، وظلم وابتعاد عن الحكم بكتاب الله، والكذب والسرقة والغيبة والنميمة والقذف، وغيره مما يغضب الله، وكذلك تشهد بما حدث عليها من خير في جميع صوره، إنه منظر مرعب، بعد أن يقوم الإنسان من قبره، فيرى تساقط النجوم، وتشقق الأرض وهي تخرج أثقالها، فيتناول مرعوباً مالها، مالها؟ وإذا بالأصوات تنبعث من كل مكان من أرجائها، تتحدث بما فعل عليها من الخير أو الجريمة، فهل يتعظ الإنسان، وهو يمشي على هذه الأرض، فهل يتقي الله المسلم وهو يطأ الأرض، فلا يفعل عليها إلا ما يرضي الله لكي تكون شاهدة على ذلك، {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [(1) سورة الزلزلة].
الشاهد الثاني من شهود يوم القيامة: الرسول - صلى الله عليه وسلم -، في ذلك اليوم الذي تتبدل فيه الأرض غير الأرض والسموات، وتتحطم كل موازين الدنيا، ويبقى ميزان الآخرة، هو وحده الذي يحكم ذلك الموقف، يشرف الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالشهادة على المكذبين والعصاة من أمته، يقول تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا} [(41-42) سورة النساء] يحشر الناس في ساحة العرض الواسعة، وكل أمة تكون حاضرة، وعلى كل أمة شهيد بأعمالها، وعندما يكون هؤلاء العصاة واقفون في الساحة ينتدب الرسول - صلى الله عليه وسلم - للشهادة، عندها تتمنى طوابير العصاة والمخالفين من كل أمة، يتمنى المرابون، والديوثون، والظالمون، والمتكبرون، والقائمون على إشاعة الفواحش بين الناس، والنمامون، والمغتابون، والمتهاونون في الصلوات، وغيرهم من أصحاب المعاصي، يتمنون أن تبتلعهم الأرض، ويهال عليهم التراب، حتى تسوى بهم الأرض، {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا} [(42) سورة النساء] بل يتمنون أن يكونوا تراباً لا قيمة لهم تطأهم الأقدام، كما كانوا هم يطأون رقاب عباد الله، ويطأون أوامر الله بالمخالفة، يتمنون كل ذلك ولا يقفون ذلك الموقف المهين أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو يشهد على معاصيهم.
الشاهد الثالث من شهود يوم القيامة: الأنبياء، فكما أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشهد على أمته، كذلك كل رسول يشهد على أمته، بما فعلوا وأساءوا يقول الله - عز وجل -: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} [(84) سورة النحل] فلا مجال للاستعتاب، ولا مجال للاعتذار، فاليوم يوم حساب، وما هو بيوم استعتاب.
الشاهد الرابع من شهود يوم القيامة: الأشهاد، وهم الملائكة والرسل والعلماء، إذ يقول تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [(18) سورة هود] هذه الشهادة الجماعية، من الملائكة الذين كانوا يعبدون من دون الله، والرسل الذين كانوا يكذبون بما جاءوا به من الحق، والدعاة إلى الله الذين كانوا يكذبون، ويستهزئ بهم، يكونون هم يوم القيامة، أصحاب الموقف، وهم الأشهاد الذين يشهدون ويفضحون، الكفرة، والمنافقون والعلمانيون، والمجاهرين من العصاة على جميع رؤوس الخلائق، كما جاء في رواية البخاري: ((وأما الآخرون – أو الكفار – فينادى على رؤوس الأشهاد {هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ})).
الشاهد الخامس من شهود يوم القيامة: الملكين قال الله تعالى: {وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ * وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [(21-23) سورة ق] يقول ابن كثير - رحمه الله - في تفسيره: "أي ملك يسوقه إلى المحشر، وملك تشهد عليه بأعماله" لم يكن يتوقع أن يحدث له هذا، بل كان غافلاً عن هذا الموقف، وعندها يبدأ الشاهد، وهو القرين الذي لازمه طيلة حياته، يكتب عليه ما يلفظ وما يعمل وهو غافل عنه، وعن دقة كتابته، يبدأ بالشهادة أمام الله تعالى: {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} قال مجاهد - رحمه الله -: "هذا كلام الملك السائق يقول: هذا ابن آدم الذي وكلتني به، قد أحضرته".
إنها مواقف تستحق أن يفكر الإنسان فيها كثيراً، وإنها لشهادات، لا بد للعاقل أن يحسب لها ألف حساب قبل أن يأتي وإذا بالأوراق قد كشفت، وبالأعمال قد أرصدت، وبالأشهاد وقد نطقت، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [(227) سورة الشعراء].
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتعظون، ثم يتوبون، ثم يعملون صالحاً، ثم يقبضون على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، أقول قولي هذا..
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أما بعد:
أيها المسلمون: ومع كثرة الشهود يوم القيامة، إلا أن هناك صنفاً من الناس، الضالين، المتنكبين عن الصراط، لا يعترفون بشهادة أحد، ولا يقبلون شهادة الآخرين عليهم، وإننا لنشاهد نماذج من هذا الصنف بيننا، لا يعترفون بأحد، وكل الناس في نظرهم أقل منهم، فهذا الصنف من البشر، لهم ما يصلح بحالهم وسلوكهم، هؤلاء يأتيهم الشاهد السادس من شهود يوم القيامة: وهي جوارحهم، سمعهم وأبصارهم وجلودهم؛ لتكون شاهداً عليهم، وهناك تكون المفاجأة لهم، يقول الله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [(19-22) سورة فصلت] فكل من خالف ما أمر الله به، في أي أمر من الأمور، فهو داخل تحت مسمى أعداء الله، وهكذا يجتمع الملايين من الإنس والجن تحت هذا المسمى، {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [(19) سورة فصلت] يسوقهم الله تعالى بسلطانه، الذي لا سلطان لأحد في ذلك اليوم إلا سلطانه، يسوقهم إلى أرض المحشر، لكي يقدموا بعد ذلك على النار التي طالما اشتاقت لأجسادهم، التي لم تطمئن بذكر الله، ولكنها اطمأنت بذكر الشيطان اشتاقت لإذابة قلوبهم التي لم تلين بآيات القرآن، فلا تذيبها إلا النار، يساقون ويدفعون {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} [(13) سورة الطور] بإهانة وذلة واحتقار، لأنهم استهانوا بأوامر الله - عز وجل - في الدنيا، حتى إذا ما جاءوها ووصلوا إلى النار، واستعدوا للحساب قبل الاقتحام يسألهم الجليل عن نعمه عليهم، في الدنيا وماذا فعلوا بها؟ كما جاء في صحيح مسلم مسألة الرب - جل وعلا- لأحد هؤلاء العصاة، قبل أن يقذف في النار، يقول له الرب - تبارك وتعالى -: "ألم أكرمك؟ وأسودك؟ وأزوجك؟ واسخر لك الخيل والإبل؟ وأذرك ترأس وتربع؟" فيقول: أي رب، آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت، وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول: ها هنا إذن، ثم يقول: الآن نبعث شاهداً عليك، فيتنكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليه، إنه يحسب أنه استطاع خداع الله بمثل هذا الجواب، وظن أنه مازال ذلك الإنسان الذي كان يشتري شهادة الآخرين، ويرغبهم بالمال، ليكتموا جرائمه وفساده، إنه يتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليه، وإذا به يفاجأ بختم فمه، واستنطاق جوارحه، فيقال لفخذه: أنطق - كما في صحيح مسلم - فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [(65) سورة يــس] يقول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [(20) سورة فصلت] فعندما تنبعث الأصوات من كل مكان في جسد ذلك العاصي، وهو يرى بعينه، ويسمع بأذنه ما لم يكن يتوقعه، وما لا عهد له به، ولا يستطيع الكلام، فقد ختم على فمه، فيداه تشهد، وسمعه يشهد، وبصره يشهد، وفخذه تشهد، وعظامه تشهد، وجلده يشهد، وهو مربوك لا يستطيع الكلام لهول المنظر، الذي يراه ولا يكاد يصدقه، حتى إذا خُلّي بينه وبين الكلام قال مخاطباً جلده – لم شهدتم علينا؟ – وإذا بالجلود ترد عليهم: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء – ثم يزيد الموقف سوءاً عندما يسمعون التوبيخ من جلودهم {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ} [(22) سورة فصلت] وعندها لا يستطيع إجابة جوارحه إلا بالعتاب الذي لا ينفع في ذلك اليوم العصيب.
أيها المسلمون: إن هذه الجوارح التي هي بإمرتنا، وتحت تصرفنا في هذه الدنيا، سنفقد السيطرة عليها في الآخرة، فإما أن تكون شاهدة علينا بخير، وإما أن تكون شاهدة علينا بشر.
فاتقوا الله أيها المسلمون في جوارحكم وأعضائكم إنها ستنطق غداً أمام الله - عز وجل -، وتكون الفضيحة هناك، كم من نظرة محرمة أطلقتها في شابة ملونة، ستنطق عينك بها، كم من خطوة مشيتها في معصية الله ستنطق رجلك بها، كم أشياء أخذتها وقبضتها بيدك وأنت تعلم أنها ليست لك، سينطق بها يدك، كم من اتفاقيات ومعاهدات وقعتها أيدي وهي تعلم أنها تخالف مراد الله - عز وجل -، ستشهد على أصحابها هناك.
كم من ريالات دخلت بطون أناس ظلماً وعدواناً، جوراً واحتيالاً، سينطق أعضائهم بها، وكم وكم وكم، أمور وأمور، وأشياء وأشياء، نُعمل هذه الجوارح بها، وننسى أنها ستشهد علينا.
أيها المسلمون: وبعد هذه السلسلة من الشهود، التي لا مفر للعبد منها، لا يملك العصاة أمام هذه الشهادات المتوالية إلا أن يشهدوا هم على أنفسهم.
وهذا هو الشاهد السابع من شهود يوم القيامة: وهو شهادة الإنسان على نفسه، قال الله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} [(130) سورة الأنعام] ويقول - عز وجل - في آية أخرى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} [(37) سورة الأعراف] هل هناك ذلة وخزي بعد هذا، شهادة الإنسان على نفسه، لماذا يوصل الإنسان نفسه إلى هذا الحد، وهو بإمكانه إلا يحرج نفسه؟! لكنها شهوة المعاصي، والتساهل بالمعاصي نتيجتها هي هذه.
إذاً فليتحمل الإنسان شهادة كل هؤلاء الشهود عليه، إذا لم يفكر في نفسه الآن.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [(20) سورة الحشر].
اللهم إنا نسألك رحمة.
ساحة النقاش