بحث عن حكم الانتحار
"أن المنتحر من أهل التوحيد لا يخلد في النار إذا لم يستحل الانتحار"
مقدمة :
بسم الله والحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله .. أما بعد :
إن مما ينزف له القلب ألماً في السنين الأخيرة انتشار ما يسمى بالانتحار أو إزهاق الروح عمداً وبدأ ينتشر هذا الوباء بين أوساط المسلمين بعدما كان معروفاً عند غير المسلمين فقط وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ضعف الإيمان في هذا الزمان وخصوصا بعدما أصبح كثير من شبابنا وفتياتنا أسرى ما بين الإعلام الضال من حفلات وسهرات وبرامج ساقطة واختلاط محرم بين الجنسين وتآلف للرزيلة بشتى أنواعها فهذا كله أدى إلى انتشار ضعف الإيمان وانتشرت الأمراض النفسية وكثرة السفر بدون مبرر وهذا كله لأن الناس ابتعدوا عن الطريق المستقيم وزين لهم الشيطان أهواءهم ولكن الله تعالى قد حكم المسألة وقال (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا .. ) وبعض من أصبحت حياتهم ضنك لم يجد حل إلا الانتحار وهو من الكبائر العظيمة ولكن سبب بحثي هذا أن كثير من النار وحتى طلبة العلم تعتقد أن المنتحر مخلد في النار ولا يخرج منها أبداً وهذا الحكم غير صحيح من الناس ولهذا كان ما كان من هذا البحث لإيضاح المسألة وإن كان نشر هذا البحث لا ينصح به بين أوساط ضعفاء الإيمان ولكن لعل في هذا البحث تعليم وتصحيح لأحد الإخطاء المنتشرة عندنا ، وبهذا أقول وبلله التوفيق :
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) لا تقتلوا أنفسكم بارتكاب ما يؤدِّي إلى هلاكها في الدنيا أو الآخرة ولا يقتل بعضكم بعضاً.
الحديث الأول : قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال: كان فينا رجل أتيٌّ لا يُدرى من أين هو يقال له قزمان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول ـ إذا ذكر له ـ إنه لمن أهل النار، فلما كان يوم أُحد قاتل قتالاً شديداً فقتل وحده ثمانية أو سبعة من المشركين وكان ذا بأس فأثبتته الجراحة فاحتمل إلى دار بني ظفر، فجعل رجال من المسلمين يقولون له: والله لقد أبليت اليوم يا قزمان فأبشر، قال: بماذا أبشر فوالله إن قاتلت إلا عن أحساب قومي ولولا ذلك ما قاتلت، فلما اشتدت عليه جراحته أخذ سهماً من كنانته فقطع رواهشه فنزفه الدم فمات، فأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «أشهد أني رسول الله حقاً» وذلك لأنه مات منتحراً.
شرح الحديث الأول : قوله: «شهدنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلّم»، لم يعين المشهد، فزعم ابن إسحاق والواقدي وآخرون: أن هذا كان بأحد، واسم الرجل: قزمان، وهو معدود في جملة المنافقين، وكان تخلف عن أحد فعيرته النساء، فلما احفضنه خرج وقتل سبعة ثم جرح فقتل نفسه، ورد عليهم بأن قصة قزمان كانت بأحد، وقد سلف ذكرها فيما قبل. وأما حديث أبي هريرة هذا فكان بخيبر، كما ذكره البخاري، ولهذا ذكر في بعض النسخ: شهدنا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلّم خيبر، فقال لرجل... إلى آخره، وهذا هو الصحيح، لأنهما قصتان. قوله: «فلما حضر القتال» قال الكرماني: بالرفع والنصب. قلت: وجه الرفع على أنه فاعل حضر، ووجه النصب على المفعولية على التوسع، وفي: حضر، ضمير يرجع إلى الرجل، وهو فاعله. قوله: «الذي قلت: إنه من أهل النار» ويروى الذي قلت له: إنه، أي: الذي قلت فيه، واللام بمعنى: في قوله: «فكأن بعض الناس أراد» ويروى: فكاد بعض الناس، من أفعال المقاربة. قوله: «أن يرتاب» كذا في الأصل بإثبات: أن، وإثباتها مع: كاد، قليل. قال الكرماني: ويرتاب أي: يشك في صدق رسول الله، صلى الله عليه وسلّم أي: يرتد عن دينه. قوله: «فأخبر النبي صلى الله عليه وسلّم» على صيغة المجهول. قوله: «إلاَّ نفس مسلمة» يدل على أن الرجل قد ارتاب وشك حين أصابته الجراحة، وقيل: هذا رجل ظاهر الإسلام قتل نفسه، وظاهر النداء عليه يدل على أنه كان ليس مسلماً، والمسلم لا يخرجه قتل نفسه عن كونه مسلماً فلا يحكم بكفره، ويصلى عليه. وأجيب: عن ذلك بأنه صلى الله عليه وسلّم اطلع من أمره على سره: فعلم بكفره لأن الوحي عنده عتيد. (المصدر عمدة القاري)
الحديث الثاني : حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ إِسْحقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ . جَمِيعا عَنْ سُلَيْمَانَ . قَالَ: أَبُو بَكْرٍ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ . حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ! هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنْعَةٍ؟ قَالَ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبَى ذلِكَ النَّبِيُّ . لِلَّذِي ذَخَرَ الله لِلأَنْصَارِ. فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ إِلَى الْمَدِينَةِ. هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ. فَاجْتَبووا الْمَدِينَةَ. فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ. فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ. فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ. وَرَآهُ مُغَطِّيا يَدَيْهِ. فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِجرَتي إِلَى بنيه . فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيا يَدَيْكَ؟ قَالَ قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ. فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ».
شرح الحديث الثاني : أحكام الحديث ففيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار بل هو في حكم المشيئة، وقد تقدم بيان القاعدة وتقريرها، وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار، وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي، فإن هذا عوقب في يديه ففيه رد على المرجئة القائلين بأن المعاصي لا تضر، والله أعلم. (المصدر شرح النووي على صحيح مسلم)
الحديث الثالث : حدّثنا عبد الله حدَّثني أبي ثنا حماد عن يزيد عن سلمة قال: «كان عامر رجلاً شاعراً فنزل يحدو قال: ويقول: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ، ولا تصدَّقنا ولا صلينا ، فاغفر فدى لك ما أتينا ، وثبت الأقدام إن لاقينا ، وألقين سكينة علينا ، إنا إذا صيح بنا أتينا ، وبالصياح عوّلوا علينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «من هذا الحادي؟ قالوا: ابن الأكوع قال: «يرحمه الله» قال: فقال رجل: وجبت يا رسول الله لولا أمتعتنا به، قال: «فأصيب، ذهب يضرب رجلاً يهودياً من آل فأصاب ذباب السيف عين ركبته، فقال الناس: حبط عمله قتل نفسه، قال: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد أن قدم المدينة وهو في المسجد فقلت: يا رسول الله يزعمون أن عامراً حبط عمله؟ قال: ومن يقول؟» قال: قلت: رجال من الأنصار منهم فلان وفلان، قال: «كذب من قاله إن له لأجرين بإصبعيه، وإنه لجاهد مجاهد وقل عربي ما مشى بها يريدك عليه».
شرح الحديث الثالث : أورد البخاري في كتاب الأدب «وكان سيف عامر قصيراً فتناول به يهودياً ليضربه فرجع ذبابه فأصاب ركبته» ، وقد ذكر عن يزيد بن أبي عبيد شيخ مكي بلفظ فيه «فلما تصاف القوم أصيب عامر بقائمة سيفه فمات» والمعنى أن من قتل نفسه خطأ في المعركة فهو شهيد وينطبق عليه أحكام الشهداء والله أعلم .
الحديث الرابع : وعن أبي سلام عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَغَرْنَا عَلَى حَيِّ مِنْ جُهَيْنَةَ فَطَلَبَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمينَ رَجُلاً مِنْهُمُ فَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ وَأَصَابَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَخُوكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ فَلَّفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابِهِ وَدِمَائِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشَهِيدٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ وَأَنَا لَهُ شَهِيدٌ» رواه أبو داود.
الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري، وفي إسناده سلام بن أبي سلام وهو مجهول. وقال أبو داود بعد إخراجه عن سلام المذكور: إنما هو عن زيد بن سلام عن جده أبي سلام انتهى. وزيد ثقة.
شرح الحديث الرابع : قوله: «فَلَفَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابِهِ وَدِمَائِهِ» ظاهره أنه لم يغسله ولا أمر بغسله، فيكون من أدلة القائلين بأن الشهيد لا يغسل كما تقدم، وهو يدل على أن من قتل نفسه في المعركة خطأ ، حكمه حكم من قتله غيره في ترك الغسل، وأما من قتل نفسه عمداً فإنه لا يغسل عند العترة والأوزاعي لفسقه لا لكونه شهيداً. (المصدر نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار)
الحديث الخامس : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ في هَذَا الْمَسْجِدِ، وَمَا نَسَيْنَا مُنْذُ حَدَّثَنَا، وَمَا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ، بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينا، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ، حَتَّى ماتَ، قالَ اللَّهُ تَعالَى: بادَرَني عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
شرح الحديث الخامس : قوله: (قال الله عز وجل: بادرني عبدي بنفسه) هو كناية عن استعجال المذكور الموت، وسيأتي البحث فيه. وقوله: «حرمت عليه الجنة» جار مجرى التعليل للعقوبة لأنه لما استعجل الموت بتعاطي سببه من إنفاذ مقاتله فجعل له فيه اختياراً عصى الله به فناسب أن يعاقبه. ودل ذلك على أنه حزها لإرادة الموت لا لقصد المداواة التي يغلب على الظن الانتفاع بها. وقد استشكل قوله: «بادرني بنفسه» وقوله: «حرمت عليه الجنة» لأن الأول يقتضي أن يكون من قتل فقد مات قبل أجله لما يوهمه سياق الحديث من أنه لو لم يقتل نفسه كان قد تأخر عن ذلك الوقت وعاش، لكنه بادر فتقدم، والثاني يقتضي تخليد الموحد في النار. والجواب عن الأول أن المبادرة من حيث التسبب في ذلك والقصد له والاختيار، وأطلق عليه المبادرة لوجود صورتها، وإنما استحق المعاقبة لأن الله لم يطلعه على انقضاء أجله فاختار هو قتل نفسه فاستحق المعاقبة لعصيانه . وقال القاضي أبو بكر: قضاء الله مطلق ومقيد بصفة، فالمطلق يمضي على الوجه بلا صارف، والمقيد على الوجهين، مثاله أن يقدر لواحد أن يعيش عشرين سنة إن قتل نفسه وثلاثين سنة إن لم يقتل وهذا بالنسبة إلى ما يعلم به المخلوق كملك الموت مثلاً، وأما بالنسبة إلى علم الله فإنه لا يقع إلا ما علمه. ونظير ذلك الواجب المخير فالواقع منه معلوم عند الله والعبد مخير في أي الخصال يفعل، والجواب عن الثاني من أوجه: أحدها: أنه كان استحل ذلك الفعل فصار كافراً. ثانيها: كان كافراً في الأصل وعوقب بهذه المعصية زيادة على كفره. ثالثها: أن المراد أن الجنة حرمت عليه في وقت ما كالوقت الذي يدخل فيه السابقون أو الوقت الذي يعذب فيه الموحدون في النار ثم يخرجون. (المصدر فتح الباري) .
الحديث السادس : حدّثنا عَوْنُ بْنُ سَلاَّمٍ الْكُوفِيُّ . أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ. فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ. ، وفي رواية : «أَنَّ رَجُلاً قَتَل نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم: أَمَّا أَنَا فَلاَ أُصَلِّي عَلَيْهِ».
شرح الحديث السادس : قال السيوطي: قوله: «أن رجلاً قتل نفسه بمشاقص» جمع مشقص بكسر الميم وفتح القاف وهو نصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض «فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم أما أنا فلا أصلي عليه» قال النووي أخذ بظاهره من قال لا يصلي على قاتل نفسه لعصيانه وهو مذهب الأوزاعي وأجاب الجمهور بأنه صلى الله عليه وسلّم لم يصل عليه بنفسه زجراً للناس عن مثل فعله وصلت عليه الصحابة وهذا كما ترك النبي صلى الله عليه وسلّم في أول أمره الصلاة على من عليه دين زجراً لهم عن التساهل في الاستدانة وعن إهمال وفائها وأمر الصحابة بالصلاة عليه فقال: «صلوا على صاحبكم». (المصدر شرح السيوطي على السنن الصغرى)
الحديث السابع : حدَّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَ أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ قَالاَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا فِيهَا أَبَدا. وَمَنْ شَرِبَ سَمّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا مُخَلَّدا فِيهَا أَبَدا. وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدا مُخَلَّدا فِيهَا أَبَدا».
شرح الحديث السابع : (خالداً مخلداً فيها أبدا). قال الطيبي [رحمه الله]: والظاهر أن المراد من هؤلاء الذين فعلوا ذلك مستحلين له: وإن أريد منه العموم فالمراد من الخلود، والتأبيد المكث الطويل المشترك بين دوام الانقطاع، له، واستمرار مديد ينقطع بعد حين بعيد لاستعمالهما في المعنيين. فيقال وقف وقفاً مخلداً مؤبداً، وأدخل فلان حبس الأبد. والاشتراك والمجاز خلاف الأصل، فيجب جعلهما للقدر المشترك بينهما للتوفيق بينه، وبين ما ذكرنا من الدلائل، فإن قلت: فما تصنع بالحديث الذي يتلوه مروياً عن جندب عن النبي: «بادرني عبدي بنفسه» الحديث. قلت: هو حكاية حال لا عموم فيها، إذ يحتمل أن الرجل كان كافراً، أو ارتد من شدة الجراحة، أو قتل نفسه مستبيحاً مع أن قوله: «فحرمت عليه الجنة»، ليس فيه ما يدل ظناً على الدوام، والأقناط الكلي فضلاً عن القطع. (المصدر مرقاة المفاتيح)
· بعض أقوال العلماء في الصلاة على المنتحر :
حدّثنا جرير عن مغيرة عن حماد بن إبرٰهيم قال: يصلّى على الذي قتل نفسه وعلى النفساء من الزنا وعلى الذي يموت مريضًا من الخمر.
حدّثنا مروان بن معٰوية عن ابن عون عن عمران قال: سألت إبرٰهيم النخعي عن إنسان قتل نفسه أيصلّى عليه قال : نعم إنما الصلاة سنّة.
(صلوا على كل ميت) مسلم غير شهيد ولو فاسقاً ومبتدعاً (وجاهدوا) الكفار (مع كل أمير) ولو جائراً فاسقاً وأخذ من هذا الخبر وما قبله وما بعده وجوب الصلاة على الميت لكنه على الكفاية لأن ما هو الفرض وهو قضاء حقه يحصل بالبعض وفيه أن قاتل نفسه كغيره في وجوب الصلاة عليه وأما خبر مسلم أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لم يصل على الذي قتل نفسه فأجاب عنه ابن حبان بأنه منسوخ والجمهور بأنه للزجر عن مثل فعله.
ذِكْرُ الصَّلاةِ عَلَى مَنْ قُتِلَ فِي حَدٍّ، وَوَلَدِ الزِّنَا، ذكر الصلاة على من قتل في حد، وولد الزنا، ومن قتل نفسه وغير ذلك قال أبو بكر: واختلفوا في الصلاة على من قتل في حد، فروينا، عن علي بن أبي طالب أنه قال لأولياء شراحة المرجومة: اصنعوا بها ما تصنعون بموتاكم، وقال جابر بن عبد الله: صل على من قال لا إله إلا الله
حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين ، أن امرأة ، من جهينة اعترفت عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا ، فأمر بها فرجمت ، ثم صلى عليها ، فقال عمر : يا رسول الله رجمتها ثم تصلي عليها؟ فقال: « لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة وسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها؟ واختلفوا في الصلاة على ولد الزنا فقال أكثر أهل العلم: يصلى عليه كذلك قال عطاء، والزهري، والنخعي، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وكان قتادة يقول: لا يصلى عليه ، واختلف فيه عن ابن عمر فقيل: إنه صلى عليه، وروي عنه أنه كان لا يصلي عليه واختلفوا في الصلاة على من قتل نفسه فكان الحسن، والنخعي ، وقتادة يرون الصلاة عليه، وقال الأوزاعي: لا يصلى عليه، وذكر أن عمر بن عبد العزيز لم يصل عليه» .
حدثنا نصر بن القاسم الفرائضي ، قال: نا إسحاق بن أبي إسرائيل ، قال: نا جرير ، عن مغيرة ، عن حماد ، عن إبراهيم ،: أنه كان يقول: يعني « يصلي على من قتله الحدود وعلى من قتل نفسه وعلى من مات غرقا في البحر» .
حدثنا الحسين ، قال: نا أبو مسعود الأصبهاني ، قال: أنا يزيد بن هارون ، عن المسعودي ، عن القاسم ، أن رجلا، قتل نفسه فسئل ابن مسعود : أيصلى عليه؟ قال: « نعم لو عقل لم يقتل نفسه قال سفيان الثوري: ولا تترك الصلاة على أحد من أهل القبلة، حسابهم على ربهم عز وجل ؛ لأن الصلاة سنة قال مالك بن أنس: ويصلى على قاتل نفسه. قال الشافعي رحمه الله: ولا تترك الصلاة على أحد من أهل القبلة برا كان أو فاجرا. وقال أبو حنيفة: لا تترك الصلاة على أحد من أهل القبلة، وقال الأوزاعي: لا تترك الصلاة على أحد من أهل القبلة وإن عمل أي عمل، قال عبيد الله بن الحسن فيمن خنق نفسه يصلى عليه وقال أحمد بن حنبل: لا يصلي الإمام على قاتل نفسه، ولا على غال، ويصلي الناس عليه، وقال إسحاق: يصلي على كل واحد والله أعلم» . (المصدر ناسخ الحديث ومنسوخه)
· فوائد ذات صلة :
وبشكل عام فإن كلمة : «لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ» فيه دليل على أن بعض أهل التوحيد لا يدخلون الجنة وهم مَن أقدم على معصية، صرّح الشارع بأن فاعلها لا يدخل الجنة كهؤلاء الثلاثة، ومن قتل نفسه، ومن قتل معاهداً ، وغيرهم من العصاة الفاعلين لمعصية، ورد النص بأنها مانعة من دخول الجنة، فيكون حديث أبي موسى المذكور وما ورد في معناه مخصصاً لعموم الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة.
قال الكوفيون وغيرهم: لا فرق بين صلاة الإمام وصلاة غيره، إلا أنهم قالوا فيمن قتل نفسه: لا يصلي عليه الإمام وحده عقوبة له، لأنه مطالب بنفسه كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالذي مات بخيبر، فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأصحابه: صلوا على صاحبكم، فنظروا في متاعه فوجدوا خرزًا من خرز يهود لا يساوي درهمين قالوا: فترك الصلاة عليه لما كان به مطالب من الغلول، وأمر غيره بالصلاة عليه قالوا: فكذلك الذي يقتل نفسه، لأنه مطالب بها إلا يقدر أحد من أهل الدنيا على تخليصه منها وعلى هذا حمل أهل العلم حديث سماك ابن حرب، عن جابر بن سمرة ـ أن رجلاً قتل نفسه بمشقص فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلّم حملوه على أنه صلى عليه غيره ـ والله أعلم ـ وذهبوا إلى أن كل من كان من أهل القبلة لا تترك الصلاة عليه، وعلى هذا جماعة العلماء إلا أبا حنيفة وأصحابه، فإنهم خالفوا في البغاة ـ وحدهم ـ فقالوا لا نصلي عليهم، لأن علينا منابذتهم واجتنابهم في حياتهم، قالوا: وبعد الموت أحرى لوقوع اليأس من توبتهم ، قال أبو عمر: ليس هذا بشيء، والذي عليه جماعة العلماء وجمهور الفقهاء من الحجازيين والعراقيين: أنه يصلي على ما قال: لا إله إلا الله ـ مذنبين وغير مذنبين مصرين، وقاتلي أنفسهم وكل من قال لا إله إلا الله إلا أن مالكًا خالف في الصلاة على أهل البدع، فكرهها للأئمة، ولم يمنع منها العامة، وخالف أبو حنيفة في الصلاة على البغاة، وسائر العلماء غير مالك يصلون على أهل الأهواء والبدع والكبائر والخوارج، وغيرهم. (المصدر التمهيد) .
المراجع من المكتبة الإلكترونية |
|
1- عمدة القاري |
2- فتح الباري شرح صحيح البخاري |
3- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار |
4- ناسخ الحديث ومنسوخه (ابن شاهين) |
5- شرح السيوطي على السنن الصغرى |
6- شرح النووي على صحيح مسلم |
7- مرقاة المفاتيح |
8- التمهيد |
ساحة النقاش