تعريف علوم الحديث:
لغة: علم الحديث مركب إضافي يتكون من: العلوم والحديث.
العلم: الإدراك.
الحديث: يستعمل بمعنى الخبر.
وعرفه الراغب الأصفهاني فقال: العلم: إدراك الشيء بحقيقته، وذلك ضربان :
أحدهما: إدراك ذات الشيء.
والثاني: الحكم على الشيء بوجود شيء هو موجود له، أو نفي شيء هو منفي عنه.
وأما الحديث فمأخوذ من الفعل حدث، ومعناه كما قال صاحب القاموس: الجديد والخبر.
وقال الراغب: وكل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع، أو الوحي في يقظته، أو منامه يقال له: حديث. وعلوم مضاف، والحديث مضاف إليه، فلو راعينا تلك الإضافة مع المعنى اللغوي للكلمتين لوجدنا المعنى إدراكات الحديث بحقيقته، لكن هذا المعنى ليس مقصودًا هنا؛ لأن الحديث قد نقل من معناه اللغوي إلى ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- من قول، أو فعل، أو تقرير، أو صفة خَلْقية أو خُلقية، سواء كان ذلك قبل البعثة أو بعدها، وكذلك أقوال الصحابة، والتابعين، وأفعالهم، وهذا ما ذهب إليه المحدثون.
والعلم في الاصطلاح يطلق ويراد به أحد معانٍ ثلاث:
الأول: على نفس القضايا المكتوبة، والمسائل المدونة.
الثاني: على إدارك هذه القضايا وتلك المسائل.
الثالث: على الملكة التي بها يمكن استحضار تلك المسائل والقضايا.
ومن الممكن إرادة كل واحدة من هذه الإطلاقات الثلاثة هنا، غير أن الإطلاق الأول أولى وأجدر؛ لأن العلم المدون الآن بين أيدينا إنما هو القضايا والمسائل، وليس إدراكها، ولا الملكة التي يمكن الاستحضار بها، وعلى هذا فيكون المراد بهذا المركب الإضافي ( علوم الحديث ) هي جميع العلوم والمعارف التي بحثت في الحديث من حيث: روايته وجمعه في الكتب، أو من حيث بيان صحيحه من ضعيفه، أو من حيث بيان رواته ونقضهم، وجرحهم، وتعديلهم، أو من حيث شرح معناه، واستخراج الأحكام منه. إلى غير ذلك من العلوم التي دارت في فلك الحديث الشريف .
والخلاصة أن هذا المركب الإضافي ( علوم الحديث ) يشمل علوم الحديث رواية، وعلوم الحديث دراية، وكل منهما له موضوعه وغايته.
تعريف علم الحديث رواية :
هو علم يشتمل على أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم-، وأفعاله، وتقريراته، وصفاته، وروايتها، وضبطها، وتحرير ألفاظها. وكذلك ما أضيف إلى الصحابي أو التابعي.
موضوع : علم الحديث رواية يحقق غاية عظيمة جداً، تقوم على " الصون عن الخلل في نقل الحديث " وذلك بالمحافظة عليه كما ورد ونقله، ثم إنه يحقق بما بذل في شروحه من الجهود معرفة هذا الحديث الذي نريده أنه مقبول فنعمل به، أو مردود فلا نعمل به، ويبين لنا معناه، وما يستنبط منه من الفوائد .
تعريف علم الحديث دراية :
هو علم بقوانين يعرف بها أحوال السند والمتن .
السند: المراد به سلسلة رجال الحديث الذين رووه واحداً عن واحد؛ ليبلغوا فيه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم-.
الإسناد: إضافة الشيء إلى قائله.
أحوال السند : ما يطرأ عليه من اتصال، أو انقطاع، أو تساهل في سماع رواته، أو سوء حفظهم، أو اتهامهم بما يخل بالمروءة أو غير ذلك .
المتن: ما ينتهي إليه السند من الكلام.
أحوال المتن : ما يطرأ على المتن من رفع، أو وقف، أو صحة، أو ضعف، أو شذوذ، أو علة، أو غير ذلك.
وهذا قد يشكل بأنه سبق أن ذكرناه في موضوع علم الحديث رواية، فما الفرق ؟
إن علم الحديث دراية يوصل إلى معرفة المقبول من المردود بشكل عام. أي : بوضع قواعد عامة. فأما علم رواية الحديث فإنه يبحث في هذا الحديث المعين الذي تريده، فيظهر بتطبيق تلك القواعد أنه مقبول أو مردود، ويضبط روايته وشرحه، فهو إذًا يبحث بحثاً تطبيقياً، فالفرق بينهما كالفرق بين النحو وبين الإعراب، وكالفرق بين أصول الفقه وبين الفقه ( انظر منهج النقد في علوم الحديث للدكتور/ نور الدين عتر).
أسماء هذا العلم:
ولكون هذا العلم خلاصة علوم متعددة، ومعارف متنوعة، على ما ذكرنا، سماه بعض العلماء: "علوم الحديث "؛ لكون هذا العلم أصلاً لعلم الحديث رواية، وهو منه بمنزلة "أصول الفقه " من " الفقه "، وسمي : " علم أصول الحديث " لكون أصوله وقواعده تغلب عليها الاصطلاحات الفنية، وسمي : " علم مصطلح الحديث " لكون هذا العلم يقابل علم الحديث رواية، وسمي : " علم الحديث دراية " . فهذه الأربعة أسماء لمسمى واحد . وهو هذه المباحث التي تدور حول الرواية والراوي، والمتون، والأسانيد من حيث القبول والرد.
ساحة النقاش