خصال الصديق الصالح
إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونشكره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضد ولا ند له. وأشهد أنَّ سيدنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرة أعيننا محمّدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه صلى الله وسلّم عليه وعلى كل رسول أرسله.أما بعد عباد الله، فإني أحبّكم في الله وأوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القدير القائل في محكم كتابه: ﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾ الزخرف/67. إخوة الإسلام، يخبرنا الله تبارك وتعالى في هذه الآية أن الذين كانوا في هذه الدنيا أخلاء أحباء ينقلبون في الآخرة أعداء بعضهم لبعض إلا المتقين فإنهم تبقى مودتهم بينهم في الآخرة.
﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾.
والمتقون إخوة الإيمان هم الذين يقومون بحقوق الله وحقوق العباد، هم الذين أدوا ما افترض الله عليهم واجتنبوا ما حرّم عليهم وعاملوا العباد معاملة صحيحة موافقة لشرع الله.
فكم من الناس اليوم يختارون الصديق الصالح، كم من الناس اليوم يختارون الجليس الصالح، كم من الآباء اليوم يختارون لأولادهم الرفيق الصالح، قليل وقليل جدًا، وما سبب ذلك إلا البعد عن مجالس علم الدين، فالمتقون من شأنهم أنهم يتعاونون على ما يرضي الله تعالى، يجتمعون على طاعة الله، الصديق الصالح هو الذي يرشدك إلى طاعة الله، فبدل أن يقول لك أين تريد أن تمضي السهرة اليوم، في أي مقهى أو في أي سينما أو على أية فضائية يقول لك في أي مجلس علم سنحضر اليوم بإذن الله لأن علامة الفلاح في الشخص طلب الازدياد من علم الدين، فالمتقون يجتمعون على طاعة الله ويفترقون على طاعة الله لا يغش بعضهم بعضًا ولا يخون بعضهم بعضًا ولا يدل بعضهم بعضًا إلى بدعة ضلالة أو فسق أو فجور أو ظلم، اجتمعوا على محبة بعضهم في الله وهذا هو الصديق في المحبة، ثم إن حصل من أحد معصية ينهاه أخوه ويزجره لأنه يحب له الخير. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مرآة أخيه المؤمن".
المؤمن مرآة أخيه المؤمن ينصحه حتى يصلح حاله. المرآة أليست تكشف ما يكون في وجه الإنسان مما لا يعجب ليزال، الرسول صلى الله عليه وسلم شبّه المؤمن بالمرآة، معناه يدل أخاه لإزالة ما فيه من الأمر القبيح، يقول له: اترك هذا الفعل، لا يتركه على ما هو عليه بل يبين له. فالمؤمن يحب المؤمن لله تعالى لا لغاية دنيوية، الحب الكامل باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته العطرة.
فاختر أخي المسلم لك ولأولادك الصديق الصالح الذي تجمل بالصفات الحميدة بالمحبة والتناصح، يحبك لله وينصحك لله، يعينك على البِرّ والخير الذي يرضاه الله عزّ وجلّ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: "قال الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فِيّ والمتجالسين فِيّ والمتزاورين فِيّ ".
وقال صلوات ربي وسلامه عليه: "المتحابون في الله يكونون يوم القيامة في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظلّه يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء". أي الأنبياء والشهداء يُسرّون لرؤيتهم في ظل العرش.
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن المتقين يتحابون بنور الله".
ومعنى نور الله أي مرضاة الله يتحابون لأن طاعة الله تجمعهم من غير أرحام بينهم ولا أنساب ولا علاقة مالية، هؤلاء هم المتحابون في الله الذين يتعاونون على البِرّ والتقوى ولا يتعاونون على الإثم والعدوان.
فإذا رأيت أخي المسلم صديقك جاهلاً بعلم الدين لم يتعلم ما افترض الله وما حرّم على عباده فليس من حقِّ الصحبة أن تسكت من غير أن ترشده لأن الطريق إلى الله مسدود إلا على المقتفين ءاثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبعون شريعته ويسلكون نهجه القويم.
وإذا زرت صديقك إخي المسلم أخلص في نيتك، وإذا أحببت أحدًا من الناس فليكن ذلك لمصلحة شرعية لا شخصية، وإذا ما بذلت صدقة لقريب أو يتيم أو منكوب فليكن ذلك ابتغاء مرضاة الله، وليكن في كل مجتمع تحضره تحقيق مصلحة شرعية لا دنيوية تكن عند الله من الفائزين.
اللهمّ اجعلنا من المتحابين فيك ومن الذين يجتمعون على طاعتك وثبتنا على الإيمان وسدّد خطانا نحو الخير يا أرحم الراحمين .
هذا وأستغفر الله لي ولكم
ساحة النقاش