مقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين ، إن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .. أما بعد :
انتشرت في الآونة الأخيرة بعد الفتاوى الشاذة من بعض طلبة العلم هداهم الله والمشكلة أن بعض المسائل الخلافية والأقوال الشاذة تحدث بلبلة بين عامة الناس فليس كل شيء يستطيع أن يفهمه عامة الناس لذلك أحببت أن أجمع لكم أقوال السلف حول ما انتشر من مسألة رضاع الكبير وقد اقتصرت على قول العلماء في المسألة فأقول وبلله التوفيق :
انقسمت الارآء في مسألة رضاع الكبير إلى ثلاث أقوال :
1- منهم من رأي أن الأمر كان خاص بسهلة فقط (أم سالم من الرضاعة) وهذا رأي سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا القول جمهور العلماء وهو الراجح .
2- منهم من رأي إن الأمر كان لمن كان له مثل حالها وبهذا القول يقول بعض العلماء .
3- منهم من رأي أن الأمر مطلق (إلى هذا ذهبت ام المؤمنين عائشة) وهو قول ضعيف.
أولاً : قصة سالم مولى أبي حذيفة :
وبيان القصة أن أبا حذيفة كان قد تبنى سالماً وزوجه وكان سالم مولى لامرأة من الأنصار فلما أنزل الله {ادعوهم لآبائهم} كان من له أب معروف نسب إلى أبيه ومن لا أب له معروف كان مولى وأخاً في الدين؛ فعند ذلك جاءت سهلة تذكر ما نصه الحديث في الكتاب ، وقد اختلف السلف في هذا الحكم فذهبت عائشة رضي الله عنها إلى ثبوت حكم التحريم وإن كان الراضع بالغاً عاقلاً.
فالذي حدث أن زوجة ابي حذيفة ربت إبنا من يوم أن كان صغيرا أو ربما رضيعا و عاش معها في الجاهلية سنين طويلة بصفته ابنها بالتبني فهو ينظر إليها على أنها أمه الحقيقية و هي تنظر إليه على أنه إبنها و لما جاء الاسلام و أبطل التبني كان أبو حذيفة و زوجته من المسلمين الصادقين الوقافين عند حكم الله فأبطلوا التبني فأصبح بذلك سالم ابنهم غريب فاستفتت الزوجة رسول الله فقال لها أرضعيه فاستغربت كيف ترضعه و هو رجل بل و عقبت وقالت انه له لحية والاستغراب منها هنا مرده إلى فائدة الرضاعة لرجل كبير فقال لها رسول الله قد علمت أن رجل كبير و العجب ان اباحذيفة كان يكره دخول سالم على إمرأته قبل الرضاعة واصبح بعدها في غاية الارتياح والاطمئنان ؟ فكيف يحدث هذا لو كان هنا ولو مقدار ضئيل من الريبة او الشك في هذه القضية فسالم ابنه وزوجته أمه و من يتصور أن علاقة سيئة يمكن أن تنشأ بين أم وابن إلا من كان شاذا مريضا .
ثانياً : مذهب جمهور الصحابة والسلف والعلماء :
مذهب جمهور الصحابة والعلماء أنه لا تحل رضاعة الكبير الآن و الدليل انها لا تحل بعد الحولين ما قاله : علي ابن ابي طالب وابن عباس وابن مسعود وجابر وابن عمر وابي هريرة وام سلمة وسعيد بن المسيب وعطاء والشافعي ومالك ( رغم انه اخرج الحديث في الموطأ ) احمد بن حنبل واسحاق وسفيان الثوري اما ابو حنيفة فخالف و رده تلامذته ( ابو يوسف و محمد ) و علي رأي ابو يوسف و محمد الذي هو التحريم يدور مذهب الاحناف .
قال أبو بكر: قد كان بين السلف اختلاف في رضاعة الكبير، فروي عن عائشة أنها كانت ترى رضاع الكبير موجبا للتحريم كرضاع الصغير، وكانت تروي في ذلك حديث سالم مولى أبي حذيفة {أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسهلة بنت سهيل وهي امرأة أبي حذيفة: أرضعيه خمس رضعات ثم يدخل عليك} وكانت عائشة إذا أرادت أن يدخل عليها رجل أمرت أختها أم كلثوم أن ترضعه خمس رضعات ثم يدخل عليها بعد ذلك; وأبى سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وقلن: لعل هذه كانت رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده. وقد روي {أن سهلة بنت سهيل قالت: يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم علي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه يذهب ما في وجه أبي حذيفة} . فيحتمل أن يكون ذلك خاصا لسالم كما تأوله سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم كما خص أبا زياد بن دينار بالجذعة في الأضحية وأخبر أنها لا تجزي عن أحد بعده. فهذا يوجب أن يكون حكم الرضاع مقصورا على حال الصغر وهي الحال التي يسد اللبن فيها جوعته ويكتفي في غذائه به. وقد روي عن أبي موسى أنه كان يرى رضاع الكبير; وروي عنه ما يدل على رجوعه ، وهو ما روى أبو حصين عن أبي عطية قال: قدم رجل بامرأته من المدينة، فوضعت فتورم ثديها، فجعل يمجه ويصبه، فدخل في بطنه جرعة منه، فسأل أبا موسى فقال: (بانت منك) فأتى ابن مسعود فأخبره ففصل، فأقبل بالأعرابي إلى الأشعري فقال: (أرضيعا ترى هذا الأشمط إنما يحرم من الرضاع ما ينبت اللحم والعظم) فقال الأشعري: (لا تسألوني عن شيء وهذا الحبر بين أظهركم); وهذا يدل على أنه رجع عن قوله الأول إلى قول ابن مسعود; إذ لولا ذلك لم يقل (لا تسألوني عن شيء وهذا الحبر بين أظهركم) وكان باقيا على مخالفته وأن ما أفتى به حق. وقد روي عن علي وابن عباس وعبد الله وأم سلمة وجابر بن عبد الله وابن عمر (أن رضاع الكبير لا يحرم) ولا نعلم أحدا من الفقهاء قال برضاع الكبير إلا شيء يروى عن الليث بن سعد يرويه عنه أبو صالح (أن رضاع الكبير يحرم) وهو قول شاذ; لأنه قد روي عن عائشة ما يدل على أنه لا يحرم، وهو ما روى الحجاج عن الحكم عن أبي الشعثاء عن عائشة قالت: (يحرم من الرضاع ما أنبت اللحم والدم) وقد روى حرام بن عثمان عن ابني جابر عن أبيهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يتم بعد حلم ولا رضاع بعد فصال} . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة الذي قدمناه: {إنما الرضاعة من المجاعة} ، وفي حديث آخر: {ما أنبت اللحم وأنشز العظم} وهذا ينفي كون الرضاع في الكبير. وقد روي حديث عائشة الذي قدمناه في رضاع الكبير على وجه آخر، وهو ما روى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن عائشة كانت تأمر بنت عبد الرحمن بن أبي بكر أن ترضع الصبيان حتى يدخلوا عليها إذا صاروا رجالا. فإذا ثبت شذوذ قول من أوجب رضاع الكبير، فحصل الاتفاق على أن رضاع الكبير غير محرم وبالله التوفيق ، وقد ثبت عندنا وعند الشافعي نسخ رضاع الكبير (المصدر : أحكام القرآن للجصاص) .
عن أُمَّ سَلَمَةَ زوجَ النبيِّ كانتْ تقولُ : أَبَى سائرُ أَزْوَاجِ النبيِّ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أحداً بتلكَ الرَّضَاعَةِ، وقلنَ لعائشةَ: والله مَا نَرَى هَذَا إلاَّ رخصةً أَرْخَصَهَا رسولُ الله لسالمٍ خاصةً، فما هو بداخلٍ عَلَيْنَا أحدٌ بهَذِهِ الرَّضَاعَةِ ولا رَائِيْنَا. أخرجه مسلم في الصحيح هَكَذَا.
قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله : وإذَا كانَ هَذَا لسالمٍ خاصةً، فالخاصُّ لا يكونُ إلاَّ مُخْرَجاً مِنْ حُكْمُ العامةِ، ولا يجوزُ إلاَّ أَنْ يكونَ رَضَاعُ الكبيرِ لا يُحَرِّمُ (المصدر : سنن البيهقي) .
وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والفقهاء إلى أنه لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الصغر وإنما اختلفوا في تحديد الصغر فالجمهور قالوا: مهما كان في الحولين فإن رضاعه يحرم ولا يحرم ما كان بعدهما مستدلين بقوله تعالى: {حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة} (المصدر : سبل السلام)
قال ابن القيم : والأكثرون حملوا الحديث إما على الخصوص وإما على النسخ، واستدلوا على النسخ بأن قصة سالم كانت في أول الهجرة، لأنها هاجرت عقب نزول الاَية ، والاَية نزلت في أوائل الهجرة. وأما أحاديث الحكم بأن التحريم يختص بالصغر. فرواها من تأخر إسلامهم من الصحابة نحو أبي هريرة وابن عباس وغيرهم فتكون أولى(تهذيب سنن أبي داود)
وفي الموطأ أن أبا موسى أفتى بجواز رضاع الكبير، فرد ذلك عليه ابن مسعود، فقال أبو موسى: لا تسألوني، ما دام هذا الحبر بين أظهركم (المصدر : التمهيد لإبن عبد البر) .
وَقَوْلُ أَبِي مُوسَى لِلَّذِي سَأَلَهُ عَنْ حُكْمِ مَا مُصَّ مِنْ ثَدْيِ امْرَأَتِهِ مِنْ اللَّبَنِ مَا أَرَاهَا إلا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْك لَعَلَّهُ مِمَّنْ رَأَى فِي ذَلِكَ أَنَّ رَضَاعَ الْكَبِيرِ يُحَرِّمُ وَهُوَ مَذْهَبٌ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ , وَقَدْ انْعَقَدَ الإِجْمَاعُ عَلَى خِلافِهِ مَعَ مَا ظَهَرَ مِنْ رُجُوعِ أَبِي مُوسَى عَنْهُ. وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه اُنْظُرْ مَا تُفْتِي بِهِ الرَّجُلَ عَلَى وَجْهِ الإِنْكَارِ عَلَيْهِ وَإِبْدَاءِ الْمُخَالَفَةِ لَهُ وَلَعَلَّهُ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ فِيهِ عِلْمٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ {الرَّضَاعَةَ مِنْ الْمَجَاعَةِ} أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَيَقْتَضِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ لَيْسَ مُصِيبًا , وَلَوْ اعْتَقَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ مُخَالِفَهُ مُصِيبٌ لَمَا سَاغَ لَهُ الإِنْكَارُ عَلَيْهِ (المصدر : المنتقى شرح الموطأ)
حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال : ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدثني أبي قال : سألت عبد الرحمن بن مهدي ، عن رضاع الكبير فقال : سمعت مالكا يحدث ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : « لا رضاعة إلا لصغير ، ولا رضاعة لكبير » (المصدر : معرفة علوم الحديث) .
وروي عن النبـي أنه قال: «الرَّضاعُ مَا أنبتَ اللحمُ وأنشرَ العظم» ، وذلك هو رضاع الصغير دون الكبير، لأن ارضاعه لا ينبت اللحم ولا ينشر العظم ، وروي عنه أنه قال: «الرَّضاع مَا فَـتَقَ الأمعاء» ، ورضاع الصغير هو الذي يفتق الإمعاء لا رضاع الكبير، لأن إمعاء الصغير تكون ضيقة لا يفتقها إلا اللبن لكونه من ألطف الأغذية كما وصفه الله تعالى في كتابه الكريم بقوله عز وجل: {لَبَناً خالِصاً سائغاً للشاربين} فأما أمعاء الكبير فمنفتقته لا تحتاج إلى الفتق باللبن وروي عنه أنه قال: «لا رِضَاعَ بعدَ فِصَالٍ» (بدائع الصنائع) .
قال الماوردي: وذهب أكثر الفقهاء إلى أن الرضاع الكبير لا يحرم .
وَلاَ يَثْبُتُ تَحْرِيمُ الرَّضَاعِ فِيْمَا يُرْتَضَعُ بَعْدَ الحَوْلَينِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةِ } فَجُعِلَ تَمَامُ الرَّضَاعِ فِي الحَوْلَيْنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لاَ حُكْمَ لِلرَّضَاعِ بَعْدَ الحَوْلَيْنِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لاَ رَضَاعَ إلاَّ مَا كَانَ فِي الحَوْلَيْنِ (المصدر : المهذب) .
وأما رضاع الكبير: فإنه لا يُحرِّم في مذهب الأئمة الأربعة ؛ بل لا يُحرِّم إلا رضاع الصغير، كالذي رضع في الحولين. وفيمن رضع قريباً من الحولين نزاع بين الأئمة؛ لكن مذهب الشافعي وأحمد أنه لا يُحرِّم. فأما الرجل الكبير والمرأة الكبيرة فلا يُحرِّم أحدهما على الآخر برضاع القرايب: مثل أن ترضع زوجته لأخيه من النسب: فهنا لا تحرم عليه زوجته؛ لما تقدم من أنه يجوز له أن يتزوج بالتي هي أخته من الرضاعة لأخيه من النسب؛ إذ ليس بينه وبينها صلة نسب ولا رضاع؛ وإنما حرمت على أخيه لأنها أمه من الرضاع، وليست أم نفسه من الرضاع. وأم المرتضع من الرضاع لا تكون أماً لأخوته من النسب؛ لأنها إنما أرضعت الرضيع ولم ترضع غيره (المصدر : مجموع فتاوي ابن تيمية) .
مسألة : إن قلت: ورد في صحيح مسلم أن النبي أمر سهلة بنت سهيل أن ترضع سالماً مولى حذيفة زوجها بعد البلوغ حتى تكون أماً له فلا يحرم نظره إليها، وذلك لأن سهلة ذهبت إلى النبي وقالت له: «يا رسول الله إن سالماً مولى أبي حذيفة مضى في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال وعلم ما يعلم الرجال، فقال: «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ»، فهذا صريح في أن رضاع الكبير يوجب التحريم ، والجواب : أن ذلك كان قبل تحديد مدة الرضاع بالحولين وقد ثبت عندنا وعند الشافعي نسخ رضاع الكبير .
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : والخلاصة : بعد انتهاء التبني نقول لا يجوز إرضاع الكبير ، ولا يؤثر إرضاع الكبير بل لا بد إما أن يكون في الحولين وإما أن يكون قبل الفطام وهو الراجح اهـ ، أي أن الرضاعة المحركة لا تكون إلا مع الطفل الذي لم يتجاوز العامين فقط . وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : حديث سالم مولى أبي حذيفة خاص بسالم كما هو قول الجمهور لصحة الأحاديث الدالة على أنه لا رضاع إلا في الحولين وهذا هو الذي نفتي به .
ثالثاً : من حالته مثل حالة سالم :
سؤال سهلة امرأة أبي حذيفة كان بعد نزول آية الحجاب، وهي مصرحة بعدم جواز إبداء الزينة لغير من في الآية، فلا يخص منها غير من استثناه الله تعالى إلاَّ بدليل كقضية سالم وما كان مماثلاً لها في تلك العلة التي هي الحاجة إلى رفع الحجاب، من غير أن يقيد ذلك بحاجة مخصوصة من الحاجات المقتضية لرفع الحجاب، ولا بشخص من الأشخاص، ولا بمقدار من عمر الرضيع معلوم. وقد ثبت في حديث سهلة أنها قالت للنبي صلَّى اللَّهُ عليه وآله وسلَّم: إِنَّ سَالِماً ذُو لِحْيَةٍ فَقَالَ: أَرْضِعِيهِ». وينبغي أن يكون الرضاع خمس رضعات لما تقدم في الباب الأول (المصدر : نيل الأوطار)
وذهب شيخ الإسلام أنه يجوز إذا وجدت الحاجة كما حدث في قصة سهلة وسالم .
" أن من كانت حاله وحاجته مثل حاجة سالم جاز له الأمر " : إن حالة سالم مولى أبي حذيفة حالة نادرة ومرتبطة بلحظة تشريعية لن تتكرر . ومن سوى بين الحاجتين فقد أخطأ بدليل أن حاجة سالم غير ممكنة ولن تنطبق على أحد بعده ، فسالم حضر إباحة التبني وكان ابنا بالتبني لأبي حذيفة وحضر بطلان التبني !! وإلى هذا التوجيه السَّديد أشار شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله ، فقال في ( الشرح الممتع 13 / 436 ) : (( ليس مطلق الحاجة بل الحاجة الموازية لقصة سالم والحاجة الموازية لقصة سالم غير ممكنة لأن التبني أبطل فلما انتفت الحال انتفى الحكم )) اهـ . فمَنْ مِن الناس اليوم له مثل حكم سالم في التبني ؟ لا أحد .
هذا و قد رأى كثير من الصحابة و علماء الاسلام ان هذه الفتوى من رسول الله خاصة بسالم وحده الا ان هناك اخرين ايضا رؤوا انه لا يوجد ما يخصصها بسالم بل هي جائزة في كل من كانت حالته كحالة سالم و الامثلة كثيرة جدا فمثلا معروف في الغرب ان التبني جائز عندهم فلو ان اب و ام و ابن من التبني دخلوا كلهم في الاسلام فهل نحرم الام من العيش في بيت واحد مع ابنها لأنه غريب عنها أم نحل الاشكال بهذه الفتوى وهل اذا ارضعته يعد ذلك عيبا و اثما ؟
رابعاً : القول الشاذ في رضاع الكبير :
قال عروة: إن عائشة أم المؤمنين أخذت بهذا الحديث فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أخيها يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال. رواه مالك.
ويروى عن علي وعروة وهو قول الليث بن سعد وأبي محمد بن حزم ونسبه في البحر إلى عائشة وداود الظاهري وحجتهم حديث سهلة هذا وهو حديث صحيح لا شك في صحته ويدل له أيضاً قوله تعالى: {وأمهاتكم اللائي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة} فإنه مطلق غير مقيد بوقت.
أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عطاء يسأل، قال له رجل: سقتني امرأة من لبنها بعد ما كنت رجلاً كبيراً، أأنكحها؟ قال: لا، قلت: وذلك رأيك ؟ قال: نعم، قال عطاء: كانت عائشة تأمر بذلك بنات أخيها.
قال الزهري: فقال لها ـ فيما بلغنا والله أعلم ـ: «أرضعيه خمس رضعات فتحرم بلبنها»، وكانت تراه ابناً من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشة فيمن كانت تريد أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تأمر أُم كلثوم ابنة أبي بكر وبنات أخيها، يرضعن لها من أحبّت أن يدخل عليها من الرجال، وأبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهنّ بتلك الرضاعة، قلن: والله ما نرى الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم به سهلة إلاّ رخصة في رضاعة سالم وحده (المصدر : مصنف عبد الرزاق) .
قال ابن القيم: وقد قال بقول عائشة في رضاع الكبير الليث بن سعد وعطاء وأهل الظاهر.
وروى ابن وهب عن اللـيث أنه قال: أنا أكره رضاع الكبـير، أن أحل منه شيئًا ، وروى عنه كاتبه أبو صالـح عبد اللـه بن صالـح ان امرأة جاءته فقالت: إنـي أريد الحج، وليس لي محرم، فقال: اذهبي إلى امرأة رجل ترضعك، فيكون زوجها أبا لك، فتحجين معه. وقال: بقول الليث قوم منهم ابن علية. وحجة من قال بذلك حديث عائشة في قصة سالم وسهلة وفتواها بذلك، وعملـها به (المصدر : التمهيد).
قال الماوردي: وقالت عائشة: رضاع الكبير يحرم كرضاع الصغير، وبه قال من الفقهاء، الأوزاعي (المصدر : الحاوي الكبير في الفقه الشافعي) .
خامساً : صفة رضاعة الكبير :
قال أبو عمر: صفة رضاع الكبير أن يحلب له اللبن ويسقاه، فأما أن تلقمه المرأة ثديها فلا ينبغي عند أحد من العلماء. وقال عياض: ولعل سهلة حلبت لبنها فشربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما، إذ لا يجوز رؤية الثدي ولا مسه ببعض الأعضاء ، قال النووي: وهو حسن، ويحتمل أنه عفى عن مسه للحاجة كما خص بالرضاعة مع الكبر، وأيده بعضهم بأن ظاهر الحديث أنه رضع من ثديها لأنه تبسم وقال: قد علمت أنه رجل كبير ولم يأمرها بالحلب وهو موضع بيان، ومطلق الرضاع يقتضي مص الثدي فكأنه أباح لها ذلك لما تقرر في نفسهما أنه ابنها وهي أمّه فهو خاص بهما لهذا المعنى، وكأنهم رحمهم الله تعالى لم يقفوا في ذلك على شيء .
وقد روى ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري عن أبيه قال: كانت سهلة تـحلب فـي مسعط أإناء قدر رضعته فـيشربه سالـم فـي كل يوم حتـى مضت خمسة أيام فكان بعد ذلك يدخـل علـيها وهي حاسر رخصة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم لسهلة (المصدر : شرح الزرقاني على موطأ مالك)
هذا والله أعلم ،، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ساحة النقاش