لماذا الإنترنت ؟
لم تنل وسيلة من وسائل نقل ونشر المعلومات في تاريخ البشرية ما نالته الإنترنت من سرعة في الانتشار والقبول بين الناس، وعمق في التأثير في حياة الناس على مختلف أجناسهم وتوجهاتهم ومستوياتهم، وتنوع في طبيعة المعلومات التي توفرها، وضخامة في حجم هذه المعلومات التي يمكن الوصول إليها دون عقبات مكانية أو زمانية.
فقد بلغ الآن عدد مستخدمي الإنترنت ما يقارب المئة وخمسين مليون إنسان، موزعون على شتى أنحاء العالم. وتتوقع الدراسات أن ينمو عدد المستخدمين بشكل كبير في الأعوام القادمة. وأصبح الناس اليوم ينظرون إلى الإنترنت على أنها المصدر الأول والمفضل للمعلومات والأخبار، وأن وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والمجلات والإذاعات لن تلبث أن تنقرض على يد الإنترنت كما انقرضت ألواح الحجارة على يد ورق البردي، وكما انقرض النسخ اليدوي للكتب على يد روتنبرج. ومن الطبيعي أن زعما جريئا مثل هذا لا يمكن أن ينشأ من فراغ، ولابد أن تكون هناك أسباب قوية ووجيهة تستطيع بها الإنترنت أن تهدم امبراطوريات إعلامية وجدت من قرون! فهاكم بعض هذه الأسباب التي تجعل الإنترنت وسيلة إعلام واتصال المستقبل بلا منازع
1. اللامكان:
تتخطى الإنترنت كل الحواجز الجغرافية والمكانية التي حالت منذ فجر التاريخ دون انتشار الأفكار وامتزاج الناس وتبادل المعارف. ومعلوم أن حواجز الجغرافيا منها اقتصادي (تكلفة شحن المواد المطبوعة من مكان إلى آخر) ومنها سياسي (حيلولة بعض الدول دون دخول أفكار وثقافات معينة إلى بلادها). أما اليوم، فتمر مقادير هائلة من المعلومات عبر الحدود على شكل إشارات إلكترونية لا يقف في وجهها شيء. وفي هذا ما فيه من إيجابيات وسلبيات لابد من الانتباه لها.
2. اللازمان:
إن السرعة الكبيرة التي يتم بها نقل المعلومات عبر الشبكة تسقط عامل الزمن من الحسابات، وتجعل المعلومة في يدك حال صدورها، وتسوي بينك وبين كل أبناء البشر في حق الحصول على المعلومة في نفس الوقت، وبالتالي فأنت تعيش في عصر "المساواة المعلوماتية".
3. التفاعلية:
تعودت وسائل الإعلام التقليدية أن تتعامل معك كجهة مستقبلة فقط، ينحصر دورك في أن تأخذ ما يعطونك وتفقد ما لا يعطونك، ولذلك فهم الذين يقررون ما تقرأ أو تسمع أو تشاهد. أما في عصر الإنترنت فأنت الذي تقرر ماذا ومتى تريد أن تحصل عليه من معلومات. وأكثر من ذلك، فبإمكانك الآن من خلال منتديات التفاعل والحوار أن تنتقل من دور المستقبل إلى دور المرسل أو الناشر، وهذه نقلة تحصل لأول مرة وتمكن الناس من التحرك على أرض مستوية دون أن يطغى صوت أحدهم على الآخر.
4. المجانية:
أو بصورة أدق ـ شبه المجانية ـ وهو أمر لم يحصل تماما بعد، لكنه سيحصل خلال السنوات القادمة، حيث أن الكثير من الأنماط التجارية بدأت تتبلور لتمكن المجتمع من اعتبار خدمة الإنترنت من الخدمات الأساسية في الحياة والتي سيتم توفيرها للجميع بشكل مجاني أو شبه مجاني، ومعروف اليوم في الغرب أنه بإمكانك أن تتصل بالإنترنت 24 ساعة يوميا مقابل مبلغ 20 دولار شهريا، وهو مبلغ رمزي حتى للطبقة المتوسطة في كثير من المجتمعات.
5. الربط الدائم:
مع تطور التقنيات التي تمكنك من الاتصال بالإنترنت، لم تعد بالضرورة تقتصر على استخدامها من حاسبك الشخصي في العمل أو المنزل، بل أصبح بإمكانك أن تتصل بالشبكة من طائفة كبيرة ومتنوعة من الأدوات كحاسبات الجيب والهواتف النقالة وحتى جهاز الثلاثة في المطبخ. وبذلك، ستكون على ارتباط دائم بالإنترنت في كل مكان وزمان، تتابع الأخبار وتتسوق وتستدعي المعلومات المهمة في الوقت المناسب.
6. تنوع التطبيقات:
ما ذكرناه من أمثلة قليلة على استخدامات وفوائد الإنترنت ما هو إلا غيض من فيض، إذ أن التطبيقات والخدمات التي تقدمها الشبكة تبلغ سعتها سعة الحياة. فمن التطبيقات التعليمية والتربوية التي تخدم أطفالنا في تعلمهم واستكشافهم للعالم، إلى الخدمات التي تسهل الاتصال كالبريد الإلكتروني وغرف الحوار، إلى التطبيقات التجارية التي تحول العالم بأسره إلى سوق صغيرة يستطيع فيها البائع والمشتري إتمام صفقاتهم في لحظات، إلى المواقع الإخبارية والمعلوماتية والأكاديمية والمرجعية التي تخدم الباحثين والمطلعين في شتى المجالات.
7. السهولة:
لا تحتاج أن تكون خبيرا معلوماتيا أو مهندسا أو مبرمجا حتى تستخدم الإنترنت. فبإمكان الطفلة ذات الثلاث سنوات، والشيخ ذي السبعين عاما أن يستخدما الإنترنت بغاية السهولة واليسر. ولا يحتاج رواد الشبكة إلى تدريبات معقدة للبدء باستخدامها، بل إلى مجرد مقدمة في جلسة لمدة ساعة مع صديق يوضح له المبادئ الأولية للاستخدام.
والآن، فإن سؤالك الذي بدأنا به: لماذا الإنترنت لمشروع مثل المنبر؟ أظن أننا قد أجبناك عليه. فالآن أصبح بإمكان الخطباء والمهتمين بالخطب تحصيل عدد كبير من الخطب المنتقاة والمتنوعة من أي مكان وفي أي زمان دون تكاليف أو عوائق.
وبالنمط الهيكلي الذي توفره قواعد البيانات على الإنترنت أصبح بإمكان رواد المنبر الإبحار في خضم هائل مكون من آلاف الخطب مستخدمين أنظمة البحث المتقدمة التي تتميز بسرعتها وسهولة استخدامها.
وختاما، فإننا نرى بوضوح أن هذه الأداة التي ألهم الله سبحانه بها الإنسان ليخترق المسافات في سرعة البرق وليدخل بيوت الناس جميعا بلا حواجز، هي فرصة تاريخية للعاملين في مجال الدعوة إلى الإسلام وللحريصين على نشر كلمته، ليصلوا إلى العالمين ويقولوا لهم هذا ديننا وهذه دعوتنا، ويكونوا شهداء على الناس، ويا لها من أمانة!
ساحة النقاش