يوماً ما نزلت من البيت أحسبه يوماً عادي كسائر الأيام ، ذهبت إلى عملي فوجدت زميلتي سمر تقول لي كل عام وأنت بخير .

فقلت لها : وأنت بخير، لكن ما مناسبة التهنئة؟

فأجابت بكل اندهاش: انه عيد الحب !

قلت لها : عفواً ... كم أسعدتني التهنئة لانني أحبك حقاً لكنني لا أهتم بهذا العيد حتى أنني لا أعرف موعده .

فبادرتني سمر بالسؤال : لماذا ؟

قلت لها : الحقيقة أنني أكتشف هذا العيد صدفة حينما أمر بالشوارع فأجد محال بيع الهدايا اكتست باللون الأحمر وأصبحت زاخرة بكل أنواع الهدايا الحمراء المدون عليها عبارة " "I love you، وأظننا بحاجة إلى شيء أخر غير عيد الحب .

وقبل أن أستغرق في مناقشة ما نحتاج إليه مع زميلتي سمر التي اعتز بها اجتذبت زميلة أخرى أطراف الحديث معها عن هذا العيد الذي وصفته بكونه محبب إلى نفسها ، وأستغرقت أنا في حديث داخلي بعدما بادرت عقلي بنفس السؤال وما الشيء الأخر الذي نحتاج إليه أيها العقل.

 فأجاب العقل: إن هذا الإحتفاء الكبير بعيد الحب إن وافق ما يحدث في الواقع من مواقف البشر لخلت محاكم الأسرة من القضايا، ولخلت دور الرعاية من الأيتام والمسنين، ولتصالحت الدول من أجل حياة كريمة للإنسان أي كان لونه أو جنسيته، لكن الواقع دائماً عكس ذلك تماماً، ولسنا بحاجة لاستعراض ذلك الواقع الموجع على المستوى الاجتماعي وحتى الدولي، فالجميع يتصارع والدماء لا زالت تنزف والنزاع لا يهدأ على سطح هذا الكوكب حتى أوشكت أن أقول ان الحب اختفى من عالمنا المعاصر .

قلت : صدقت أيها العقل إن هذا الواقع المرير ربما هو ذاته ما يفسر الاهتمام المبالغ فيه بعيد للحب تخفيفاً لحدة الواقع المجرد في حقيقته من مشاعر الحب والمودة والرحمة وهنا سؤال يطرح نفسه ماذا يحتاج الإنسان حتى يستعيد مشاعره الإنسانية وفطرته الطيبة؟

قال العقل : أظننا بحاجة إلى الإنسان كما يجب أن يكون ... إنسان يملك رجاحة العقل ويملك قلب مرهف الحس ويملك بئر لا ينضب من الرحمة والود فإذا تغيرت داخله مشاعر الحب تعامل بالمودة والرحمة حينها سيكون الأنسان ذلك الابن البار بأبوية في الحياة وبعد الممات ، وهو الزوج الحنون الوفي لزوجته في حياتها ومماتها، وهو المواطن الشريف الذي قبل أن تناديه بلاده يبادر بالذهاب إلى ميدان الدفاع عن الوطن وهو ذلك الصديق الوفي الذي إذا رحل صديقه خلد ذكراه وجعل منها أسطورة وفاء ترويها الأجيال، وهو صاحب الفكر المبدع الذي يحرص على أن يترك للبشرية رسالة محبه وسلام، وهو الفنان الصادق الذي يرى العالم بعين الجمال ، وهو أيضاً الأب والجد الذي يكون سندا وعوناً فإذا رحل شعر الأبن أن ظهره قد انقسم لكنه في نفس الوقت لا ينهار أبدا لان ذلك الأب تركه على أساس راسخ قوي من الفكر والمثل العليا التي لن تسمح له بالانهيار بل يكون مدداً لسيرته العطرة ، ولكن أين ذلك الإنسان الذي يحمل كل هذه الصفات في عالمنا المعاصر؟.

قلت : حقاً إن هذه الصفات مجتمعة أمر صعب للغاية لكنه ليس مستحيلا فهكذا كانت حياة الأستاذ سعيد شيمي الفنان والإنسان الذي عرفته عن قرب وأفتخر بهذا فهو الإنسان الذي حمل كل هذه الصفات مجتمعه فهو الإبن الفخور بكونه إبن طبيب رائع وحفيد من ناصر أحمد عرابي وهو الفنان الذي قدم لنا أفلام تسجيلية وروائية عن ملاحم وطنية رائعة كانت وقت الحرب أقوى من ألف مقال وأشد من طلقات الرصاص، وهو الأب والجد الطيب الحنون والسند أيضاً ليس لأبنائه فقط بل لكل من تتلمذ على يديه لدراسة فن التصوير ، وهو الصديق المخلص لأصدقائه حتى بعد الرحيل فعندما رحل الصديق أخرج من صندوق ذكرياته كل رسائل صديقه ونشرها في كتابان بعنونان خطابات محمد خان الى سعيد شيمي فكانا تحفة انسانية فريدة نال عنها جائزة افضل كتاب من وزيرة الثقافة المصرية .

لا عجب بعد كل هذا أنني لا زلت أجهل تاريخ عيد الحب لكنني أتذكر فيلم حكاية من زمن جميل عن البطل محمد مهران ، وفيلم الطريق إلى إيلات .

أجهل عيد الحب لكنني أتذكر كتاب خطابات محمد خان وما تحمله من حب ووفاء.

أجهل عيد الحب لكنني لا زلت أسمع في أذني كلمات النصح والارشاد وحكمة الحياة التى لم يبخل بها الأستاذ سعيد شيمي طوال معرفتي به والمواقف النبيلة الرقيقة تجاه كل من مر به في حياته.

أجهل عيد الحب لكنني أؤمن أن الحب مواقف لا أقوال أيها الإنسان فلا تجعل الحب كلمة عابرة تقال يوم احتفال ولكن فجر ينابيع الرحمه في قلبك ليسع العالم أجمع ، و لا يهم حينها أن تكن محباً ولكن فقط كن إنسان حينها ستعرف معنى الحب الحقيقي وسيعيش عالمنا في سلام.

 

 

taketnour

طاقة نور بقلم الكاتبة ناني محسن

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 377 مشاهدة
نشرت فى 11 مايو 2021 بواسطة taketnour

ساحة النقاش

الكاتبة ناني محسن عبد السلام

taketnour
مقالات بقلم الكاتبة ناني محسن عن البطولات المصرية وسبل مواجهة الإحباط واليأس بين الشباب وأفراد المجتمع »

ابحث

عدد زيارات الموقع

234,168

لقاء نموذج مشرف للمرأة المصرية


 Large_1238576940

موقع الكاتبة 
نانى محسن